الخميس، 15 يونيو 2023

اكزومارس رحلة البحث عن حياة مريخية

 

 

اكزومارس رحلة البحث عن حياة مريخية

لم يسبق لأى بعثة مريخية أن حسمت مسألة وجود حياة على كوكب ( المريخ / Mars ) فهل ينجح برنامج ( إكزومارس ) الأحدث فى الإجابة على السؤال ؟

ولطالما أثار كوكب المريخ مخيلة العلماء منذ أوقات بعيدة وعن طريق معرفته وكشف غموضه لكن ابتكار المنظار الفلكى وتطويره على يد جاليليو فى عام ( 1609 ) حيث أن التساؤلات النظرية نقلت لحقل الأرصاد والمشاهدات العلمية المقربة ومنذ مجىء عصر الفضاء ( 1957 ) وإرسال المسابر الفضائية لمختلف مكونات النظام الشمسى من الكواكب وأقمارها فقد حصل المريخ ( Mars ) على اهتمام كبير من البعثات الفضائية وهى بعثات اقتصر هدفها على الدراسة الجيولوجية والمناخية للمريخ دون التركيز على مسألة وجود حياة وخاصة بعد أن أعادت بعثة مارينا 4 فى عام ( 1965 ) صورا صادمة ومحبطة للعلماء تظهر سطح الكوكب الأحمر / المريخ كمكان أجرد قاحل معاد لكل أنواع الحياة .

وإن أبرز بعثة أجابت عن مسألة وجود حياة مريخية ( بعثة فايكنج المزدوجة ) المرسلة من قبل ( ناسا ) عام ( 1976 ) حيث اشتملت بعثة ( فايكنج ) على عدة تجارب بيولوجية بهدف إجراء تحاليل موضعية لتربة المريخ عن طريق وضع عينات منها فى مختبر خاص على متنها يمكنه كشف وجود أى نشاط بيولوجى يشير لوجود عمليات استقلاب أو تحلل مركبات عضوية فيها حيث كانت خلاصة التجارب إعطاء واحدة منها نتيجة إيجابية تمثلت بانطلاق غاز بعد إضافة مادة مغذية للعينة ومع إخفاق بقية التجارب على كلا مركبتى فايكنج فى كشف وجود أى جزيئات عضوية فإن انطلاق الغاز فى التجربة نتيجة عمليات لا عضوية .

أما بعثة ( مارس باثفايندر ) عام ( 1997 ) فقد كان هدفها اختبار تكنولوجيات هبوط جديدة إضافة لتجربة الجوالة الآلية ( سوجورنر ) التى كانت أول مركبة جوالة سارت بعجلاتها على سطح الكوكب الأحمر / المريخ وأثبتت الأهمية الكبيرة لحركة المركبة من مكان لآخر عليه وحققت نجاحا كبيرا بعملها المتواصل لمدة ( 3 شهور ) بدلا من شهر واحد لكن البحث عن حياة مريخية لم يكن ضمن أهداف بعثة ( مارس باثفايندر ) .

كما اشتملت بعثتا ( سبيريت ) و ( أوبورتيونتى ) عام ( 2004 ) على سلسلة كبيرة من تجارب بحثت عن الماء ودرست بيئته إضافة لتجريب تكنولوجيات جديدة تمهد للجيل اللاحق من مركبات الهبوط لكنها خلت من معدات البحث عن حياة مريخية حيث كان آخر بعثات الهبوط المرسلة من ( ناسا ) ( بعثة مختبر علوم المريخ ) إذ لم يشمل برنامج عملها الرئيسى البحث عن حياة مريخية بصورة مباشرة وتوجد بعثة أخرى سابقة كشفت وجود حياة فى تربة المريخ بعثة ( المريخ 96 ) الروسية حيث فشلت فى إطلاقها وسقطت فوق أمريكا الجنوبية .

أما المركبات المدارية فقد اهتم معظمها بمهمات رسم خرائط سطح كوكب المريخ ودراسة غلافه الغازى الرقيق وحقله المغناطيسى ومتابعة عمل مركبات الهبوط ونقل المعلومات لمراكز التحكم والمتابعة على الأرض وبالعكس فلم يكن من السهل تصميم تجارب عليها لتقصى وجود حياة فى تربة كوكب المريخ / الكوكب الأحمر وهى فى حركتها السريعة عالية فى المدار ( Orbit ) .

 

حياة مريخية :

بعد مشاهدة صور ( مارينر 4 ) والبعثات اللاحقة لها حيث تبين أن المريخ كوكب ميت لكن ما حصل على الأرض من اكتشافات غير قليلة لأنواع حية فى أوساط غير مألوفة لها فبمراجعة مفهوم قابلية بيئة أو كوكب ما للحياة حيث اكتشف علماء الحياة على الأرض أنواعا حية فى بيئات بالغة القسوة بالنسبة لمعظم أنواع الحياة على الأرض والمتمثلة فى القطبين الشمالى والجنوبى للأرض حيث أن الليل والنهار عند القطبين يكونا ( 6 أشهر ) متواصلة شتاء و ( 6 أشهر ) متواصلة صيف أما فصلى الربيع والخريف فلا وجود لهما عند قطبى الأرض الشمالى والجنوبى حيث أن أنواع الحياة كالتى وجدت عند فوهات الينابيع الكبريتية الحارة فى أعماق المحيط بعيدا عن الضوء والاكسجين وإن الجراثيم المكتشفة حية  على أعماق كبيرة فى التربة المريخية الحمراء اللون مما جعل العلماء يسمون ( المريخ / Mars ) ب ( الكوكب الأحمر / The Red Planet )  فى بيئة تقترب حرارتها من درجة غليان الماء وتوجد المتعضيات المكتشفة فى بيئات قطبية متجمدة على سطح المريخ كما أظهرت التجارب العلمية على كائنات أرضية حية نقلت لمحطة الفضاء الدولية قدرة غير متوقعة لها على الحياة فى بيئة غريبة وخطرة ( البيئة الفضائية / The Space Enviroment )  ولعل اكتشاف أشكال مستحدثة لها شكل عصيات بكتيرية فى الحجر النيزكى المريخى ( ALH 84001 ) الذى سقط فى منطقة ( آلان هيلز ) فى القطب الجنوبى للمريخ  عام ( 1984 ) وتوجد شكوك باحتمال كونها مستحاثات بكتيرية جعل العلماء يعيدون النظر فى مسألة البحث عن حياة على كوكب المريخ ( The Planet Mars )  فالمريخ ( Mars ) رغم ما يبدو عليه من مظاهر معادية للحياة فإنه يحظى بخصلة من الخصائص المناسبة لها كوجوده على أطراف المنطقة الصالحة للحياة ( The Place for good of Life ) حول الشمس ووجود الماء فيه وغلافه الغازى الرقيق وطول يومه وميله المحورى فلا بد للعلماء من تصميم وإرسال بعثة جديدة تستهدف البحث عن حياة عضوية محتمل وجودها فى تربة المريخ ( The Dust of Planet Mars ) .

ولقد بدأ مشروع ( إكزومارس ) بتعاون بين وكالتى الفضاء الأمريكية ( ناسا / NASA والأوروبية ( إيسا / ESA ) تهدف لبناء وإرسال بعثة مشتركة للكوكب الأحمر ( المريخ ) تتكون من مركبة مدارية ( TGO ) ومركبة الهبوط ( سكياباريللى ) لكن ناسا توقفت عن الاستمرار فى مرحلتين مرحلة ( إكزومارس 2016 ) والتى أطلقت فى / 14 / 3 / 2015  والثانية ( إكزومارس 2018 ) التى خطط لإرسالها فى ( 5 / 2018 ) .

 

مركبة أوروبية على صاروخ روسى :

يبرز حضور وكالة الفضاء الروسية فى المشروع من خلال تقديمها الصاروخ الحامل ( بروتون – إم ) لكلا المرحلتين حيث يستطيع الصاروخ القوى نقل حمولة كتلتها 22 طن لمدار قريب من الأرض وأقل من ذلك لمسافات أبعد وهو من النماذج الحديثة فى سلسلة ( بروتون ) الموثوق بكفاءتها كما أسهمت الوكالة الروسية للفضاء بتقديم مجموعة من الأجهزة العلمية على متن المركبة المدارية ( TGO ) وستعمل الوكالة الروسية للفضاء على بناء مركبة الهبوط ( القاعدة ) فى بعثة المرحلة الثانية أما وكالة الفضاء الأوروبية ( إيسا ) ( ESA ) فقد قدمت مركبة الهبوط ( سكياباريللى ) والمركبة المدارية ( TGO ) ومعظم الأجهزة العلمية عليهما إضافة للدعم الفنى والمتابعة فى مراكز التحكم والتوجيه الأرضية كما أنها ستبنى مركبة ( إكزومارس ) الجوالة الخاصة بالمرحلة الثانية ومعظم أجهزتها العلمية التى ستجول بها على سطح المريخ بعد هبوطها عليه فى أوائل عام ( 2019 ) .

 

أهداف البعثة :

ستقوم مركبة ( TGO ) المدارية فى مرحلة ( إكزومارس  2016 ) بتقصى ودراسة مجموعة من الغازات ضئيلة الأثر فى غلاف المريخ الغازى الرقيق والمكون من غاز أول أكسيد الكربون السام وغاز الميثان فالميثان يمكن له أن ينتج من عملية بيولوجية حيوية      فلقد أثبتت البعثات السابقة ( للمريخ / Mars ) وجودا واضحا لغاز الميثان المريخى لكنها لم تتمكن من تحديد مصدره أهو عضوى أم جيولوجى فالميثان يدوم فى غلاف المريخ الغازى عدة قرون ولذا كان لا بد من وجود آلية ما عضوية أو جيولوجية لتحديده حيث ستبحث ( TGO ) عن غاز الميثان وأماكن إطلاقه المحتملة على سطح كوكب المريخ The Planet Mars  وإذا تم التمكن من كشف الأماكن فهى ستقدم للعلماء مجموعة من المواقع المرشحة لهبوط جوالة ( إكزومارس 2018 ) الثانية عام ( 2019 ) والتى ستبحث فى هذه المواقع عن الحياة على سطح المريخ .

أما مركبة الهبوط التجريبية ( سكياباريللى ) فستقوم بتجريب طرق جديدة للهبوط وستجرى اختبارات بيئية وغازية فى مكان هبوطها ورغم قصر فترة عملها التى ستدوم عدة أيام فإن نتائج عملها ستمهد الطريق لجوالة ( إكزومارس ) التى سترسل ضمن المرحلة الثانية من المشروع عام ( 2018 ) .

 

( إكزومارس – 2018 ) :

لعل الحجم الأكبر والأهم من عمل البعثة وخاصة الجزء المتعلق بأبحاث الحياة المريخية وهو ما ستهتم به المرحلة الثانية من البعثة ( إكزومارس 2018 ) التى ستطلق للفضاء فى طريقها للمريخ فى ( 5 / 2018 ) و ( 1 / 2019 ) موعدا لوصولها حيث ستشتمل المرحلة بصورة رئيسية على العربة الجوالة ( إكزومارس ) التى ستعمل كمختبر علمى متنقل وسوف يجول لمدة ( 6 شهور ) فوق سطح المريخ حيث سيحمل المختبر أجهزة ومعدات تسمح له بتحليل عينات التربة وخصائصها فى موقع الهبوط وفى مواقع أخرى من سطح المريخ وستدرس أوجه الشبه والاختلاف بينها وسيقوم المختبر بفحص عينات وجليد الماء التى يجدها فى التربة بعمق يصل لمترين وهى المرة الأولى التى ستتمكن فيها بعثة مريخية من الحفر بعمق عن طريق ذراع حفر آلية لها هذا الطول وستحمل الجوالة على متنها مختبر ( باستور التحليلى ) الذى سيحلل عينات من التربة لتحديد وجود بصمة حياة قديمة أو حالية فى تربة المريخ وستساعد حصيلة تجاربها فى الإعداد لبعثة مستقبلية أخرى بهدف نقل عينات مريخية للأرض فإن دراسة المركبة للخصائص الفيزيائية لبيئة السطح المريخى فى أماكن تجوالها حيث ستساعد فى ترشيح مواقع مناسبة لهبوط بشرى فى رحلات مأهولة للمريخ فى المستقبل كما أنها ستفحص بيئة التربة تحت السطحية للمريخ لإدراك آلية تطورها وقابليتها للحياة .

أما الدعم الفنى والمتابعة والتواصل مع المراكز الأرضية فستستمر بتقديمها مركبة TGO المدارية التى أطلقت ضمن المرحلة الأولى .

أحلام مريخية :

ماذا سيعنى اكتشاف حياة على المريخ ؟ حياة غير أرضية وأيا كان نوعها بكتيرية أم طحلبية أم فيروسية ماذا سيعنى أن تكون الحياة على الأرض ليست وحيدة فى الكون ؟

إذا نجحت بعثة ( إكزومارس ) فى إثبات وجود حياة مريخية فى المستقبل فسيشكل كشفا علميا فريدا من نوعه بل لعله سيكون أهم اكتشاف علمى ينجزه الإنسان فى تاريخه فيجب معرفة تلك الحياة أكثر عن قرب طبيعتها وآلية عملها وتاريخها التطورى وأوجه الشبه والاختلاف الممكنة مع مثيلاتها الأرضية فيجب على الحياة الأرضية أن تتعرف على شريك كونى لها فى الوجود الحى فإن استمر غيابه فلن يعرف البشر أن كوكبهم الأرضى ليس وحيدا فى إيواء بذرة الحياة فى الكون .

حازم محمود فرج     تنقيح / أسامه ممدوح عبد الرازق مصطفى شرف         25 / 12 / 2017

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق