الثلاثاء، 15 أغسطس 2023

الطب النووى ووحدة العلم

 

الطب النووى ووحدة العلم

تقدمت وسائل الفحص الطبى وقد زاد هذا التقدم من فرص تشخيص العديد من الأمراض بصورة دقيقة وأسهم بشكل بارز فى اختيار نوع العلاج بمجرد تشخيص المرض بدلا من تحويل المريض إلى حقل لتجارب الدواء فإن بعض وسائل التشخيص المتقدمة يمكن استخدامها فى العلاج وبطريقة مأمونة وصاحب التقدم فى وسائل الفحص الطبى شيوع ألفاظ وكلمات لم تكن واردة من قبل

( الطب النووى ) وهذه الألفاظ والكلمات لها دلالاتها العلمية واللغوية .

 

العناصر المشعة :

الطب النووى واحد من الحقول التى تقدم دليلا على وحدة العلم وإن اختلفت منابعه وتعددت مصادره وهو فى الوقت نفسه دليل على ثمرة التعاون البشرى فيما ينفع الانسان لأن الطب النووى

ميدان تلتقى فيه علوم الفيزياء والكيمياء الحيوية والعقاقير والطب .

أما ( الطب النووى ) فهو ترجمة حرفية للاسم الانجليزى ( Nuclear Medicine ) ويقوم هذا الفرع من الطب على استخدام النظائر المشعة ( Radioactive Isotopes )

( طب النظائر المشعة ) أو استخدام المواد المشعة فى حقل الطب .

يوجد فى الطبيعة ( 92 عنصر ) تتكون منها بنسب متفاوتة جميع المواد وبعض هذه العناصر يكون مشعا ( Radioactive ) إذ تصدر عن أنوية ذراته الإشعاعات وهذه الإشعاعات هى فى الحقيقة صورة من صور الطاقة تنتشر على هيئة موجات ( Waves ) ولما كانت الطاقة من النوع الكهربى والمغناطيسى معا فإن موجات الإشعاع ( موجات كهرومغناطيسية ) والعنصر المشع هو عنصر غير ثابت أى أنه يتحلل باستمرار ليصبح فى النهاية عنصرا آخر وأما الإشعاع الصادر عنه إلا نتيجة لعملية التحلل ومن العناصر المشعة ( الراديوم واليورانيوم ) .

ويوجد العنصر الواحد فى الطبيعة على الهيئة الثابتة أو المستقرة والهيئة غير الثابتة المشعة ويرجع الاختلاف فى الهيئة إلى عدد النيوترونات فى ذرات العنصر ذاته والنيوترونات هى جسيمات أو جزيئات متعادلة كهربيا أى ليست سالبة أو موجبة وتوجد فى أنوية الذرات كعنصر الكربون الذى يوجد فى الطبيعة على هيئة ثابتة وأخرى مشعة وعلى العنصر فى هيئته غير الثابتة

( نظير مشع ) .

الطب النووى يقوم على استخدام العناصر المشعة بهدف الاستفادة من الإشعاعات الصادرة عنها فى مجال التشخيص أو العلاج .

ومن الإشعاع المستخدم على نطاق واسع فى الحقل الطبى ( الأشعة السينية ) و أشعة ( x ) وأشعة

( جاما ) وليست أشعة ( جاما ) إلا أشعة سينية ذات طول موجة قصير لا يتجاوز بضعة سم قليلة .

 

أسس التطبيق :

إذا ابتلع الانسان مقدار ما من عنصر أو نظير مشع فإن الإشعاع الصادر عن أى منهما يخترق انسجة الجسم فى عملية انتشار إلى الخارج ويمكن التقاط الإشعاع المنبعث بأجهزة خاصة حساسة  

لنوع الإشعاع كآلة التصوير ( كاميرا جاما ) .

 

 

 ودور علم العقاقير أنه يعامل العناصر المشعة بطرق خاصة تجعله مأمون الاستخدام مع أنسجة الجسم البشرى ويراعى توافق العنصر المشع مع طبيعة النسيج المراد فحصه وطبيعة العمليات الكيميائية التى تحدث فيه وهذا يستدعى تدخل الكيمياء الحيوية بحيث لا يؤثر العنصر المشع على أنشطة الجسم الحيوية .

وأدى التقاء علم العقاقير وعلم الكيمياء الحيوية إلى الحصول على مواد مشعة وهى فى الأصل عناصر مشعة عوملت معاملة خاصة بحيث لا تؤثر عكسيا على الخلايا الحية فى جسم الانسان .

كما إن دراسة خصائص العناصر المشعة والتى تقع فى دائرة علم الفيزياء مكنت المشتغلين بالعقاقير والكيمياء الحيوية من الحصول على مواد مشعة متنوعة تصلح لاختبار وظائف الأجهزة والأعضاء المختلفة فى الجسم .

فهناك مادة مشعة لاختبار وظائف الكلى وأخرى لفحص القلب وأخرى لفحص المخ .

وتعطى المواد المشعة للانسان بجرعات محسوبة وفقا لطبيعة المادة المشعة من ناحية والعضو المراد فحصه من ناحية أخرى ولكنها فى المجمل لا تؤدى إلى ضرر إذ يقدر أن الإشعاع الصادر عن جرعة واحدة من أى من المواد المشعة يقل عن الإشعاع الذى يستقبله الانسان عند اجراء فحص للصدر ( الرئتين والقلب ) بالأشعة السينية التقليدية .

وتنتشر المادة المشعة بعد تناولها فى خلايا النسيج أو العضو المراد فحصه ويكون الإشعاع المنتشر إلى خارج الجسم قادما من كل خلية فى هذا النسيج أو العضو وبالتقاط الإشعاع باستخدام

( كاميرا جاما ) تتكون صورة كاملة للعضو المعين بالفحص تشمل كل خلية فيه وفى أحيان كثيرة يتم توصيل ( كاميرا جاما ) بكمبيوتر يستقبل الصور التى تلتقطها الكاميرا ويقدم تفسيرا أو تحليلا يبين حالة خلايا العضو ومدى نشاطها الوظيفى .

وتنفرد طريقة الفحص بالمواد المشعة عن باقى طرق الفحص تقليدية كانت أو حديثة بأنها تكشف

عمل أعضاء الجسم بينما تظهر الوسائل الأخرى شكل أعضاء الجسم فالأشعة السينية أو المسح الطبقى المحورى بالكمبيوتر أو استخدام الموجات فوق الصوتية يعطى معلومات عن التركيب التشريحى لعضو ما دون تقديم معلومات عن العضو المعين بالفحص أثناء تأدية وظيفته .

إن الفحص بالمواد المشعة الذى يعطى فكرة واضحة المعالم عن الآداء الوظيفى للعضو المراد فحصه .

 

اختبار السكون :

يوجد طريقتان لاستخدام المواد المشعة فى الفحص الطبى :

1 ) اختبار السكون وتستخدم فى فحص العظام وإن كانت تستخدم لفحص أعضاء أخرى كالرئتين والكليتين وفى هذه الطريقة تعطى جرعة محددة من مادة مشعة معينة للانسان موضع الفحص وبعد مرور وقت يسمح بانتشار المادة المشعة فى خلايا النسيج أو العضو المراد فحصه حيث تلتقط صورة الإشعاع المنبعث باستخدام ( كاميرا جاما ) والصورة الناتجة تمثل حالة النسيج أو العضو فى لحظة معينة من الزمن هى لحظة التقاط الصورة .

وفى حالة فحص العظام بهذه الطريقة تظهر صورة الإشعاع الصادر عن عظام الجسم متجانسة إذا كانت العظام طبيعية لا مرض فيها فإذا وجدت بقعة مريضة فى عظمة ما من عظام الجسم فإنها تلتقط مقدارا أكبر من المادة المشعة فيكون الإشعاع الصادر عنها أكبر من المناطق المجاورة لتبدو صورة البقعة المريضة داكنة عن صورة باقى العظام .

والسبب فى أن مكان المرض يلتقط مقدارا أكبر من المادة المشعة يرجع إلى التغيرات الكيميائية التى يحدثها المرض فى الخلية الحية و لأن أماكن المرض تبدو داكنة فى الصورة : النقاط الساخنة

وربما كانت التسمية راجعة إلى الإشعاع المتزايد المنبعث من بقعة مريضة عن الإشعاع الصادر من

أماكن سوية .

ويعتبر هذا النوع من الفحص أفضل وسيلة للكشف المبكر عن سرطان العظام سواء أكان السرطان ناشئا فى العظام أم ثانويا نتيجة انتشار خلايا السرطان من موضع آخر فى الجسم وعادة تظهر الأماكن المصابة بالسرطان داكنة أو على هيئة نقاط ساخنة .

وبالنسبة للرئتين يفيد اختبار السكون باستخدام المواد المشعة فى معرفة الأماكن من الرئتين التى انقطع وصول الدم إليها نتيجة انسداد أحد الشرايين وأن المادة المشعة يحملها تيار الدم إلى العضو المخصوص بالفحص فإذا انقطع وصول الدم إلى مكان ما من العضو نتيجة انسداد الشريان الموصل إلى هذا المكان فإن المادة المشعة لن تصل إلى هذا المكان المحروم من الدم وعند التقاط صورة الإشعاع الصادر عن الرئتين حيث يبدو المكان فى الرئة المحروم من وصول الدم إليه أبيض

وبتعبير آخر يكون هناك حيز فارغ فى الصورة يخلو من أى أثر للإشعاع .

فإن هذا النوع من الفحص يعتبر أفضل وسيلة لكشف انسداد شريان معين أو أحد فروعه من شرايين الرئة كما أن وسائل الفحص الحديثة قد تكشف عن مثل هذا الخلل لكن ليس بنفس دقة الفحص بمادة مشعة .

 

اختبار الحركة :

2 ) أما الطريقة ( 2 ) من طرق الفحص الطبى باستخدام المواد المشعة ( اختبار الحركة ) وتستخدم لفحص الكليتين والقلب وأحيانا دورة الدم فى المخ .

وظيفة الكليتين هى ترشيح الدم الواصل إليهما ثم امتصاص المواد النافعة وإعادتها إلى تيار الدم وإفراز المواد التى يجب تخليص الجسم منها إلى المثانة لتمر فى البول إلى خارج الجسم .

ولاختبار قدرة الكليتين على القيام بهذه الوظائف يعطى الشخص المراد فحصه جرعة محددة من مادة مشعة ترشحها الكلى وعن طريق ( كاميرا جاما ) التى تثبت فى مواجهة الكلية يتم التقاط مجموعة من الصور للإشعاع الصادر بمعدل صورة كل ( 20 ث ) ويقوم كمبيوتر متصل بالكاميرا بتحليل هذه الصور و إعطاء نتائج على شكل منحنيات بيانية يكون الزمن محورا فيها .

ونشاط الكليتين المحور الآخر وبقراءة هذه المنحنيات البيانية يستطيع الأطباء معرفة نشاط الكليتين بشكل دقيق .

وعند فحص القلب تتبع طريقة مماثلة وإن كان معدل التصوير يزيد إلى حوالى ( 100 صورة ث ) ولمتابعة حركة الدم فى غرف القلب من جهة ولمتابعة نشاط عضلة القلب أثناء الانقباض و الانبساط من جهة ثانية .

ويعتبر فحص القلب بالمواد المشعة أحد التطبيقات الحديثة لهذه الطريقة من طرق الفحص ويتزايد الاعتماد عليها يوما بعد يوم لأنها مأمونة وليست لها آثار جانبية كتلك المترتبة على بعض وسائل الفحص الأخرى .

أما فحص المخ بطريقة اختبار الحركة فالهدف منه معرفة حالة الأوعية الدموية فى المخ ومدى سلامتها وتعتمد هذه الطريقة على مقدار الإشعاع الصادر عن مادة مشعة يحملها تيار الدم إلى شرايين المخ فإذا كان فى الشرايين ضيق أو انسداد قل مقدار الإشعاع تبعا لقلة الدم السارى فى أوعية ضيقة أو مسدودة ويقوم الكمبيوتر فى هذه الحالة بتحليل الصور التى يتلقاها من كاميرا متصلة به .

إن جميع الفحوصات التى تجرى باستخدام المواد المشعة لا تستلزم إقامة المراد فحصهم فى المستشفى وحيث إنها لا تؤدى إلى مضاعفات يستطيع المريض المغادرة فور انتهاء الفحص .

 

فى مجال العلاج :

تستخدم بعض المواد المشعة التى يصدر عنها إشعاع ( بيتا ) وهذا النوع من الإشعاع ينتشر على هيئة موجات قصيرة ولكنه من القوة بحيث يقتل الخلايا الحية التى يصل إليها .

ويمكن ترويض هذا النوع من الإشعاع بحيث يعود على الانسان بالفائدة ويكون ذلك بتوجيه هذا النوع من الإشعاع إلى خلايا فى الجسم يراد قتلها كما هو الحال مع خلايا السرطان .

وفى سرطان الغدة الدرقية يعطى المريض جرعات من اليود المشع ولما كانت الغدة الدرقية وهى غدة صماء فى مقدمة العنق تمتص اليود من تيار الدم لتستخدمه فى إنتاج هرموناتها فإنها تمتص اليود المشع بالخاصية نفسها وتنفرد الخلايا السرطانية بقدرة أكبر على امتصاص اليود ويصل اليود المشع إلى تركيز عالى فيها والإشعاع الصادر عن اليود داخل الخلايا السرطانية يؤدى إلى إبادة خلايا السرطان .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق