الأحد، 24 سبتمبر 2023

صعوبة النظرية النسبية حقيقة أم وهم ؟

 

صعوبة النظرية النسبية حقيقة أم وهم ؟

إن فهم النظرية النسبية العامة لآينشتاين والتى ظهرت للوجود أول مرة عام ( 1915 ) حيث أن صعوبة فهمها يرجع لكثرة وتعقيد المعادلات الرياضية الخاصة بها وعندما ذاع صيت النظرية النسبية العامة لآينشتاين فى ( 2 / ق 20 ) حيث أن عدد من يفهمونها حول العالم لا يتجاوز 10 أفراد ولكن هل للشائعات مصداقية أم هى مجرد مبالغات علمية يصعب فهمها ؟ وهل النسبية العامة لآينشتاين نظرية يقتصر الإلمام بها على قلة من العلماء أو العباقرة ؟

من حيث المبدأ لا يمكن التكهن بدقة عن الأفراد الذين يفهمون النظرية النسبية العامة فى الفترة التى أعقبت نشرها فى ( ق / 20 ) أما الأرقام المتداولة عن عدد الأفراد الملمين بالنظرية أو القادرين على فهمها فليست إلا وجهات نظر خاصة ولكن بافتراض أن الشائعات لا تتمتع بمصداقية فمما لا شك فيه أن النسبية العامة لم تكن من النظريات العلمية السهلة أو المتيسر فهمها أو سبر أغوارها بالنسبة لكثير من الناس بل وحتى لكثير من المتخصصين فيوجد عاملان أساسيان يجعل النسبية العامة لآينستاين نظرية غامضة :

 

1 ) البنية المفهومية للنظرية :

تعتبر النسبية العامة من النظريات التى تتناقض مع البديهيات لأنها لا تنسجم مع الحواس والخبرات فتقوم النظرية النسبية العامة على فكرة دمج المكان والزمان فى كيان رباعى الأبعاد

( الزمكان ) مما يتناقض بشكل صارخ مع الخبرات فالبنظر للمكان والزمان على أنهما كيانان مستقلان تماما فمن الصعب وفقا لوجهة النظر التقليدية القبول بفكرة أن الزمان والمكان هما وجهان لعملة واحدة ( الزمكان ) كما يقول علماء النسبية .

إن إضافة بعد رابع للكون عبر دمج الزمان والمكان فى كيان واحد ( الزمكان ) تتناقض مع التجارب التى تخبر أن للكون ثلاثة أبعاد ( الطول / العرض / الارتفاع ) وفى الواقع لا نستطيع التخيل كون يضم أربع أبعاد ( الطول / العرض / الارتفاع / الزمكان ) ربما بسبب الطريقة التى تطورت بها لكن عدم القدرة على تخيل البعد الرابع لا يعنى وفق النظرية النسبية العامة أنه غير موجود .

فإذا كان من الصعب إدراك البعد الرابع من خلال الحواس مباشرة فيمكن التعامل معه عبر التجريد الذهنى من خلال المعادلات الرياضية فعن طريق التحقق من وجود البعد الرابع بطريقة غير مباشرة من خلال التحقق من نتائج وجود البعد الرابع على العالم الفيزيائى .

ولقد حقق علماء الفيزياء عبر إضافة البعد الرابع للقوانين الفيزيائية النجاح فى تبسيط ووصف العديد من الظواهر الطبيعية بدقة متناهية حتى أصبح وجود البعد الرابع فى الكون أمر غير قابل للجدل فى الفيزياء المعاصرة فتوجد نظريات فيزيائية حديثة كنظرية الأوتار الفائقة حيث تزعم أن للكون ( 10 أبعاد ) لا ( 4 أبعاد ) ولكن نظرية الأوتار الفائقة لم تخضع لأى إثبات تجريبى .

وتوجد مشكلات أخرى تطرحها النظرية النسبية فوفقا للنظرية فإن المكان والزمان ( الزمكان ) ينحنيان ويتحدبان بفعل وجود المادة أو الطاقة .

فبافتراض أن انحناء المكان أمر قابل للتخيل فإن فكرة انحناء الزمن لم تنجح فى إرساء مناخ من الاسترخاء الفكرى بين العلماء .

فهل يمكن اعتبار الزمكان و فقا لنظرية النسبية قطعة من القماش تتمدد وتنكمش وتنحنى وتتحدب

ولقد ذهب أحد الفلاسفة الألمان إلى نفى الوجود الموضوعى للزمان والمكان حيث اعتبر أنهما أطر ذهنية مجردة يصنعها العقل الإنسانى من أجل تنظيم الحوادث الكونية بطريقة تمكن الإنسان من استيعاب العالم من حوله فهل يمكن للأطر الذهنية التى تلعب دور حيادى على مسرح الأحداث الكونية وفق للرؤية التقليدية أن تتحول فى فيزياء آينشتاين للاعب حقيقى يتفاعل مع الأجسام ويؤثر فى حركتها .

أما فكرة نسبية الزمن فهى واحدة من أكثر الأفكار غرابة فى النظرية النسبية فالزمن وفقا للنظرية لا يتدفق بشكل متساو فتدفق الزمن يعتمد على سرعة المراقب وحركتة بالنسبة لإطار مرجعى معين والحقيقة معروفة منذ نشر آينشتاين النسبية الخاصة عام ( 1905 ) غير أن ما أضافته النسبية العامة لموضوع الزمن أن الجاذبية تؤدى لإبطاء تدفق الزمن .

إن نسبية الزمن أمر قد تم التحقق منه بإستخدام أحدث التكنولوجيات فلو كان الزمن مطلق وفقا للنظرية الكلاسيكية لما نجحت أنظمة تحديد المواقع الجغرافية عبر الأقمار الصناعية GPS فى تحديد المواقع بدقة لأن الأنظمة تم تصميمها وفقا لمبدأ نسبية الزمن الذى تقوم عليه النظرية النسبية فقد روعى فى أثناء تصميم الأنظمة اختلاف تدفق الزمن بين القمر الصناعى وسطح الأرض حيث أن قوة الجاذبية تختلف بين سطح الأرض القريب من مصدر الجاذبية والقمر الصناعى البعيد نسبيا عنها .

إن نسبية الزمن تناقض القناعات الراسخة فالإنسان ترعرع على النظرية النيوتونية للزمن المطلق الذى ينساب بشكل متساو فى جميع أرجاء الكون ولا يتأثر بالجاذبية أو بالحركة .

إن البنية المفهومية للنظرية النسبية تشكل عائقا أمام غير المتخصصين حيث أن استيعاب المفاهيم النسبوية وفقا للإطار الفكرى الكلاسيكى المستمد من التجارب والخبرات يصبح أمرا متعذرا أما المتخصصون من علماء الفيزياء أو الرياضيات فمن المرجح أن البنية المفهومية للنظرية النسبية لا تمثل عائقا خاصة أنهم يتعاملون فى كثير من الأبحاث مع مفاهيم مجردة ومعقدة .

إن المتخصصين يواجهون معضلة من نوع آخر عندما يقتحمون عالم النسبية الغامض وتمثل فى البنية الرياضية المعقدة للنظرية النسبية التى تجعل علماء النسبية يتحدثون بلغة غامضة وغير مفهومة حتى بالنسبة للمتخصصين فى الفروع الأخرى للفيزياء .

 

2 ) البنية الرياضية للنظرية :

  تتسم النسبية العامة بالجمال حيث يرى بعض العلماء أنها أجمل النظريات العلمية وينبع جمال النظرية من بساطتها الساحرة فى وصف ظاهرة الجاذبية .

وأن البساطة ليست إلا القمة فى جبل الجليد التى تخفى تحتها بنية رياضية مفرطة فى التعقيد حيث تقوم النسبية العامة على فكرة جوهرية مفادها أن الجاذبية ليست قوة بالمعنى التقليدى للكلمة ولكنها ظاهرة تنتج من تشوه نسيج ( الزمكان ) نتيجة لوجود المادة أو الطاقة .

إن وجود المادة فى مكان ما من الفضاء يؤدى لإنحناء الفضاء حول المادة والانحناء هو الذى يسبب حركة الأجسام فالتأثير المسبب للحركة ( جاذبية ) أى أن الجاذبية وفقا لآينشتاين ليست إلا الآلية التى يكشف من خلالها الكون عن بنيته الهندسية فالفكرة بسيطة فى محتواها حيث تتحول لإستراتيجية مفخخة عندما نسعى لصياغتها رياضيا .

ويعود السبب الرئيسى فى التعقيد الرياضى للنظرية النسبية إلى انحناء الزمكان فلا يمكن من حيث المبدأ استخدام رياضيات بسيطة فى دراسة الأسطح المنحنية حيث أن استخدام الهندسة المستوية

( الإقليدية ) يصبح عبثا فإن الحاجة للتعبير عن الجاذبية كانعكاس لبنية الكون الهندسية بطريقة لا تتغير مع تغيير نظام الإحداثيات المستخدم حيث دفعت علماء النسبية لتوظيف التنسورات فى دراسة النسبية العامة والتنسورات كيانات رياضية معقدة يشكل وجودها فى معادلات النسبية العامة أحد أهم العوامل فى زيادة تعقيد البنية الرياضية لنظرية النسبية العامة .

إن دراسة النسبية العامة بعمق تحتاج للإلمام بفروع متقدمة فى الرياضيات كالهندسة التفاضلية وهندسة ريمان وقد كان آينشتاين غير ملم بشكل كاف بالفروع المتقدمة من الرياضيات فالثابت لدى مؤرخى العلم أن آينشتاين استعان بأحد علماء الرياضيات لدراسة هندسة ريمان وهى نوع من الهندسات غير الإقليدية التى وظفها آينشتاين فى صوغ نظريته فى النسبية العامة .

توجد معضلة رياضية أخرى فى النظرية تتمثل فى صعوبة إيجاد حلول لمعادلات المجال وهى مجموعة من المعادلات التفاضلية غير الخطية تصف العلاقة بين المادة والطاقة من جهة وهندسة الزمكان من جهة أخرى فلا توجد حلول عامة لمعادلات المجال فالحلول التى أوجدها العلماء تمثل حالات محددة مبنية على عدد من الافتراضات التبسيطية لكن المفارقة أنه على الرغم من صعوبة المعادلات فإن أول حل لها اكتشف بعد نشر آينشتاين أبحاثه حول النظرية النسبية العامة حيث اكتشف أحد العلماء الألمان أول الحلول لمعادلات النسبية العامة لآينشتاين .

هل النسبية معقدة ؟

 هل لا تزال النظرية النسبية العامة معقدة بحيث لا يفهمها إلا أفراد معددون حول العالم ؟ فهل ما كان صحيحا فى بداية ( ق / 20 ) لا يزال صحيحا فى ( ق / 21 ) ؟ بعد انقضاء قرن من الزمن على اكتشاف النظرية النسبية العامة لآينشتين ؟

فالإجابة بلا طبعا حيث يوجد كثير من العلماء فى مجال الفيزياء والرياضيات الذين ينتجون أبحاثا جديدة وعميقة حول النظرية النسبية العامة كما أن نظرية  النسبية اليوم تدرس فى الجامعات حول العالم وكذلك يتوافر فى المكتبات العديد من الكتب الشعبية والمتخصصة التى تشرح النظرية النسبية العامة بمختلف لغات العالم .

وإذا كان الإلمام العميق بنظرية النسبية العامة غير ممكن من دون دراسة بنيتها الرياضية المعقدة فإن الإلمام بالمبدأ العلمى الذى تقوم عليه النظرية النسبية العامة متيسر من دون الحاجة للرياضيات .

 

أسامة صادق العلى

كاتب سعودى

تنقيح / أسامة ممدوح عبد الرازق مصطفى شرف

17 / 10 / 2017

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق