الثلاثاء، 15 مارس 2022

 

الرنين المغناطيسى النووى

شهد ( ق / 20 ) إنجازات علمية مذهلة لعل أهمها ما يرتبط بنواة الذرة مما أدى لوضع أسس تكنولوجيات حديثة أصبحت تميز حياة البشرية فى ( ق / 21 ) ومنها الرنين المغناطيسى النووى الذى يعتبر تحقيقا لحلم الأطباء فى إيجاد وسيلة مأمونة وفعالة لتصوير خفايا الجسم البشرى وأمراضه ومن ثم علاجها بمزيد من الدقة .

 

التصوير بالأشعة :

إن القدرة على استخلاص المعلومات من داخل الجسم البشرى هى التى تجعل الطب فى عداد المعارف العلمية لكن فيما عدا سماعة الطبيب والمناظير لبعض أعضاء الجسم كالمعدة فلم تكن الوسائل الفنية للحصول على المعلومات متاحة قبل اكتشاف الأشعة السينية فى نهاية ( ق / 19 ) ثم تطورت ببطء تكنولوجيا توليد واستخلاص الأشعة السينية فى التصوير ولقد زادت سرعتها فى التقدم العلمى ولقد شهدت فترة ( 50 / ق 20 ) ظهور الطب النووى والكشف بالموجات فوق الصوتية كما عاصرت فترة ( 70 / ق 20 ) التوصل إلى التصوير بالأشعة باستخدام الكمبيوتر والتصوير الباعث للبوزيترون وفى ( 80 / ق 20 ) التوصل للتصوير بالرنين المغناطيسى النووى حيث إن الأمراض التى تهاجم جسم الإنسان كثيرة ومتعددة لدرجة أن كل طريقة من طرق التصوير بالأشعة لها فائدتها الخاصة حيث أن الأمر يحتاج لوجود كل الوسائل بحيث لا تلغى إحداها الأخرى من أجل مصلحة المريض .

وفى جميع طرق التصوير الطبى يتحول شكل معين من الطاقة إلى نمط مرئى بطريقة محددة مكانيا بحيث تنعكس الطاقة بواسطة مكونات عميقة داخل الجسم البشرى باستثناء التصوير الحرارى فإن مصدر الطاقة وخواص الإشارة المترددة من الجسم البشرى تحددهما أجهزة التصوير الطبى المستخدمة .

ويستخدم التصوير الطبى كسجل للحالة الوظيفية ( الفسيولوجية ) لأعضاء الجسم البشرى وقد يكون السجل وقتيا أو دائما تبعا للطريقة المستخدمة والهدف المطلوب وليس كافيا تسجيل شكل عضو الجسم وإنما يجب تصوير الوظيفة التى يقوم بها إذا كان الهدف الكشف عن بعض أنواع الأمراض التى تهاجم الجسم البشرى وعن طريق تصوير تدفق الدماء والتمثيل الغذائى وتركيب الأنسجة داخل الجسم البشرى .

 

الأساس العلمى للرنين المغناطيسى :

إن الرنين المغناطيسى النووى وكلمة ( نووى ) لا ترتبط بالنشاط الإشعاعى بل بنواة الذرة فهى طريقة جديدة لإنتاج الصور الدقيقة باستغلال الخواص المغناطيسية لأنوية الذرات وعلى الرغم من أن الرنين المغناطيسى استخدم معمليا منذ

( 40 / ق 20 ) إلا أنه لم يتم تطوير الأجهزة التى تستخدمه لكى يتم النظر إلى داخل الجسم البشرى ويتم إنتاج صورا عن تركيب الجسم البشرى الكيميائى إلا فى ( 80 / ق 20 ) .

ما هو الأساس العلمى لفكرة الرنين المغناطيسى النووى ؟ إن الجسيمات دون الذرية التى تكون نواة الذرة هى البروتونات / النيوترونات ما عدا نواة الهيدروجين التى بها بروتون واحد وتدور أنوية الذرات حول محورها وكأنها مغازل صغيرة والحركة المغزلية ( البرم ) حيث أن البروتونات تبرم عكس اتجاه برم النيوترونات ومن ثم يلغى أحدهما الآخر وقد لا يكون عدد البروتونات والنيوترونات متساويا فى النواة وعندئذ ينشىء البرم مجالا مغناطيسيا دقيقا بالطريقة نفسها التى ينشىء بها دوران كوكب الأرض المجال المغناطيسى الأرضى وتتصرف نواة الذرة كما لو كانت قضيبا مغناطيسيا دقيقا ذا قطب شمالى وقطب جنوبى والذرات التى تأتى من هذا النوع هى التى تستخدم فى إنتاج الصور بالرنين المغناطيسى النووى حيث أن ذرة الهيدروجين التى تحتوى على جسيم ذرى واحد فى النواة ( البروتون ) .

ويتوافر الهيدروجين بكثرة فى جميع أنواع الأنسجة المكونة لأجزاء الجسم البشرى وفى الظروف العادية توجد ذرات الهيدروجين فى الجسم بحيث تتجه مغناطيساتها عشوائيا مما يعنى أنها تلغى بعضها بعضا ومن ثم لا ينتج عنها أى تأثير مغناطيسى .

ولكن عند وضع الجسم البشرى فى مجال مغناطيسى خارجى قوى وثابت فإن الأنوية تتجاوب مع قوة المجال المغناطيسى الخارجى بأن تنظم نفسها فى إتجاه معين اعتمادا على الطاقة المختزنة أما فى إتجاه مواز للمجال المغناطيسى فى حالة الطاقة المنخفضة أو فى إتجاه مضاد له فى حالة الطاقة المرتفعة ( موازى مضاد ) ولكن يوجد دائما توازنا حيويا بين حالتى الطاقة المنخفضة والمرتفعة يحددها المجال المغناطيسى ودرجة الحرارة .

 

استخدامات الرنين المغناطيسى :

ولا يستخدم الرنين المغناطيسى النووى فى إنتاج الصور من داخل الجسم البشرى إذ يستخدم الرنين المغناطيسى النووى فى برامج كمبيوترية مختلفة ويمكن لجهاز الرنين المغناطيسى النووى أخذ قياسات دقيقة للعمليات الكيميائية التى تحدث فى الأنسجة الحية للجسم البشرى .

ومن المتوقع أن يكون التصوير بالرنين المغناطيسى النووى قادرا على إظهار مدى وفرة نوع معين من الأنوية فى أنسجة الجسم البشرى حيث توضح صورة الكثافات المتباينة لذرات الهيدروجين وتأثيراتها مع الأنسجة المحيطة بها ولأن الهيدروجين يحدد المحتوى المائى للجسم البشرى فإن الأطباء يمكنهم استخدام الصور فى التمييز بين الأنسجة المختلفة حيث تبين صور الرنين المغناطيسى النووى بيئة الجزيئات المحتوية على الأنسجة وهذا الاسلوب المتخصص له إمكانات هائلة وقد تم الحصول على صور مثيرة ودقيقة لأنسجة المخ والأعصاب أفضل من الصور المأخوذة بطريقة التصوير بالكمبيوتر حيث أن الرنين المغناطيسى له قيمة لا تقدر فى اكتشاف عضلات القلب المريضة والأمراض التى تؤثر على مركبات الدهون المحيطة بالأعصاب وإذا كانت الأشعة السينية ( اكس ) تصور عظام الجسم البشرى ولا تعطى إلا معلومات ضئيلة عما يحدث داخل الخلايا الحية فإن الرنين المغناطيسى النووى يعطى صورة واضحة وملونة للخلايا الحية بحيث يمكن تحديد مكان ومدى انتشار المرض داخل الجسم البشرى وتوجد العديد من الحالات المرضية التى يمكن أن يستخدم الرنين المغناطيسى النووى بكفاءة فى تحديدها ومنها أمراض الرئة ومشاكل الدورة الدموية وأمراض الكبد والتحديد المبكر لمدى نجاح عمليات زراعة الكلى ودراسة الأنسجة الكلوية .

 

مكونات جهاز الرنين المغناطيسى :

يتكون جهاز التصوير بالرنين المغناطيسى النووى من مغناطيس هائل مجوف ذو منضدة بمنتصفه يتمدد عليه الشخص المطلوب فحصه ويستعمل مغناطيس كهربى لتوليد مجال قوى جدا أقوى آلاف المرات من المجال المغناطيسى للأرض وله ملف فائق التوصيل يتم تبريده على الدوام بواسطة الهليوم السائل .

وعند تشغيل الجهاز ويكون الشخص فى الداخل تصطف أنوية ذرات الهيدروجين التى فى جسم المريض وكذلك الأنوية الأخرى ذات العدد الفردى من البروتونات والنيوترونات إما بشكل مواز أو مواز مضاد بحيث تتجه الأنوية عالية الطاقة ناحية رأس المريض والأنوية منخفضة الطاقة ناحية أصابع قدم المريض وهى تهتز بتردد معين وكلما زادت قوة المجال المغناطيسى زاد التردد ولإظهار الصورة المطلوبة يقوم مشغل جهاز الرنين المغناطيسى النووى بإطلاق موجات راديو من مصدر راديوى بزاوية عمودية على المجال المغناطيسى الثابت فيتبخر برم الأنوية من إتجاهه ويحصل على طاقة خلال العملية ويتوقف مقدار الطاقة الممتصة على الأنوية وقوة المجال المغناطيسى حيث أن الطاقة الإضافية تنقل أنوية البروتون المنخفضة الطاقة إلى حالة مثارة مرتفعة الطاقة وعندما يثار جهاز الرنين المغناطيسى النووى البروتونات بالموجات الراديوية التى لها تردد البروتونات نفسها فإن الموجات الراديوية تدفعها بعيدا عن التوازى وبمجرد توقف الموجات الراديوية وفى أقل من أجزاء من ألف من الثانية فإنها ترجع حلزونيا لمكانها الأول مطلقة موجات راديوية ضعيفة خاصة بها لتعود لحالتها الأصلية ( الرنين ) أى يتم تخليص الأنوية من الطاقة عن طريق موجات راديوية مميزة ( تردد لارمر ) ثم تلتقط الموجات عن طريق جهاز استقبال خاص وتعتمد خصائص الموجات الراديوية على العدد المتاح من أنوية ذرات الهيدروجين ثم تغذى البيانات التى تخرج من جهاز الاستقبال إلى كمبيوتر يقوم برسم لتوزيع الأنوية المسئولة عن إصدار الموجات الراديوية المميزة .

والموجات الراديوية تخبر جهاز الفحص بالكثير من المعلومات فقوة الموجة توضح مقدار الهيدروجين المتوافر ومن الناحية العملية فإن مقدار الماء الموجود فى الجسم البشرى إلا أنه يوجد هيدروجينا موجودا فى دهون الجسم البشرى وغيرها من الجزيئات والموجات التى تصدرها بروتونات الهيدروجين الموجود فى الماء تختلف عن موجات بروتونات الهيدروجين فى غير الماء وهذه درجة أخرى مختلفة من المعلومات ووظيفة الكمبيوتر السيطرة على جهاز الرنين المغناطيسى النووى وتخزين المعلومات ثم استرجاعها وتقديم صورة ملونة لداخل الجسم البشرى على شاشة الكمبيوتر .

ومن مزايا طريقة الرنين المغناطيسى النووى أنها لا تتضمن أى إشعاع ضار كما فى حالة الاستخدام الطويل للأشعة السينية ( اكس ) حيث أنه لا يوجد أى أثر سىء لتعريض جسم الإنسان لهذا النوع من المجالات المغناطيسية وتتميز طريقة الرنين المغناطيسى النووى بأنها الوسيلة الوحيدة لإنتاج صورتين لاضطرابات المخ والأعصاب ولا يستخدم الرنين المغناطيسى النووى فى المجالات الطبية ولكن حدث توسع كبير فى استخدامات الرنين المغناطيسى النووى فى دراسة البنية الكيميائية والأشكال الجزيئية للمركبات العضوية عموما وفى دراسة تراكيب ووظائف البروتينات والدهون والتفاعلات الجزيئية فى الصناعات النفطية وصناعات اللدائن والبلاستيك .

وتستخدم أجهزة الرنين المغناطيسى النووى لفتح نافذة على داخل الجسم البشرى الحى لما تتميز به من دقة تامة فى تشخيص الأمراض .

 

 

رءوف وصفى

تنقيح / أسامه ممدوح عبد الرازق مصطفى شرف

30 / 1 / 2022

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق