السبت، 19 أغسطس 2023

المستقبليات رؤية علمية للغد

 

 

المستقبليات رؤية علمية للغد

 

إن تغير حياة الإنسان بسرعة بمثل عدة طرق باهرة ولا يوجد إنسان على الأرض يمكنه معرفة ما سيحدث على وجه اليقين بعد عدة سنوات لكن العلماء يفكرون فى أمور المستقبل ويمكن أن يعطوا لمحات من الأشياء التى ستشاهد فى السنوات القادمة بإذن الله تعالى والأهم أنه يصبح بالإمكان المساعدة فى اتخاذ القرارات التى يجب أن نقوم بها اليوم لجعل علم الغد ( المستقبل ) مكانا أفضل للحياة حيث يمكن استشراف الأفق باستنارة ونحدد مواطىء أقدامنا بجلاء ووضوح .

ولا يكاد يبزغ فجر أو تشرق شمس حتى يتوصل العلماء إلى ( 1000 ) اختراع مبتكر ومتفرد يدفع بحياة الناس نحو دروب جديدة فى عالم المستقبل ويضع آفاقا رائعة للزمن القادم ومجتمع الغد فلقد أصبحت دراسة المستقبل ( المستقبليات ) أمرا مهما جدا للدولة التى تريد مسايرة العصر وتحقق التقدم والرخاء لمواطنيها .

 

علم التوقع والاستعداد للغد :

إن علم المستقبليات علم يهدف لتوقع الأحداث القادمة والاستعداد لها عن طريق التنبؤ ومحاولة التأثير فيها وتطوير طرق أفضل للتفكير فى أمور عالم الغد وفحص ودراسة الأساليب والوسائل البديلة للتعامل مع مجموعة كبيرة من الظروف المستقبلية المتوقعة وعن طريق صناعة المستقبل بما نفعله بنجاح أو بما نفشل فى آدائه يوميا .

والتغير السريع فى الوقت الحاضر يعنى أن المستقبل قد يكون مختلفا أكثر بالنسبة للبشرية عما كان للأجيال السابقة من البشر وسوف يبدو عالم المستقبل مكانا غريبا ما لم تجهز البشرية نفسها له ولكى يتحقق ذلك يجب البحث عن أى بصيص من الضوء لما يمكن أن يحدث فى السنوات القادمة .

فلا يمكن معرفة ما يخبئه المستقبل للبشرية من أحداث وتوقعات لأن أحداثه وتوقعاته غير مؤكدة الوقوع لكن يمكن تحديد بعض الاحتمالات المدروسة الممكنة بحيث يمكن أن تقرر البشرية بشكل أكثر صوابا ما الذى يجب فعله اليوم لصياغة مستقبل أفضل للعالم .

إن المستقبلية بالمعنى العلمى هى دراسة وتوقع وتأمل وارتياد وبحث لأحداث الغد ( المستقبل ) المتوقعة والتى كانت محورا رئيسيا للأحوال الإنسانية فبقاء الإنسان يعتمد لحد كبير جدا على قدرته الواعية على تنظيم الأحداث الحالية فى ضوء الخبرات السابقة والأهداف المستقبلية .

وقد تطورت المستقبلية بهدف مواجهة التحديات المتسببة من قبل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية فإن المنظومات المختلفة وأفرع العلوم المتداخلة فى مجال علوم المستقبل تشمل الرياضيات وعلوم النفس والاجتماع والأحياء والإدارة كانت لها مساهماتها المتعددة .

وأظهرت المستقبلية قابليتها للتفاعل والاستجابة للبيئة الاجتماعية والثقافية التى إن لم تكن منبثقة عنها فإنها نشأت فيها ومن ثم يمكن التنبؤ بالتطورات العلمية مستقبلا .

وإن المستقبل مجهول إلى حد كبير ويتميز بالضرورة بأمور عديدة غير مؤكدة فإنه لا يمكن تناولها أو فحصها إلا بأكثر الطرق الحذرة غير المباشرة وبالرغم من القيود الموجودة لسبر أغوار المستقبل تتمثل فى ظروف عدم التأكد إلا أن الاهتمام بالعمل وإدراك الضرورة الملحة للقيام به يتزايد باستمرار واطراد لأسباب كثيرة :

1 ) عدم الرضا عما تراه البشرية من حولها .

2 ) النتائج المتناقضة للأهداف الطموحة .

3 ) فقد نوعية الحياة المطلوبة .

4 ) التلوث البيئى .

5 ) المجاعات .

6 ) تقوض النظام النقدى العالمى .

س : ألم يكن ممكنا للبشرية أن تدبر أمورها بشكل فعال ؟

ج  : يمكن للبشرية أن تستعمل التوجهات والتصورات الموحية بالمستقبل إذ بدأت تؤثر فى البشرية التصرفات الفردية والجماعية فى البيئة التى نعيش فيها إلى مدى أكبر مما كان يحدث من قبل .

وأن كل شىء يبدو أنه يتغير بمعدل أسرع بكثير من أى وقت مضى وأدت سرعة التغير فى لبسنوات الأخيرة فى كل أنشطة الحياة إلى الاطاحة بكثير من الأسس التى بنى عليها التفكير فى الماضى ونحن لا ندرى إلى أى مدى يمكن السيطرة عابها ويبدو أننا دخلنا مرحلة جديدة من التطور القومى والعالمى التى يجب أن تكون أنماط التقدم البديلة فيها قد درست بعناية أكبر قبل اتخاذ أى قرار بالاختيار .

وهذه الظروف المقيدة على سبر أغوار المستقبل والضرورة المتزايدة للتعامل مع الغد بفاعلية أكثر

1 ) تخلق قوى  متعارضة لحد ما فإذا كان المستقبل يحدق فى البشرية وهذا ما يحدث حقيقة بحيث إن ما كان يعتبر من قبل بعيد المدى يصبح قصير المدى لدرجة أن سرعة التغير يبدو أنها تضغط السنوات لشهور وأيام وأن عملية التطور الكلى تصبح شديدة التعقيد بحيث يصعب فهمها ولعل أفضل رد الفعل للبشرية مسايرة الزمن ولا نتعجل الأحداث ولا تعتبر سياسة الانتظار المرن والمراقبة ووضع الخطط المستقبلية العاجلة والاستجابة لتهديد أو انتهاز فرصة للحظة الراهنة سياسة سيئة فإذا أصبحت هى رد الفعل أو المسيطر فإن المعركة تكون قد انتهت بالنصر إذ بينما يقبل المستقبل يجب محاولة مواجهته حسبما يكون ونحن أشد نظاما وأعمق بحثا وأكثر مهارة فى الاجابة عن الأسئلة ( 3 ) الأساسية :

1 ) ما هى الاختيارات المطروحة أمام  البشرية ؟

2 ) ما هو حجم المعلومات المتوافرة للبشرية ومدى دقتها ؟

3 ) ما الذى تفضله البشرية فى ضوء المتغيرات المتوقعة ؟

ويمكن استعادة المبادرة تدريجيا ونصلح أنفسنا للاستعداد للدراسة الطويلة بينما نصارع ضروريات اللحظة الحاضرة .

وأكثر التنبؤات الخاصة بمستقبل البلاد المتقدمة صناعيا تتناول التغيرات والتحولات الحالية تجاه تشكيل مجتمع ما بعد التقدم الصناعى هو موضوع كتاب ( الموجة الثالثة ) الذى يستخدم شعار اصطدام موجات التغير :

1 ) كانت قيام الصناعة .

3 ) مجتمع ما بعد التقدم الصناعى فتتضمن تشكيل مجتمع يتبنى أساسا على أجهزة الكمبيوتر والتكنولوجيا المقترنة بها وتصل تداعيات التغير من مجتمع ما بعد التقدم الصناعى إلى سائر مجالات الحياة وتؤدى إلى تغيير الأنماط السلوكية والأعراف الاجتماعية الأساسية فى مجتمع الغد أما بالنسبة للدول النامية فإنها سوف تستخدم دراسات المستقبل لاكتشاف عمليات تطور تختلف عنها فى الدول المتقدمة حتى لو اعتمدت على التقدم التكنولوجى مع اختيار مراحلها تبعا للاحتياجات المحلية بدلا من تجديدها من الخارج .

 

الأهداف المنشودة :

إن النظرة للمستقبل جديدة نسبيا فى سجل الخبرات الإنسانية ويوجد اتجاه متزايد لجعل الغد موضوعا للملاحظة المنهجية والمعرفة العقلانية .

ومن المفيد تعزيز أفكار دراسة المستقبل وتنظيمها داخل اطار مترابط وتحديد أهداف لها وإن للمستقبلية ( 6 أهداف ) :

1 ) تحديد واستعراض المستقبلات البديلة ومن ناحية فإن دراسة البدائل المضادة لفكرة التنبؤ والاستغراق فى تصور مستقبل وحيد محدد مسبقا والتركيز على التطورات الممكنة وما يرتبط بها من اختيارات .

2 ) يتعلق بالتعرف على درجة عدم التأكد المقترنة بكل مستقبل بديل فتوجد بعض الأنشطة المستقبلية مؤثرة أكثر من غيرها وأى تفسير مفيد للغد يجب أن يحدد طبيعة ودرجة عدم التأكد وذلك بالتركيز على التعرف على المتغيرات ذات الأهمية وغالبا ما تمثل الجهود مرحلة مبكرة من التخطيط .

3 ) تحديد المجالات الحيوية التى تعتبر نذيرا لأمور مستقبلية ويهتم العلماء بدراسة أكبر عدد ممكن من الدلائل والعلامات عن التغيرات المؤثرة المتوقعة إذ أنهم يرغبون فى معرفة أى الأساليب المتبعة وما هى علامات التحذير المبكرة التى يتم الكشف عنها حيث أنهم يقللون من المفاجآت من أى نوع إلى أقل حد ممكن ( صدمة المستقبل ) .

4 ) يشتمل على استعراض لمجموعة متباينة من الافتراضات والنتائج المترتبة عليها مما يدخل فى نطاق التخطيط للأمور الطارئة .

5 ) اكتساب وفهم لعمليات التغير الضمنية ولأن فهم البشرية قاصرا فهو لا يكفى للتنبؤ بالنتائج بأى درجة من اليقين بسبب تأثير الأحداث والتطورات المفاجئة وغير المتوقعة فلابد من التركيز على التعرف على أنواع العمليات الأساسية لأوجه النشاط المراد التنبؤ بها ووصفها بدقة وإلقاء الضوء عليها .

6 ) يسعى لتقوية المعرفة والفهم للوسائل العلمية المستخدمة فى دراسة المستقبل وتوقعات الأخطار التى جارى الاستعداد لها لتقبلها بهدف تحقيق أهداف  محددة مرادة وإن كل الأهداف عدم ملائمة أى تركيز على التنبؤ بمستقبل واحد محدد وتوجد رغبة إنسانية طبيعية للتخلص من عدم التأكد نهائيا أو التفكير طبقا للنتائج المحددة مسبقا .

 

 

النماذج وصياغة المستقبل :

إن التعامل مع نماذج ويعرف النموذج بأنه تمثيل أو تعبير عن شىء أو نشاط ما أى أنه معنى مجرد وغالبا كمى للعالم المدرك بالحواس وإنه يتضمن بعض الفهم للمحتوى الداخلى للشىء أو النشاط الذى يمثله وتوجد نماذج مادية وأخرى عقلية .

ولعل النماذج المادية هى الأكثر شيوعا بين الناس كنموذج طائرة أو مبنى أو منطقة جغرافية أما النماذج العقلية فهى تصورات خيالية تجرى فى رأس الانسان وأبسط النماذج هى الثابتة أى التى لا تحاول تمثيل التغيرات عبر الزمن وكلما زاد وضوح تعامل النموذج مع الزمن أو ظروف عدم التأكد

فإنه يصبح أكثر تعقيدا وسواء كانت النماذج مادية أو عقلية بسيطة أو معقدة فلا بد من النظر إليها كبدائل للشىء أو النشاط وهى مجرد وسائل معبرة وتكمن قيمتها الأساسية فى المساعدة على فهم كيفية تكوين وعمل الشىء أو النشاط الحقيقى ويتوقف نجاح النماذج على المهارة التى نقوم بها لاستخلاص المعانى المجردة من الشىء أو النشاط .

وعند تكوين نماذج نافعة تراعى الملاحظة المستمرة لموضوع النموذج وتعريف العلاقات المتبادلة بين المكونات الرئيسية للنموذج معبرا عنها فى شكل معادلات رياضية أو وسائل وصف احتمالية كإطار للتحليل والتأمل .

وعند استخدام نماذج للمساعدة على التفكير فى المستقبل فعن طريق الاهتمام بوصف وفهم عمليات التغير ويجب أن تشمل الملاحظات ليس النواحى المادية ولكن احتمالات تغيرها فى المستقبل .

وبالنسبة للنماذج العقلية للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فيجب ادراك ومعرفة التغيرات المهمة فى الأنشطة المختلفة وكيفية الارتباط المتبادل فيما بينها وعادة تكون النماذج أدوات مساعدة فى تنظيم الأفكار وجعل الافتراضات صريحة وواضحة كما يجب أن يكون تصميم واستخدام النماذج متضمنا العامل البشرى والتقديرات وغالبا ما يكون فى شكل مباريات ومحاكاة

ويقصد بالمباراة قيام خبير أو عدة خبراء بتحديد السياسات والاختيارات البديلة المستقبلية أما المحاكاة فهى تتضمن التجربة والتشغيل نموذجا .

وإن استخدام النماذج وسيلة مهمة للتفكير فى المستقبل ولكنها لا يمكن أن تكون الوسيلة الوحيدة وعن طريق وسائل أكثر سهولة وهى ببساطة توسيع التصورات عن الماضى والحاضر ولا يتطلب فهم الأنشطة الكامنة وإنما اكتشاف نمط ما والافتراض بأنه سيستمر فى المستقبل وببساطة محاولة استنتاج مسار  فى دروب المستقبل على دليل موجود فى الماضى .

وبالنسبة لنزهات قصيرة لعالم الغد ولبيانات لا تتغير بسرعة فإن اسلوب النماذج لا بأس به كبداية ولكن تكمن الصعوبة فى أن الطريقة تفشل عندما تصبح الظواهر أكثر تعقيدا وتبدأ التغيرات الرئيسية فى الظهور فى الفترات الزمنية الفاصلة المهمة والظروف توجد فعلا فى الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .

 

التنبؤات العلمية :

لإجراء التنبؤات على أساس علمى فإن علماء المستقبل يستخدمون مجموعة من الوسائل والطرق التى تتراوح من التحليلات فائقة التعقيد باستخدام الكمبيوتر إلى الحدس أو الحس الباطنى البسيط واليقظ .

وتركز الدراسات جميعها على التصورات المأخوذة من الاحصاءات ومناهج البحث فى العلوم الطبيعية والاجتماعية وفى التحليل النهائى فإن استخدام أو تطبيق كل الوسائل والطرق يهدف إلى المساعدة على التوصل للقرار الصائب السليم والتنبؤ الدقيق .

ويوجد نوعان رئيسيان من التنبؤات :

1 ) التنبؤات التفسيرية المتعلقة بالمستقبل الممكن والمقبول والتى تبدأ بالظروف الراهنة وتعالج النتائج البديلة المحتملة للأحداث والظروف المستقبلية .

2 ) التنبؤات المعيارية تتعلق بانجاز وتحقيق أحداث وظروف مفضلة مطلوبة فى المستقبل وبعد تصور الغد فإن الباحث يرجع إلى الوراء حتى القرارات التى لا بد من اتخاذها لتحقيق المستقبل المنشود .

3 ) التنبؤات الاستقرائية للاتجاهات التى تفترض أن الأحداث أو التطورات التى حدثت فى الماضى سوف تستمر فى المستقبل وتضمن تنبؤات دلفى جمع وتنقيح توقعات الخبراء فى مجال معين كإنتاج وتسويق البترول فى دولة معينة بهدف التوصل لإجماع الخبراء بشأن مسار التطورات المستقبلية فى مجال البترول كمدى النقص والزيادة فى إنتاج البترول عام ( 2020 ) .

أما كتابة السيناريو فهو أسلوب شائع لتجسيد وتصوير الأحوال المستقبلية الممكنة والسيناريو هو وصف تفصيلى مكتوب لمستقبل مفترض ويوجد شريحة من تاريخ المستقبل ومن خلال الشكل الفنى يتم التحقيق من التأثير المتبادل لكل التغيرات المتوقعة ومدى ارتباطها معا .

وغالبا ما يكون السيناريو مندمجا فى منطقة معينة من المستقبل حيث يستخدم لتشكيل بيئة ممكنة بأقصى تفصيل يمكن للخيال أن يصل إليه .

4 ) تنبؤات المحاكاة فتعتمد على تصميم نماذج تحاكى الصفات الرئيسية للظروف المستقبلية المحتملة ثم دراسة سلوك النماذج وصولا للنتائج ويستخدم الكمبيوتر فى تحليل بيانات الأساليب والطرق التنبؤية .

ولا يحاول خبراء المستقبل طرح أى توقعات غير مقبولة وإنما يسعون للتنبؤ باحتمال وقوع أحداث أو ظروف معينة فى عالم الغد .

 

 

رءوف وصفى

تنقيح / أسامة ممدوح عبد الرازق مصطفى شرف   2 / 4 / 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق