الأحد، 10 سبتمبر 2023

انهيار نجوم الكون

 

انهيار نجوم الكون

إن نشاط كل نجم فى الكون صراع بين الجاذبية التى تعمل على تقليصه وبين القوة النووية التى تعتبر عاملا على تمدده ونجد أنه فى مرحلة الأقزام البيضاء عندما يعالج النجم سكرات الموت تكون الغلبة للجاذبية إذ أنها تقلص النجم حتى تصبح جسيماته دون الذرية متلاصقة فلا يوجد مجال لأى تفاعل نووى بعد أن أصبح النجم نعشا أبيض للعناصر الثقيلة .

 

النعش النجمى الأبيض :

إن الأقزام البيضاء هى الخطوة الأخيرة فى التطور النجمى وتحت ظروف الضغط السائد فى قزم أبيض نجد أن التركيب الذرى العادى يتحطم فالإلكترونات قد أرغمت على الخروج من مستويات طاقتها العادية وانضغطت الذرة بحيث اقتربت إلكتروناتها من نواتها وتقلص فراغ الذرة وتقاربت جسيماتها دون الذرية فى حيز ضيق كثيف لدرجة أنها تفقد كثيرا من حرية حركتها ولم تعد للمادة تصرفات الغاز عندما كانت الذرات فى حالتها العادية قبل الانهيار وقبيل تكون القزم الأبيض حيث يوجد غطاء من غازات كثيفة بسمك يبلغ ( 100 كم ) وفوق الغطاء الغازى الغريب يوجد الغلاف الجوى المكون من الهيدروجين المتبقى ضمن تركيب النجم .

ولكن عندما ينهار النجم ويصبح قزما أبيض لأن الجاذبية تؤثر على الغاز كما تؤثر على المادة الصلبة نجد أن قوى الجاذبية الجبارة فى القزم الأبيض تشد ذرات الغاز وجزيئاته فى الغلاف الجوى لأسفل ضاغطة إياها فى طبقة لا يزيد سمكها فى بعض الحالات عن ( 3 م ) .

ويمكن أن يكون الغلاف النجمى الذى يغطى القزم الأبيض أكثف مليون مرة من الغلاف الجوى للأرض ولا يمكن تصور شكل غاز بهذه الكثافة فهو ليس فى حالة سائلة وإنما غاز كثيف للحد الذى يتخذ له شكلا غير مألوف فوق كوكب الأرض إذ أن ما يحدث فى الأجرام الفضائية الثقيلة والمبنية من العناصر الثقيلة هو أن وزن الطبقات الخارجية للأجرام الفضائية يسبب ضغوطا كبيرة على مناطقها الداخلية فإن مقاومة المادة للضغط لا يمكن أن تتجاوز حدا معينا ثم تنهار بعده حيث يضع العامل حدودا معينة للأبعاد الهندسية الممكنة للأجرام الفضائية الباردة نسبيا فإذا زادت عن ذلك حدث انهيار كامل .

 

إطلالة على الذرة :

إن المادة مكونة من عدد هائل من الذرات المنفصلة وفى حالة الصلابة تكون الذرات أقرب ما تكون بعضها من بعض والذرة مجموعات من الإلكترونات سالبة الشحنة تحيط بالنواة المركزية والتى تحتوى على البروتونات موجبة الشحنة والنيوترونات متعادلة الشحنة وتقاوم القوى الموجودة بين أجزاء الذرة أية محاولة لضغطها للذرات المجاورة إذا كان الضغط عاديا ولذا لا تسبب الضغوط على المواد الصلبة تغيرا فى كثافتها .

غير أن لكل مقاومة حدا تجاوزه يختلف قليلا بإختلاف الذرات فإذا تجاوز الضغط الواقع على الذرة الحد المسموح به تداخلت إلكترونات الذرة الواحدة فى نطاق الذرات الأخرى وهكذا تكبس الذرات كبسا شديدا وعندما تخترق الإلكترونات التابعة لذرة ما جوف ذرة أخرى لا يكون وجود للمجموعات الإلكترونية فى صورها العادية فإن كبس الذرات أو سحقها ينشأ عنه خليط من النوى المجردة التى تتحرك دون قيد مع الإلكترونات المنفصلة المندفعة بغير نظام .

إن المواد الغازية تطلق على المواد القابلة للضغط والتى تميل إلى الانتشار غير المحدد عند زوال الضغط الواقع عليها وإن المادة المسحوقة نوعا من الغاز غير أن هذا النوع من الغاز لا يشبه الغازات المألوفة حيث أن قابليته العالية للضغط يشبه نوعا من المادة الصلبة اللزجة الثقيلة كما أن التركيب الداخلى لهذه الحالة الغريبة للمادة يختلف عن التركيب الداخلى للغازات العادية حيث أنها لا تمثل مجموعة من الذرات أو الجزيئات المنفصلة بل تكون مزيج غير منتظم من جسيمات دون ذرية سريعة الحركة فى مجال ضيق كما أن تماسك الأجسام الصلبة العادية نتيجة لحركة الإلكترونات فى مساراتها حول النواة داخل الذرة وتتوقف مرونة المادة المسحوقة على الجزء الإلكترونى فيها لا للنوى .

فحين تحيد الإلكترونات عن مساراتها المرسومة داخل الذرات المنفصلة بسبب عدم وجود مكان تتحرك فيه تحتفظ بطاقة حركتها وهى التى تسبب النوع الجديد من الغاز ( الغاز الإلكترونى ) .

وإن ضغط الغاز الإلكترونى وبالتالى ضغط المادة المكبوسة يزداد مع الكثافة بمعدل أكبر من الغازات العادية ومن أشهر الأقزام البيضاء المكتشفة ( الشعرى اليمانية - ب ) الشديد الكثافة .

 

الكارثة الفلكية :

وبعد أن يصل النجم لمرحلة القزم الأبيض فإنه لا يستطيع الاستمرار فى توليد الطاقة لأنه لم يعد يحتوى على وقود ومن ثم يبدأ فى الدخول لمرحلة طويلة وبطيئة من التبريد المستمر حيث يشع فيها طاقته بتقتير شديد فى الفضاء إلى أن يبرد نهائيا ويموت بعد حياة حافلة دامت آلاف الملايين من السنين وقد يموت النجم ميتة عنيفة إذا احتدمت تفاعلاته النووية فحطمت نابض الجاذبية وأحدثت تفكك أجزاء النجم .

والضرورة الانفجارية الغريبة تعنى نهاية النجم إلا جزءا ضئيلا من قلبه الذى يتحول لنجم نيوترونى أو ثقب أسود ويطلق على الانفجار الذى يمثل كارثة فلكية ( السوبرنوفا ) أو المستعر الأعظم ولكن المادة التى انطلقت فى الفضاء الخارجى لن تفنى للأبد بل تعود لتحقن فى مجرة قريبة كبذر كونى جديد فإن إعادة الحقن داخل مجرة معينة عملية مهمة بمظهرها الكيفى ذلك أن المادة التى تبعثرها السوبرنوفا ليس لها فى الحقيقة نفس تركيب المجرة الأصلية فالنجم الشاب كان جحيما من الهيدروجين وفى نهاية صيرورته أصبح يحوى نسبا عالية من نوى العناصر الثقيلة فنجوم السوبرنوفا المتفجرة تقذف وترمى بالعناصر الثقيلة .

والكارثة الفلكية العنيفة تعدل من نوع المادة الموزعة فى المجرة ( غبار ما بين النجوم ) والتى لم تتكثف لتكوين نجوم وليدة .

هكذا تلفظ النجوم مادتها فى الفضاء على أنماط مختلفة وفى مرات متعددة وليست الحركة وحيدة الاتجاه أى من النجم للفضاء الخارجى بل إن النجوم المتفجرة حتى بعد تكوينها تظل تتلقف المادة التى فى المجرة من الغبار الكونى ما بين النجوم وكأنها تنقيه قبل أن يكون جزءا من النجم فى لحظات ميلاد النجم أى أن النجوم والوسط المجرى يغذى بعضها بعضا بصفة مستمرة بواسطة تيار هائل ذى اتجاهين . 

 

رءوف وصفى

تنقيح / أسامة ممدوح عبد الرازق مصطفى شرف

5 / 11 / 2016

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق