الجمعة، 28 يناير 2022

 

النفايات الخطرة وكيفية معالجتها

تتزايد يوما بعد يوم الاتهامات الموجهة للصناعة بأنها وراء التلوث البيئى فى جميع أنحاء العالم فإن التطور الصناعى صار أمرا حتميا ومخلفات الصناعة صارت أمرا حتميا كذلك ويجب البحث عن حلول توقف الآثار الضارة للصناعة على الإنسان والبيئة بما فى ذلك الآثار الناجمة عن المخلفات الصناعية وغير الصناعية التى صارت من أكبر المشكلات التى يعانيها العالم حيث أدت إلى تغير المناخ وظاهرة

( الاحتباس الحرارى ) ولكن المشكلات تبرز أكثر فى الدول الصناعية التى تستهلك ثلثى صلب العالم والأكثر من ثلثى إنتاج الألمنيوم العالمى وكذلك الحال بالنسبة للنحاس والرصاص والنيكل والقصدير والزنك والطاقة ومنذ عام ( 1950 ) استهلك العالم من السلع والخدمات ما يعادل ما استخدمه البشر منذ فجر تاريخ البشرية ومنذ عام ( 1940 ) استغل العالم مناجم الأرض بصورة تعادل كل ما عرفته البشرية من نشاط تعدينى عبر ( 1000 سنة ) .

ويتجه الاتهام إلى سلوك الهدر الذى أدمن عليه العالم بأنه وراء قسم كبير من المخلفات الصناعية الخطرة فقد أصبحت عمليات التنظيف والتعبئة صناعة ضخمة كما تزايد الاعتماد على السلع المستخدمة لمرة واحدة ثم تهدر حيث يوجد فى أمريكا تبلغ كلفة التغليف ( 225 دولار ) للشخص الواحد سنويا وتتضمن المهملات الأمريكية ( 180 مليون ماكينة حلاقة ) وكمية من الألمنيوم الكمى لبناء هياكل ( 6000 ) طائرة ضخمة سنويا وفى مخلفات اليابان توجد ( 50 مليون آلة تصوير ) فى كل سنة .

إنها النفايات الصناعية الخطرة إحدى أسوأ نتائج تطور الصناعة ونتيجة للإسراف البشرى فى الاستهلاك الصناعى فأى الآراء تعتبر صحيحة ؟

 

مشكلة دولية :

فى الواقع لا يمكن إعطاء جواب نهائى عن هذه التساؤلات فمنذ أن ظهرت مشكلة النفايات الصناعية الخطرة على المستوى الدولى كثر ظهور التعاريف التى يحاول كل منها أن ينفى عن اصحابه التهم بتلويث البيئة والإضرار بالبشر فمنظمة الصحة العالمية فى عام ( 1980 ) عرفت النفايات بأنها كل المخلفات الناجمة من نشاط بشرى وتلحق الضرر بالبيئة والصحة العامة بشكل مباشر أو غير مباشر فى حين يقتصر تعريف الوكالة الوطنية للصناعة الأمريكية للمخلفات على أنها المخلفات الناجمة عن الصناعات العسكرية أو النشاط الحربى كاليورانيوم المستنفذ ( 235 / 238 ) باعتبار أنها مخلفات لا يمكن معالجتها بسرعة وسهولة وهذا يعنى أن الوكالة تستثنى كل المخلفات الناجمة عن الصناعات غير العسكرية لأنها مخلفات يمكن فى النهاية معالجتها وفى تعريف القانون الفرنسى نجد أن النفايات الصناعية الخطرة هى جميع المخلفات الناجمة عن الاستهلاك البشرى سواء كان ذلك ضمن نشاط صناعى أو زراعى أو عسكرى أو مدنى فعلى هذا النمط نجد فى القوانين الدولية والوطنية أكثر من ( 100 تعريف ) للنفايات وكثير من هذه التعاريف يرى أن المخلفات التى بجب أن تحظى باهتمام خاص فى المخلفات الصناعية ولعل التعريف الأكثر شمولية هو تعريف منظمة البيئة العالمية والذى ينص على أن النفايات ( مواد أو أشياء ) يتم التخلص منها طبقا لأحكام القوانين الوطنية ومع ذلك نجد هذا التعريف قاصرا نوعا ما فكثير من النفايات الناجمة عن نشاطات بشرية هى فى الواقع غير خطرة وتوجد نفايات توصف فى بعض الدول بالخطرة كالتفاعلات النووية فى المفاعلات النووية فى أمريكا ولا تعتبر فى دول أخرى خطرة .

 

النفايات الخطرة :

بحسب تعريف منظمة الصحة العالمية فإن النفايات الخطرة هى التى تتكون من مواد كيميائية وتشمل المذيبات ومواد الطلاء والمعادن الثقيلة والأحماض والنفايات الطبية ولنتبين حجم خطورة هذا النوع من النفايات يكفى أن نعلم أن الإنتاج العالمى من النفايات الخطرة يفارب ( 338 مليون طن ) سنويا منها

( 275 مليون طن ) تنتجها أمريكا وحدها وبصل توليد النفايات الخطرة فى سنغافورة إلى 28000 طن فى السنة وفى ماليزيا إلى ( 417000 طن ) سنويا وفى تايلاند إلى ( 22000 طن ) سنويا مع ملاحظة أن هذه الأرقام تمثل تقديرات منخفضة لأن البلاد العربية ليست لديها سجلات للكميات المتولدة من النفايات فتوجد نفايات تعد خطرة فى بعض البلدان فى حين لا تعدها بلدان أخرى كذلك .

 

الخطر المؤجل :

كان الاتجاه السائد فى الدول الصناعية هو التخلص من النفايات الخطرة بالطمر والتخزين فى مستجمعات سطحيةوالحقن فى الابار العميقة ولكن بعد عقود من اتباع هذه الطريقة تبين أن مواقع الطمر تحولت إلى ينابيع لأضرار كبيرة على البشر والبيئة وأنها كانت منذ إنشائها خطرا مؤجلا له موعد للإنفجار وأول ما ظهر هذا الخطر المؤجل فى إحدى الولايات الأمريكية فى أواسط ( 80 / ق 20 ) عندما بدأت تظهر بين السكان بشكل لافت للنظر فى جملة أمراض لم تكن منتشرة سابقا كسرطانات الجلد والأمراض الرئوية والمعوية وفى البحث عن أسباب هذه الأمراض تبين أن السبب هو مجمع ( كلارك هوك للتعدين ) الذى يقع ضمن الولاية والذى يعد أكبر مجمع لطمر النفايات الخطرة فى العالم فخلال ( 125 سنة ) بعد إنشاء هذا المجمع التعدينى تبين أن نفايات عمليات صهر الحديد والنحاس تراكمت إلى حدود خطة خطرة وبدأت بتلويث المياه الجوفية والتربة وأن المواد العضوية فى المواد السامة بقيت فى موقع الطمر منذ عقود وكان للإكتشاف صداه الكبير الذى اتسع عندما تبين أنه يوجد أكثر من ( 1200 ) موقع طمر تقترب خطورتها من خطورة موقع ( كلارك هوك ) وفى عام ( 1990 ) حددت وكالة أمريكا لحماية البيئة

( 3200 موقع ) على القائمة التى أصدرتها بالمواقع المحتملة الخطورة .

فعن طريق أمريكا انطلق القلق العالمى حول الأخطار الناجمة من مطامر النفايات الخطرة وسرعان ما تبين أنه يوجد فى هولندا أكثر من ( 4000 ) موقع ضار وفى الدنمارك ( 3200 ) موقع و ( 50000 ) موقع فى ألمانيا وكان لا بد من السعى إلى معالجة هذه المواقع ولكن تبينت صعوبة المعالجة بسبب ارتفاع تكاليف الإجراءات العلاجية فقد أشارت التقديرات إلى أنه يلزم نحو ( 30 بليون دولار ) للعمليات العلاجية فى المانيا و ( 6 بلايين دولار لهولندا ) ونحو ( 100 بليون دولار ) لأمريك وفى النهاية تم اتخاذ إجراءات علاجية فى بعض المطامر بالحد الأدنى وبقيت كل المطامر أخطارا متفجرة ومؤجلة إلى حين .

2 ) للتخلص من النفايات الخطرة فهى إلقاؤها فى البحار ولكن تبين أنها طريقة تؤدى إلى إنهاك البحار مما بؤدى بالإضرار بصحة الإنسان كما تؤثر النفايات الخطرة على الأسماك مما يؤدى لقتلها فعن طريق انتشار مرض ( السيناساتا ) فى اليابان فى فترة ( 50 و 60 / ق 20 ) إذ أدت عمليات الصرف فى البحار من أحد المصانع الكيميائية التى تلوث الأسماك وتقضى عليها عن طريق استخدام الزئبق وعندما أكل السكان الأسماك الملوثة بالزئبق اصيبوا باضطرابات عصبية ونتيجة لهذه الحادثة وحوادث أخرى ورغم من وجود اتفاقيات دولية تحد من إلقاء النفايات الخطرة فى البحار فإن البحار ما زالت المقبرة الأرحب للنفايات الخطرة فى الدول الصناعية .

 

مشكلة نقل النفايات الخطرة :

فى أوائل ( 80 / ق 20 ) سلط الضوء فى أوروبا وأمريكا على مشكلة نقل النفايات الخطرة عبر الحدود فلم يعد خافيا أنه يوجد شركات غربية عاملة فى مجال  التخزين للنفايات السامة حيث تستغل فقر بعض دول العالم فنعقد معها صفقات مشبوهة وبمقتضى هذه الاتفاقيات تستقبل الدول الفقيرة النفايات مقابل ترضية مالية متواضعة وبذلك يتم التخلص من النفايات بنقلها عبر الحدود فى بلد المنشأ ولدى البشرية أدلة دامغة على أن دولا فى العالم الثالث صارت مقابر للنفايات الخطرة القادمة من الدول الصناعية .

من هذه الأدلة الفضيحة التى تطورت فيها شركات إيطالية وبريطانية وألمانية وأوروبية أخرى وذلك عندما قامت بتفريغ شحنات من النفايات الخطرة فى نيجبريا وقد بلغ الأمر بالشركة الإيطالية التى تصدرت العملية نيابة عن الشركات الأخرى أن زورت أوراقا فيها حقيقة هذه النفايات التى بلغت نحو ( 3000 طن ) معبأة فى علب صفيح رقيق وضمنها مواد مسرطنة واخرى مشعة وأفرغت الشركة الإيطالية حمولتها السامة فى بعض المزارع فى قرية ( كوكو ) الساحلية بعد ترضية مالية متواضعة لصاحب المزرعة ولم تحاول الشركة حتى مجرد دفن النفايات السامة تحت التربة بل تركتها عرضة للأمطار والرطوبة وعبث صغار القرية وكانت المنازل لا تبعد من مزرعة السموم إلا عشرات الأمتار وقد ساهمت الصحف النيجيرية فى الكشف عن هذه الفضيحة فتدخلت الحكومة النيجيرية وطلبت إلى الشركة الإيطالية سحب نفاياتها من أراضيها كما يمكن القول فى العموم أنه فى المتوسط تعبر الحدود الأوروبية لمنظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى شحنة من النفايات الخطرة كل ( 5 دقائق ) أى أنه توجد ( 100000 عملية ) نقل من هذا النوع فى بلدان المنظمة فى أوروبا فى السنة الواحدة وعلى وجه الاجمال فإن حجم النفايات الخطرة التى عبرت حدود بلدان منظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى فى أوروبا تراوح بين / 2 و 2.5  

مليون فى عام ( 1989 ) كما تشير الأرقام المتاحة لأمريكا اشمالية إلى ( 230000 طن ) من النفايات الخطرة تم تصديرها وإن ( 5000 عملية ) عبور فى السنة ذاتها قد تمت وقد حدثت عمليات نقل قانونية للنفايات الخطرة بين البلدان الأعضاء فى المنظمة والبلدان غير الأعضاء وكانت تنقل سنويا كمية تراوح ما بين ( 200000 و 300000 طن ) من النفايات الخطرة من بلدان الاتحاد الأوروبى إلى بلدان أوروبا الشرقية كما صدرت بلدان أمريكا الشمالية نفايات خطرة إلى البلدان النامية وترسل أوروبا نحو

( 120000 طن ) من النفايات الخطرة إلى العالم الثالث كل سنة .

 

 

 

جهود عالمية : من خلال الأرقام السابقة وغيرها نجد مبررا للقلق العالمى المتزايد بشأن عمليات نقل وطمر النفايات الخطرة عبر الحدود ولاسيما فى البلدان النامية وقد أدى تزايد القلق لاعتماد اتفاقية بازل بشأن التحكم فى نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود فى عام ( 1989 ) وأفضى الإدراك أن عدم التحكم فى الأمكنة القديمة لطمر النفايات الخطرة بحيث تنطوى على مخاطر بيئية كبيرة واكتشاف حدوث اتجار دولى غير مشروع فى النفايات الخطرة واقتران ذلك بتزايد إحجام الجمهور بوجه عام عن قبول عمليات الطمر أو معمل المعالجة فى مناطق مجاورة إلى تعقيد إدارة النفايات عموما والنفايات الخطرة على وجه الخصوص وعلى الرغم من أن التخزين على السطح والدفن للنفايات ظلا أكثر الطرق شيوعا لإدارة النفايات الخطرة فإن بعض البلدان ( الدنمارك / فنلندا / هولندا / أمريكا ) بدأت تخطط لحظر أمكنة الطمر مالم تخضع النفايات بشكل ما للمعالجة المسبقة ويوجد اتجاه متزايد لاستخدام تكنولوجيات محددة لنفايات معينة فلقد صار واجب حرق جميع النفايات العضوية السائلة الخطرة فى ( النمسا / ألمانيا / سويسرا ) أو اخضاعها لمعالجة فيزيائية / كيميائية ويتزايد استخدام تكنولوجيا الإحراق ولاسيما عند درجة حرارية عالية باستخدام أفران أقواس البلازما لإدارة النفايات الخطرة .

كما اعتمدت منظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى فى عام ( 1985 ) عددا من المبادىء للتحكم فى نقل النفايات الخطرة عبر الحدود وتجسدت المبادىء فى قانون الاتحاد الاقتصادى الأوروبى الذى صادقت عليه المنظمة فى عام ( 1988 ) والذى وضع قائمة أساسية بالنفايات الخطرة والنفايات الأخرى التى ينبغى التحكم فيها أثناء عمليات النقل عبر الحدود ومع تشديد الضوابط على عمليات نقل النفايات الخطرة والتخلص منها فى البلدان الصناعية حيث زادت العمليات غير القانونية لطمر النفايات الخطرة والاتجار فيها وكانت المسألة موضع القلق الخاص هى الصفقات غير القانونية .

 

مبدأ منع التلوث :

منذ ( 90 / ق 20 ) ظهر فى القاموس الصناعى مصطلح مبدأ ( منع التلوث ) وينادى باتخاذ جميع الإجراءات فى الصناعة لمنع ظهور المخلفات الصلبة أو الخطرة أو التقليل منها إلى الحد الأدنى فنظرا لضخامة تكلفة معالجة النفايات والتعقيدات المتصلة بها فإن ( مبدأ منع التلوث ) يعود بأعظم المنافع ويجب ترويجه على أوسع نطاق فعبر هذا المبدأ أى منع التلوث بحيث تنخفض الحوادث المهنية وحوادث الجمهور للمواد الكيميائية الخطرة وتتعزز الكفاءة الصناعية والقدرة التنافسية نظرا لأن منع حدوث النفايات يقلل فى الوقت نفسه من تدخلات المواد الأولية ويوفر الطاقة ويخفض حجم النفايات الواجب تخزينها أو معالجتها أو التخلص منها وكلما قل حجم النفايات قلت نفقات شراء وتشغيل معدات التحكم فى التلوث كما تقل الحوادث أثناء نقل النفايات بالسكة الحديد أو بالطرق العامة وكلما قلت الحاجة إلى إنشاء مرافق خارج الموقع للنفايات الخطرة قلت معها المشكلات الصحية البيئية والسياسية كما تستطيع الشركات تخفيض تكاليف ومخاطر المسؤولية التى تنشأ عن ممارسات التخلص غير السليم من النفايات والحقيقة أنه يمكن القضاء على نسبة تصل إلى ( 50 % ) من الملوثات البيئية والنفايات الخطرة بوساطة التكنولوجيا الحالية .

 

إعادة التدوير :

يتضمن مبدأ ( منع التلوث ) مفهوم إعادة التدوير ومن المعروف أن تدوير النفايات وإعادة استخدامها كانا يمارسان فى بعض البلدان لعقود طويلة ولأسباب اقتصادية وربما يكون أكثر الأمثلة المعروفة إعادة استخدام خردة المعادن والقنانى الزجاجية للمشروبات غير الكحولية ويحظى التدوير باهتمام متزايد فى كثير من البلدان ففى ( هنغاريا ) يتم تدوير نحو ( 29 % ) من النفايات الخطرة ولا شك أنه يوجد إمكانيات كبيرة لاستعادة مواد كثيرة كالمذيبات والمعادن إلى حالتها الأصلية بما فى ذلك ( الكروميوم / الزئبق / النحاس ) وأفادت التقديرات بأن ما يقارب ( 80 % ) من نفايات المذيبات و ( 50 % ) من نفايات المعادن فى مجارى النفايات السائلة فى ( أمريكا ) يمكن إعادة تصنيعها بوساطة التكنولوجيا الحالية وبشكل عام يمكن القول بأن إدارة النفايات الصلبة فى جميع دول العالم أصبحت من الأمور الحيوية للمحافظة على الصحة والسلامة العامة .

 

                                                       بسام نبيل حماش

تنقيح / أسامه ممدوح عبد الرازق  مصطفى شرف 

المصدر : مجلة التقدم العلمى الكويتية

التاريخ / 13 / 7 / 2021

 

   

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق