ماذا حدث قبل الانفجار العظيم ؟ نظرية
الارتداد العظيم وأزلية الكون
كيف بدأ الانفجار العظيم ؟ ومتى بدأ الزمن ؟
هل كانت لحظة بداية وإن كانت لحظة بداية ماذا كان قبل هذه اللحظة ؟ ماذا لو لم تكن
لحظة بداية هل هذا يعنى أن الكون أزلى ؟ الكون كبير وواسع جدا لكن أين ينتهى ؟
ألديه حدود ؟ وإن كانت لديه حدود ماذا يوجد بعد هذه الحدود ؟ وماذا لو لم يكن له
حدود ؟ هل يعنى هذا أن الكون أزلى ؟
لمناقشة الأسئلة بشكل بناء فلا بد من استعمال
السياق العلمى المناسب حتى يتم فهم الأسئلة واشكاليتها فعن طريق استخدام علم
الفيزياء فلا بد من استيعاب بعض المفاهيم الفيزيائية التى تخص النسبية العامة من
جهة وفيزياء الكم من جهة أخرى ثم الجمع بينهما فى ( الجاذبية الكمومية ) كتمهيد
سيساعد فى تحليل الإشكال تحليلا علميا ومنطقيا فلا بد من الاعتراف بأن الأسئلة
معقدة جدا لذلك فمناقشة الأسئلة تتطلب شيئا من التركيز
فعن طريق استخدام فيزياء الكم فهذا الفرع من
الفيزياء الذى يهتم بدراسة الظواهر التى تحدث على المستوى الذرى وتحت الذرى والذى
ظهر فى بدايات ( ق / 20 ) بعدما عجزت الفيزياء الكلاسيكية عن شرح بعض الظواهر
الغريبة كإشعال الجسم الأسود وطيف ذرة الهيدروجين وقد كان لأسماء بعض العلماء
الفضل الكبير فى وضع أسس النظريات الكمية ومبادئها والتى يمكن تلخيصها فى النقاط
التالية :
1 ) الكوانتا أو مفهوم الكمات :
الذى ينص على أن بعض الخواص الفيزيائية كالطاقة
لا تصدر بشكل متصل مستمر ولكن على شكل حزم متقطعة .
2 ) الاحتمالية :
إن لغة ميكانيكا الكم هى لغة احتمال فإذا
كانت الفيزياء الكلاسيكية تستطيع أن تتنبأ عن مكان تواجد كواكب المجموعة الشمسية بدقة
متناهية فى المستقبل القريب والبعيد فإن ميكانيكا الكم تعطى احتمالات عن مكان
تواجد الإلكترون حول نواة الذرة فإن احتمال تواجد الإلكترون فى هذا المكان أكبر من
احتمال تواجده فى هذا المكان .
3 ) التراكب :
يمكن لذرة أن تكون غير مثارة أو مثارة فالذرة
فى حالتين متراكبتين ( مثارة وغير مثارة ) لكن عند القياس نشاهد حالة واحدة من
الحالتين إما ذرة مثارة أو ذرة غير مثارة .
4 ) التشابك الكمى :
يوجد جسيمان متشابكان حيث تؤثر الحالة الكمية
لأحدهما فى الآخر حيث يمكن اعتبار الجسيمان نظاما واحدا مهما كانت المسافة التى
بينهما حتى لو كان أحد الجسيمين فى الأرض والجسيم الآخر فى حافة المجرة ( الطريق
اللبنى ) .
مفهوم الزمن :
الزمن فى فيزياء الكم هو نفسه فى الفيزياء
الكلاسيكية ثابت لا يتغير فهذه أبرز المبادىء التى تقوم عليها فيزياء الكم .
النسبية العامة :
أما بخصوص النسبية العامة هذه النظرية
البديعة التى أسسها الفيزيائى ( ألبرت آينشتاين ) والتى غيرت النظرة السطحية
التقليدية للكون فهى تهتم بدراسة حركة الأجسام الضخمة وتأثيراتها على الزمن فإذا
كانت قوانين نيوتن فى ( الجاذبية ) وفى الفيزياء الكلاسيكية بصفة عامة قد صيغت
باعتبار أن الزمان والمكان ثابتان فإن نسبية ( آينشتاين ) العامة فسرت هذه المسلمة
فالزمان والمكان عند ( آينشتاين ) نسبيان أى أن المكان متحرك والزمان متغير
فالزمان والمكان وجهان لعملة واحدة فالفيزياء الكلاسيكية تصف حركة الأجسام فى
الفضاء أما النسبية العامة فتصف حركة الفضاء نفسه الذى تتحرك فيه هذه الأجسام
فكوكب الأرض الذى يدور حول الشمس فإذا تم وضع نظارات نيوتن فإننا سنشاهد كرة صغيرة
هى الأرض تدور حول كرة كبيرة هى الشمس بفعل قوة غامضة ( الجاذبية ) فإذا تم نزع
نظارات نيوتن ووضعنا نظارات آينشتاين سنشاهد تقعرا فى نسيج الزمكان ومع هذا التقعر
فى الزمكان إلا الجاذبية حيث أن معادلات آينشتاين تصف بدقة كيف يتشوه أو يتقعر
نسيج الزمكان بحضور الكتلة فتأثير الكتلة على الزمكان سيكون أقل من تأثير كتلة
الأرض وتأثير كتلة الأرض سيكون أقل من تأثير كتلة الشمس وتأثير كتلة الشمس سيكون
أقل من تأثير كتلة المجرة ( الطريق اللبنى ) فكلما زادت كتلة الجسم كلما تقعر
الزمكان فالبشرية لا تعيش فى الزمكان بل تتفاعل مع الزمكان .
فعن طريق تلخيص النسبية العامة فالزمكان يخبر
المادة كيف تتحرك ؟ والمادة تخبر الزمكان كيف ينحنى ؟ ففيزياء الكم والجسيمات
الصغيرة من جهة والجاذبية والأجسام الكبيرة من جهة أخرى فبعد أن أنهى آينشتاين
صياغة معادلاته فى النسبية العامة ( الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء ) سنة (
1915 ) تنبه إلى أن هناك شيئا ناقصا فى نظريته فنشر ورقة علمية سنة ( 1916 ) حيث
أخبر أن نظرية الكم يجب أن تعدل فى الكهروديناميكا ولكن فى نظرية ( الجاذبية
الجديدة ) فماذا يقصد آينشتاين بذلك ؟ فأين يظهر النقص فى نظرية النسبية العامة
بالرغم من أن معادلات النسبية العامة تصف بشكل دقيق جدا النسيج الزمكانى ؟ غير أن
معادلات النسبية العامة تنهار فى بعض الأماكن فى قلب ثقب أسود حيث تؤول قيمة
الكثافة إلى ما لا نهاية وهذا يعنى شيئان إما أن النسيج الزمكانى يتمزق أو أن هناك
خللا فى معادلات آينشتاين فى النسبية العامة فالنسيج الزمكانى ممتاز فالطبيعة ما
هى ؟ فمعادلات النسبية العامة هى التى فيها خلل فيوجد مثال يتعلق بأصل الكون حيث
اثبتت تجارب هابل أن الكون فى توسع مستمر فعن طريق الرجوع بالزمن إلى الوراء
فسنلاحظ أن الكون يتقلص ويتقلص ويتقلص إلى أن يصبح نقطة صغيرة جدا فى اللحظة صفر
من خلق الكون حيث تكون قيمة كثافة النقطة الصغيرة جدا لانهائية فهذا يعد خللا
ونقصانا وقصورا فى النسبية العامة لآينشتاين لماذا لأنه من المفترض أن تأخذ
معادلات آينشتاين التصرف الكمى للنقطة الصغيرة جدا التى ولدت الانفجار العظيم حيث
أن النقطة الصغيرة جدا والتى تنهار عندها النسبية العامة ( المتفردة أو التفرد )
فماذا حدث فى اللحظة صفر من خلق الكون وقبل اللحظة صفر ؟ فيعتمد فى الأساس على
بناء نظرية فيزيائية أكثر شمولية عن طريق تزاوج النسبية العامة وفيزياء الكم
وبالرجوع إلى معادلة آينشتاين والتى تصف كيف يتقعر الزمكان فى حضور الكتلة حيث أن
الزمكان يرتبط بشكل مباشر بكتلة المادة والطرف الثانى من المعادلة يتمثل فى المادة
حيث أن المادة فى أصلها تتكون من أجسام أولية ذات طبيعة كمية ولكى يتحقق التجانس
أو التناسق فى المعادلة فالضرورة الرياضية تحتم أن يكون الطرف الأول من المعادلة
ذو طبيعة كمية فماذا يعنى هذا ؟ فهذا يعنى أن النسيج الزمكانى لا بد وأن يتكون من
أجزاء أولية لا تقبل التقسيم كما تتكون المادة من الكواركات والإلكترونات التى لا
تقبل التقسيم ( الجاذبية الكمومية ) لكن من الصعب جدا دمج النسبية العامة بفيزياء
الكم لماذا ؟ فالحقيقة أن المبادىء التى تاسس عليها فيزياء الكم لا تتوافق فى
جوهرها مع المبادىء التى بنت النسبية العامة فمبدأ ( اللايقين ) ( لهايزنبرج )
الذى يخبر بأن لا يمكن تحديد موقع وسرعة كمية حركة جسيم فى آن واحد فلا يجد هذا
المبدأ مكانه فى النسبية العامة ويوجد سبب رئيسى آخر يحول دون دمج الكم بالنسبية
العامة عن طريق عامل الزمن فالزمن فى فيزياء الكم هو نفسه فى الفيزياء الكلاسيكية
ثابت لا يتغير وعند التحدث عن النسبية العامة فالزمان والمكان فى النسبية العامة
نسبيان أى أن المكان متحرك والزمن متغير فالزمان والمكان وجهان لعملة واحدة فهذا
يجعل مهمة جمع الكم بالنسبية العامة مهمة صعبة جدا على المستوى النظرى كما يمكن
التحقق منها عن طريق التجربة فعن طريق استخدام الأرقام حيث يتضح كيف أن الأرض
بعيدة جدا عن الجسيمات الصغيرة التى تتنبأ بها الجاذبية الكمومية حيث أنها تكون
الزمكان فإذا كان أكبر مسرع جسيمات يولد طاقة تصل إلى ( 10000 جيجا إلكترون فولت )
بحيث يرصد بعض الجسيمات الأولية فإنه يرصد ( البرافتون أو الجرافتون ) وهو جسيم
أولى افتراضى حامل لقوة الجاذبية حيث أن ( البرافتون أو الجرافتون ) الجسيم الذى
يكون الزمكان بحيث يعطى طاقة أكبر ب ( 1000 بليون مرة ) مما تستطيع البشرية توليده
وبناء مسرع جسيمات بحجم المجرة ( الطريق اللبنى ) فإن مهمة دمج الكم والجاذبية
صعبة جدا لكنها ليست مستحيلة على الأقل من الناحية النظرية فدائما ما يقترح
العلماء حلولا للخروج من الاشكاليات العويصة وواحد من الحلول المقترحة لجمع فيزياء
الكم والنسبية العامة
( الجاذبية الكمية الحلقية ) والتى تمكن
مؤسسوها من وضع إطار نظرى رياضى تمكن من خلاله من تكميم الزمكان فماذا يعنى تكميم
الزمكان ؟ يعنى تكميم الزمان وتكميم المكان فلو افترض أن البشرية تملك تلسكوب قوى
جدا فإن النسيج المكانى سنجد أنه يتكون من وحدات هندسية صغيرة جدا مترابطة فيما
بينها نفس الشىء بالنسبة للزمان فإذا كان يمكن تقسيم الساعة إلى ( 60 دقيقة )
والدقيقة إلى ( 60 ثانية ) فعن طريق تقسيم الثانية إلى ( 10 و 100 و 1000 و مليار )
إلى أن نصل إلى ( 100 مليون فريليون فريليون فريليون ثانية ) أى ( 10 اس – 44
ثانية ) وهى أصغر وحدة زمنية يكون للوقت فيها معنى ( زمن بلانك ) فماذا يقتضى هذا
؟ يقتضى أن الزمن يأخذ قيما محددة حيث أن الحدث الأول استغرق
( 4 وحدات زمنية ) ولا يمكن القول أن الحدث استغرق
( 4 وحدات ونصف أو ربع ) ( زمن بلانك ) وكان الزمن يقفز من قيمة محددة إلى قيمة
أخرى دون المرور بالقيم بينهما كما تفعل الإلكترونات فى النموذج الذرى فليس من
الممكن التفكير فى مدة زمنية على أنها متصلة ومستمرة فيجب التفكير فيها على أساس
أنها متقطعة فإن فيزياء الكم والنسبية العامة هامة فعن طريق التزاوج بينهما تم
الحصول على / الجاذبية الكمومية عن طريق ( الجاذبية الكمية الحلقية ) وماذا بعد ؟
ماذا حدث فى اللحظة صفر من خلق الكون ؟ وماذا حدث قبل الانفجار العظيم ؟ فبالرجوع
لمعادلات النسبية العامة نجد أنه كلما رجعنا بالزمن إلى الوراء كلما تقلص الكون
وزادت كثافته فعند الوصول إلى النقطة أو اللحظة صفر فإن كثافة الكون تصبح لانهائية
وهذا غير مقبول فيزيائيا ففى إطار ( الجاذبية الكمية الحلقية ) التى أخذت بعين
الاعتبار التصرف الكمى للنقطة التى ولدت الانفجار العظيم فإن معادلة تطور الكون
تتغير بإضافة عامل جديد يحدد كثافة الكون القصوى التى لا يمكن أن يصل إليها بعبارة
أكثر وضوحا المقارنة مع النموذج العادى ( للانفجار العظيم ) فإنه كلما رجعنا
بالزمن إلى الوراء كلما تقلص الكون وكلما ارتفعت كثافته ويستمر تقلص الكون وارتفاع
كثافته إلى أن يصل إلى لحظة ونقطة لا يمكن أن يتقلص بعدها أكثر من ذلك ثم يبدأ
الكون فى التوسع من جديد ( الإرتداد العظيم ) الذى يتصوره علماء الفيزياء المؤيدون
( للجاذبية الكمية الحلقية ) حيث أن الرجوع بالزمن إلى الوراء الذى يرافق تقلص
الكون مع تزايد كثافته فى لحظة تكون الجاذبية شديدة جدا ويفترض بها أن تزيد من
تقلص الكون وتزايد كثافته حيث تظهر قوة تنافر ناتجة من الطبيعة الهندسية للزمكان
لتعادى الجاذبية وتحول دون زيادة الكثافة مما ينتج عنه توسع الكون مجددا عوضا عن
تقلصه أكثر وأكثر حيث يوجد كون واسع بدأ فى التقلص إلى أن وصل إلى نقطة لم يعد
بعدها قادرا على التقلص أكثر ثم بدأ الكون فى التوسع مجددا ( الانفجار العظيم ) وهل
حدث ( الإرتداد العظيم ) مرة واحدة أم مرات عديدة ؟ فقد يكون الكون أزليا وواسع
جدا ثم بدأ فى التقلص إلى أن وصل لنقطة ( الإرتداد العظيم ) ثم بدأ فى التوسع ويستمر
فى التوسع إلى ما لا نهاية أو أن عملية ( الإرتداد العظيم ) حدثت ما لا نهاية من
المرات ومنذ الأزل وآخر ( إرتداد عظيم ) كان قبل ( 13.8 مليار ) سنة والكون الحالى
فى توسع لكن فى لحظة ما سيبدأ فى التقلص ليحدث ( إرتداد عظيم ) آخر وتستمر العملية
إلى ما لا نهاية وفى كلا السيناريوهين فإن الكون بحسب ( الجاذبية الكمية الحلقية )
أزلى لا بداية له ولا نهاية فمسألة ( أزلية الكون ) غير منطقية فهى ليست أكثر
غرابة من خلق الكون من عدمه وهو شىء من لا شىء حيث أن خلق الكون من عدمه مكتوب
بلغة رياضية ونتائج الحسابات الرقمية دقيقة ومتناسقة جدا لكن هل يوجد ملاحظات
تجريبية تؤكد صحة ( الجاذبية الكمية الحلقية ) التى تطرح نموذج ( الإرتداد العظيم
) بدلا من ( الانفجار العظيم ) فالجواب هو لا فلا يوجد تجربة مختبرية تثبت صحة (
الجاذبية الكمية الحلقية ) أو تفندها بسبب الإشكالات التكنولوجية لكن العلماء
لديهم أمل أن يجدوا يوما ما فى المستقبل القريب أو البعيد أثرا عن حدوث ( إرتداد
أعظمى ) ( فالإرتداد العظيم ) و ( البنية الزمكانية ) لكون عرف امتداده تختلف عن
الطراز أو البنية الزمكانية لكون لم يعرف امتداده فالعلماء ينتظرون تجميع معلومات
أكثر من التلسكوبات الفضائية وأبرزها تلسكوب ( فيرمى ) الفضائى والذى يعمل بأشعة
جاما على أمل أن يرصد العلماء أثرا يدل على حدوث ( إرتداد عظيم ) قبل ( 13.8 مليار
سنة ) أما إن فشلت التجارب المستقبلية فى تجميع نتائج وتخمينات ( الجاذبية الكمية
الحلقية ) فتصبح خاطئة وهذا هو المنهج العلمى التجريبى سهل فى فلسفته صارم فى حكمه
ففكرة ( أزلية الكون ) فكرة قديمة جدا موجودة فى الثقافات القديمة والثقافة
العربية الإسلامية والتى يعرف بقدم العالم أو ( أزلية الكون ) حيث أن علماء العرب
القدامى قد أيدوا نسبيا فكرة ( أزلية الكون ) فهذه وجهة نظر ماذا حدث قبل الانفجار
العظيم ؟ من زاوية مختلفة تستند على العلم الطبيعى ( الفيزياء ) .
أسامه ممدوح عبد الرازق مصطفى شرف
6 / 1 / 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق