الأحد، 10 سبتمبر 2023

تكنولوجيا النانو وثورة صناعية جديدة

 

تكنولوجيا النانو وثورة صناعية جديدة

إن التكنولوجيا ( Technology ) بتحويل النظريات العلمية لواقع عملى يخدم أهدافا معينة تسهم فى خدمة ورفاهية البشرية فقد بقيت نظرية ( ماكسويل ) الكهرومغناطيسية حبرا على ورق إلى أن جاء العالم الإيطالى ( ماركونى ) فى بداية ق ( 20 ) وأرسل أول رسالة لاسلكية مستخدمة نظرية الأمواج ثم تطورت الإتصالات اللاسلكية بفعل تقدم العلم والتكنولوجيا وقد لا توظف التكنولوجيا دائما لخدمة البشرية ففى حالة العلاقة بين الكتلة والطاقة حسب نظرية آينشتاين ( الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء ) فى النسبية العامة عام ( 1915 ) فإن الطاقة الناتجة عن تحول الكتلة قد تكون طاقة كهربية تستخدم فى المنازل والمصانع أو طاقة مدمرة عند استخدامها فى تصنيع السلحة النووية

أما النانو ( Nano ) فيعنى فى اليونانية القديمة ( القزم ) وفى المصطلحات العلمية فإن

النانو = 1 من بليون ( 1000 مليون ) فإن النانومتر = 1 من بليون من المتر وإن صغر المسافة المستخدمة بكثرة فى الدراسات الذرية النووية النانونية فإن الملم الواحد اصغر تدريج على المسطرة = مليون نانومتر .

إن مصطلح تكنولوجيا النانو ( Nanotechnology ) الذى بدأ استخدامه فى منتصف ( 70 )

ق ( 20 ) يعنى تصنيع وفهم سلوك مواد غاية فى الصغر لا تزيد أبعادها على ( 100 نانومتر )

حيث إن دقتها عالية جدا على المستوى الذرى النووى فإن المواد الجديدة حالة وسطية بين الذرة التى تعالجها قوانين الفيزياء الحديثة بتكنولوجيات صعبة ( ميكانيكا الكم أو ميكانيكا الأمواج ) والمواد العادية التى تعالجها ( الميكانيكا الكلاسيكية أو ميكانيكا نيوتن ) ولقد تبين للعلماء أن خواص المواد تختلف عن خواص المواد الأم الأصلية وتعتمد بصورة كبيرة على حجم أو أبعاد المواد النانونية فإن خواص مادة نانومترية من السيليكون تختلف عن خواص السيليكون الأصلى المستخدمة فى صناعة الخلايا الشمسية والكمبيوتر وقد تعنى النانوتكنولوجى تصنيع أجهزة وروبوتات وأدوات غاية فى الصغر والدقة ولا ترى بالعين المجردة ويمكن استخدامها فى تطبيقات علمية كثيرة وخصوصا لمعالجة الأمراض داخل الجسم البشرى فإن تصور النانوتكنولوجى التى انتجت أنواعا كثيرة من المواد الجديدة التى ستغير طريقة الحياة جذريا فى المستقبل ويتم التركيز على نوعين مهمين من المواد :

1 ) أنابيب النانو ( Nanotube )     2 ) النقط الكمية ( Quantum Dots ) التى بدأ استخدامها فى التكنولوجيا والصناعة بصورة بسيطة أولية .

 

أنابيب النانو :

درس العلماء خصائص طبقات رقيقة جدا من الكربون نظريا فى منتصف ق ( 20 ) واعتقد أنها غير مستقرة ولا يمكن تحضيرها عمليا وتبين أن ذرات الكربون يمكن أن تترتب بصورة مختلفة عن التى تعطى الجرافيت والماس ( الكربون البلورى ) واكتشف العالم اليابانى ( إيجما ) صورة أنابيب ( أنابيب النانو الكربونية ) ولقد اكتشف أن ذرات الكربون تترتب بأشكال سداسية حيث تتصل أو ترتبط كل ذرة بثلاث ذرات قريبة منها وتشكل انبوبا مفرغا وإن نصف قطر الانبوب الكربونى أقل من 1 نانومتر أما طوله فيصل حوالى ( 100 نانومتر ) أو أكثر من ذلك ويمكن اعتبار سطح الانبوب الكربونى غشاء رقيقا ( Sheet ) من ذرات الكربون السداسية بسمك ذرة واحدة وقد تكون أنابيب النانو أعقد من ذلك وتتكون من عدة أنابيب متداخلة ومشتركة فى المحور يتراوح قطرها فى هذه الحالة ما بين ( 30 / 3 نانومتر ) ورغم دقتها المتناهية فإن أنابيب نانو الكربون أقوى من الصلب بأكثر من ( 100 مرة ) .

تعتمد خواص أنابيب النانو الضوئية والكهربية والحرارية على التكنولوجيا الهندسية أى على ترتيب الذرات والعلاقة بين نصف قطرها وطولها ويمكن تصنيع أنابيب بخواص مختلفة وإن بعض أنابيب النانو جيدة التوصيل للتيار الكهربى بل وتوصيلها أفضل من النحاس بينما البعض الآخر بسبب ترتيب الذرات على السطح شبه موصل للكهرباء كالسيليكون ويعتقد البعض أنه يمكن استخدامها مستقبلا فى الدوائر الالكترونية وخاصة فى أجهزة الكمبيوتر ويمكن تصنيع كمبيوترات أصغر كثيرا وأسرع من الحالية لأن ترانزستورات أنابيب النانو ( ترانزستورات النانو ) أصغر بمئات المرات من الترانزستورات الحالية حيث قامت ش / IBM على صناعة ترانزستورات من أنابيب نانو الكربون لا تزيد أبعادها على ( 9 نانومتر ) وتغلبت على مشاكل فنية تمهد الطريق لصناعة دوائر تكاملية ( Integrated Circuits ) من الترانزستورات وقد تمكنت مجموعة من الباحثين من صناعة كمبيوتر ( Cedric ) يعمل بصورة كاملة على أنابيب نانو الكربون ورغم قدرات الكمبيوتر الجديد بسيطة إلا أنه يمكن أن يطور فى المستقبل ليكون أصغر وأسرع كثيرا وكفاءته عالية مقارنة مع كمبيوترات السيليكون الحالية ويعتقد البعض بأن نهاية كمبيوترات السيليكون أصبحت قريبة ويوجد مشاكل فنية كثيرة يجب التغلب عليها قبل تصنيع كمبيوترات النانومتر الكربونية بصورة تجارية .

ويعمل كثير من الباحثين لاستخدام أنابيب النانو فى خلايا الوقود ( الطاقة ) وشاشات العرض الكبيرة والمجسات الحساسة ( Sensors ) والطب ففى مجال الطب يحاول العلماء استخدام الأنابيب الكربونية النانونية للقضاء على الخلايا السرطانية فى الجسم البشرى بصورة انتقائية دون التاثير فى الخلايا السليمة فقد ربط العلماء فى تجارب أولية حامض الفوليك ( Folic Acid ) وأنابيب النانو الكربونية معا وحيث أن الخلايا السرطانية تحتوى على مستقبلات حامض الفوليك فإن أنابيب النانو الكربونية تلتصق بها دون الخلايا السليمة وإن أنابيب النانو الكربونية تمتص الأشعة تحت الحمراء القريبة ( Near IR ) مما يؤدى لارتفاع فى درجة حرارتها وعند استخدام مصدر الأشعة تحت الحمراء فإن الطاقة الإشعاعية الحرارية التى تمتصها أنابيب النانو الكربونية تؤدى لارتفاع كبير فى درجة حرارة الخلايا السرطانية مما يؤدى لحرقها وقتلها دون أن تتأثر الخلايا السليمة ويعتقد بعض العلماء بأنه يمكن استخدام أنابيب النانو الكربونية لحقن الخلايا المريضة بالدواء المناسب دون التعرض للخلايا السليمة .

إن آفاق استخدام أنابيب النانو الكربونية فى المستقبل أكثر من أن تحصى وستغير التكنولوجيا الجديدة هندسة المواد بصورة كبيرة وتنتج مواد عملية واقتصادية جديدة يعتقد بأنها ستؤثر بصورة كبيرة فى حياة الناس خلال ق ( 21 ) لدرجة لا يستطيع أن يتوقعها أحد .

لقد تمكن الباحثين من تحضير الجرافين عام ( 2004 ) وهو طبقة رقيقة جدا سمكها ذرة واحدة من الكربون ويشبه تركيبه جدار انبوب كربون النانو فقد حصل الباحثون على جائزة نوبل فى الفيزياء وللجرافين تطبيقات كثيرة أهمها استخدامه فى تنقية المياه من الشوائب حيث تنفذ جزيئات الماء من الفتحات السداسية بينما تعلق أو تلتصق المواد الكيميائية والزيوت والملوثات بالغشاء ويمكن تنظيفه واستخدامه أكثر من مرة ويعتقد العلماء إن هذه التكنولوجيا ستساعد فى الحصول على مياه نقية للشرب فى الدول الفقيرة .

 

نقاط الكم ( Quantum Dots ) :

نقاط  الكم أو ( بلورات النانو / Nano Crystals ) عبارة عن بلورات تكون غالبا كروية الشكل وتتكون من عدد محدد من الذرات من ( 10 / 20 ذرة ) من مركبات غير عضوية خاملة ومستقرة يتراوح قطر النقطة الواحدة منها ما بين ( 10.2 نانومتر ) علما بأن قطر الخلية الحيوية = فى المتوسط ( 1000 نانومتر ) فإن نقاط الكم أصغر بمئات المرات من الخلية الحيوية وإن نقاط الكم صغيرة جدا لدرجة أن فقدانها لإلكترون أو زيادة إلكترون لها يغير من خواصها ويمكن لنقاط الكم أن تعمل عمل ترانزستورات السيليكون العادية فإن العلماء يحاولون استخدامها فى الجيل الجديد من أجهزة الكمبيوتر الأحدث من الحالية المتوقع أن تكون غاية فى الصغر والسرعة .

ولقد أثبت العلماء أن نقاط الكم يمكن أن تتبادل المعلومات فيما بينها إذا كانت المسافة بينها أكبر قليلا من نصف قطرها وتتبادل نقاط الكم المعلومات بواسطة أشعة الضوء التى تزيد سرعة الكمبيوتر وتقلل من مشكلة الحرارة الناتجة بسبب استخدام التيار الكهربى فى نقل المعلومات بين الترانزستورات العادية وقد تمكن العلماء حديثا من عمل ترانزستورات نقاط كم مكونة من

( 7 ذرات ) علما بأن الترانزستورات الحالية مكونة من ملايين الذرات ويحاول العلماء حديثا عمل ترانزستورات من ذرة واحدة حيث ستؤدى التطورات لظهور جيل جديد من الكمبيوتر يمتاز بصغر حجمه وسرعته الفائقة ( كمبيوتر الكم / Quantum Computer ) .

تحدد الخواص الضوئية لنقاط الكم من خلال نوع الذرات وحجم نقاط الكم بخواص ضوئية مختلفة من نفس نوع الذرات وحجم نقاط الكم ويمكن تصنيع نقاط كم بخواص ضوئية مختلفة من نفس نوع الذرات ويتناقض من أن الخواص الضوئية تتحدد بنوع المادة ولا علاقة لهذه الخواص بحجمها وتعتبر الخاصية فى غاية الأهمية حيث يمكن تغيير عرض شريط التردد

( Band Width ) للنقاط الكمومية من خلال ضبط نصف قطرها ويختلف بصورة جذرية عن خواص الترانزستورات العادية التى تحدد خواصها بنوع ذراتها ولا يمكن تغييرها بسهولة وتجرى أبحاث نشطة لاستخدام نقاط الكم فى إنتاج وتوليد التيار البكهربى عن طريق

( مضخة الإلكترون الكمية / Quantum Pump Electron ) ويمكن الحصول على المضخة بحجز أو حبس ذرة مفردة من مادة معينة داخل نقطة كمية وتحت ظروف معينة فإن الذرة يمكن أن تنتج شحنات كهربية ( الكترونات أو تيار كهربى ) يتم التحكم بها من خلال مجال مغناطيسى خارجى ويحاول العلماء وصل مجموعة من النقاط الكمومية معا لإنتاج تيار كهربى من دون تلوث ويتوقع العلماء بأنه يمكن بهذه الطريقة تصنيع مولدات للتيار الكهربى لا تحدث تلوث فى البيئة .

ويمكن استخدام نقاط الكم فى تطبيقات عديدة اهمها فى مجال الطب كالتصوير الطبى ومكافحة خلايا السرطان ويمكن استخدامها لزيادة كفاءة الخلايا الشمسية لإنتاج الكهرباء من طاقة وضوء الشمس وقد تمكن العلماء من مضاعفة كفاءة الخلايا الشمسية ويمكن استخدامها لتحسين وزيادة قدرة المصادر الضوئية الجديدة ( LED ) .

لقد تمكنت مجموعة بحث من تطوير طريقة جديدة لعلاج سرطان الرئة الذى يعتبر من أكثر الأمراض فتكا بالإنسان وتمتاز الطريقة الجديدة التى استخدمت النانوتكنولوجى بزيادة تأثير الدواء على خلايا السرطان وتقليل الضرر الناتج فى الخلايا السليمة فلقد مزج الباحثون دواء السرطان على صورة جسيمات نانومترية مع جزيئات ( RNA ) التى تعمل على وقف مقاومة خلايا السرطان للدواء ولقد جربت الطريقة على الحيوانات بنجاح .

 

فخرى حسن

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق