الخميس، 27 يناير 2022

 

البعد الخامس ( المصير الراديكالى للكون )

بعد تريليونات من السنين وبعد أن تكبر الشمس بحيث تصير الأرض فى داخلها ثم تتقلص إلى بقية معتمة مما كانت عليه حيث سيدخل الكون فى تقاعد هادىء وبفضل توسعه المستمر ستبدأ عناقيد من مجرات كانت متجاورة بالابتعاد عن بعضها البعض بسرعة كبيرة حتى أن الضوء لن يكون قادرا على سد الفجوات بينها وستنطفىء النجوم وتموت ويغمر الظلام الكوزمولوجى كله .

حيث أن ( الخلود الأبدى البارد ) للتجمد الكبير هو نتيجة مباشرة للنموذج القياسى فى الكوزمولوجيا / علم الكونيات الذى يعد أفضل وصف للكون ويعتمد على كل أنواع الفرضيات ليس أقلها حيث أن الطاقة المعتمة أو المظلمة هذه القوة الغامضة التى يعتقد أنها سبب تمدد الكون وتسارعه بحيث ستحافظ دائما على الشدة نفسها التى لا تتغير غير أن بعض علماء ( الكوزمولوجيا / علم الكونيات ) يعتقدون أن الطاقة المعتمة أو المظلمة قد تتضاءل مع مرور الزمن بدلا من بقائها ثابتة إلى الأبد مما يؤدى إلى انهيار الكون على نفسه فى انكماش كبير معاكس للانفجار الكبير فى حين يوجد احتمال بازدياد الطاقة المعتمة أو المظلمة فى القوة مبشرة بمستقبل قد يتمدد فيه الكون بسرعة ومدى كبيرين لدرجة يبدأ معها نسيج الزمكان بتمزيق نفسه ( التمزق الكبير ) .

هل هو تجمد أم انكماش أم تمزق ؟ أم أنه ليس أيا منها ؟ إن الاحتمال الرابع هو النتيجة المذهلة لآخر محاولة لتصور نهاية الكون لأنها تستحضر ظواهر غامضة أخرى موجودة فى الكون إلى جانب الطاقة المعتمة أو المظلمة وتقترح تحولات أكثر غرابة لما سيحدث لعله ليس مقدرا للكون أن ينتهى بل يتطور إلى حالة لا يمكن وصفها .

إن الطاقة المعتمة / المظلمة هى أهم اكتشاف فى الكوزمولوجيا الحديثة ( علم الكونيات الحديث ) فقد وجد الفلكيون فى أواخر ( 90 / ق 20 ) أن تمدد الكون يتسارع بدلا من أن يتباطأ كلما تقدم فى العمر حيث أن غزو الكون يؤدى إلى طاقة فراغ الزمكان نفسه الذى ربما يكون نتيجة الظهور والاختفاء الآنى لجسيمات فى فضاء فارغ لكن عند حساب طاقة الفراغ باستخدام مبادىء فيزياء الكم تبين أنها كبيرة لدرجة غير ممكنة حيث أن طاقة الفراغ كانت ستؤدى إلى تسارع الكون إلى مقاييس كبيرة لدرجة لا يمكن أن تتشكل معها النجوم والمجرات الأولى .

ولتجنب المشكلة فكر الفيزيائيون أن باستطاعتهم التوصل إلى عمليات كمية تلغى بعضها بعضا لتنتهى إلى طاقة فراغ معدومة ( صفر ) حيث أنه فى الفيزياء النظرية من السهل نسبيا أن نعين شيئا على أنه مساو للصفر .

حيث أن الطاقة المعتمة / المظلمة ومن ثم طاقة الفراغ لا تساوى الصفر وتوحى معظم البيانات المرصودة أن طاقة الفراغ لبعض مناطق الزمكان فى الكون حيث أن كثافة الطاقة المعتمة / المظلمة ثابتة بمرور الزمن ( ثابت الكوزمولوجيا ) الذى يؤخذ على أنه يمثل شدة الطاقة المعتمة لكن اتضح أن تفسير قيمته القريبة من الصفر لكن الموجبة فى غاية الصعوبة .

حيث كانت هذه الأوضاع المضطربة فرضية مثالية لمحاولة أخرى لوصف طبيعة الكون الأساسية ( نظرية الأوتار الفائقة ) حيث ظهرت النظرية كوسيلة لتفسير القوى داخل النواة الذرية أو النووية غير أنها سرعان ما تطورت إلى إطار الجاذبية الكمية وتسعى نظريات الجاذبية الكمية إلى التوصل إلى رؤى جديدة للكون من خلال توحيد النسبية العامة التى تصف الجاذبية وفيزياء الأجسام الكبيرة جدا مع ميكانيكا الكم التى تحكم فيزياء الأجسام الصغيرة جدا .

 

مشكلات معقدة :

صارت نظرية ( الأوتار الفائقة ) فى ( 90 / ق 20 ) أو نظرية كل شىء فبدلا من كون يتألف من جسيمات أساسية تصف نظرية ( الأوتار الفائقة ) أو نظرية ( كل شىء ) كونا مبنيا من أوتار ضئيلة جدا تهتز فى ( 10 أبعاد )

( 9 أبعاد ) منها للمكان وواحد للزمن ولجعل النظرية تتوافق مع الأبعاد المكانية الثلاثة / الطول / العرض / الارتفاع

والبعد الزمنى الوحيد حيث أن نظرية الأوتار الفائقة المكونة من ( الطول / العرض / الارتفاع / الزمن ) الملاحظ فى الكون بحيث يجب أن تكون الأبعاد المكانية الإضافية مضغوطة وملفوفة وصغيرة لدرجة لا يمكن اكتشافها وتؤدى كل طريقة ضغط إلى كون مختلف وكان التحدى الكبير يتمثل فى إيجاد الحل الوحيد الذى يصف الزمكان المعين .

حيث اصطدم الجهد بمشكلة فالكون الذى تعيش فيه البشرية وبطاقته المعتمة / المظلمة المتمثلة بثابت كوزمولوجى صغير وموجب أو ( زمكان دى سيتر ) وعلى الرغم من كل ما فى نظرية ( الأوتار الفائقة ) من وعود فإن الفيزيائيين عانوا الكثير لبناء الكون باستخدام أبسط الطرق لضغط كون ذى أبعاد إضافية وعندها فى عام ( 2003 ) طرح العلماء طريقة معقدة لتشكيل الزمكان نوعا ما من نظرية ( الأوتار الفائقة ) حيث تعمل نظرية ( الأوتار الفائقة ) عند طاقات عالية مماثلة عند اللحظات الأولى بعد الانفجار الكبير لكن وصف زمكان معين عند الطاقات المنخفضة يتطلب استخدام نظرية ( الأوتار الفائقة ) للحصول على نظرية ( المجال الفقال ) ويعتمد الزمكان الذى يتم الحصول عليه على كيفية ضغط الأبعاد الإضافية بدقة وكيفية تداخل التدفق المغناطيسى والتدفق الكهربائى خلال الأشكال الهندسية وبحلول عام ( 2005 ) بين علماء نظرية ( الأوتار الفائقة ) أنه يمكن تحقيق ذلك ب ( 10 طرق ) على الأقل وتعطى البشرية كل واحدة منها ( زمكان دى سيتر ) مقبولا ومختلفا عن غيره وكان نتيجة ذلك بروز عدد كبير من أكوان محتملة حيث يمكن لكل زمكان متوقع أن يوجد فيها وعلى الرغم من أن العلماء اقترحوا طريقة لبناء نظرية مجال فعال قادر على وصف زمكان ( دى سيتر ) فإنها لم تؤد إلى نظرية متقنة .

 

دخول المستنقعات :

إن البحث فى نظرية ( الأوتار الفائقة ) ليس لوجود مشكلة فى العدد الكبير للأكوان حيث أن البحث عن الأكوان الجديدة لم يؤد إلى النتيجة المرجوة فقد كان معقدا جدا من الناحية الرياضياتية بحيث يتعذر التحقق منه  حيث يمكن أخذه كما هو من باب الثقة بأن الطريقة ناجحة .

وعن طريق دراسة المسألة بشكل آخر عن طريق السؤال عما إذا كان ممكنا لكل نظريات المجال الفعال أن تنتج من نظرية الأوتار الفائقة أم أن النظرية تحظر أنواعا معينة من المجالات ومن ثم أنواعا معينة من الأكوان وعن طريق ملاحظة أنه إذا أرادت نظرية ( الأوتار الفائقة ) أن تبقى منافسة كنظرية  كل شىء فعليها أن تمنع بعض نظريات المجالات الفعالة التى تفشل فى وصف الكون بدقة حال دمج الجاذبية فيها وهو فشل مشترك ويجب خفض مرتبة تغيرات كهذه مباشرة إلى منطقة ممنوعة من فضاء الأوتار الفائقة حيث أطلق على هذه  المنطقة اسم أرض المستنقعات وهو مستنقع موحل بالأفكار التى لا يمكن تحقيقها .

حيث أن البحث فى نظرية ( الأوتار الفائقة ) عن طريق فكرة ( أرض المستنقعات ) بقيت فى سبات لعقد من الزمن غير أن علماء الكوزمولوجيا / علم الكونيات أعادوا فكرة ( أرض المستنقعات ) عام ( 2014 ) عن غير قصد إلى الواجهة باستخدام تلسكوب فى القطب الجنوبى حيث تم مشاهدة البرهان على وجود موجات جاذبية أولية نتجت عن التضخم وهو التوسع الآسى للزمكان التى بعتقد أنه حصل فى الأجزاء الأولى من الثانية بعد الانفجار الكبير حيث كان سيمثل أول رؤية للتموجات فى نسيج الزمكان وهو ما توقعته نظرية النسبية العامة لآينشتاين حيث احتفل علماء الكوزمولوجيا / علم الكونيات بذلك غير أن أصحاب نظريتى الأوتار الفائقة أصيبوا بإحباط لأن نظريتهم لم تستطع توليد موجات جاذبية .

حيث كان لنماذج نظرية الأوتار الفائقة القادرة على تفسير موجات الجاذبية من التلسكوب المستخدم فى القطب الجنوبى حيث يوجد تأثير جانبى واضح يتمثل فى إيقاف التضخم قبل أوانه حيث يوجد موجات جاذبية أولية بهذا الحجم المتعارض مع نظرية الأوتار الفائقة بمعنى آخر قد تقع نظريات المجال الفعال التى تتنبأ بموجات الجاذبية الأولية فى أرض المستنقعات الممنوعة .

ثم فى ( 1 / 2015 ) تراجع باحثو التلسكوب المستخدم فى القطب الجنوبى عن ادعائهم لأن الإشارات التى اعتقدوا أنها ناجمة عن موجات الجاذبية كانت نتيجة غبار فى مجرة ( الطريق اللبنى ) التى لم تؤخذ بعين الاعتبار بشكل صحيح ومع ذلك كان الخطأ أخبارا جيدة لبعض العلماء فى نظرية ( الأوتار الفائقة ) لأنها بينت أن نظرية الأوتار الفائقة كانت محقة فى التنبؤ باستحالة هذه النتائج واجتازت فكرة عن ( أرض المستنقعات ) امتحانا كبيرا .

فبعد نحو عقدين من الزمن من فشل العلماء فى نظرية ( الأوتار الفائقة ) لوضع أى نماذج بسيطة لزمكان دى ستر حيث أن كل نظريات المجال الفعال القادرة على وصف كون تكون الطاقة المظلمة فيه هى ثابت الكوزمولوجيا تنتمى إلى أرض المستنقعات ويستحيل على كون ( دى ستر ) أن يكون حلا لمعادلات نظرية الأوتار الفائقة .

فعن طريق إمكانية وصف كون له ثابت كوزمولوجى باستخدام نظرية الأوتار الفائقة حيث أن الفكرة قد تكون صحيحة أو لا تكون لكن البشرية ستدرسها أكثر من أجل التحقق من صحتها فسيكون لذلك آثارا كبيرة على النموذج القياسى فى الكوزمولوجيا حيث أنها تقترح وجود كثافة طاقة معتمة / مظلمة تتناقص فى تقريب أولى مع مرور الزمن بدلا من أن تكون ثابتة .

من المؤكد أن لنظرية الأوتار الفائقة لها تداعيات ضخمة على مصير الكون حيث أن الطاقة المظلمة قد تؤول إلى الصفر أو حتى تصير سالبة خلال عشرات البلايين من السنين المقبلة وعندها قد ينتهى الكون فى انكماش كبير بدلا من التوسع إلى الأبد .

إن تغير الطاقة المظلمة يطلق عليها ( الجوهر ) قبل أن يصير ثابت الكوزمولوجيا نكهة اليوم حيث أن أحد العلماء قام بالعمل على نماذج للجوهر غير أنه لم يقتنع حيث أن الجوهر محتمل حيث أنه يسبب مشكلات أكثر من التى يستطيع حلها باستثناء أن الكون ربما يتحرك فى ذلك الاتجاه فقد ظهرت بوادر خلال السنوات القليلة الماضية توحى بأن كثافة طاقة مظلمة متغيرة قد تحل فعليا تعارضا لكوزمولوجيا مدهشة .

ويبرز التعارض من طريقتين مختلفتين لقياس التوسع الحالى للكون أو ( ثابت هابل ) حيث أن ثابت هابل يتضمن طريقة منها قياسه مباشرة من خلال دراسة النجوم والسوبرنوفا ( المستعرات العظمى ) فى المجرات القريبة .

فى حين تشمل الطريقة الثانية فحص إشعاع الخلفية الكونية الميكروية وهو أول ضوء انبعث بعد نحو / 380 ألف سنة من الانفجار الكبير حيث تم استخدام هذه البيانات لاستقراء الكون الحالى حيث تولد الطريقتان نتائج مختلفة .

 

الانحناء الكبير :

وبينما يمكن غزو التناقض إلى الأخطاء التجريبية فربما يمكن حله بالسماح للطاقة المعتمة / المظلمة بأن تتناقص بمرور الزمن ومعاملتها كشكل من أشكال الجوهر حيث أن التوتر فى ثابت هابل وفكرة أرض المستنقعات يسيران فى اتجاهين متعاكسين فبينما تتطلب فكرة بأن تتناقص كثافة الطاقة المظلمة بمرور الزمن فإنه لا يمكن حل مسألة ثابت هابل إلا بتزايدها .

أما بالنسبة لمصير الكون فإن تزايد كثافة الطاقة المظلمة يعنى أن تمزقا كبيرا يترصده بدلا من انكماش كبير حيث سيوجد فائض من الطاقة المظلمة فى كل ركن من الزمكان قد تؤدى قوتها الطاردة إلى تمزيق كل شىء المجرات والكواكب والجزيئات والذرات وفى النهاية الزمكان نفسه وسيكون من المستحيل مقاومة الطاقة المظلمة .

 

وبالعودة لنقطة البداية مع أفكار متعارضة توحى بطاقة مظلمة إما متناقصة أو ثابتة أو متزايدة بمرور الزمن ومصير الكون متعلق بها حيث سيعتقد أنه من المحتمل التوصل إلى اتفاق وسط يحل التعارض بين أرض المستنقعات وثابت هابل فإلى جانب وجود الطاقة المظلمة يوجد عنصر آخر غير مرئى من الكون هو ( المادة المعتمة / المظلمة ) هذه المادة التى يعتقد أن جاذبيتها هى التى تحافظ على تماسك عناقيد المجرات ببعضها فإنه إذا فقدت الطاقة المظلمة قوتها فسيكون لذلك تأثير فى المادة المظلمة حيث أن نظرية الأوتار الفائقة تخبر بأنه يجب أن يكون هناك تفاعل حيث أن التفاعل يؤدى إلى تناقص كتلة المادة المظلمة بمرور الزمن وهذا يغير قيمة ثابت هابل مما يؤدى إلى تقلص التعارض ولكى نحاول حل توتر ثابت هابل لكن النتيجة جعلته أقل وهذا ليس بالأمر الذى يمكن إهماله أبدا .

فهل يعنى هذا أن الكون يتجه بعد كل شىء إلى تجمد كبير بدلا من انكماش كبير أو تمزق كبير ؟ حيث أن كل السيناريوهات الأخرى تبدو هزيلة لأنها توحى بأنه بعد عشرات البلايين من السنين سيتحول الكون تحولا جذريا مما يعنى بالأساس فى نظرية الأوتار الفائقة هو أن بعدا جديدا سيبرز ومن ثم كونا جديدا تماما لا يمكن وصفه بلفظ الكون الحالى حيث يوجد فضاء ثلاثى الأبعاد لكن فى نظرية الأوتار الفائقة الجديدة قد يوجد ( 4 أبعاد ) فضائية .

إن أى بعد فضائى جديد سيكون نتيجة لأحد الأبعاد الإضافية لنظرية الأوتار الفائقة الذى يظهر فجأة متحررا من انضغاطها ولن يكون الكون الناتج عن هذا التحول الكبير حيث ستسود مرحلة جديدة تماما فبينما يستمر الكون فى الوجود فإن خصائصه ومساره اللاحق لم يتضحا بعد فيجب معرفة المزيد من التفاصيل لبيان ما قد يحدث فلا يوجد طريقة لمعرفة الكيفية التى ستبدو بها المرحلة الجديدة بدقة .

فقد تساعد مجموعة كبيرة من التجارب المقترحة على التوصل إلى حل لهذا الجدل من خلال وضع ضوابط أشد على طبيعة الطاقة المظلمة وسيراقب العلماء فى نظرية الأوتار الفائقة حيث سيمكن العلماء بعد عقود من الهامهم بعدم تقديم أى تنبؤات قابلة للاختبار بأن يكونوا على وشك التوصل إلى بعض منها ولو خطوطها العريضة فقط فإذا استطاع الباحثون فى نظرية الأوتار إثبات تخمين أحد العلماء فسيؤدى ذلك إلى التنبؤ بأن نوع الزمكان الذى تفضله الكوزمولوجيا التقليدية لا يمكن أن يوجد لكن إذا وجدت التجارب أدلة لا تقبل الجدل تدعم ثابت الكوزمولوجيا والفراغ الكونى حيث أن نظرية الأوتار الفائقة تعتبر خاطئة . أسامه ممدوح عبد الرازق   4 / 5 / 2021     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق