الأربعاء، 6 أبريل 2022

تفسير سورة الزخرف للشعراوى ( من حلقات التلفزيون )

 

تفسير سورة الزخرف للشعراوى ( من حلقات التلفزيون )

 

بسم الله الرحمن الرحيم

( حم ) من الحروف المقطعة كحرف ( ق ) و ( ن ) و ( ص ) وحرفان ( حم ) و ( طس ) وثلاثة أحرف ( ألم ) و ( طسم ) وأربعة أحرف ( ألمر ) و ( ألمص ) وخمسة أحرف ( كهيعص ) .

( حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) ( حم والكتاب المبين ) الكتاب المبين المظهر للأشياء ( فحم ) غير معروفة و ( حم والكتاب المبين ) ( 2 ) قرآن / إنا جعلناه قرآنا عربيا

قرآن مقروء وكتاب مكتوب ليبقى مسطور وفى الصدور ( وما أرسلنا برسول إلا بلسان قومه ) بلغتهم فإن محمدا رسول الله للناس كافة والناس كافة لغاتهم متعددة ( بلسان قومه ) الذى يباشرون توجيهه الأول ويفهموه ويقتنعوا به ويتخمر فيهم فهم يأخذون المنهج كحركة وعمل ويسيحون به فى الكون والاعجاز فى السلوك العملى فنجد أن الاسلام انتشر فى بلاد كثيرة بالسلوك ( ومن أحسن ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين ) ( إن بعثنا الرسول شاهدا عليكم وأنتم شهداء على الناس ) فالرسول صلى الله عليه وسلم يشهد أنه بلغنا رسالة الاسلام عن طريق السلوك واللغة فلما نزل القرآن للعرب الأميين الذين ليس لهم نظام وفى البلاد المتحضرة كفارس والشام فى الشرق والروم فى الغرب فزلزلوا الحضارة الفارسية شرقا وزلزلوا الحضارة الرومانية غربا وهم أميون فالسلوك يلفت  النظر وفى سورة يوسف  ( دخل معه السجن فتيان قال أحدهما إنى أرانى أعصر خمرا وقال الآخر إنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ) وقالوا ( أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) فلم ينسى المهمة لأنه استغل حاجتهم إليه فى تأويل الرءيا فلو أعطاهم تأويل الرءيا من الأول فلم يعطهم تأويل الرءيا بعد

فهم مربوطين به من أجل مرادهم لمعرفة الرءيا ( أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار )

( يا صاحبى السجن أما أحدكما فيسقى ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضى الأمر الذى فيه تستفتيان ) إنما استغل حاجتهم إليه وقال لهم تأويل الرءيا فهم قالوا ( إنا نراك من  المحسنين ) فكأن السلوك الحق يلفت النظر بدليل أن الجماعة الذين لهم ذنوب قالوا له أنت محسن كذلك السلوك الانسانى فى أى منطقة من العالم يلفت الناس للمنهج لماذا ؟ لأنه مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فانتهى الاسلام فالسلوك الطيب من القرآن وبعض الناس يقرءون الناس ويتعتوا فيه وأحيانا لا يحسن تلاوة القرآن فسلوكه الاسلامى صحيح لماذا ؟ لأنه أخذ من  السلوك والمنهج ( إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) لماذا ؟ لأنه لو جاء بدون سبب فلا يستطيعون فهمه وإن الكتاب المبين ( القرآن العربى ) ( فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم ) أم الكتاب الأصل الذى يؤخذ منه الرسالات والأحداث الموجودة ( إنه لقرآن مجيد فى لوح محفوظ ) ( لا يمسه إلا المطهرون ) فكأن الكتاب المحفوظ به وفيه كل الأشياء المتعلقة بالرسالات والأحداث كلها وما يحدث فيه ( وإنهم فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم ) فى ذاته  لعلى : عال  لأنه الخاتم لكل الأديان .

( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ) ( إنا أنزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ) فالقرآن مهيمن على كل الرسالات والهيمنة تلتقى معهم فى القاء الأشياء التى يتفق فيها الرسل فى العقائد والأعمال العبادية والأخلاق وكل رسول فالقرآن له من ينسخ حكمه وله من تنفيض الرسالات التى نسيت ما ذكروا به فتذكرهم بها والذين لم يذكروا به كتموه والذين لم يكتموه حرفوه ( وويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ) فالاسلام آتى بما سبقهم بها الرسل متفق عليه ومهيمن على الرسالات وهو ناسخ وهو ناسخ للأحكام ويعدل الانحرافات التى فى الكتب فعلى مهيمن على الكتب يفعل فيها هذه الأشياء

( وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم ) ( لا يضل ربى ولا ينسى ) فما لزوم كتب الكتاب ؟ لأن الملائكة عندما طلعوا ورأوا اللوح المحفوظ به كلام قديم ويرون أحداث الكون من الناس على وفق ما قال الله عز وجل فيزدادون حبا فى الله وعنايته به ويذكرون أن الله هو العلى الحكيم فالملائكة عندما يشاهدوا أن الله عز وجل قال كلام والأحداث حدثت وفق هذا الكلام فهذا سر الكتاب فالكلام القديم الأحداث الحديثة تطبقه ( وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم ) بعضهم قال فى أم الكتاب ليس اللوح المحفوظ فاللوح المحفوظ ( إنه لقرآن مجيد فى لوح محفوظ ) فتوجد آيات  تخبر بأن الذى نزل من القرآن ( فيه آيات محكمات هن أم الكتاب ) آيات محكمات هن أم الكتاب فالباقى آيات فرعية فى الكلام ( أم الكتاب ) الآيات المحكمات فينبهنا أن سورة الزخرف كل آياتها محكمة ( وأخر متشابهات ) حكم الله فى المتشابهات ماذا ؟ فما عرفتم منه فاعملوا به ومالم تعرفوه فآمنوا به فالمتشابه كيف الناس يستقبلونه ؟

( حم ) من الحروف المقطعة مكونة من حرفين والحروف المقطعة تأتى من حرف واحد ( ق / ن / ص ) ومن حرفين ( حم / طس ) وثلاثة أحرف من ( ألم / طسم / عسق ) وأربعة أحرف ( ألمر / ألمص ) ومن خمسة أحرف ( كهيعص ) .

( والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) ( حم والكتاب المبين ) عطف والكتاب المبين المظهر للأشياء ( حم والكتاب المبين ) ( 2 ) قرآن ولماذا وصل بالعطف ؟ لأن الكتاب المبين نفهمها و ( حم ) نقف عندها ولا نفهمها ) ( إنا جعلناه قرآنا عربيا ) قرآن مقروء وكتاب مكتوب مسطور وفى الصدور ( إنا جعلناه قرآنا عربيا ) لماذا ؟ لأنه قال فى أية أخرى ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) أى بلغة قومه فكل نبى يأتى بلسان قومه أى لغة قومه فمحمد صلى الله عليه وسلم نبى للناس كافة والناس كافة لغاتهم متعددة بلسان قومه الذين يباشرون توجيهه الأول ويفهموا ويقتنعوا ويتخمر فيهم وهؤلاء يأخذون المنهج كحركة وعمل ويسيحون به فى الكون فالاعجاز فى السلوك العملى فالاسلام انتشر فى بلاد كثيرة بالسلوك ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين ) .

الرسول صلى الله عليه وسلم شهيد على المسلمين يوم القيامة والمسلمون شهداء على الناس يوم القيامة فرسول الله صلى الله عليه وسلم يشهد أنه بلغنا رسالة الاسلام والناس يشهدون أنكم بلغتموهم الرسالة الاسلامية المحمدية عن طريق السلوك واللغة فلما نزل القرآن العرب الأميون ليس لهم نظام ولا يحكمهم قانون وفى البلاد المتحضرة كفارس فى الشرق والروم فى الغرب فلقد زلزلوا الحضارتين الفارسية الشرقية والرومانية الغربية فكان سلوكهم يلفت النظر ففى سورة يوسف ( لما دخل معه السجن فتيان قال أحدهما إنى أرانى أعصر خمرا وقال الآخر إنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ) لأننى اتبعت ملة آبائى ابراهيم وموسى واتبعت ملتهم فأصبحت من المحسنين فلو اتبعتم ملة الأنبياء سوف تكونون مثلى وأحسن ( أرباب متفرقون أم الله الواحد القهار ) فاستغل حاجتهم إليه فى تأويل الرءيا فلو أعطاهم تأويل الرءيا أولا فلم يعطهم تأويل الرءيا بعد لأنهم مربوطين به فقبل اعطائهم ما يريدون قال لهم ما يريد أن يسمعهم إياه ( أرباب متفرقون أم الله الواحد القهار ) فقال لهم الرءيا ( يا صاحبى السجن أما أحدكما فيسقى ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضى الأمر الذى فيه تستفتيان ) إنما استغل حاجتهم إليه فقالوا له إنا نراك من المحسنين فإن السلوك الحق والصحيح والطاهر يلفت النظر بدليل إن الذين يعملون السوء يشهدون له بأنه محسن فالسلوك الانسانى فى أى منطقة من العالم يلفت الناس للمنهج الاسلامى السليم فالكشافات الاسلامية فى أى بلد لم تأتى بالفتر وإنما أتت بالسلوك الطيب ( القرآن ) فلما يأتى أحد ولا يجيد قراءة القرآن ويتتعتع فيه ورغم ذلك سلوكه الاسلامى صحيح لماذا ؟ لأنه أخذ من السلوك والمنهج ( إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) لماذا ؟ لأنه إذا جاء كذلك فلا يفهموا شيئا ( وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم ) أم الكتاب الأصل الذى تؤخذ منه أصل جميع الرسالات والأحداث كلها موجودة ( إنه لقرآن مجيد فى لوح محفوظ ) ( لا يمسه إلا المطهرون ) كأن أم الكتاب هى اللوح المحفوظ فيه كل الأشياء المتعلقة بكل الرسالات وفيه الأحداث كلها وما يحدث فيها ( وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم ) لدينا بمعنى عندى وعلى وصف آخر وعلى هو فى ذاته عال مرتق لأنه الخاتم لكل الأديان .

( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ) فالقرآن مهيمن على كل الرسالات والهيمنة تلتقى معهم فى انقضاء الأشياء التى يتفق فيها الرسل كالعقائد والأعمال العبادية والأخلاق وكل رسول فبالقرآن ينسخ حكمه وله أن ينفض الرسالات مما دخل عليها من

( نسوا ما ذكروا به ومالم يذكروه كتموه ( يكتمون ما أنزلنا ) والذين لم يكتموه حرفوه ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ) فالاسلام مهيمن على الرسالات السابقة عليه كالمسيحية واليهودية والقرآن ناسخ للأخلاق فهو يعدل الانحرافات التى فى الكتب الذين نقلوها من عند أنفسهم .

على : مهيمن على الكتب يفعل فيها هذه الأشياء ( وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم ) ولماذا ؟ فى أم الكتاب فالله سبحانه وتعالى علام الغيوب والله ( لا يضل ربى ولا ينسى ) فما لزوم كتب الكتاب ؟ لأن الملائكة حينما يطلعوا على اللوح المحفوظ الذى به كلام قديم ويرون أحداث الكون من الناس على وفق ما قال الله فيزدادون حبا فى الله والعناية به ويؤمنون بأن الله هو ( العليم الحكيم ) فالملائكة أنفسهم حينما يعلمون أن الله قال كلاما وأحداث الكون جاءت وفق هذا الكلام فهذا سر الكتاب فالكلام القديم الأحداث الحديثة تطبقه ( وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم ) بعضهم قال فى أم الكتاب ليس اللوح المحفوظ ( إنه لقرآن مجيد فى لوح محفوظ ) فتوجد آيات تخبر بأن الذى نزل من القرآن فيه آيات محكمات هن أم الكتاب والباقى فرعية والمتشابه الذى فيه الكلام ( أم الكتاب )

الآيات المحكمات فينبهنا أن سورة الزخرف كل آياتها محكمة فلا توجد متشابهات فى سورة الزخرف ( وأخر متشابهات ) فما حكم الله فى المتشابهات ؟ ماعرفتم منه فاعملوا به وما لم تعرفوا فآمنوا به فكيف يستقبل الناس المتشابه ؟

( وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم ) على مهيمن على الكتب وحكيم وضع كل شىء فى زمنه وكل شىء منضبط ( أم الكتاب ) اللوح المحفوظ والله عز وجل علام الغيوب ولا يغيب عنه حاجة فلماذا كاتب ؟ كاتب لأن الملائكة حينما يشاهدون الأحداث موافقة لما قال الله عز وجل فيعرفوا أن الله عز وجل ( عليم حكيم ) لماذا ؟ لأن الاسلوب الأول ( وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون ) ( أم الكتاب ) الآيات المحكمات ( آيات محكمات هن أم الكتاب ) أم الكتاب الآيات المحكمة ومنه المتشابه فالمتشابه ( ما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم آمنا به ) فسيقولون لنا معنى المتشابه وما دام عرفنا معنى المتشابه فلم يصبح متشابها ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم ) يقولون آمنا به فالمتشابه المؤمن به بدليل قوله سبحانه وتعالى ( والراسخون فى العلم آمنا به ) والمتشابه نؤمن به والمحكم نعمل به .

( وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم ) ( أفنضرب عنكم الذكر صفحا ) للقوم المكذبين والمعاندين والمعارضين فكل شىء ينزل من القرآن يعارضوا فيه فيهاجموا المسلمون ويعذبونهم فماذا تريدون

( أفنضرب عنكم الذكر صفحا ) كلمة نضرب : ضربت وأضربت أى تركت العمل ومنه اضراب العمال أضربوا عن العمل أى تركت العمل فسنوالى برحمتنا إنزال الكتاب ( القرآن ) ونرغمهم بالأدله والبينات والنصر على أن تتمسكوا به بل العكس فحينما تكونوا فاسدين فأنتم لستم فى حاجة لمنع الوحى بل شيئا تريدون وحيا أقوى من الوحى مما يدل على أن الله رحيم بعباده حتى بالكافرين فهل نمنع القرآن ؟ لا نمنع القرآن لماذا لا نمنعه ؟ لأن معناه منع الخير عنه ويصبح الناس مذنبون دائما فربما تؤمنوا ولما تؤمنوا فقد قدمنا لكم الخير وقدمنا لغيركم الخير لأن الشرير إذا اهتدى أمن الناس من شره ولذلك عند الدعاء على العدو بشىء قبيح نقول له ادعوا له بالهداية والهدى من أجل الانتفاع بسلوكه ولذلك إن كان الإنسان يبلغ ما عنده من العلم لماذا ؟ لأنك كعالم سوف تسير فى الطريق المستقيم فالمجتمع ينتفع به والمجتمع يضر بالذى ليس على الطريق المستقيم من الخير لك وللمجتمع أن تهديه من أجل أن ترتاح من شره فالنفع له فالعالم كله يرتاح من شره

( أفنضرب عنكم الذكر ) أنترك البلاغ فيه لأنكم مسرفون فى الضلال فنحن برحمتنا سنوال نزول القرآن ( أفنضرب عنكم الذكر ) نترك ونمنع عنكم الذكر لأنكم كنتم قوما مسرفين فلا نضرب وليس الاضراب فقط ( أفنضرب عنكم الذكر صفحا ) صفحا : إعراضا للترك وإضراب عن الكلام لأن الإنسان إذا تكلم مع إنسان آخر وكلامه غير مقبول عنده يذهب إليه ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) فبشرهم بعذاب : تهكم واستهزاء

( أفنضرب عنكم الذكر صفحا ) فالمواجهة للإنسان ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) فليس كلام مجمل بل بينوا وفصلوا .

( اليوم يحمى عليها فى نار جهنم ) المقياس الذهب والفضة ( يوم يحمى بها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) فلما يأت سائل ما ويطلب من أهل الخير حاجة فيقوم أهل الخير بالاعراض عنه فالعذاب يأتى على قدر ما أتى من سيئة ( صاحب المال مع المحتاج ) ( أفنضرب عنكم الذكر صفحا ) إلا لأنكم قوما مسرفين فارجعوا للتاريخ لتأخذوا عبر من الواقع فنحن أرسلنا رسل كثير وكذبوا الرسل فما كان نصيب المكذبين ؟ هل انهزم رسول أم قومه الضالون ؟ بل العكس فالقوم الضالون هم الذين انهزموا أمام رسلهم

( فإما نرينك بعض الذى نعدهم ) فلا بد من عذابهم أو هناك وقفة ( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أخذته الصيحة ومنهم من أغرقنا ومنهم من أرسلنا عليه حاصبا ) فالذين سبقوكم وإنه ليس كلاما نظريا ( وإنكم لتمرون عليهم مصبحين ) فلقد مروا على قرى قوم كقوم ثمود ولوط وعاد ( وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون ) فهؤلاء الذين كذبوا الرسل فانظر ماذا كانت نهايتهم أفلا تحذرون أن يفعل بكم كما فعل بهؤلاء ؟ ( وكم أرسلنا ) كم : كناية عن الشىء الكثير فكم بمعنى كثير أى حصل ( وكم أرسلنا من نبى فى الأولين ) ( وما يأتيهم من نبى إلا كانوا به يستهزءون )

( فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين ) فخذوا حذركم يا قريش أن يصيبكم كما أصاب القوم الذين سبقوكم من العذاب فالذين يعاندون الرسل فالله وعد الرسل ( بأن جندنا هم الغالبون ) فانهزموا فإن ما عملتم فسينصر الرسل عليكم وتندحرون وإما أن تسلموا فى الدنيا وإما أن يدخر لكم العذاب فى الآخرة ( وقد مضى مثل الأولين ) فهم قوم لبد وفى الجدال ليس منطق عقلى للأشياء لأنه فهم أنه ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) فهذه المسألة لم يستطيعوا أن ينكروها لماذا ؟ لأن خلق السموات والأرض من قبل آدم عليه السلام أن يأتى للدنيا ما ادعاها أحد من الذين جاءوا بعد آدم عليه السلام ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ) فكيف يقال العزيز العليم خلقهم ؟ لأن لا يوجد أحد ادعاه ( حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا بل نتبع ما ألفينا ) العزيز الذى لا يغلب فإذا أرسلت أحدا إلى فلان بدون أوصاف محددة فيقال أمرنى بالذهاب إلى الشيخ فلان عالم فلان فمعناها أن الله عز وجل حينما يبلغنا عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوصاف التى لم يخبروا بها أحد كما أنكرت أنك ذاهب لفلان ولم تأت له بألقاب .

العزيز العليم الله فأراد أن يبين عزته وعلمه ( الذى جعل لكم الأرض مهدا ) فالمهد هو المكان الذى يستريح فيه الإنسان فالطريق ممهد أى يرتاح الذى يسير عليه ومهدا كأننا كالأطفال فنحن نهتم بأمور أطفالنا من تحضير الفراش إلى الطعام ... إلخ .

( فجعل لكم فيها سبلا ) لأن الحكمة تقتضى انتقال الناس من أماكن سكنهم إلى أماكن أعمالهم ومصالحهم ( فلقد مهد لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون ) فى السير لأغراضكم أو تشاهدون السبل التى جعل لكم الله منها وسائل حياتكم كخلق السماء والأرض فربما تحنوا وتؤمنوا بالله فتهتدوا ( والذى نزل من السماء ماء بقدر ) السماء المطر يأتى من السحاب والسحاب لم يصل للسماء الأولى إنما أصل السماء لغة كل ما علاك وينزل الماء مرة يعرفنا بقدرته على إنزال الماء على قدر الحاجة فالناس يأخذوا مصالحهم بدون أن يهاجموا بغرق أو غيره ( وفجرنا الأرض عيونا ) فالسماء تنزل الماء والأرض تخرج الماء من باطنها ومنهم من أغرقنا بقدر فيه حياة بدون منغصات بدليل أنه عذب بالطوفان فالسماء أنزلت الماء المنهمر والأرض تفجرت عيون من الماء ولذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان ينزل المطر يقول ( اللهم حوالينا ولا علينا ) لأن علينا يبعينى بينما  حوالينا تعطينا النبات والطعام الذى نريده / والذى نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون وترى الأرض  هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج 

بقدر : على قدر المصلحة فكأن الأرض بدون نبات تعتبر ميتة وفى الاصطلاح الاقتصادى / أرض موات ليس فيها زرع فنحتال عليها لنحييها من مماتها ومن أحيا مواتا فهو له فالدول تخبر بأن الذى يحيى الموات من الأراضى فهو له فنلتفت فلا نجد نشير أن فى البلد موات بدليل لو أنها أرادت أن تيسر ذلك لتوسعت رقعة الزراعة من أجل تخفيض الأثمان فالحق سبحانه وتعالى يقول لنا

( سلك لكم فيها سبلا لعلكم تتقون ) ( ونزلنا من السماء ماء بقدر ) أنزلنا من السماء ماء بقدر فالمطر قد ينزل فى مكان لا ينتفع به كالصحراء فالمطر يذهب من بلد لآخر ( يصيب برحمته من يشاء ) فيأتى من الميتة والميتة لا تستفيد من الماء ونحن نستفيد فما الذى كان زائدا من المياه تمتصه الأرض ( فسلكه ينابيع فى الأرض ) ( وإنا على ذهاب به لقادرون ) ( قل أريتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ) فنأخذ ما نريد من الماء والباقى تمتصه الأرض ليصبح ينابيع بداخلها يستفاد منها عند الحاجة فكيف يقال العزيز العليم ؟ لأن أحدا لم يذعن ويحتفظ بالماء فى الأرض فعن طريق الطرمبة نستطيع أخذ المياه الجوفيه من باطن الأرض فالمقاييس فى العلم الحديث تخبر أن المياه الجوفيه على بعد كم متر وبيان كميتها وكيف تعطى ماؤها وتوجد أماكن ليس فيها زراعة إنما هى على بحر لجى من الماء فلو وصلنا إليها بعلم نستطيع إخراج الماء منها

فنجد منها البساتين وكل أنواع الزروع والثمار والفاكهة فكلها آتية من الماء فالأزمات الاقتصادية تأتى من أن الإنسان فيكتفى أينما وجد ولا ينظر أن النسل يتزايد ويحاول تعمير الأراضى فالناس منا يأخذون قطعة من الأرض تجدها مليئة بالبساتين فيأخذوا منها ما لذ وطاب من أنواع الطعام المختلف ألوانه والذى ينبت فى الأراضى الصحراوية ( والذى نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتة كذلك تخرجون ) فعندما يريد الله إحياء الموتى فهو يحييها بنفس طريقة إحياء البلدة الميتة لأن الميت هو الذى مات  فعلا وفارق الحياة فقومه غسلوه وصلوا عليه ووضعوه فى النعش ووضعوه فى قبره والميت الذى سيؤول إلى الموت بالاحتضار ( إنك ميت وإنهم ميتون ) لذلك تخرجون فى البعث ( والذى خلق الأزواج كلها ) خلق الأزواج كلها عن طريق الشىء الواحد يكون من زوجين ( ومن كل شىء خلقنا زوجين فسبحان الذى خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ) فالأزواج كلها متقابلة كيف ذلك ؟ كأبيض وأسود وحلو وحامض وفوق وتحت وشمال ويمين وطويل وقصير فكل هذه أزواج متقابلة فتوجد زوجية فى الإنسان / ذكر وأنثى   

وما لا نعلم وتوجد زوجية فى المتقابلات فالله عز وجل أخبرنا بأنه خلق من كل شىء زوجين ( 2 )

( والذى خلق الأزواج كلها ) كلمة كلها دليل على وجود زوجية معروفة ( الذكر والأنثى ) من الإنسان والحيوان والنبات فتدخل فى نطاق زوجات المتقابلات ( والذى خلق الأزواج كلها ) فكر المستنيرين يقف عند هذه الآية ويمتد بأنه خلق الأزواج كلها فإن بينت أنه فرد لا زوج معه لماذا ؟ لأن قانون الاسترخاء العلمى ما يقبل القسمة على ( 2 ) فالمفرد الحق هو الذى لا يحتاج لهم .

( والذى خلق الأزواج كلها ) الأزواج تحتمل الفردين الذكر والأنثى فالفرد لا يحتمل الزوج وما دام خلق الأزواج كلها هو فرد لا مثيل له وأنزل الزوجين الذكر والأنثى فللذكر صفات مشتركة وللأنثى صفات مشتركة فلو لم يكن فرد يبقى زوج فيوجد له مثل لأن الفرد من الزوج مثل الآخر عن طريق ايجاد الذات والصفات أم أنه يوجد صفات مختلفة عند الذكر ويوجد صفات مختلفة عند الأنثى فالصفات المختلفة تدل على وجود نقص ما والله كامل لا نقص فيه فالآية تثبت أن الله فرد كامل لا يحتاج إلى شىء ويحتاج إليه كل شىء ( والذى خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ) الفلك : السفن والأنعام : الحيوانات التى تحمل أثقال الإنسان ( الأنعام التى تحمل أثقالنا إلى بلد لم نكن بالغيه إلا بشق الأنفس ) الفلك مؤنثة والأنعام مؤنث غير حقيقى ( خلق لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ) فلم يقل ما تركبونها لتشمل الفلك لأن الفلك مؤنثة والأنعام ما تركبونه ( وخلق لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ) فالسفن لا تركب إنما هى ظرف للمظروف / فى الفلك المشحون  

( حتى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها ) فالأنعام نركب عليها والفلك نركب فيها ما تركبون : ما تركبونه والفلك انطمرت فالفلك نركب فيها ولماذا غلب الأنعام وقال تركبوها والفلك محمولة عليها وإن كنا نركب فيها لماذا ؟ لأن توجد حكم فالله عز وجل الذى يتكلم وما دام الله يتكلم فيضع كل لفظ فى مكانه لأن الأنعام نركبها والفلك نركب فيها فلماذا غلب الأنعام على الفلك

لأن الأنعام خلق الله المباشر والفلك خلق الإنسان فالحق سبحانه وتعالى فيخاطب العرب والعرب لم يكونوا يعرفون مسألة الفلك : السفن إنما كل وسائلهم فى ركوب الأنعام فقال تركبونه وغلب الأنعام لتستوا على ظهورها لأن العرب لا تعرف السفن لتنتقل بها بل كانت تعرف الأنعام للانتقال ولأن الأنعام من خلق الله المباشر والسفن من خلق الإنسان ( والأنعام لتستوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم ) فالأنعام على ( 4 قوائم ) ( 4 أرجل ) شىء ثابت فالشىء على رجلين مهزوز وشىء على ثلاثة أرجل مهزوز والذى على ( 4 أرجل ) ثابت ممهد والسفن تحتاج إلى ( 3 أشياء ) :

1 ) سفينة   2 ) البحر الذى تسير فيه   3 ) الهواء الذى سوف يسيرها

فستشاهد النعم عند ركوب الفلك ( لتستوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه ) نجيب بقولنا ( سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) فالحق سبحانه وتعالى أكد عند مباشرة عمل جديد تذكر الله فيه ( بسم الله مجريها ومرسيها ) للسفن ( سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) فلا تغتر أيها الإنسان بالأنعام والسفن التى حملتك من مكان لآخر إنما قدر أن السفينة قد تغرق وقدر أن الأنعام التى تركبها قد تموت فلا بد من ذكر كل هذه الأشياء من أجل الاستمرار فى ذكر الله عز وجل وحتى بعد كل هذه النعم ( سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) فتوجد آيات أخرى تخبر بأن كل شىء له آفة فالسفن ( حتى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم بريح طيبة بريح طيبة وفرحوا بها ) ( ويضع الفلك بأعيننا ) ( من ذات ألواح ودسر ) فالأنعام من خلق الله المباشر والفلك من خلق الإنسان والأنعام قوية والفرس أقوى من الأنعام ومع ذلك زلل للإنسان وسخر ( وزللناها لهم ) فلو لم يزللها الله للإنسان فلا نستطيع الاستفادة منها فى الركوب ونقل البضائع والأشياء ( الأنعام ) ( أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما هم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) فالنعمة الأخرى أنها مذللة للإنسان ( سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) مقرنين : مطيقين لا تقدر عليها إنما بتذليل الله الأنعام للإنسان ( وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) فلا تغتر أيها الإنسان بركوب الدابة وتقطع بها المسافة وفى النهاية سوف ترجع إلى الله عز وجل ( وإنا إلى ربنا لمنقلبون )

( وجعلوا له من عباده جزءا ) يعنى أن له ولد لأن الولد جزء من أبيه بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للسيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها ( فاطمة بضع منى ) ( وجعلوا له من عباده جزءا ) وربما الجزء الحسن ( جعلوا له من عباده جزءا ) فى نبى فالنبى لله عز وجل ( وجعلوا له من عباده جزءا ) والجزء الذى ينفصل من الأبوين إما ذكر وإما أنثى الذكر هو الأشرف بدليل

( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به )

فالأنثى تجعل الملائكة بنات الله والأنثى مذمومة عندكم بدليل أن حمزة تزوج إمرأة لا تنجب أبدا فذهب بعيدا عنها فهى غضبت فأخذت تنفس عن نفسها فقالت :

ما لى أبى حمزة لا يأتينا    غضبان ألا نلد البنينا

تالله ما ذلك فى أيدينا        ونحن كالأرض لغارسينا

                        نعطى لهم مثل الذى أعطينا

فالمرأة العربية قالت ذلك فهى ليس لها ذنب فى أن يأتى الذكر أو الأنثى فالمرأة لا عمل لها إلا حضانة ( ميكروب الحيوان المنوى ) وميكروب الحيوان المنوى أتى من الرجل وهو الذى يحدد نوع الجنين إما ذكر وإما أنثى  فالقرآن يقول / وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى            

والمنى ماء الرجل الذى يتكون من ( X / Y ) فالذكورة والأنوثة من ماء الرجل فالمنى القوى يصل للبويضة ( X / X ) أنثى ( X / Y ) ذكر ( وجعلوا له من عباده جزءا ) ليس له ولد بل أنثى فالملائكة ( بنات الله ) ( وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين ) كفور : مبالغ فى الكفر

( أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين ) فالله الذى خلق فيأخذ الجنس الطيب ويعطيكم الجنس الأدنى ( أصفاكم بالبنين ) يعطيكم البنين ويأخذ البنات ( ويجعلون لله ما يكرهون ) ( أم اتخذ الله مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين ) ما دام ولد ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى بما ضرب للرحمن مثلا ) فالعلماء لا يستطيعون حفظ القرآن إنما القرآن لا بد أن يأتى من شخص لا يعرف شيئا فى العلم حتى إذا نسى كلمة يقف حتى يذكرها له أحد إنما العالم إذا نسى كلمة يأت بمقابل لها فالقرآن ينشط ذهن الإنسان فكمال القرآن لا يتعدى الفصاحة من البشر تتعدى واسلوب القرآن يرقى فكمال القرآن لا يتعدى أبدا فى الاسلوب ( تعهدوا القرآن فوالذى نفسى بيده لهو أشد تفصيا من الابل فى عقدها )

فإن واليت قراءة القرآن خير وإن تركته فترة ما تنساه ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم ) ( فمن ينشأ فى الحلية ) فالولد يلبس اللبس المعتاد أما البنت فتلبس الزينة بجانب ملابسها المعتادة لأن البنت مخلوقة للاستمالة ( وهو فى الخصام غير مبين ) لأن الجدل يحتاج قوة فالبنت مكرمة فالحرير والذهب محرمان على الرجال والنساء يلبسن الحرير والذهب فالنساء ينشأوا من الحلية فى النعمة ( أفمن ينشأ فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين ) فلا يستطيع أحد الاستمرار فى الجدل بل فى بعض الجنس شواذ فالنساء قد تجد إحداهن رأيها أقوى من رأى الرجال فالنبى صلى الله عليه وسلم حينما كان فى عقبة صلح الحديبية وحصل أنهم منعوهم من دخول بيت الله الحرام من أجل الحج وحصل معاهدة أن يعود هذا العام للمدينة المنورة ويأتى لمكة المكرمة فى العام القادم فالصحابة عز عليهم هذا فنرى البيت ولا نحج حتى عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذى يأتى القرآن وفق رأيه قال : لا نقبل الدنية فى ديننا والنبى صلى الله عليه وسلم رأى غضب الصحابة فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبائه مغضب فلما لقيته أم سلمة ما لى أراك يا رسول الله مغضبا ؟ قال أمرت المسلمين فلم يمتثلوا وقالوا لا نقبل الدنية فى ديننا فماذا قالت له ؟ قالت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إنهم قوم مكروبون وجاءوا من المدينة المنورة لمكة المكرمة بتعب على اشتياق على أن يطوفوا ويبقى على مشارفها فهى مسألة صعبة فاعذرهم يا رسول الله فاذهب إلى ما أمرك الله به فافعله أمامهم فإنهم إن رأوا هذا علموا أن الأمر عزيمة ولا جدال فيها فصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالت له أم سلمة ففعل المسلمون مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن رحمة بغيرة المسلمين فقبل وصولهم للمدينة المنورة نزل القرآن ( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله ) لأن فى مكة المكرمة أناس مسلمين وأخفوا اسلامهم فإذا دخلنا مكة المكرمة فسنقتل المسلم ( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ) ( لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ) فيصوب رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهدىء غيرة المسلمين على دينهم .

( والذى خلق الأزواج كلها ) الأزواج تحتمل الفردين والفرد لا يحتمل الزوج وما دام خلق الأزواج كلها فهو فرد لا  مثيل له والزوجين إما ذكر وإما أنثى فللذكر صفات مشتركة واللأنثى صفات مشتركة فلو لم يكن فرد يصبح زوج فيوجد له مثل لأن الفرد دال على الزوج فى ايجاد الذات والصفات أو أنه يوجد صفات مختلفة فالصفات المختلفة فيوجد نقص فى الأول ونقص فى الثانى والله عز وجل كامل لا نقص فيه  فالله عز وجل فرد كامل لا يحتاج إلى شىء ويحتاج إليه كل شىء

( والذى خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك  والأنعام ما تركبون ) الفلك : السفن / الأنعام الحيوانات التى تحمل أثقال الإنسان والتى تركب من قبله ( الأنعام التى تحمل أثقالنا إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ) فالفلك مؤنثة والأنعام مؤنث غير حقيقى ( خلق لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ) فلم يقل ما تركبونها لتشمل الفلك لأن الفلك مؤنثة ( والأنعام ما تركبونه )

( وخلق لكم من الفلك والأنعام ما تركبونه ) فالسفن لم يأت بها إنما السفن ظرف للمظروف ( فى الفلك المشحون ) ( حتى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها ) فى الفلك : ليسوا عليها فالأنعام نركب عليها والفلك نركب فيها فقال ( ما تركبون ) أى ما تركبونه وفى الفلك انطمرت معها فلا تركبوا عليها بل فيها ( الفلك / السفن ) ولماذا غلب الأنعام وقال تركبوها والفلك محمولة وإن كنا بنركب فيها ؟ لأنه توجد حكمة فالله عز وجل هو الذى يتكلم وما دام الله هو الذى يتكلم فقد وضع كل لفظ فى مكانه لأن الأنعام نركبها والفلك نركب فيها فلماذا غلب الأنعام على الفلك ؟ لأن الأنعام خلق الله المباشر والفلك خلق الإنسان والحق سبحانه وتعالى يخاطب العرب فالعرب لم يكونوا يعرفون مسألة السفن إنما كل وسائلهم على ركوب الأنعام فقال تركبونه وغلب الأنعام

( لتستوا على ظهوره ) فى الأنعام لأن العرب ما كانت تعرف السفن لتنتقل بها إنما كانت تعرف الأنعام للانتقال ولأن الأنعام خلق الله المباشر وكل السفن من خلق الإنسان فيغلب الأنعام على السفن

( لتستوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم ) تستوى على ظهره فكنت ماشيا فركبت والأنعام تحمل أثقال الإنسان فالأنعام مخلوقة على ( 4 قوائم : 4 أرجل ) فشىء على رجلين مهزوز والشىء على ثلاثة أرجل مهزوز إنما على ( 4 أرجل ) ثابتة وممهدة والسفن لها ( 3 ) أشياء :

1 ) السفينة    2 ) البحر الذى تسير فيه السفينة     3 ) الهواء الذى سيسير السفينة فى البحر

فالإنسان يرى كل هذه النعم عند الركوب فى السفن ( لتستوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه ) فالاجابة ( سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) فالنبى عليه الصلاة والسلام علمنا أن نقول هذا عند الركوب السفينة أم الأنعام فالحق سبحانه وتعالى عند مباشرة كل عمل جديد لا بد من ذكر الله فيه ( بسم الله مجريها ومرسيها ) للسفن

( سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) فلا تغتر أيها الإنسان فقدر أن السفينة قد تغرق وأن الأنعام قد تموت فلا بد من ذكر كل هذه الأشياء لتستمر فى ذكر الله عز وجل ( وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) ( سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) فكل شىء له آفة فالسفن لها آفة ( حتى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها ) ( ويصنع الفلك بأعيننا ) فكلما يمر عليه فريق يسخروا منه ( من ذات ألواح ودسر )

والأنعام أقوى من الإنسان والفرس أقوى من الأنعام ومع ذلك سخر لنا وذلل ( وزللناها لهم ) فلو لم يزللها الله عز وجل فلا نستطيع الاستفادة منها ( أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وزللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) فالنعمة الثانية أنها مزللة للإنسان

( سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) مقرنين : مطيقين لا نقدر عليها إنما بتذليله للإنسان يستطيع الإنسان الاستفادة منها ( وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) فلا تغتر أيها الإنسان بركوب الدابة وتقطع بها المسافة وفى النهاية سوف ترجع إلى الله عز وجل ( وإنا إلى ربنا لمنقلبون )

( وجعلوا له من عباده جزءا ) يعنى أن له ولد لأن الولد جزء من أبيه بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للسيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها فاطمة بضع منى ( وجعلوا له من عباده جزءا ) وربما الجزء الحسن ( وجعلوا له من عباده جزءا ) المرسل للنبى رسول الله صلى الله عليه وسلم فالنبى ملك لله عز وجل ( وجعلوا له من عباده جزءا ) الجزء فصل من الأبوين إما ذكر وإما أنثى فالذكر هو الأشرف بدليل ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ) فالأنثى تجعلوا الملائكة بنات الله والأنثى مذمومة عندكم .

فالمرأة العربية ليس لها ذنب فى أن يأتى الجنين ذكر أو أنثى إنما العلم الحديث أثبتها فالمرأة لا عمل لها إلا حضانة ( ميكروب الحيوان المنوى ) إنما الميكروب ( الحيوان المنوى ) أتى من الرجل فالقرآن يقول ( وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى ) والنطفة ماء الرجل فالأنثى

( X /  X  ) والذكر ( X / Y  ) فالذكورة والأنوثة فالحيوان المنوى يخرج من الرجل ولما يخرج الحيوان المنوى من الرجل فالحيوان المنوى القوى هو الذى يصل للبويضة ويلقحها ( وجعلوا له من عباده جزءا ) فالجزء ليس الولد إنما الملائكة بنات الله ( وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين ) كفور : مبالغ فى الكفر  مبين : ظاهر وواضح ( أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين ) فالله عز وجل هو الذى خلق فيعطيكم الجنس الحسن ويأخذ الجنس الأدنى فالله أصفاكم بالبنين وأخذ البنات ( ويجعلون لله ما يكرهون ) ( أم اتخذ الله مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين )

( وإذا بشر أحدهم بالأنثى بما ضرب للرحمن مثلا ) فالعلماء لا يستطيعوا حفظ القرآن إنما القرآن لا بد أن يأتى من شخص لا يعرف شيئا فى العلم حتى إذا نسى كلمة يقف إنما العالم عندما ينسى كلمة يأتى بمقابل لها ( قال عذابى أصيب به من أشاء ) فالقرآن ينشط ذهن الإنسان فكمال القرآن لا يتعدى فالفصاحة من البشر تتعدى واسلوبه يرقى فكمال القرآن لا يتعدى فى الاسلوب ( تعهدوا القرآن فوالذى نفسى بيده لهو أشد تفصيا من الابل فى عقدها ) لأن القرآن إذا واليت قراءته تتذكره باستمرار وإما إن تركته فترة تنساه ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ) ( أفمن ينشأ فى الحلية ) فالولد يلبس الملابس المعتادة أما البنت فتلبس بجانب ملابسها المعتادة الزينة لأن البنت مخلوقة للاستمالة

( وهو فى الخصام غير مبين ) فالحرير والذهب محرم على الرجال فى حين أن النساء يلبسن الحرير والذهب فالنساء ينشئن من الحلية فى النعمة والولد أباه يوجهه للصنعة والعمل ( أفمن ينشأ فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين ) فلا يستطيع فى الجدل أن يسد فيوجد فى بعض الجنس شواذ فالنساء قد يكن رأى إحداهن قوى أقوى من رأى الرجال فالنبى صلى الله عليه وسلم حينما كان فى عقبة صلح الحديبية وحصل أنهم منعوا المسلمين من دخول بيت الله الحرام من أجل آداء فريضة الحج وحصل معهم معاهدة بأن يعود المسلمون للمدينة المنورة هذا العام ويأتى لمكة المكرمة فى العام القادم لآداء فريضة الحج فالصحابة عز عليهم هذا فقالوا نرى البيت ولا نحج حتى عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذى يأتى القرآن وفق رأيه قال لا نقبل الدنية فى ديننا فالنبى غضب وشاهد غضب الصحابة فذهب رسول الله عليه الصلاة والسلام لخبائه مغضب فلما لقيته أم سلمة رضى الله عنها قالت : ما لى أراك يا رسول الله مغضبا ؟ قال أمرت المسلمين فلم يمتثلوا وقالوا لا نقبل الدنية فى ديننا فماذا قالت أم سلمة ؟ قالت : يا رسول الله إنهم قوم مكروبون وجاءوا من المدينة المنورة لمكة المكرمة على أمل أن يطوفوا بالكعبة المشرفة ويبقوا على مشارفها إنها مسألة صعبة فاعذرهم يا رسول الله واذهب إلى ما أمرك الله به ففعله أمامهم فإنهم إن رأوا هذا علموا أن الأمر عزيمة ولا جدال فيها فصنع رسول الله عليه الصلاة والسلام ما قالت له أم سلمة ولكن برحمة المسلمين لقولهم لا نقبل الدنية فى ديننا فقبل دخولهم للمدينة المنورة نزل القرآن ( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله ) لأن فى مكة أناس مسلمين أخفوا اسلامهم فلو دخلتم مكة وحصلت معركة لقتلتم اخوانكم المسلمين ( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ) ( لعذبنا الذين كفروا عذابا أليما ) فيصوب رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغيرة المسلمين على دينهم أمر حسن .

( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون ) والله سبحانه وتعالى تكلم عن دعواهم أولا فى أن لله ولد والولد جزء من أبيه فأثبتوا لله أجزاء والولد جزء منه ولذلك جاءت هذه الآية بعد قوله ( والذى خلق الأزواج كلها ) والزوج يبدأ من فردين ذكر وأنثى فالزوج محتاج للفرد ( والذى خلق الأزواج كلها ) معناه أن كل شىء فى الوجود زوج والزوج لا بد أن ينضم فرد ( ذكر ) إلى فرد ( أنثى ) فالزوج محتاج للفرد والفرد غير محتاج للزوج ولذلك بعضهم سأل قالوا أنتم تؤمنون بإله واحد ؟ قالوا نعم فهم قاموا ب ( 3 ) أشياء :

1 ) جعلوا لله ولد فأثبتوا له جزء لأن الولد جزء من أبيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فاطمة الزهراء رضى الله عنها بضع منى .

2 ) اتخذ الملائكة إناثا     3 ) ما شاء الله ما عبدناهم .

فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يرد على كل واحد فلقد أثبتوا لله الولد فجعل لله جزء وهذا ينافى أنه واحد أحد فرد صمد .

واحد : بمعنى لا وجود لفرد آخر معاه   أحد : غير مركب من أجزاء فالواحدية تنفى وجود فرد معه

والأحدية تنفى أنه ذو أجزاء فليس كلا وليس كليا من الذى خلق ؟ الله سبحانه وتعالى هو الذى خلق

( خلق الأزواج كلها ) فخلق الذكر والأنثى فهل الذكر أحسن أم الأنثى برأيكم أنتم وباستعمالكم وقواعدكم ( إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه فى التراب ) فأنتم كرهتم الأنثى بشهادتكم أنتم فالأنثى أعطيتموها لله وأخذتم الذكور ( ألكم الذكر وله الأنثى ) ففى سورة النجم ( ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذن قسمة ضيزى ) فالقسمة جائرة غريبة عجيبة فيأتى باللفظ الغريب العجيب الذى لا يوجد إلا هو فى القرآن

( ضيزى ) ليس حاجة رقيقة ( تلك إذن قسمة ضيزى ) ليدل باللفظ على غرابة المعنى الذى قالوه

( ألكم الذكر وله الأنثى ) ( اصطفى البنات على البنين ) فمن أين أتيتم بكل هذه التهم ؟ هل لديكم كتب تدرسونها أم لديكم رسل قالوا لكم هذا الكلام ؟ فهذه مسألة لا يعرفها أحد إلا الله عز وجل

( أشهدوا خلقهم ) ( ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ) كلمة الله تدل على وجود مضلين سيجيئون بعد ذلك بقولهم إن الإنسان أصله قرد فلم يشهدوا الخلق فلو لم يجد قوم يقولون بهذه المسألة ولقد صدقت هذه الآية فمجىء المضلين دليل على صدق الله عز وجل فمجىء المضلين إثبات للمعجزة فنحن نأخذ بالقرأن ولا نأخذ بالسنة فالله سبحانه وتعالى يعطينا فكرة أنه قال هذا الكلام ( يوشك أحد منكم يتكىء على أريكته يقول بيننا وبينكم كتاب الله ( القرآن ) فما فيه من حلال حللناه وما فيه من حرام حرمناه ألا وإن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز وجل فمجىء المضلين يثبت صدق الله عز وجل فى كلامه

( اصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون ) ( أفمن ينشأ فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين ) بالنسبة للنساء فتعطوا النساء لله وتأخذوا الرجال الذين فيهم صلابة وقوة ( تلك إذن قسمة ضيزى ) ( أفمن ينشأ فى الحلية ) تكريم للنساء ( وهو فى الخصام غير مبين ) خصام مهيأ هين ليس له جلد فالله عز وجل حين يضع القانون ليس قانون ميكانيكى فيجعل فى القانون شذوذا

( أفمن ينشأ فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين ) فيأتى من الأنثى فى الخصام ويأتى من الأنثى غالية لا تلبس الحلى لشدة جمالها فيأتى فى قصة بلقيس ( ملكة اليمن / سبأ ) لا بد أنها استولت على ذلك بقوة شكيمة وبصيرة ورأى فسلموا لها الرجال وأصبح لها عرش عظيم ولما أتى سيدنا سليمان عليه السلام لما أراد أن يبلغها الدعوة فالذى بلغها الدعوة الهدهد يعنى من جنود سيدنا سليمان عليه السلام فهو يستعرض الجنود والخيل والجن والإنس فلم يجد الهدهد فمهمة الادارة العليا فتفقد فقال ( ما لى لا أرى الهدهد ) ( وتفقد الطير قال ما لى أرى الهدهد أم كان من الغائبين فمكث غير بعيد ) غاب عن مجلسه ثم أتى الهدهد ولكنه قام بعمل يساعد سليمان عليه السلام فى مهمته وفى قصة إبنى آدم ( واتل عليهم نبأ ابنى آدم فقربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله مع المتقين فسولت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح  من النادمين  ) ( فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه ) فتعلم من الغراب

فالهدهد علم النبى سليمان عليه السلام وعلمه فيما يتعلق بمهمته لأن مهمة النبى حرس العقيدة ومنهج الله ينزل فالهدهد أعانه على هذه المهمة فلقد عرف الهدهد القضية الايمانية من أولها لآخرها ( أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين إنى وجدت إمرأة تملكهم وأوتيت من كل شىء ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ألا يسجدوا لله الذى يخرج الخبء فى السموات والأرض ) فهذا مخالف لمنهج سليمان ( عبادة الشمس من دون الله ) ( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ) فلها زمن ( قال الذى عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) فالجن الذين لهم خواص فوق الإنس يجعل الله من الإنس حاجة أكثر من الجن عن طريق طلاقة القدرة لله عز وجل فيجعل من الأضعف الأقوى منه ( قبل أن يرتد إليك طرفك ) فعندما يخلصها يكون الطرف ارتد فلا زمن ( فلما رآه مستقرا عنده ) فلما جاءت بلقيس قال ( نكروا لها عرشها ) فلما جاءت وأرادت دخول الصرح ( إنه صرح ممرد من قوارير ) فهى أرسلت لسيدنا سليمان عليه السلام بهدية ( قال ما آتانى الله خير مما آتاكم ) فهل هذا العرش مثل عرشك ؟ قالت كأنه هو الرد الدبلوماسى ( قالت إنى أسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) فيوجد لديها جدل ومعنى ذلك ( وهو فى الخصام غير مبين ) القاعدة العامة فيها يعطى الله منهم ما يفوق الجنس الآخر ) .

بالنسبة للسيدة مريم ( إذ قالت إمرأة عمران رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا فتقبل منى إنك أنت السميع العليم ) والذى كان يخدم البيت الذكور ( فلما وضعتها قالت رب إنى وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب )

فالأنثى لها شأن عظيم أحسن من الذكر عن طريق طلاقة القدرة لله عز وجل فقد يعطى الله لقوم رزق واسع فالقدرة إذا جعلت الأمور رتيبة ( وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) فمسألة أم سلمة رضى الله عنها فى موقعة الحديبية لما قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنهم قوم مكروبون واذهب إلى ما أمرك الله به فإنهم إن رأوك تفعل ما أمرك الله به سوف يعملون مثل ما تعمل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فالسيدة حفصة عندما كانت مع الجيش فرأت يهودى يطوف حول الخيمة فقالت لسيدنا حسان إذهب واقتله فرفض حسان أن يقتله فقتلت السيدة حفصة اليهودى بالسيف فالسيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها فكل الذى أهمها عند الموت أن لا تكون مكشوفة أمام الناس فعرفت أن باليمن نعش يوضع فيه الموتى فتوجد أشياء تبين أن منهج الله عندما يتمكن من أحد يسحب منهج الله فى كل تصرفاته فقبل الاسلام وفى الجاهلية فتوجد نساء لهن أراء فشجرة الدر من مصر هى التى كست الكعبة المشرفة فالله يطلق من الجنس الضعيف قوى عن طريق حد طلاقة القدرة لله عز وجل فأمامة بنت الحارث وضعت بنت من ملك كندى ( أم اياس ) تسامع العرب بجمالها وفصاحتها وجلسوا يوصفوا فيها عدة صفات فأراد أن يتزوجها فقال له يا ابن سنان

( الحارث بن عتبة ) أرأيت لو أنى حظيت من أى حى من أحياء العرب أيردنى ؟ قال نعم أعرف من يردك قال من هو قال ( أوس بن حارثة ) فذهب ( لأوس بن حارثة ) فلما رآه راكبا وداخلا عليه قال مرحبا بك يا حارث ماذا جاء بك ؟ قال آتيتك خاطبا ؟ قال لست هناك يا ( أوس ) فجاء رجل راكبا فلم يطل معك الكلام فالحارث بن عوف سيد من سادات العرب فقال له لماذا لم تتخذه ضيفا ) قال لأنه استهجنى بماذا قال آتانى خاطبا أنت تقول أنه سيد العرب وجاءك خاطبا فمن تزوجه اذهب فاسترضيه وآت به ولقد كان ما كان فناداه أوس يا حارث ارجع فلك عندى ما تحب فرجعوا فلما رجعوا قالوا له أتيتنى وأنا مغضب فقلت لك ما قلت فرجعت نفسى فلك عندى ما تريد فكان لدى أوس ( 3 بنات ) فجاء بالكبيرة وقال لها ( جاءك الحارث بن عوف يخطبك قالت لا يا أبى قال لم قالت إنى إمرأة فى ردة وفى خلقى شدة وليس بجار له ولا أنا بنت عمه وأخشى أن يحدث منى شىء يغضبه فيطلقنى فيصبح ذلك سبة لى فقال قومى بارك الله فيك فجاءت الوسطى فلما جاء بالوسطى قال لها مثل ما قال لأختها الكبيرة فقالت لا يا أبى إنى إمرأة لست جميلة ولست صناعا فى خدمة البيت وأخشى أن يحدث منى ما يغضبه فيطلقنى فيصبح ذلك سبة لى فقومى بارك الله فيك فجاءت الصغرى قالت أنا الحسنة خلقا وخلقا والجميلة خلقا والصناع يدا فإن طلقنى فلا بارك الله له ولا أخلف عليه فقال له إنى زوجتك بنتى  هويسة أصغر البنات فلابد من أن تذبح وتنحر وتطعم الناس وتصنع ما يصنع مثلك لمثلى فلما ذهب إليها نحر وذبح وفعل كل شىء مطلوب منه فدخل عليها فقالت له يا حارث أتتوق للنساء ويوجد حيين من أحياء العرب يقتتلان وفيهم خسائر اذهب فأصلح بينهم فخرج فكان نعم الرأى فلما ذهب للحيين أصلح بينهما ودفع دية القتلى من الطرفين

( 3000 بعير ) من ماله الخاص ثم رجع إليها فوجدها مستعدة له فقالت له الأن يا حارثة .

( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون ) والله سبحانه وتعالى تكلم عن دعواهم أولا فى أن لله ولد والولد جزء من أبيه فأثبتوا لله أجزاء والولد جزء منه ولذلك جاءت هذه الآية بعد قوله ( والذى خلق الأزواج كلها ) والزوج يبدأ من فردين فرد

( ذكر ) وفرد ( أنثى ) فالزوج محتاج للفرد ( والذى خلق الأزواج كلها ) معناه إن كل شىء فى الوجود زوج والزوج لا بد أن ينضم فرد ( ذكر ) إلى فرد ( أنثى ) فالزوج محتاج للفرد والفرد غير محتاج للزوج ولذلك بعضهم سأل أنتم تؤمنون بإله واحد ؟ قالوا نعم قال اتحسنوا العدد قال نعم

( 1 و 2 ) ( 2 قبلها 1 ) وما قبل ( 1 ) ( 0 ) صفر فلا يوجد أحد قبل الله عز وجل فقد قاموا ب ( 3 أشياء ) :

1 ) جعلوا لله ولدا فأثبتوا له جزء لأن الولد جزء من أبيه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة الزهراء رضى الله عنها بضع منى .

2 ) اتخذ الملائكة إناثا    3 ) ما شاء الله ما عبدناهم

( 3 دعاوى ) الولد والله أخذ الأنثى وترك لهم الذكور وما شاء الله ما عبدناهم فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يرد على كل واحدة اتخذ الولد فجعلوا لله جزء وهذا ينافى أنه واحد أحد فرد صمد كل واحدة منها لها معنى واحد : لا وجود لفرد آخر معاه / أحد : غير مركب من أجزاء فالواحدية تنفى وجود فرد معه والأحدية تنفى أنه ذو أجزاء فليس كلا وليس كليا من الذى خلق ؟ الله عز وجل هو الذى خلق ( خلق الأزواج كلها ) خلق الذكر والأنثى فهل الذكر أحسن من الأنثى ؟

برأيكم أنتم وباستعمالكم وبقواعدكم ( إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه فى التراب ) ( وأد البنات فى الجاهلية )

فأنتم كرهتم الأنثى بشهادتكم أنتم فالأنثى التى كرهتموها أعطيتموها لله عز وجل وأخذتم الذكران ( ألكم الذكر وله الأنثى ) ففى سورة النجم ( ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذن قسمة ضيزى ) .

ضيزى : جائرة ظالمة فالقسمة غريبة عجيبة فيأتى باللفظ الغريب العجيب الذى ليس له وجود إلا فى القرآن وليس حاجة رقيقة ليدل باللفظ على غرابة المعنى الذى قالوه ( ألكم الذكر وله الأنثى )

( اصطفى البنات على البنين ) فمن أين أتيتم بكل هذه التهم ؟ أعندكم كتب تدرسونها أم لديكم رسل قالوا لكم هذا الكلام ؟ لأن هذه المسألة لا يعرفها أحد إلا الله عز وجل ( أشهدوا الخلق ) ( أشهدوا خلقهم ) ( ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ) فكلمة الله تدل على وجود مضلين سيجيئون بعد ذلك فهم يقولون كذبا أن الإنسان أصله قرد فلم يشهدوا الخلق فهم مضلين فلما لم يجىء قوم يقولون بهذه المسألة لما صدقت هذه الآية فمجىء المضلين دليل على صدق الله عز وجل فمجىء المضلين إثبات للمعجزة فجاء قوم وقالوا ( نحن لا نهتم إلا بالقرآن والسنة نتركها ) فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يوشك أحد منكم يتكىء على آريكته يقول بيننا وبينكم كتاب الله فما فيه من حلال حللناه وما فيه من حرام حرمناه ألا ما قال رسول الله مثل ما قال الله ) فمجيئهم يثبت صدق الله فى كلامه ( اصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون ) فأنتم تأخذون الذكر لقوته وصلابته ولذهابه للجيش ويسعى من أجل طلب العيش الحسن والأنثى تجلس فى البيت ( أفمن ينشأ فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين ) فأنتم تأخذون الذكور وتعطوا لله البنات ( تلك إذن قسمة ضيزى ) ( أفمن ينشأ فى الحلية ) فالمرأة تنشأ فى الحلية والزينة فالعرب يسمون المرأة الجميلة التى تستغنى بجمالها عن لبس الحلى ( غالية ) ( أفمن ينشأ فى الحلية ) تكريم للنساء والحرير والذهب تلبسه النساء بينما الحرير والذهب محرم على الرجال ( وهو فى الخصام غير مبين ) خصام هين ليس فيه جلد فالله حين يضع القانون لا يضع قانون ميكانيكى فيجعل فى القانون شذوذا ( أفمن ينشأ فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين ) ففى قصة بلقيس ملكة اليمن ( سبأ ) لا بد أنها استولت على ذلك بقوة شكيمة وبصيرة ورأى فسلموا لها الرجال وأصبح لها عرش عظيم فلما جاء سيدنا سليمان عليه السلام فلما بلغها الدعوة عن طريق الهدهد من جنود سيدنا سليمان عليه السلام فهو يستعرض الجنود والخيل والجن والإنس فلم يجد الهدهد فمهمة الإدارة العليا ( وتفقد الطير وقال مالى لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ) ما لى لا أرى الهدهد تعجب ( أم كان من الغائبين ) ( فلبث غير بعيد ) فغاب عن مجلسه ولكنه قام بعمل يساعد سيدنا سليمان عليه السلام على آداء رسالته لأنه اكتشف أناس مشركين ) فقد نفع وقصة ابنى آدم ( هابيل وقابيل ) ( فقربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من الصالحين فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من النادمين ) ( فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه ) فتعلم من الغراب وهذه حكمة فالهدهد علم سيدنا سليمان عليه السلام مهمة النبى لأن مهمة النبى حرس العقيدة ومنهج الله ينزل فالهدهد أعانه على هذه المهمة فالهدهد عرف القضية الايمانية من أولها لآخرها ( فلبث غير بعيد أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين إنى وجدت إمرأة تملكهم وأوتيت من كل شىء ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ) فهذا مخالف لمنهج سليمان عليه السلام ( ألا يسجدوا لله الذى يخرج الخبء فى السموات والأرض ) لأن قوت الهدهد لا يأتى من سطح الأرض إنما من باطنها ( أيكم يأتينى بعرشها قبل أن يأتونى مسلمين ) ( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإنى عليه لقوى أمين ) فيوجد زمن ( قال الذى عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) فالجن لهم خواص فوق الإنس فجعل الله من الإنس حاجة أكثر من الجن عن طريق طلاقة القدرة فيجعل من الأضعف الأقوى ( قبل أن يرتد إليك طرفك ) لا يوجد زمن ( فلما رآه مستقرا عنده ) فقال ( نكروا لها عرشها ) فعند دخولها الصرح قال ( إنه صرح ممرد من قوارير ) فهى أرسلت له بهدية قال ( ما آتانى الله خير مما آتاكم ) فهل العرش مثل عرشك قالت كأنه هو رد دبلوماسى سياسى وآمنت ( إنى أسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) ( وهو فى الخصام غير مبين ) ( إذ قالت إمرأة عمران رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا ) والذى كان يخدم البيت الذكور فلقد وضعتها بنت فتحسرت وقالت ( وليس الذكر كالأنثى ) إنما الأنثى لها شأن عظيم فالحق سبحانه وتعالى يبين لنا طلاقة القدرة فالله قد يعطى للفقير رزق واسع فيعطى الله الرزق لمن لا حيلة له ليتعجب صاحب الغنى فإن لم يكن كذلك فلا توجد طلاقة القدرة فالقدرة إن جعلت المسائل رتيبة لا توجد قدرة .

وفى مسألة أم سلمة فى موقعة الحديبية لما قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنهم قوم مكروبون واذهب إلى ما أمرك الله به فإن رأوك تفعل ما أمرك الله به سوف يفعلون مثل ما تفعل .

والسيدة حفصة مع الجيش فرأت يهودى يطوف حول الخيمة قالت لحسان اذهب فاقتله فرفض حسان قتل اليهودى فأخذت السيدة حفصة السيف وقتلت اليهودى فلما قتل اليهودى قالت لحسان اذهب فاسلبه قال لو لم يكن رجلا ما سلبته فالسيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها كل ما أهمها عند الموت ألا ينكشف جسدها على أحد فيوجد فى اليمن صندوق من الخرزان يوضع فيه نعش الموتى فيتدارى فيأتى بأشياء تبين أن المنهج حينما يتمكن من إنسان ما فى كل تصرفاته فجاءت فى الاسلام فقبل الاسلام وفى الجاهلية فيوجد سيدات لهن آراء قوية فشجرة الدر من مصر قامت بإرسال كسوة الكعبة المشرفة لمكة المكرمة كل عام فالله يخلق من الجنس الضعيف قوى فهذه طلاقة القدرة فأمامة بنت الحارث وضعت بنت من ملك كندى ( أم إياس ) بنت الحارث بن عمرو ملك كنده تسامع العرب بجمالها وفصاحتها وأخذوا يوصفون بها عدة صفات فأراد أن يتزوجها فلما ذهب ليتزوجها قال له يا بن سنان قال أرأيت إن خطبت من أى حى من أحياء العرب أيردنى قال نعم أعرف من يردك قال من هو ؟ قال أوس بن حارثة فذهبوا لأوس بن الحارث قال له مرحبا بك يا حارث ماذا جاء بك ؟ قال آتيتك خاطبا قال لست هناك أى أنك لست كفئا لنا لنزوجك فلما دخل قالت له إمرأته يا أوس ما رجل جاء لك راكبا فلم يطل معك الكلام قال الحارث بن عوف سيد من سادات العرب ولماذا لم تستنزله قال لأنه استهجننى لماذا ؟ قال أتانى خاطبا قال إن كنت تقول إنه سيد العرب وجاءك خاطبا فمن تزوج بناتك إن لم تزوجه لسيد العرب اذهب فاسترضيه قال قد كان ما كان قالت اذهب فاسترضيه فقال أوس للحارث بن عوف ارجع على ولك عندى ما تحب قال إنك أتيتنى وأنا مغضب لأمر ما و قلت لك ما قلت ولكنى رجعت نفسى آت ولك عندى ما تريد فكان لدى أوس ( 3 بنات ) فأتى بالكبيرة وقال لها جاءك الحارث بن عوف يخطبك قالت لا يا أبى قال لم ؟ قالت إنى إمرأة فى رده وفى خلقى شده وليس بجار له ولست أنا بنت عمه وأخشى أن يحدث منى شىء يغضبه فيطلقنى فيصبح ذلك سبة لى قال قومى بارك الله فيك فجاء بالوسطى وقال لها ما قال للكبيرة فقالت لا يا أبى إنى إمرأة لست جميلة ولست صناعا فى خدمة البيت وأخشى أن يحدث منى ما يغضبه فيطلقنى فيصبح ذلك سبة لى فقال قومى بارك الله فيك فقال للصغرى ما قال لأخواتها الكبيرة والوسطى قالت أنا الحسنة خلقا والجميلة خلقا والصناع يدا فإن طلقنى فلا بارك الله له ولا أخلف عليه فقال له إنى زوجتك ابنتى هويسة فقالت له اذهب وانحر واذبح وأطعم الناس وتصنع ما يصنع مثلك لمثلى فلما عمل ما طلب منه فدخل عليها فقالت يا أبا الحارث أتتوق للنساء ويوجد حيين من العرب يقتتلان وفيهم خسائر اذهب فأصلح بينهم ثم لا يفوتك من ذلك شىء فقال نعم الرأى فلما خرج أصلح بين الحيين ودفع دية القتلى من الطرفين من ماله الخاص ( 3000 بعير ) ثم رجع إليها فوجدها مستعدة له فقالت له الأن يا حارثة .

إن قضية الأنثى دون الذكر وهذه قضية عامة فمن الأنثى ما يجعل منها ما فوق الرجال بالرأى والحلم فتوجد قصة هويسة بنت أوس بن حارثة وكيف عرفنا المواقف التى وضعها حيث طلب الحارث بن عمرو ملك كنده الزواج منها ؟ وهناك من العرب الحارث بن عمرو ملك كنده تحدث بلغة من أجل جمال إمرأة من العرب ( أم إياس ) بنت عوف الشيبانى فأراد أن يتزوجها فأذاع إمرأة من كنده يقال لها عصام وقال اذهب حتى تعلمى لى علم مسألة ابنة عوف الشيبانى فذهبت فلما انتهت إليها التقت بأمها ( أم إياس ) ( أمامة بنت الحارث ) وأعلمتها لما جاءت له فضربت أمامة بنت الحارث لابنتها أم أياس فى غرفة اجلسى وستدخل عليك أم عصام فلا تسترى عنها شيئا أرادت النظر إليه من وجه وخلق وتكلمى معها فدخلت أم عصام على أم إياس فوجدتها مستعدة لها فقالت أم عصام ( ترك الخداع ما انكشف القناع ) فصارت مثلا ينطقه العرب فلما عادت من مهمتها قال لها ما ورائك يا أم عصام ؟ قالت ( أبدى المخض عن الزبد ) المخض : فصل اللبن عن الزبدة والقشطة فصارت مقولة ( أبدى المخض عن الزبد ) مثلا فقال لها ناطقينى قالت أخبرك حقا وصدقا وأخذت توصف المرأة التى يريد الزواج منها يكفى أننا سوف نعطيك المرأة الغير محرمة عليك رأيت جبهة كالمرآة الثقيلة يزينها شعر كأذناب الخيل المضفورة إن استعملته يكون كالسلاسل وإن أرسلته كانت على قيد كرم ملأها الوادى تحته حاجبان متقوسان كأنما خط بقلم أسود يتقوسان على عين الظبية العذهرة التى لم يرعها قانص ولا يفزعها قسورة ( عينان ناعسة ) بينهما أنف كحد السيف المصقول لم يخنس به قصر ولم يبقى به طول ) حاجته به وجنتان كالأرجوان فى بياض محض كالجماد شق فيه فم كالخاتم اللذيذ المبتسم وفيه لسانا أحلى بيانا وتلتقى فيهما شفتان حمراوين كأنهما يجلبان ريقا كالشهد تحتاهما عنق كابريق الفضة اتصل به عضدان أمتلأ لحما فخطبها فلما جاءوا ليزفوها إليه أخذتها أمامة ( أمها ) ( أى بنية إنك غدا ستفارقين البيت الذى فيه درجت والعش الذى فيه نشأت إلى قرين لم تألفيه وبيت لا تعرفيه ولو أن إمرأة استغنت عن النصيحة لكنت أغنى الناس ولكنها تذكرة للعاقل ومعونة للغافل أى بنية إنه صار بملكه لك فصيرى أمة له يكن لك عبدا واحفظى عنى ( 10 خصال ) أما الأولى والثانية فالمعاشرة بالرضا والقناعة والثانية حسن السمع والطاعة وأما الثالثة والرابعة فالتعهد لموضع عينه والتعهد لموضع أنفه فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح أما الخامسة والسادسة فالتعهد لوقت طعامه والهدوء عند منامه فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة وأما السابعة والثامنة فالتدبير لماله والارعاء على صحته وعياله وأما التاسعة والعاشرة فإياك أن تعصى له أمرا أو تفشى له سرا فإنك إن عصيت أمره أوغرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمنى غدره وإياك بعد ذلك كله والفرح إن كان غاضبا أو الترح إن كان فرحا واعلمى أنك لن تنالى ما تحبين حتى تغلبى رضاه على رضاك وهواه على هواك فهذهى نصائح مهمة لكل إمرأة قبل أن تتزوج فالخلاف والتناقض بين الزوجين فبجانب ال ( 10 خصال ) أضافت لها ( الفرح والترح ) فأصبحوا ( 12 خصلة ) ومع ذلك أعطاها الله ذلك البيان فنصحت ابنتها هذه النصيحة فبينها وبين زوجها حتى أتت منه ب ( 10 بطون ) فلو تم تعليم نساء المسلمين هذا الكلام فلا يوجد خلاف فى منزل الزوجية على الاطلاق ( أفمن ينشأ فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين ) ( وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون ) يخرصون : يكذبون ويقولون كلام غير حقيقى ( أم آتيناهم كتابا من قبلك فهم به مستمسكون بل قالوا إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) فقضية اتباع الآباء والتقليد فالقرآن أتى بها فى هذه الآية وأيات أخرى فقال ( وإذا قال لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا أو لو كان أباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما

أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا ) فقولهم ( حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا ) أقوى من قولهم ( بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا أو لو كان أباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) أما الآخرين قالوا ( حسبنا ما وجدنا عليه أبائنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ) فالفرق بين الاسلوبين أحدهما يعقلون والأخر يعلمون .

يعقلون لأنهم لم يفعلوا قصر   يعلمون لأنهم قالوا حسبنا لا نريد شىء آخر ( قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا ) فقال يعقلون فى أحدها وفى الأخرى يعلمون ما الفرق بينهما ؟

يعقلون : هو الذى يستنبط المسائل من نفسه بعقله .

يعلمون : لا يستطيع الاستنباط من نفسه ويعلم من استنباط غيره فأيهما أقوى الذى يعلم لأنه يتعقل غيره ويعقل نفسه ( فيعلمون ) الأقوى لكن يعقلون يأخذ التعقل فقط فهذا اسلوب وذاك اسلوب مختلف ولكنهما يؤديان نفس المعنى .

( قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا ) ( قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا ) ( قالوا إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) ( وكذلك ما أرسلنا من قبلك فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) على أمة : على طريقة ( قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آبائكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ) فسوف نتبع ما ألفوا آبائهم عليه فهم يسيرون على التقليد فالمناسب كما قال ( خلق الأزواج كلها ) فاستبعدوا أن يكون لله جزء لأنه فرد فجاءت مسألة الإناث والبنين ويوجد هنا تقليد فى قوله ( مهتدون / مقتدون ) فيأتى بآية يفسد بها عليهم أن ما جاء به آبائهم فهذا كلام باطل لأن سيدنا ابراهيم عليه السلام أنتم أيها العرب تفخروا به فالعرب من نسل ابراهيم عليه السلام فهو لم يقلد ابراهيم لأنه ذهب لأبيه وقال له ( يا أبت لما تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك من الله شيئا ) فخرج عن التقليد فعن طريق نقد قضية التقليد فلسفيا فأول وجود فى الكون كان آدم ومنهجه فلا بد من أخذ منهج الله فى الاعتبار حتى يسير الناس على منهج الله القويم فى الدنيا فلا بد من واسطة لوجود أناس يقلبوا الحقائق من أجل مصالحهم وشهواتهم ويوجد جيل يعبد الأصنام لماذا ؟ لأنهم غير محكومين بقضية افعل ولا تفعل فيعبدون ما لا تكليف منه فهدم القضية جاءت بابراهيم عليه السلام إذ قال لأبيه آزر ( يا أبت لما تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك من الله شيئا ) فقصة ابراهيم عليه السلام وأبوه آزر دفعت بأنهم مقلدين مكذبين فلو كان ( يتبع ما ألفينا عليه آبائنا ) لكن عندما عرض الله عز وجل قضية ابراهيم عليه السلام عرض قضية قسموا فيها الجدل فالرسول صلى الله عليه وسلم قال ( إنى أخترت من خيار من خيار من خيار ) وقال ( ما زلت أنتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ) فليس من الممكن أن يكون فى ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم كافر أو مشرك فابراهيم أبو الأنبياء واسماعيل بن ابراهيم واسماعيل منه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ابراهيم لم يتبع أباه وقلد ووحد فكيف تقولون أن ابراهيم أبوه كافر ومشرك ؟

فالنبى يقول ( ما زلت أنتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ) وأنا ( خيار من خيار من خيار ) فليس من الممكن أن يكون أبا ابراهيم كافر ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لو أن المسائل قسمت قسمين فأنا فى خير القسمين فهذا الكلام يحتاج تحقيق ( وإذ قال ابراهيم لأبيه آزر لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك من الله شيئا ) فالتعبير القرآنى ( وإذ قال ) وردت فى القرآن الكريم ( 8 مرات ) المرة الأولى فى سورة الأنعام والمرة الأخيرة فى سورة الممتحنة فوسط بينهما فى سورة يوسف ( إذ قال يوسف لأبيه ) فى سورة الأنعام وقبل هذه السور كلها فكأن الله فى أول القرآن حسم فى قضية ابراهيم عليه السلام وقضية والده إلى التوبة إلى الممتحنة كلها لأبيه دون آزر وفى سورة الأنعام ( لأبيه آزر ) فأول سورة فى القرآن الله حل المسألة قال ابراهيم لأبيه آزر والباقى لم يقل آزر بل قال لأبيه وفى سورة الأنعام فالتوبة فالممتحنة كلها لأبيه دون آزر وفى سورة الأنعام ( لأبيه آزر ) إذن فى أول سورة فى القرآن الله عز وجل حل المسألة قال ابراهيم لأبيه آزر ) فلا بد من معرفة أنه عمه وليس والده لماذا ؟ لأن فى آية فى القرآن ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد الهك وإله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق ) آبائك جمع ( ابراهيم واسماعيل واسحاق ) جمع قالوا إذا اجتمع جمع فى حكم جمع فالقسمة مفردة أب ( ابراهيم ) و أب  اسماعيل  و أب اسحاق  فإذا كان هؤلاء الثلاثة آباء من يعقوب فاسماعيل أخو اسحاق وإن كان ( اسماعيل ) هو الأب فاسحاق لا يكون أب فإذا كان اسحاق الأب فلا يكون اسماعيل الأب فلا بد من القول أن أحدهما الأب ولذلك جاء فى أول سورة من القرآن يتحدث فيها عن ابراهيم عليه السلام ( إذ قال ابراهيم لأبيه آزر ) ونحن فى استعمالنا أن واحدا جاء فسأل أبوك موجود ؟ فماذا يعنى ؟ يعنى الأب الحقيقى ولما لم يكن الأب غير الحقيقى يقال لك أبوك محمد موجود ؟ فلا بد أن يأتى بالفاصل فالفرق بين أبوك وأبوك محمد فما دام تأتى بالعالم بعد هذا الوصف معناه أنه ليس الأب فننفى أن يكون فى رسول دخل فى صلبه مشركين أو كافرين فهم 8 آيات واحدة ( آزر ) و ( 7 ) بدون آزر ( إذ قال ابراهيم لأبيه آزر ) فى سورة الأنعام ( وإذ قال ابراهيم لأبيه ) لأبيه آزر لأنها أتت فى سورة الأنعام أما لأبيه ليست مطلقة بل مقيدة بما جاء فى أول سورة يتكلم فيها الحق عن ابراهيم عليه السلام ( لأبيه آزر ) أتت فى سورة الأنعام وباقى الآيات السبع ليس فيها آزر / أو لو جئتكم بأهدى ما وجدتم عليه آبائكم إنا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين / ( وإذ قال ابراهيم لأبيه وقومه إننى براء مما تعبدون ) كلمة براء   وكلمة برىء

كلمة براء : كلمة واحدة تطلق على المفرد والمفردة والمثنى الذكر والمثنى الأنثى وجماعة الذكور وجماعة الاناث فبراء متمثل الكل ففى سورة الممتحنة ( ولقد كان لكم فى رسول الله اسوة حسنة )

كلمة برىء : بريئان / بريئون تأتى على كل وجه

( وإذ قال ابراهيم لأبيه وقومه إننى براء مما تعبدون ) وفى سورة أخرى ( فإنهم عدو لى إلا رب العالمين ) عدو لى : الأصنام ( إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين ) فهدايته متصله إلا الذى فطرنى : أى الذى خلقنى ( فإنهم عدو لى إلا رب العالمين الذى خلقنى فهو يهدين والذى هو يطعمنى ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ) لأن الله هو الذى خلقنى والذى أعطانى منهج الهداية .

إن قضية الأنثى دون الذكر فهى ليست قضية عامة فمن الأنثى ما يجعل الله منها ما فوق الرجال بالرأى والحلم ففى قصة ( هويسة ) بنت أوس بن حارثة وكيف عرفت المواقف التى رفضتها وهناك من العرب الحارث ملك كنده بلغه جمال إمرأة من العرب ( أم إياس ) بنت عوف الشيبانى فأراد أن يتزوجها فأذاع إمرأة من كنده يقال لها ( عصام ) وقال اذهبى حتى تعلمى لى علم ابنة عوف الشيبانى فذهبت فلما انتهت إليها التقت بأمها ( أم إياس ) ( أمامة بنت الحارث ) وأعلمتها لما جاءت له فضربت ( أمامة بنت الحارث ) لابنتها ( أم إياس ) خيمة وقالت لها اجلسى فيها وستدخل عليك عصام فلا تسترى عنها شيئا تريد النظر إليه من وجه وخلق وتحدثى معها فلما دخلت عصام على أم إياس فقالت عصام ( ترك الخداع ما انكشف القناع ) فصارت مثلا ينطقه العرب فلما ذهبت لملك كنده قال لها ما ورائك يا عصام ؟ قالت ( أبدى المخض عن الزبد ) .

المخض : فصل اللبن عن الزبدة والقشطة ( أبدى المخض عن الزبد ) فصارت مثلا ينطقه العرب قال لها حدثينى ؟ قالت أخبرك حقا وصدقا وأخذت توصفها فيكفى أننا سوف نعطيك إمرأة غير محرمة عليك رأيت جبهة كالمرآة الثقيلة يزنها شعر كأذناب الخيل المضفورة إن مشطته أصبحت كالسلاسل وإن أرسلته كنت على قيد كرم جلاها الوادى تحته حاجبان متقوسان كأنما خطا بقلم أسود بحلم يتقوسان على عين الظبية العذهرة التى لم يرعها قانص ولا يفزعها قسورة ( عينان ناعسة )

بينهما أنف كحد السيف المصقول لم يخنس به قصر ولم يفض به طول حافة به وجنتان كالارجوان فى بياض مخض كالجمان شق فيه فم كالخاتم اللذيذ المتبسم ذو ثنايا غر وفيه لسان ملىء بيانا والتقى بين ذلك شفتان حمراوان يجلبان ريقا كالشهد تحتاهما عنق كابريق الفضة به عضدان ممتلئان لحما فخطبها فلما جاءوا ليزفوها إليه أخذتها أمامة ( أمها ) ( أى بنية إنك غدا ستفارقين البيت الذى فيه درجت والعش الذى فيه نشأت إلى قرين لم تألفيه وإلى بيت لم تعرفيه ولو أن إمرأة استغنت عن النصيحة لكنت أغنى الناس ولكنها تذكرة للعاقل ومعونة للغافل أى بنية إنه صار بملكه لك فصيرى أمة له يكن لك عبدا واحفظى عنى ( 10 خصال ) أما ( 1 و 2 ) فالمعاشرة بالرضا والقناعة و ( 2 ) حسن السمع والطاعة وأما ( 3 و4 ) فالتعهد لموضع عينيه والتفقد لموضع أنفه فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح وأما ( 5 و 6  ) فالتعهد لوقت طعامه والهدوء عند منامه فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة وأما ( 7 و 8 ) فالتدبير لماله والارعاء على حشمه وعياله وأما ( 9 و 10 ) إياك أن تعصى له أمرا أو تفشى له سرا فإنك إن عصيت أمره أوغرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمينى غدره  وإياك والفرح إن كان غاضبا والترح إن كان فرحا واعلمى أنك لن تنالى ما تحبين حتى تغلبى رضاه على رضاك وهواه على هواك ) فهذه النصائح ( 10 ) بالإضافة للفرح والترح إذا عملت بها كل إمرأة قبل الزواج فلا توجد الخلافات الزوجية ويقل معدلات الطلاق فى المجتمع المسلم ولقد حملت منه حتى جلبت منه ( 10 ) بطون أفمن ينشأ فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين / وآتينا بالأمثلة ( أم سلمة ) وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم مالهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون / يكذبون أى يقولوا كلام غير حقيقى ( أم آتيناهم كتابا من قبلك فهم به مستمسكون بل قالوا إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) فقضية اتباع الآباء والتقليد فالقرآن جاء بها فى هذه الآية وفى آيات أخرى ( وإذا قالوا لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) ( وإذا قالوا اتبعوا ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يقتدون ) فيوجد فرق بين الاسلوبين .

( بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا ) هذا خطاب للقوم ( حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا ) خطاب آخر مختلف عن الخطاب الآخر لقوم أخر بحيث يؤدى نفس المعنى .

( أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) فالفرق بين الاسلوبين أحدهما يعقلون والآخر يعلمون  يعقلون : لأنهم لم يفعلوا قصر     يعلمون لأنهم قالوا حسبنا لا نريد شيئا آخر

( بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون )

( حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يقتدون ) .

يعقلون : هو الذى يستنبط المسائل من نفسه .

يعلمون : لا يستطيع الاستنباط من نفسه ويعلم من استنباط غيره أيهما أقوى الذى يعلم لأنه يتعقل غيره ويعقل نفسه لكن يعقلون يأخذ التعب فقط فى الاستنباط فهذا اسلوب وذاك اسلوب وما دام الله عز وجل هو الذى يتكلم ( بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا ) ( حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا ) ( إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) ( كذلك ما أرسلنا قبلك فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) ( قل أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آبائكم قالوا بما أرسلتم به كافرون ) فهم يسيرون على التقليد فالمناسب كما قال

( وخلق الأزواج كلها ) فاستبعدوا أن يكون لله جزء لأنه فرد ويوجد هنا تقليد

( مهتدون / مقتدون ) فيأتى بآية يفسد بها عليهم ( ما وجدنا عليه آبائنا ) فهذا الكلام باطل لأن سيدنا ابراهيم عليه السلام أنتم أيها العرب بتفخروا به وكل شىء من ابراهيم فالعرب من نسل ابراهيم عليه السلام لأنه ذهب لوالده وقال له

( يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك من الله شيئا ) فخرج على التقليد فلو أنهم فعلوا مثل آبائهم حيث نقض ابراهيم هذا التقليد وينقدها فلسفيا فما دمتم تقولون ( إنا وجدنا آبائنا على أمة ) فأول وجود فى الكون كان آدم ومنهجه فكل جيل أتى بعد آدم عليه السلام بعمل المنهج فلا بد من واسطة حيث يوجد أناس فقلبوا الحقائق لشهوات أنفسهم ومصالحهم فيوجد جيل يعبد الأصنام فيعبدون ما لا تكليف منه ) .

فهدم القضية جاءت بابراهيم ( إذ قال ابراهيم لأبيه آزر لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك من الله شيئا ) فقضية ابراهيم ووالده فكأنهم مقلدين مكذبين قالوا ( بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا ) فقضية ابراهيم عرض قضية تسوى فيها الجدل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنى اخترت من خيار من خيار من خيار ) وقال ( ما زلت انتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ) فلا يمكن أن يكون فى سلسلته أحد كافر أو مشرك فيقول ابراهيم أبو الأنبياء واسماعيل ومنه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قام ابراهيم بعدم اتباع والده بل قام ووحد وعمل فكيف تقولون إن ابراهيم أبوه كافر ومشرك فالنبى قال / ما زلت انتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات وأنا ( من خيار من خيار من خيار ) فلا يمكن أن يكون أبا ابراهيم عليه السلام كافرا ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لو انقسمت المسائل قسمين فأنا فى خير القسمين فهذا الكلام لا بد له من التحقيق

( وإذ قال ابراهيم لأبيه آزر ) وردت ( وإذ قال ) فى القرآن ( 8 مرات ) المرة الأولى فى سورة الأنعام والمرة الأخيرة فى سورة الممتحنة فوسط بينهما فى سورة يوسف ( وإذ قال يوسف لأبيه ) فالثمانية خاصة بابراهيم عليه السلام وأبوه فسورة الأنعام قبل هذه السور كلها فكأن الله عز وجل فى أول القرآن حسم قضية ابراهيم عليه السلام ( وإذ قال ابراهيم لأبيه آزر ) وال ( 7 ) خاصة ( وإذ قال ابراهيم لأبيه ) بدون آزر فسورة الأنعام فالتوبة فالممتحنة كلها لأبيه دون آزر وفى سورة الأنعام ( لأبيه آزر ) فأول سورة فى القرآن الله عز وجل حل المسألة فى سورة الأنعام ( وإذ قال ابراهيم لأبيه آزر ) فلا بد أن يكون عمه وليس والده لماذا ؟ لوجود آية فى القرآن ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله أبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق ) آبائك جمع ( ابراهيم واسماعيل واسحاق ) جمع قالوا إذا اجتمع جمع فى حكم جمع فالقسمة تصبح مفردة كيف ؟ فنأخذ أب ( ابراهيم ) وأب ( اسماعيل ) و أب / اسحاق فإذا كان هؤلاء الثلاثة ( ابراهيم واسماعيل واسحاق ) آباء يعقوب فاسماعيل أخو اسحاق فإن كان اسماعيل الأب فلا يكون اسحاق الأب وإن كان اسحاق الأب فلا يكون اسماعيل الأب فلا بد أن يكون أحدهما الأب دون الآخر ولذلك جاء فى أول سورة من القرآن يتحدث فيها عن ابراهيم ( إذ قال ابراهيم لأبيه آزر ) ونحن فى استعمالنا فإذا جاء أحد وسأل ( أبوك موجود ؟ ) ماذا يعنى ؟ يعنى الأب الحقيقى فلما يكون غير الأب الحقيقى يقال لك أبوك محمد موجود ؟ فلا بد أن يأتى الفاصل فالفرق بين أبوك وأبوك محمد .

وما دام تأتى بالعالم بعد هذا الوصف ( وإذ قال ابراهيم لأبيه آزر ) وبعد ذلك ننفى فى رسول أنه قد دخل فى صلبه مشركين أو كافرين فهم ( 8 آيات ) آية ( وإذ قال ابراهيم لأبيه آزر ) فى سورة الأنعام ( 8 ) والباقى ( 7 ) بدون آزر ( وإذ قال ابراهيم لأبيه ) فلم يقل آزر لأبيه ليست مطلقة بل مقيدة بما جاء به فى أول سورة يتكلم فيها الحق عن ابراهيم عليه السلام ( وإذ قال ابراهيم لأبيه آزر ) فى سورة الأنعام وباقى سور القرآن ( التوبة / الممتحنة ) بدون آزر / أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آبائكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين / ( وإذ قال ) إذ بمعنى اذكر ( وإذ قال ابراهيم لأبيه وقومه إننى براء مما تعبدون ) .

يوجد براء  وبرىء   براء : تطلق على المفرد والمفردة والمثنى المذكر والمثنى الأنثى وجمع الذكور وجمع الاناث .

برىء : تأتى بريئان / بريئتان / بريئون / بريئات ) فبرىء تأتى على كل وجه أما براء فتشمل الكل ففى سورة الممتحنة ( ولقد كان لكم فى رسول الله اسوة حسنة ) ( وإذ قال ابراهيم لأبيه وقومه إننى براء مما تعبدون ) وفى سورة أخرى ( فإنهم عدو لى إلا رب العالمين ) عدو لى : الأصنام

( إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين ) ( إلا الذى فطرنى فإنه يهدين ) ( سيهدين / يهدين ) هدايته متصلة لأن المضارع إذا كان بغير السين للحال وبالسين وسوف للاستقبال ( إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين ) فطرنى : خلقنى فالذى خلقنى هو الذى أعطانى منهج الهداية ( الله عز وجل ) ( والذى هو يطعمنى ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ) فالطبيب  هو الذى يعالج ولكن الله هو الذى يشفى فيأتى بها بالقصر .

/ وإذ قال ابراهيم لأبيه وقومه إننى براء مما تعبدون إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين / وفى آية أخرى ( فإنهم عدو لى إلا رب العالمين ) عدو لى : الأصنام وما تعبدون من دون الله والشىء الذى يمكن أن يكون فيه خلاف يأتى بضمير الفصل ليفيد القصر والشىء الذى لا وجود للخلاف فيه كالآداء القرآنى ( الذى خلقنى فإنه سيهدين ) لأن الله عز وجل هو الخالق والإنسان هو الذى يشرع القوانين ( والذى هو يطعمنى ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ) فالطبيب يعالج ولكن الله هو الشافى ( والذى يميتنى ثم يحيين والذى أطمع أن يغفر لى خطيئتى يوم الدين ) فقال والذى يميتنى بدون ( هو ) ضمير الفعل ( والذى أطمع أن يغفر لى خطيئتى يوم الدين ) بدون ضمير الفعل ( هو ) فالأمر الذى لا يدعى لا يأتى بضمير الفعل فيه والأمر الذى يدعى فيه يأتى بضمير الفعل ( هو ) ليجعله قصرا ( إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين ) ( وجعلها كلمة باقية فى عقبه لعلهم يرجعون ) فكلمة ثائرة فى عقبه (ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله قد اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) هذه كلمة ثائرة باقية لأن الكلمة الطيبة الله جل وعلا شأنه جعل لها مثل ( ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ) فهذه الكلمة الطيبة التى قالها ابراهيم  عليه السلام والتى أتت بثمارها فى كل العصور فهذه كلمة أم كلام ؟ فالكلمة مفرد كلام قال بن مالك ( وكلمة بها كلام قد يقصد ) ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) ( اتخذ الرحمن ولدا ) فهى كلمة أم كلام فالكلمة قد يقصد بها الكلام ( وجعلها كلمة باقية فى عقبه لعلهم يرجعون ) وتبقى كدستور ( بل متعت هؤلاء وآبائهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ) فلماذا عبدو الأصنام بعد ابرهيم عليه  السلام فالقضية الايمانية حينما تأتى تأخذ فى البهتان قليلا فقليلا فرسول الله صلى الله عليه وسلم أتى ووجدهم يعبدون  الأصنام فما دام قد بهتت  القضية الايمانية فلابد أن يأتى رسول جديد ( خاتم الأنبياء / محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله عز وجل خلق فى النفس البشرية ( الخليفة فى الأرض / الإنسان ) فإذا لم يكن بينه مناعة يصبح منهج خلقى فهى مناعة ذاتية فيه فلا بد للمجتمع أن يكون فيه مناعة بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإذا فسدت فيه وفى المجتمع فالمسألة تحتاج لرسول جديد فيأتى محمد بعد ابراهيم واسماعيل عليهما السلام ( وجعلها كلمة باقية فى عقبه لعلهم يرجعون ) فقد متعت هؤلاء بالجاه والنعيم والسلطان وجعلت لهم فى البيت ( بيت آمن / بيت الله الحرام ) ( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حوله ) وجعلت لهم قداسة فى البيت ( رحلة الشتاء والصيف ) فقد أخذوا القداسة من بيت الله  الحرام / الكعبة المشرفة ومع ذلك طغوا وعبدوا الشرك والأصنام والموبقات ( بل متعت هؤلاء وآبائهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ) فالهداية الآتية من السماء

مظهر لكل شىء فيه بخير ( ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ) فهم يقولون هذا سحر فما هو هذا السحر ؟ فما دام يسحر الناس فيصبح كذب ( ما يعلمه بشر ) ( لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين ) فهو مجنون فالجنون عنده خلق ؟ فاللمجنون خلق ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإنك لعلى خلق عظيم ) صفات تربط سلوك الإنسان بالخير ( وإنك لعلى خلق عظيم ) فهذا لا يعملها المجنون / لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين  

فكلما يأتوا بحجة فلغة القرآن مفهومة وأنتم أيها العرب أصل اللغة تعرفون الجيد من الردىء من الحسن فأنتم عملتم أسواق للكلمة بمكة المكرمة ( سوق عكاظ ) أسواق للشعر والأدب فأنتم تختلفون فى الكلام كلام ساحر وقالوا ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) كأن القرآن لا اعتراض عليه فلم يعد سحرا ولا كذبا ولا كهانة فالخلاف فى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رجل من القريتين ) ( مكة / الطائف ) مكة كان فيها الوليد بن المغيرة والطائف كان فيها عروة بن مسعود الثقفى فالله سبحانه وتعالى رد عليهم رد جميل ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) ( أهم يقسمون رحمة ربك ) فهل سيقسمون الرحمة لا لأنهم لم يستطيعوا تقسيم الماديات لأنه جل جلاله جعلهم أعيان وفقراء ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ) فإذا كانوا يريدون تقسيم رحمة ربك فهل يمكن لهم تقسيم الماديات فعلا ؟ فالرحمة تخص الله عز وجل فأنا أقسم بينكم طريق المعيشة لأصلح عملية الحركة الكونية فى الكون لأننى لو فعلت لكل غنى فلا نجد للصناعات الحقيرة من يفعلها رغم أهميتها بل نعملها وردية فالمجتمع لا يأتى بتفاضلات من الناس إنما تأتى بإرغام فيفسرها بوضوح فيقول ( أهم يقسمون رحمة ربك فنحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) أى بعض مرفوع وأى بعض مرفوع عليه .

أى بعض رفع وأى بعض رفع عليه فكل بعض مرفوع ومرفوع عليه مرفوع فيما يتميز فيه ومرفوع عليه فيما لا يعقله من الصفات الأخرى فكل واحد مرفوع فى شىء يجيده ومرفوع عليه فى شىء لا يجيده ليعمل استطراق ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) ( ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) فالاسلام لا يرى أى مهنة حقيرة ما دام صاحبها مخلصا فى آدائها ( ليتخذ بعضهم لبعض سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون ) فالرحمة خير ما أنتم فيه أيها الناس لماذا ؟ لأنكم آخذين ضروريات الحياة وترفها فالحياة ستنتهى بالموت ولكن الرحمة النازلة من الله عز وجل سوف تعمل للذى يستمع إليها حياة أخرى غير هذه الحياة ( الحياة الدنيا ) إلى ( الحياة الأخروية ) إما جنة للمؤمنين وإما نار للكفار والمشركين والمنافقين .

والحياة الأخروية للمؤمنين فى الجنة حياة خالدة وكل شىء يفكر فيه الإنسان تأتيه على الفور بالخاطر يخطر الشىء على باله على الفور فتأتيه ( ورحمة ربك خير مما يجمعون ) .

وبعد ذلك تكلم الحق عن موضوع جديد فالناس فى الخارج أحسن من المسلمين فى أشياء كثيرة .

( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ) كالمصاعد ( ولبيوتهم أبوابا من الفضة وسرر من الفضة عليها يتكئون ) ( وزخرفا وإن كل ذلك لمتاع الحياة الدنيا ) ( وله الجوار المنشآت فى البحر كالأعلام ) فالذى ينزل القرآن ( الله عز وجل ) يعلم ما سيكون للعالم من ارتقاءات سر من أسرار الله فى إخبارهم بشىء مستقبل فيرون كما قال الله عز وجل فالله سبحانه وتعالى أخبر فيه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأشياء أتت بعد ( 14 سنة ) من هجرته من مكة المكرمة للمدينة المنورة ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة ) فالناس مشغولين بترف الحياة فلولا أنهم يريدون تقليد الكفرة من الناس كلهم يكفروا ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة ) فلم يجعلها سقفا من فضة حتى لا يستمر الناس فى الكفر فهو قد جعلها هنية هنية حتى لا يعجب بها الناس ليبين لنا أن المترفين والمنعمين يأتى عليهم ظرف فيرجعون إلى الأصول الأولى فالاسلام الذى صنع الحضارة كلها ففى سورة الكهف ( هل أدلكم على الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) فيقول الله سبحانه إننى وضعت لكم منهجا تسيرون عليه فى حياتكم الدنيا فالله سبحانه وتعالى حينما يصنع منفعة تطل منفعة دائمة لأنها من صناعة الله خالق الإنسان فى الأرض ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسرر من فضة وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين ) فلما بمعنى إلى فنحن نقول لما الجنة أحسن ؟ فكل ذلك لما يوجد فيصبح متاع الحياة الدنيا ( والآخرة عند ربك للمتقين ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) فالله سبحانه وتعالى رب الكافر والمؤمن على السواء فالكافر يعينه الله عز وجل على الكفر فيختم على قلبه بمعنى أن الكفر لا يخرج من صدره ولا الايمان يدخل صدره فيصبح فى شقاء دائم ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) يوسوس له كلما أراد فعل الخير يوسوس له ولذلك لا نجد اقبال الشيطان على نفسه إلا إذا كانت النفس مطيعة لعمل طيب فلا يذهب الفاسد وإنما يأتى للمؤمن فالشيطان وذريته لا يريد للإنسان إلا أن يكون عاصيا لله عز وجل بأى شكل ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) / وإذ قال ابراهيم لأبيه وقومه إننى براء مما تعبدون إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين .  إن الأصنام وما تعبدون من دون الله ( فإنهم عدو لى إلا رب العالمين ) فالشىء الذى يمكن أن يوجد فيه خلاف يأتى بضمير الفصل ( هو ) حيث يفيد القصر فالذى لا يوجد فيه خلاف لا يأتى بضمير الفصل ( هو ) .

( الآداء القرآنى ) ( إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين والذى هو يطعمنى ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ) فيأتى بضمير الفصل ( هو ) فالطبيب هو الذى يعالج ولكن الله هو الشافى ( والذى يميتنى ثم يحيين والذى أطمع أن يغفر لى خطيئتى يوم الدين ) فالأمر الذى لا يدعى لا يأتى بضمير الفصل ( هو ) والأمر الذى يدعى يأتى فيه بضمير الفصل ( هو ) ليجعلها قصرا ( إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية فى عقبه لعلهم يرجعون ) ( ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) فهذه كلمة باقية لأن الكلمة الطيبة ضرب الله لها مثل فى القرآن ( ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ) فالكلمة التى قالها ابراهيم الكلمة الطيبة التى أتت بثمارها فى كل العصور الكلمة هل هى كلمة أم كلام فالكلمة مفرد كلام والكلمة الواحدة أم كلام ابن مالك قال / وكلمة بها كلام قد يقصد ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ) فالكلمة قد يقصد بها الكلام ( وجعلها كلمة باقية فى عقبه لعلهم يرجعون ) ( بل متعت هؤلاء وآبائهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ) فلماذا عبدوا الأصنام بعد ابراهيم عليه السلام ؟ فالقضية الايمانية حينما تأتى تستمر فى البهتان قليلا قليلا حتى تنتهى فالرسول صلى الله عليه وسلم أتى وهم يعبدون الأصنام ولهم شركاء فبهتت القضية الايمانية وما دامت القضية الايمانية قد بهتت فلا بد أن يأتى رسول جديد فالله سبحانه وتعالى خلق فى النفس البشرية / الخليفة فى الأرض / الإنسان مناعة ذاتية فيه فيعمل المعصية ثم يندم ويتوب فالمناعة ذاتية فيه فلا يوجد مناعة وأصبح فاقد فالمجتمع لا بد أن يكون فيه مناعة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فالمناعة منتشرة فى المجتمع وإن فسدت المناعة فيه وفى المجتمع فالمسألة لا بد أن يأتى رسول جديد فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء ليجدد القضية الايمانية بعد ابراهيم واسماعيل عليهما السلام ( وجعلها كلمة باقية فى عقبه لعلهم يرجعون ) بل متعت هؤلاء بالجاه والنعيم والسلطان وجعلت لهم فى البيت ( بيت آمن ) ( أو لم يروا أنا جعلنا  حرما آمنا يتخطف الناس من حوله ) وجعلت لهم قوله البيت ( رحلة الشتاء والصيف ) والأنبياء تعترضهم وأخذوا القداسة من بيت الله الحرام ( الكعبة المشرفة ) وبعد ذلك طغوا وعبدوا الشرك وعملوا الأصنام وعبدوها والموبقات التى قاموا بها ( بل متعت هؤلاء وآبائهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ) فالهداية الالهية من السماء ( ورسول مبين ) مظهر لكل شىء فيه خير ( ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ) فيقولوا هذا سحر ؟ فالذى يأخذ الناس ويسحرهم فماذا يسحر الناس فهذا دليل على أنه غير ساحر فهذا كذب ( ما يعلمه بشر ) إنما يعلمه رب البشر ( لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين ) فهذا مجنون فالمجنون ليس له خلق ( وما أنت بنعمة ربك بمجنون وإنك لعلى خلق عظيم  ) خلق صفات تضبط سلوكك للخير أيها العبد المؤمن بالله عز وجل ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ( لسان الذى يلحدون  إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين ) فلغة القرآن مفهومة وأنتم أيها العرب أهل بصر باللغة تعرفون الجيد من الردىء من الحسن بدليل وجود أسواق للكلمة ( سوق عكاظ ) أسواق للكلام والشعر والأدب فأنتم تختلفون فى أنه كلام الله أم كلام ساحر فقالوا يقبضونها فى الآخر وقالوا ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) كأن القرآن لا اعتراض عليه فلم يعد سحرا ولا كذبا ولا كهانة فإذا كان القرآن ينزل على رجل من القريتين عظيم إذن الخلاف فى محمد ر سول الله صلى الله عليه وسلم ( رجل من القريتين ) القريتين ( مكة / الطائف ) مكة كان بها الوليد بن المغيرة والطائف كان بها عروة بن مسعود الثقفى فنحن نريد أحدهم فالله عز وجل رد عليهم رد جميل ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمة ربك ) فهم لا يقسمون الماديات لأننى جعلتهم أعيان وأغنياء وفقراء ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ) فأنتم أيها العرب سادة فأنا أقسم بينكم طريق المعيشة لماذا ؟ لأنه يصلح الحركة الكونية فى الكون لأننى لو عملت لكل غنى لا تجد للصناعات الحقيرة من يعملها فنعملها وردية فخدمة المجتمع لا تأتى بتفاضلات من الناس لا بد أن تتى أتىأاأتى بإرغام فلا بد من وجود السباك والكهربائى والنجار والزارع والصانع ولذلك يفسرها واضحة ( أهم يقسمون رحمة ربك فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) أى بعض رفع وأى بعض مرفوع عليه فبعض داخله فى الابهام أى بعض رفع وأى بعض مرفوع عليه فكل بعض مرفوع ومرفوع عليه مرفوع فيما تميز فيه ومرفوع عليه فيما لا يعقله من الصفات فكل واحد مرفوع فى شىء ومرفوع عليه فى شىء آخر ليعمل استطراق / وتلك الأيام نداولها بين الناس   فكل واحد مرفوع وكل واحد مرفوع عليه ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) والعلة

( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) فالمرفوع عليه مسخر والاسلام لا يرى مهنة حقيرة ما دام مخلص فى آدائها ( ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون ) فالرحمة التى يقسموها خير من الذى أنتم فيه كله لماذا ؟ لأنكم آخذين ضروريات الحياة وترفها والحياة ستنتهى بالموت لكن الرحمة النازلة بالمنهج من الله عز وجل فتعمل للذى يستمع لها حياة أخرى بعد هذه الحياة وحياة خالدة وحياة متعتهم فيها بالخاطر يفكر فى شىء ما فيأتيه فورا ( ورحمة ربك خير مما يجمعون ) وبعد ذلك تكلم الحق عن موضوع يثار فالناس فى الخارج أحسن من المسلمين فى أشياء كثيرة ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين )  فصاحب المنهج الالهى هو الذى سيأخذ الحياة الآخرة بما فيها من النعيم المقيم فى الجنة فالقرآن ذكر السفن التى من دور واحد وأصبحت بوارج ( وله الجوار المنشآت فى البحر كالأعلام ) فالعرب لم يشاهدوا السفن فالذى نزل القرآن ( الله عز وجل ) يعلم ما سيصبح عليه العالم من ارتقاءات لتصبح سر من أسرار الله فى اخبارهم بشىء مستقبل فيرونه كما قال الله عز وجل فمتى وجدت المعارج ؟ ( ومعارج عليها يظهرون ) من الأشياء التى تلفت النظر أن الله أخبر قديما بأشياء لا تأتى إلا بعد ( 14 سنة ) ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة ) فالناس مهتمين بترف الحياة ولولا معرفة أنهم يريدون أن يصبحوا كفرة لأن الكفرة حالهم جيد كلهم يكفروا ( لولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ) لأن الناس يهتموا بالكفر ما دام الكفر يعطيهم الشىء الحسن فالناس يقوموا وكلهم كافرين فهو جعلها هنية هنية حتى لا يعجب الناس بها ليبين لنا أن المترفين والمنعمين يأتى عليهم ظرف يرجعون فيه للأصول الأولى ويأتى بالحضارة التى أنارت الدنيا بالعلم وبعد ذلك يأتى من الحضارة فهم فعلوها ليترفوا ويترفوا الناس إنما يصبح لها مساوىء أكثر من المنافع فهم لما صنعوا السيارات ليريحوا الناس من مشقات المشى لكن قبل رصف الطرق فالسيارة عندما تسير مسافة ما فإنها تثير من التراب الذى يتنفسه الناس مع الهواء فعادم السيارات يدخل كل المدن ولذلك يقول الحق فى سورة الكهف ( هل أدلكم على الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) فالسيارة عندما تكون غير سليمة فالشكمان يبث فى الهواء كمية كبيرة من الوقود المحروق الذى يلوث البيئة ففضلات الاحتراق ( العادم ) ولكن عادم ما خلق الله من المراتب فى الحيوان مفيد نأخذه ونضعه فى الزرع فالحق سبحانه وتعالى يقول إننى صنعت لكم منهج وأنتم ستأتون بأشياء وأنتم بأنفسكم ستقولون أنها ضارة فدودة القطن لها دواء معين ليقضى عليها ولكن بعد مدة أصبحت دودة القطن لا يؤثر فيها هذا الدواء لأنها أخذت مناعة ذاتية ضده فالحق سبحانه وتعالى حينما يصنع منفعة لا يصنع المنفعة التى تأتى بضرر إنما منفعة تظل منفعة لأنها من صنع الله خالق الإنسان ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين ) لما بمعنى إلى وإن كل ذلك لما يوجد ( والآخرة عند ربك للمتقين ) ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) فالله رب الكافر والمؤمن فيقيض الله للكافر شيطان يعينه على الكفر فيختم على قلبه فلا يخرج الكفر من صدره ولا يدخل الايمان إلى قلبه فكلما يحاول الإنسان فعل الخير يوسوس له الشيطان فيصده عن فعل الخير ويأمره بفعل الشر فلا تجد إقبال الشيطان على نفس إلا إذا كانت النفس تقوم بعمل طيب فلا يذهب للفاسد فالشيطان وذريته لا يريد للإنسان إلا أن يكون عاصيا لرب العالمين بأى شكل كان فعن طريق الجاه أم السلطان أم المال فما زال يحاول حتى يبعده عن الخير بكل الطرق الممكنة ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) .

( وإذ قال ابراهيم لأبيه وقومه إننى براء مما تعبدون إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين ) دليل على أنهم ملحدون يعبدون كل على طريقته فعدم وجود إله بل يوجد إله وهو الله رب العالمين وفى آية أخرى فالأصنام وما تعبدون من دون الله (فإنهم عدو لى إلا رب العالمين ) فالشىء الذى يمكن أن يكون فيه خلاف بضمير الفصل الذى يفيد القصر ( الذى خلقنى فهو يهدين ) فهذا آداء قرآنى فالله الخالق والإنسان يصنع القوانين ( والذى هو يطعمنى ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ) فالدكتور يعالج والله هو الشافى ( والذى يميتنى ثم يحيين ( ولم يقل ( هو يميتنى ) ( والذى أطمع أن يغفر لى خطيئتى يوم الدين ) فالأمر الذى لا يدعى يأتى فيه بضمير الفصل والأمر الذى يدعى يأتى فيه بضمير الفصل ( هو ) فهو يجعلها قصرا ( إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين ) ( وجعلها كلمة باقية فى عقبه لعلهم يرجعون ) كلمة ثائرة فى عقبه ( ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يابنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) فهى كلمة ثائرة باقية لأن الكلمة الطيبة ضرب الله لها مثل فى القرآن الكريم ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ) فالكلمة الطيبة التى قالها ابراهيم كلمة باقية فى كل العصور والأزمان .

فهل هى كلمة أم كلام فالكلمة مفرد كلام حيث أن ابن مالك قال ( وكلمة بها كلام قد يقصد ) فلان قال كلمة فى المحفل المحدد فهو قد قال كلام كثير ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا )

( اتخذ الرحمن ولدا ) فهل هى كلمة أم بعض كلام فالكلمة قد يقصد بها الكلام

( وجعلها كلمة باقية فى عقبه لعلهم يرجعون ) وتبقى دستور / بل متعت هؤلاء وآبائهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين / .

فلماذا عبدوا الأصنام بعد ابراهيم عليه السلام فالقضية الايمانية حينما تأتى تأخذ فى الاضمحلال رويدا رويدا حتى تطمس بالكلية فهم يعبدون الأصنام ولهم شركاء فى عبادة الله فما دام قد بهتت القضية الايمانية فلا بد من ظهور نبى جديد لماذا ؟ لأن الله قد خلق فى النفس البشرية التى هى خليفة الله فى الأرض مناعة ذاتية فيه فيعمل الإنسان المعصية ثم يتوب ويندم فالمناعة ذاتية فيه فإذا لم يكن فيه مناعة وبقى فاقد فالمجتمع يصبح فيه مناعة ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر )

وإذا فسدت القضية الايمانية فى الفرد والمجتمع فلا بد من ظهور النبى الجديد  محمد رسول الله  صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين من أجل تصحيح المسار الدينى للفرد والمجتمع لعبادة رب العالمين عن طريق ( محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بعد ابراهيم واسماعيل عليهما السلام ( وجعلها كلمة باقية فى عقبه لعلهم يرجعون ) فلم يحدث فقد متعت هؤلاء بالجاه والنعيم والسلطان وجعلت لهم فى بيوتهم بيوت آمنة مستقرة ( أفلم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حوله ) وجعلت لهم قداسة فى البيت الحرام ( الكعبة المشرفة ) / رحلة الشتاء والصيف وأخذت القداسة من البيت الحرام ( الكعبة المشرفة ) وبعد ذلك طغوا وعبدوا الشرك بالله وقاموا بعمل جميع أنواع الموبقات ( بل متعت هؤلاء وآبائهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ) .

حتى جاءهم الحق : الهداية الإلهية من السماء .

ورسول مبين       : مظهر لكل شىء فيه خير .

( ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ) فهم يقولون هذا سحر فهو يأخذ الناس ويسحرهم فدليلها معها وما دام يسحر الناس فى طرفين وتنفض المسألة فهو دليل على أنهم كاذبون فى قضية السحر ( ما يعلمه بشر ) ( لسان الذى يلحدون إليه لسان أعجمى وهذا لسان عربى مبين ) فهو مجنون فهل المجنون عنده خلق ( وما أنت بنعمة ربك بمجنون وإنك لعلى خلق عظيم ) حيث خلق صفات تربط سلوك محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخير والذى لا يفعلها المجنون ( وإنك لعلى خلق عظيم ) فهذه مسألة مهمة وتقول أن أحدا يعلمه ( لسان الذى يلحدون إليه لسان أعجمى وهذا لسان عربى مبين ) فكل ما يأتوا بحجة فيقولون بأنه كاهن فلغة القرآن مفهومة فالعرب هم أهل بصر باللغة فيعرفون الحسن من الجيد من الردىء فتوجد أسواق للكلمة ( سوق عكاظ ) للأدب والشعر والكلام فيقبضوها أخيرا ( ولولا نزل القرآن على رجل من القريتين عظيم ) كأن القرآن لا اعتراض عليه فلم يعد كذبا ولا سحرا ولا كهانة فالقرآن الكريم نزل على  محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فالخلاف فى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمحمد الذى أتى من دهماء الناس وأوسطهم ( رجل من القريتين عظيم ) فالقريتين هما ( مكة / الطائف ) فمكة كان بها الوليد بن المغيرة والطائف كان بها عمرو بن مسعود الثقفى فنريد أحدهما فالله عز وجل رد عليهم رد جميل ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) ( أهم يقسمون رحمة ربك ) فهم يريدون تقسيم رحمة رب العالمين رغم أنهم فشلوا فى تقسيم الماديات لأنهم جعلوهم أعيان وأناس فقراء ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ) فالرحمة لا تخص إلا الله عز وجل رب العالمين .

فالله يقسم بين الناس طريق المعيشة ليصلح عملية الحركة الكونية فى الكون لأننى لو عملت لكل غنى فلا تجد للصناعات الحقيرة من يعملها رغم أهميتها فى الحياة فنعملها وردية فخدمة المجتمع لا تأتى بتفضلات من الناس بل تأتى بإرغام فنريد الحرث فنأتى بحارث ونريد الحدادة فنأتى بحداد وهكذا ولذلك يفسرها واضحة فيقول ( أهم يقسمون رحمة ربك ) فنحن ( قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) فانظر للتعبير القرآنى ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) أى بعض مرفوع على بعض وأى بعض مرفوع عليه فنأتى بالإبهام أى بعض رفع وأى بعض رفع عليه فكل بعض مرفوع ومرفوع عليه فكل بعض مرفوع فيما تميز فيه ومرفوع عليه فيما لا يعقله من الصفات الأخرى فالذى يعمل فى مجال الأحذية مرفوع والذى لا يعمل فى مجال الأحذية مرفوع عليه وكذلك البناء فكل واحد مرفوع فى شىء يجيده ومرفوع عليه فى شىء لا يجيده ليعمل استطراق لماذا ؟ ( تلك الأيام نداولها بين الناس ) فالعلة ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) ما دام مخلص فى آدائها ( ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) ( ورحمة ربك خير مما يجمعون ) فالرحمة المقسمة من الناس خير من الذى أنتم فيه كله لماذا ؟ لأنكم أخذتم ضروريات الحياة وترفها والحياة ستنتهى بالموت لكن الرحمة النازلة بالمنهج من الله ليجعل حياة أخرى بعد هذه الحياة وحياة خالدة إما جنة وإما نار فالحياة الخالدة فى الجنة حيث يفكر الإنسان فى شىء ما فتأتيه على الفور / ورحمة ربك خير مما يجمعون / وبعد ذلك تكلم الحق عن موضوع يثار فالجماعة غير المسلمة أحسن من الجماعة المسلمة فى أشياء كثيرة ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ) ( ولبيوتهم أبوابا من الفضة وسرر من الفضة عليها يتكئون ) / وزخرفا وإن كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا ) فالقرآن ذكر السفن التى لها دور واحد وأصبحت بوارج كبيرة تسير فى البحار والمحيطات كالأعلام ( وله الجوار المنشآت فى البحر كالأعلام ) فالعرب لم يعرفوا السفن فالذى أنزل القرآن يعلم ما سيكون عليه العالم من ارتقاءات فتصبح سرا من أسرار الله لاخبارهم بشىء فى المستقبل فيرونه كما قال الله فالأسانسير والمعارج وجدت متى ؟ فكيف يقول رسول الله / ومعارج عليها يظهرون / فهذه أشياء تلفت النظر فى أن الله أخبر قديما بأشياء لا توجد إلا بعد ( 14 قرن ) ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لبيوتهم سقفا من فضة ) ليجعل الناس داخلين فى الكفر بإرادتهم وبعد ذلك يبين أن المنعمين والمترفين يأتى عليهم ظرف يرجعون فيه للأصول الأولى فالحضارة الاسلامية التى أدهشت العالم وبعد ذلك كل يوم يأتى من الحضارة معارج هم فعلوها ليترفوا ويترفوا الناس فلما صنعوا السيارات ليريحوا الناس فقبل رصف الطرق فالسيارة عندما تسير مسافة معينة ماذا تفعل ؟ تقوم بإثارة التراب الذى يتنفسه الناس وتقوم بتبوير الأرض المزروعة والعادم من السيارات فى المدن يدخل كل المزارع ولذلك يقول الحق فى سورة الكهف ( هل أدلكم على الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) فقد خلق الله فضلات الحيوان ليصبح سماد للنبات والزرع فالحق سبحانه وتعالى أنا جعلت لهم منهج وأنتم بأنفسكم ستقولون أنها خير لكم فدودة القطن لها دواء معين ليقضى عليها وبعد ذلك بمدة ما تعود دودة القطن حيث أنها تأخذ مناعة من الدواء الذى يقضى عليها ولا يؤثر فيها فالمنفعة الوقتية التى تحدث الضرر تظل منفعة دائمة فالحق سبحانه وتعالى حينما يصنع منفعة فلا يصنع المنفعة الوقتية بل يصنع المنفعة الدائمة والمستمرة لأنها من صناعة الله عز وجل ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ) ( ولبيوتهم أبوابا وسرر عليها يتكئون ) من الفضة ( وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ) لما بمعنى إلا وإن كل ذلك لما يوجد يصبح متاع الحياة الدنيا ( والآخرة عند ربك للمتقين ) ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) فالإنسان غافل عن ذكر الله فالرحمن يساعده فيقيض له شيطانا يصبح قرينا له باستمرار فالحق يقول أنه رب الكافر ورب المؤمن والكافر معيشة الكفر الذى هو ضدى يعينه على الكفر فيختم الله على قلبه فالكفر لا يطلع والايمان لايدخل ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) نقيض : نهيىء ونوجد له شيطان يوسوس له فكل ما يعمل خير يدفعه لفعل الشر ولذلك لا تجد إقبال الشيطان على النفس إلا إذا قامت بعمل طيب فلا يذهب للفاسد الذى يشرب الخمر ويلعب القمار فالشيطان وذريته لا يريد ون للإنسان إلا أن يكون عاصيا لرب العالمين بأى شكل كان ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) .

/ وإذ قال ابراهيم لأبيه وقومه إننى براء مما تعبدون إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين / فهم ملحدون بعدم وجود إله يعبدونهم على طريقتهم بل يوجد إله وهو الله رب العالمين وفى آية أخرى الأصنام وما تعبدون من دون الله ( فإنهم عدو لى إلا رب العالمين ) فالشىء الذى يمكن أن يكون فيه خلاف يأتى فيه بضمير الفصل الذى يفيد القصر فهذا آداء قرآنى ( الذى خلقنى فهو يهدين ) لأن الناس تخاف ذلك فالله الخالق والناس تضع القوانين ( والذى هو يطعمنى ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ) فالدكتور يعالج ولكن الله هو الشافى ( وأنه يميتنى ) لا فلم يقل ( هو يميتنى ) بل قال ( والذى يميتنى ثم يحيين ) بدون هو ( والذى يميتنى ثم يحيين والذى أطمع أن يغفر لى خطيئتى يوم الدين ) فالأمر الذى لا يدعى لا يأتى فيه بضمير الفصل والأمر الذى يدعى يأتى فيه بضمير الفصل ( هو ) الذى يفيد القصر ( إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين ) ( وجعلها كلمة باقية فى عقبه لعلهم يرجعون ) كلمة ثائرة فى عقبه ( ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) .

فهذه الكلمة ثائرة باقية لماذا ؟ لأن الكلمة الطيبة ضرب الله لها مثل فى القرآن الكريم ( ومثل كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ) فالكلمة التى قالها ابراهيم عليه السلام هى الكلمة الطيبة التى أتت بثمارها فى كل العصور والأزمان .

فهل هى كلمة أم كلام فالكلمة مفرد كلام حيث أن ابن مالك قال ( وكلمة بها كلام قد يقصد ) ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) ( اتخذ الرحمن ولدا ) هل هى كلمة أم بعض كلام فالكلمة قد يقصد بها الكلام ( وجعلها كلمة باقية فى عقبه لعلهم يرجعون ) وتبقى دستور ( بل متعت هؤلاء وآبائهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ) فلماذا عبدوا الأصنام بعد ابراهيم عليه السلام فالقضية الايمانية حينما تأتى تأخذ فى الاضمحلال ( البهتان ) رويد ا رويدا حتى تنتهى فالرسول صلى الله عليه وسلم أتى وهم يعبدون الأصنام ولهم شركاء وفى عام الفيل بالتحديد حيث كان أبرهة الأشرم يريد هدم الكعبة المشرفة فأرسل لأبى سفيان رسولا ليخبره بما جاء من أجله فرد عليه أبو سفيان قائلا إن للبيت ربا يحميه فأرسل الله طيرا يحمل حجارة من حجر جهنم ( وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول ) وفى عام الفيل ولد أشرف خلق الله عز وجل ( محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فلقد بهتت القضية الايمانية وما دام قد بهتت القضية الإيمانية فلا بد من ظهور نبى أو رسول جديد لماذا ؟ لأن الحق سبحانه وتعالى خلق فى النفس البشرية ( الخليفة فى الأرض ) مناعة ذاتية فيه فيعمل الإنسان المعصية ثم يندم ويستغفر الله فيجد الله غفورا رحيما فالمناعة ذاتية فيه فإذا لم يكن هناك مناعة وبقى فاقد فالمجتمع يصبح فيه مناعة ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) وإذا فسدت فى الفرد والمجتمع المناعة الذاتية فالمسألة فى يد الرسول الجديد الخاتم لكل الأنبياء والمرسلين ( محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ليصحح للأمة الإسلامية طريق الإيمان والاتصال برب العالمين عن طريق الصلاة والمحافظة عليها فى أوقاتها وعلى مدار عمر الإنسان المسلم فهذا أمر  محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعد ابراهيم واسماعيل عليهما السلام وجعلها كلمة باقية فى عقبه لعلهم يرجعون ) / بل متعت هؤلاء بالجاه والنعيم والسلطان وجعلت لهم فى البيت بيت آمن ( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حوله ) وجعلت لهم قداسة فى البيت الحرام ( الكعبة المشرفة ) فى رحلة الشتاء والصيف  فلا قبيلة تتعرض لهم ولا تغير عليهم فالقداسة لقريش من البيت الحرام ( الكعبة المشرفة ) وبعد ذلك طغوا وعبدوا الشرك وقاموا بفعل جميع أنواع الموبقات ( بل متعت هؤلاء وآبائهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ) حتى جاءهم الحق : الهداية الإلهية من السماء )

ورسول مبين : مظهر لكل شىء فيه خير ( قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ) فهم يقولون هذا سحر فهو يأخذ الناس ويسحرهم فدليلها معها وما دام يسحرهم طرفان وتنتهى المسألة دليل على أنهم لا يقومون بعملية السحر فيصبح الأمر كذبا ففى كل يوم يأتوا بحجة مختلفة عن الحجج السابقة لهم ( ما يعلمه بشر ) ( لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين ) هذا مجنون فهل المجنون عنده خلق لا ( وما أنت بنعمة ربك بمجنون وإنك لعلى خلق عظيم ) خلق عظيم ( صفات تربط سلوكك بالخير كله وهذا لا يفعلها المجنون ) فعند القول بأن أحدا يعلمه ( ما يعلمه بشر ) ( لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين ) فكلما يأتوا بحجة حيث يقولون بأنه كاهن فلم يأتى بأفعال الكهانة والكهنوت مطلقا فكلما يأتوا بحجة فلغة القرآن مفهومة وأنتم أيها العرب أهل بصر باللغة تعرفون الحسن من الجيد من الردىء بدليل وجود أسواق للكلمة ( سوق عكاظ ) فى الجاهلية أسواق للكلام والشعر والأدب فهل أنتم ستختلفون فى الكلام الذى هو  كلام نبى ورسول من رب العالمين المتضمن فى القرآن الكريم أم كلام ساحر بل هو كلام نبى وليس بكلام ساحر فيقبضوها أخيرا وقالوا ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم )

كأن القرآن لا اعتراض عليه فلم يعد سحرا ولا كذبا ولا كهانة بل القرآن نزل على / رجل من القريتين عظيم / فالخلاف فى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمحمد الذى أتى من دهماء الناس وأوسطهم ( رجل من القريتين عظيم ) القريتين هما الطائف / مكة الطائف بها عروة بن مسعود الثقفى ومكة بها الوليد بن المغيرة فهم يريدون أحدهم فالله رد عليهم رد جميل ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) ( أهم يقسمون رحمة ر بك ) فهم يريدون تقسيم الرحمة فهم لم يستطيعوا تقسيم الماديات لأننى جعلتهم أعيان وأناس فقراء ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ) فكيف يمكن تقسيم الرحمة لهم فالرحمة خاصة بالله عز وجل رب العالمين فالله يقسم بين الناس طريق المعيشة لاصلاح الحركة الكونية فى الكون لأننى لو عملت لكل غنى لا تجد للصناعات الحقيرة من يعملها ويقوم بها خير قيام رغم أهميتها فى الحياة فنعملها وردية فخدمة المجتمع لا تأتى بتفضلات من الناس بل تأتى بإرغام فعند الحرث لا بد من وجود الحارث وكذلك الصانع فيفسرها واضحة فيقول ( أهم يقسمون رحمة ربك ) رحمة الله للناس من رب العالمين يريدون تقسيمها على هواهم فنحن ( قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) فالتعبير القرآنى ( رفعنا بعضهم فوق بعض ) أى بعض رفع وأى بعض مرفوع عليه فبعض داخلة فى الابهام أى بعض رفع وأى بعض رفع عليه كل بعض مرفوع ومرفوع عليه كل بعض مرفوع فيما تميز فيه ومرفوع عليه فيما لا يعقله من الصفات الأخرى فالعامل فى مجال الأحذية مرفوع والذى لا يعمل فى مجال الأحذية مرفوع عليه وكذلك البناء والذى يفحت الطرق والحداد فالذى يعمل الصناعات الحقيرة رغم أهميتها فى الحياة فى وقتها مرفوع والثانى مرفوع عليه فكل واحد مرفوع فى شىء يجيده ومرفوع عليه فى شىء لا يجيده ليعمل استطراق ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) ليصلح العالم فكل واحد مرفوع وكل واحد مرفوع عليه وتنقلب المسألة فالذى يصبح مرفوعا يصبح مرفوعا عليه والذى يصبح مرفوعا عليه يصبح مرفوع ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) فالعلة ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) ( ورفعنا بعضهم ) أى بعض رفع وأى بعض مرفوع عليه ( ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) فالاسلام لا يرى مهنة حقيرة ما دام صاحبها مخلص فى آدائها ( ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون ) فالرحمة المختلفون عليها ويريدون تقسيمها حسب هواهم فالرحمة المختلفة عليها خير مما أنتم عليه كله لماذا ؟ لأنكم أخذتم ضروريات الحياة وترفها فسوف تنتهى الحياة بالموت لكن الرحمة النازلة من المنهج من الله عز وجل ستعمل للذى يستمع لها حياة أخرى بعد هذه الحياة الدنيا وحياة خالدة متعتهم فيها بالخاطر فيفكر الإنسان فى شىء معين يحبه فيأتيه فورا ( ورحمة ربك خير مما يجمعون ) وتكلم الحق عن موضوع آخر يثار فالجماعة غير المسلمة هم أحسن من المسلمين فى أشياء كثيرة فقال الله عز وجل ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ) ( ولبيوتهم أبوابا من الفضة وسرر من الفضة  عليها يتكئون ) ( وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ) فكل ذلك ينتهى عندما يموت الإنسان فى الدنيا فصاحب المنهج الالهى هو الذى سيأخذ الحياة الأخرى الخالدة فى الجنة فالقرآن الكريم مس السفن التى تتكون من دور واحد وأصبحت بوارج كبيرة تسير فى البحاروالمحيطات كالأعلام ( وله الجوار المنشآت فى البحر كالأعلام ) فالذى أنزل القرآن يعلم ما  سيكون عليه العالم من ارتقاءات ليصبح سرا من أسرار الله لاخبارهم بشىء ما فى المستقبل فيرونه كما قال الله عز وجل فمتى وجدت الأسانسيرات والمعارج ؟ فكيف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ( معارج يظهرون ) فالآية تلفت النظر إلا أن الله أخبر قديما بأشياء لا تأتى إلا بعد ( 14 قرن ) ( لولا أن يكون الناس أمة واحدة ) فالناس مولعين بترف الحياة فلو أنهم يريدون أن يصبحوا كفارا لأن الكفار حالهم حسن كلهم يكفروا ( لولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا ) فلم يجعلها لبيوتهم سقفا من فضة فالكفر جعل الناس بسبب ترف الحياة غير مؤمنين بالله عز وجل وبعد ذلك يبين لنا أن المترفين والمنعمين يأتى عليهم ظرف يعودون فيه للأصول الأولى ففى وقت الحضارة التى أنارت الدنيا كلها ( الحضارة الإسلامية ) فيذهب الإنسان لمكان لا وجود للكهرباء فيه ويجلس فيه يومان يأكل مما تنبت الأرض وبعد ذلك كل يوم تأتى من الحضارة معايب هم فعلوها ليترفوا ويترفوا الناس ولكن يظهر لها معايب أكثر من المنافع فلما عملوا السيارات ليريحوا الناس من مشقات المشى لكن قبل رصف الطرق فالسيارة عندما تسير مسافة معينة ماذا تفعل ؟ فتثير الكثير من التراب الذى يتنفسه الناس وتقوم بتبوير الكثير من الأراضى الزراعية فعادم السيارات فى المدن يقوم بتلويث البيئة ومن ثم تأتى الأمراض لأهالى المدن بسبب تلوث البيئة ويقول الحق فى سورة الكهف ( هل أدلكم على الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) ففضلات الاحتراق الناتجة من عوادم السيارات ولكن عادم ما خلق الله من المراكب حيوان مفيد نأخذ من فضلاته السماد الذى يغذى الزرع لينمو ويكبر ويأتى بالمحصول الجيد فقال الله عز وجل أننى صنعت لكم منهج وأنكم ستأتون بأشياء تقولون عليها أنها مفيدة  فدودة القطن تغلب المزارعين فعن طريق مادة ( دى . تى . دى ) الذى يقضى على دودة القطن فهو يقضى عليها لفترة معينة ثم تعود دودة القطن أقوى مما كانت عليه حيث أنها تأخذ مناعة ذاتية ضد دواء ( دى . تى . دى ) الذى كان يقضى عليها فى الماضى فلا يؤثر فيها حاضرا ولا مستقبلا فيصبح دواء ( دى . تى . دى ) محرما دوليا فالحق سبحانه وتعالى حينما يصنع منفعة لا يصنع المنفعة الوقتية التى تصنع الضرر بل يأتى بالمنفعة الدائمة والمستمرة وتظل منفعة لآخر الزمان فلولا أن يكون الناس ليروا الكافرين سعداء فالناس يحبوا أن يصبحوا سعداء كالكافرين ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسرر عليها يتكئون ) كل من الفضة ( وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ) لما بمعنى : إلا فلما الحينية أحسن كل ذلك لما يوجد فهو متاع الحياة الدنيا ( والأخرة عند ربك للمتقين ) ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) فالحق سبحانه وتعالى يقول إنه رب رب الكافر ورب المؤمن والكافر الذى يعيش بالكفر الذى هو ضد الله عز وجل يعينه الله على الكفر فيختم على قلبه فلا الكفر يخرج من قلبه ولا الايمان يدخل لقلبه ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) نقيض : نهيىء ونوجد فالشيطان يوسوس للإنسان الكافر الغافل عن ذكر الله فكلما يريد الخير يوسوس له ليعمل الشر ولذلك لا تجد  إقبال الشيطان على نفس إلا إذا كانت النفس ذاهبة لعمل طيب خير فلا يذهب للفاسد الذى يشرب الخمر ويلعب القمار فالشيطان ابليس وذريته لا يريدون للإنسان إلا أن يكون عاصيا لرب العالمين فى الدنيا بأى شكل كان سواء بالمال أو الجاه أو السلطان أو المدح فكل إنسان له مفتاح يدخل منه ابليس للإنسان سواء المؤمن أم الكافر ليدفعه لفعل الشر على حساب الخير فيأتى الشيطان للإنسان المؤمن وهو يصلى فى أمتع شىء له فيوسوس له ويذكره بأشياء كثيرة فى  دنياه من أجل انقاص أجر الصلاة عند رب العالمين ولكن الإنسان المؤمن القوى يقول عند البدء فى الصلاة ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) وهو يصلى / وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم            

( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) يتعامى عن ذكر الرحمن ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين فكلما يأتى الإنسان بعمل طيب خير يدفعه الشيطان لفعل الشر فابليس ناصح فى أشياء وخائب فى أشياء أخرى ناصح حينما عرف أن الله إذا أراد واحدا من خلقه مهديا لن يستطيع الشيطان ( ابليس وذريته ) أن يأخذه لطريق الشر ( إلا عبادك منهم المخلصين ) ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) فالله عندما يصطفى إنسانا فالشيطان لا يستطيع أن يأخذه لطريق الشر حيث قال الشيطان لرب العالمين ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) عزتك عن خلقك / فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر/ فالله إذا كان يريد للناس كلهم الهداية فالشيطان لا يستطيع الاقتراب من هؤلاء الناس حيث أقسم بالوصف ( بعزتك عن خلقك ) بدليل أن الله عندما يصطفى إنسانا فلا يستطيع الشيطان الاقتراب منه ولقد فضح الشيطان نفسه فالذى يريد عمل مكيدة فى أحد يفضح خطته فالذى يكيد لك لا بد أن يعمى عنك خطته ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) فلقد فضح الشيطان نفسه وهذا قمة الغباء والله حكاها عنه حتى عند عمل الطاعة أعمل الطاعة معتقدا أن الشيطان لا يجعلنى أخلص منها ولذلك أكثر ما يجىء الشيطان للإنسان المؤمن فى الصلاة ويأتى للإنسان بالأشياء الهامة ليشغله عن الصلاة ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) فقصة أبو حنيفة اشتهر بالفتوى فقد وضع أحد الأشخاص مالا فى مكان ما فى الخلاء وعلمه بحجر وجاء السيل فحرك الحجر من مكانه فلم يعرف الشخص مكان المال فذهب الشخص لأبى حنيفة وروى له القصة حيث قال له إن السيل زحزح الحجر عن مكانه فلم أعرف مكان مالى فقال له أبو حنيفة يا بنى ليس فى هذا علم ولكنى أحتال لك فإذا جاء الليل وقف يصلى ركعتين لله لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حجبه أمر قام إلى الصلاة لعل الله يهديك الطريق المستقيم فقال له هذا الكلام العصر فجاء الليل وقام كما قال له أبو حنيفة وأخذ يصلى ركعتين لله فالشيطان جاء له وقال إنك مشيت خطوتين من الشجرة من ناحية الشرق فذهب للمكان الذى حدده له الشيطان وقام بحفر المكان فوجد الكنز ( المال ) حيث قال له أبو حنيفة ما صنع الله بك ؟ قال له يا إمام وأنا قائم إلى الصلاة فتذكرت خطوتين من الشجرة من ناحية الشرق فضحك أبو حنيفة وقال له يا أخى والله قد علمت أن الشيطان لا يدعك تتم ليلة مع ربك فهل أتممتها شكرا ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) فى الصلاة ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ) فالجهات ( 6 ) وليس ( 4 ) الأمام والخلف واليمين والشمال والفوق والتحت لأن الذى يعيش دائما متطلعا لعز الربوبية وذل العبودية لا يأتى له الشيطان أبدا .

وفى حالة أخرى جاء لأبو حنيفة شخص آخر وسأله بأنه طلق امرأته فقال لها وهى واقفة على السلم إنك طالق إن صعدت السلم وإنك طالق إن نزلت السلم فقال له أبو حنيفة قل لها ارمى نفسك من على السلم لا تصعدى ولا تنزلى فأبو حنيفة كان يفتى فى كل شىء فعقليته قوية ليخرج الناس من المآزق .

( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) فحينما يعشق الإنسان الحزن ويألفه فكم مرة أكل الإنسان بعد مصيبة ( الموت ) التى ألمت به فاللباس الأسود الذى تلبسه النساء فى العزاء مازال عليهن لمدة سنة أو أكثر فلا بد من خلعه لتستمر الحياة فالذى يألف الحزن يجره الله دائما للحزن فمسمرى باب الأحزان بمسمار الرضا ولا تجرعى الشيطان على ألا يدخل لك ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) ( وإنهم ليصدونهم ) ( الأخلاء بعضهم يومئذ لبعض عدو للمتقين ) ( وإنهم ليصدونهم ) القرين فى الأخرة ( ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ) فنحن لم نقوم بإغوائكم بل أنتم الذين أغويتم أنفسكم بأنفسكم ( بل لم تكونوا مؤمنين ) ( وما كان لكم علينا من سلطان بل كنتم قوما طاغين ) فالذين يشربون الخمر ويلعبون القمار فى الدنيا وهم أصدقاء سيصبحون أعداء بعضهم لبعض فى الآخرة فالأخلاء جمع خليل ومعنى خليل هو الذى يتعشق صاحبه حتى يتخلل فى جسمه كله حتى يصبحوا وكأنهم واحد حيث قال اسماعيل صبرى ( ولما التقينا هو ومن يحبه قرب الشوق جهده خليله ذهب لوعة وعتابا كأن خليلا فى صميم خلال خليله تسرب أثناء الفاق وغابا ) ( وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ) ( يا وليتا اتخذت مع الرسول سبيلا ) ( ليتنى لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولا ) والشيطان سيغلبه فى الآخرة ( إننى دعوتكم فاستجبتم لى ولم أكن عليكم من سلطان فلا تلومونى ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخى إنى أخاف الله رب العالمين ) ( لا قوة تقهرك ولا حجة تقنعك ) إنما كنت على تشويه ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) ( وإنهم ليصدون عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ) / حتى إذا جاءنا قال ياليت بينى وبينك بعد المشرقين / فكلمة بعد المشرقين : هما مشرق واحد فالعرب لها طريقة فى اللغة فهما لما يكونوا هناك شيئان متقابلان لبعضهما البعض فيغلب أحدهما على الآخر فنعرف الشيخين ( أبا بكر وعمر ) العمرين  فالمشرقين هما ( المشرق والمغرب ) فغلب المشرق على المغرب فعند فهم المسألة فهم فلكى وجغرافى فوجود المشرق عندى يقابله مغرب عند غيرى وشرقت عندى عندما غربت عند آخر فكل جهة فيها مشرق لك ومغرب لمقابلك فيوجد مشرقين لا مشرق واحد ( وبعد المشرقين ) ( ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم ) ما دمتم قد ظلمتم فى دنياكم لن ينفعكم ( أنكم فى العذاب مشتركون ) فالبلوى إذا عمت هانت وذلك عندما قامت الخنساء ترثى أخوها صخر قالت ( لولا كثرة الباكين حولى على اخوانهم أهلكت نفسى وهون فجعلت المصائب أننى وإن حاصرتنى لست فى موتها وحدى ) ( ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم فى العذاب مشتركون ) ( أفأنت تسمع الصم أو تهدى العمى ومن كان فى ضلال مبين ) وفر المسألة ولا تنصب لأن الأصم ليس بأصم بل يسمع إنما المعنى أعراض وفى الكلام ( أفأنت تسمع الصم أو تهدى العمى ) فهم ليسوا عمى بل مبصرين فهم يرون الطريق المستقيم ولا يريدون المشى فيه كأنهم عمى ( ومن كان فى ضلال مبين ) اطمئن فليس عليك إلا البلاغ فلا تتعب نفسك فالله يريد أن يريح نبيه أن يرتاح إلا إذا كان النبى حبا فى رسالته ومنهجه بل للخلق جميعا يريد تذويق حلاوته للناس ليؤسس شرط الإيمان فى قلوب الناس فالإيمان لا يكتمل ( حتى يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه ) فالرسول صلى الله عليه وسلم مكلف بتبليغ رسالة الإسلام للناس وليس عليك هداهم فالإيمان لا يكتمل ( حتى يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه ) ( إن عليك إلا البلاغ ) ( ما عليك إلا البلاغ ) ( فإما نذهبن بك ) لكى تطمئن ( سنريك عذابهم فى الآخرة ) ( وإن كنت موجودا فى الدنيا ) ( سنريك عذابهم فى الدنيا ) إن ذهبنا بك للموت ( فإنا منهم منتقمون ) ستشاهده فى الآخرة ( أو نرينك الذى وعدناهم ) إن كنت عائش فى الدنيا ( أو نرينك الذى وعدناهم ) لن يفلتوا منا ( فاستمسك بالذى أوحى إليك  / إنك على صراط مستقيم / إنك على طريق قويم معتدل سواء إنك على صراط مستقيم ) فالمنهج فى الكتاب معجزة ومنهج فى القرآن ( وإنه لذكر لك ولقومك ) فنزول القرآن باللغة العربية شرف للعرب إلى الآن فذكر : طريق حسن فالنفس البشرية مهما كانت تريد الصيت ( إنه ذكر لك ولقومك ) ( لقد أنزلنا عليكم كتابا فيه ذكركم ) فستصبح اللغة العربية موجودة إلى ما شاء الله ليصبح كل إنسان يريد أن يتعلمها حيث قال ابراهيم ( واجعل لى لسان صدق فى الآخرين ) فكأنما يريد الصيت ( لسان صدق فى الآخرين ) فإذا لم تكن فيها الجزاءات لم يكن لكم فى الدنيا ذكر لهم وفى ابراهيم ( اجعل لى لسان صدق فى الآخرين ) فابراهيم عليه السلام لم يشارك قومه ولا أبيه فى الكفر والإشراك ( وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون ) ( واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ) فماذا تقولون فكيف يأمر الله عز وجل رسوله بأن يرسل الرسل السابقين عليه فهم ماتوا والله أمر أن يسألهم فالآية لها وقفة فإذا أمر الله رسوله بشىء لا بد من تنفيذه فليس من الممكن أن يأمر الله رسوله بشىء ما ويتركه فلما شاء الله أن يسرى بمحمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى بيت المقدس على البراق فجمع له الأنبياء والأنبياء موتى بقانون الموت ويصلى بهم وإمام فلقد اجتمع بهم وتحدث مع الأنبياء كلهم فمنهم موسى وقال له فى حادثة الصلاة اذهب وراجع ربك لأننى علمت القوم قبلك فالصلاة فرضت ( 50 صلاة ) فى اليوم حتى أصبحت ( 5 صلوات ) فى اليوم بأجر ( 50 صلاة ) فالله يستطيع جمع ميت مع حى ويتفاهموا ويتكلموا ( واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ) فلقد هيأ له هذا اللقاء ليسئلهم هذا السؤال ولكن أسأل أم لم يسأل ؟ قال لم يسأل ولكنه نفذ فقد قال له ربه اسأل فهو لم يسأل بل أنا لا أزداد يقينا ليس فى حاجة فى أن أسأل لأن الذى يسأل فى حاجة لأن يأتى بمعنى فقال لجبريل عليه السلام هذا لأننى لا أزداد يقينا فى الله والذى قالها الامام على كرم الله وجهه ( لو كشف عنى الحجاب ما ازددت يقينا أنا مؤمن بالمسألة غيبا ) فالذى يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربنا قال له واسأل فلا بد أن يكون معد له كيف يتم السؤال ولابد من أن يلتقى بهم فهم أموات بقانون الموت وهو حى بقانون الأحياء وجمع بهم وصلى بهم فى بيت المقدس إماما وأخذ يخاطب الأنبياء ويسلم عليهم ( موسى وعيسى ويحيى وزكريا وابراهيم ) فالمسألة فوق طلاقة القدرة فآمن بها غيبا وانسب كل عجيب فى مسائل الكون إلى منشىء هذا العجيب ( الله عز وجل ) فإن كانت هناك قوانين تحكمه فلا توجد تلك القوانين الحاكمة فإن كان عنده طلاقة قدرة ليعمل لماذا ؟ لنأخذ قصص عنهم فالنار غايتها الاحراق فقد وضعوا ابراهيم فى النار ولما وضع فى النار قال الله عز وجل للنار قانون الاحراق فيك سوف يتعطل وتبقى بردا وسلاما على ابراهيم فقد استطاعوا أن يمسكوا بابراهيم عليه السلام وأن يرموا به فى النار والنار لا تنطفىء بمطر ولا أى حاجة ومع ذلك قال الله للنار أوقفى عملية الاحراق وتعطلى عنها ولا تبقى نار بل تصبحى بردا وسلاما على ابراهيم فقد أخذ يقلب الأضداد فعندما ترى الميت لا تقول الميت بقانون الأموات يتكلم مع حى بقانون الأحياء وتدخل فى هذه المتاهات فالله له طلاقة قدرة يفعل ما يشاء فلما ضرب موسى البحر بالعصا ماذا حصل ؟ ( كل فرق كالطود العظيم ) الجبل العظيم فالماء أصبح جبل ولما كان فى الصحراء ( إذ استسقى موسى ) قال له ( اضرب بعصاك الحجر ) فضرب الحجر بالعصا فانطلقت المياه من الحجر فهذه طلاقة قدرة ( واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون  الرحمن ألهة يعبدون ) فالناس الذين يستبعدون المسألة ( نسأل من أرسلنا ) فالرسل لهم رسالة معينة والنبى صلى الله عليه وسلم عاصر أتباع الرسل وأخذوا الدين من الرسل فأسأل أتباع الرسل لأن الأتباع سيصبحوا من أتباع الرسل فيسأل أتباع الرسل الموجودين عنده حيث يريدون الافلات من معجزة أنهم أحياء أو ليس المراد السؤال بل المراد الجواب ولكن المراد الاعتبار والعظة ( سل الأرض من أجرى فيها الأنهار وسل الأرض من أنبت فيها الأزهار ) فأنت أيها الإنسان تفكر فالمراد العظة والتدبر والتفكر / واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون /( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ) الآيات : هى الأشياء الدالة على المعجزة فى أنه صادق بالبلاغة عن الله وأول الآيات مسألة الحية والعصا ويداه فى جيبه تخرج بيضاء من غير سوء والسحر الذى عمله فهذه 3 مراحل فالقرآن يكرر  المسألة لأن الله حينما أوحى لنبيه قال له ( ما تلك بيمينك يا موسى قال هى عصاى أتوكأ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هى حية تسعى ) .

( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) يتعامى عن ذكر الرحمن وما دام يتعامى عن ذكر الرحمن فالرحمن فى كل شىء فهو الذى عمل للإنسان كل شىء فالله يساعده ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) فكلما يحاول الإنسان القيام بعمل طيب خير فابليس هنا ناصح فى أشياء وخائب فى أشياء أخرى ناصح حينما عرف أن الله إذا أراد واحدا من خلقه مهديا لن يستطيع الشيطان أن يأخذه ( إلا عبادك منهم المخلصين ) ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) فالله حينما يريد أن يصطفى إنسانا فالشيطان لا يستطيع أن يأخذه فلما قال الشيطان ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) فانظر للقسم الذى أقسمه الشيطان لأنه فاهم / فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين / بعزتك عن خلقك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فلو أنت تريديهم لا استطيع أن آتى تجاههم فلقد عرف وأقسم ووصف بقوله ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) فبعزتك عن خلقك فعندما تصطفى أحدا من الناس فالشيطان لا يستطيع أن يأتى تجاهه ولقد فضح الشيطان نفسه لأنه صاحب المكائد فالذى يريد عمل مكيدة فى واحد فهل يفضح خطته ؟ لا فالذى يكيد لك لا يفضح لك خطته بل يفاجئك بها ويعميها عنك فالشيطان فضح خطته فهذا قمة الغباء ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) فلقد فضح خطته والله عز وجل حكاها عنه لحينما يعمل الإنسان الطاعة أعمل الطاعة وأنا معتقد أن الشيطان لا يجعلنى أخلص منها ولذلك أكثر ما يجىء الشيطان للمؤمن وقت الصلاة ويأتى إليك بالأشياء الهامة ليشغل المؤمن عن الصلاة فى وقتها ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) فقصة أبو حنيفة حيث أن أبو حنيفة اشتهر بالفتوى فكان أحد الأشخاص وضع المال فى منطقة معينة فى الخلاء ولقد علم المكان بالحجر فجاء السيل وزحزح الحجر فلم يعرف مكان المال فكان أبو حنيفة يفتى فى كل شىء فعقليته قوية فقال له أبو حنيفة ليس فى هذا علم ولكنى أحتال لك فإذا جاء الليل وقف يصلى ركعتين لله لأن النبى إذا حجبه أمر قام إلى الصلاة فقد قال له هذا الكلام العصر فجاء الليل وقام يصلى فالشيطان جاء له فقال له إنك مشيت خطوتين من الشجرة من ناحية الشرق فذهب ومشى خطوتين من الشجرة من ناحية الشرق وفحت فوجد المال ( الكنز ) فرجع فى الفجر فقابل أبو حنيفة فقال له ما صنع الله بك ؟ قال له يا إمام وأنا قائم للصلاة تذكرت أن خطوتين من الشجرة من ناحية الشرق فذهبت فحفرت فوجدت ( الكنز/ المال ) فضحك أبو حنيفة فقال له لقد علمت أن الشيطان لا يدعك تتم ليلة مع ربك وسيأتى ليحدثك لكى تذهب قال أفعلتها شكرا قال أفعل إن شاء الله وجاء له فى الصلاة ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) وجاء بطريقة أخرى ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ) فإن عز على آتيه من الأمام وإن عز على آتيه من الخلف فإن عز على أتيه من اليمين فإن عز على آتيه من الشمال ( 4 جهات ) فالجهات 6 وليست 4  ( فوق وتحت / يمين وشمال / الأمام والخلف ) لأن الذى يعيش دائما متطلعا إلى عز الربوبية وذل العبودية لا يأتى له الشيطان أبدا وفى حادثة أخرى مع أبو حنيفة جاء رجل وأقسم على طلاق زوجته وهى واقفة على السلم فقال لها أنت طالق إن صعدت وأنت طالق إن نزلت فقال له أبو حنيفة قل لها ارم نفسك من على السلم فلا تصعدى ولا تنزلى .

( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) فعندما يألف أحد الأشخاص الحزن فهل أنت ما زلت حزينة فكم مرة أكلت بعد المصيبة فاللباس الأسود حدادا على الميت فيستمر فى الحزن حتى يموت ويحصله فالذى يألف الحزن يجيبه الله إلى الحزن فيقول له أنت عشقت الحزن فنجعلك تحزن كل ساعة فى مصيبة ما فاغلقى باب الأحزان بمسمار الرضا ولا تجرعى الشيطان فى أن يدخل لك ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) ( وإنهم ليصدونهم ) القرين ليس القرين فى الآخرة فيأتى ( الأخلاء بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) فأنت أيها الشيطان الذى أغويتنا ( ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ) فهم الأخلاء فى الدنيا ( بل لم تكونوا مؤمنين ) ( وما لكم علينا من سلطان بل كنتم قوما طاغين ) الأخلاء فى الدنيا سيصبحون أعداء فى الآخرة فالأخلاء جمع خليل ومعنى خليل هو الذى يتعشق صاحبه حتى يتخلل فى جسمه كله فالاثنين يتخللوا فى جسم بعض كأنهم واحد فاسماعيل صبرى عبر عن هذا المعنى تعبير ( ولما التقينا هو ومن يحبه ( خليله ) قرب الشوق جهده خليليه ذاب لوعة وعتابا كأن خليلا فى خلال خليله تسرب أثناء العناق وغابا ) فالخليل متخلخل ( وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ) ( ياوليتا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا ياوليتى لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولا ) فالشيطان سيخذلهم فى الآخرة ( إن ربكم دعاكم ) ( وأنا دعوتكم فأغويتكم ولكن لم يكن لى عليكم من سلطان ) لا قوة تقهرك ولا حجة تقنعك إنما كنت على تشويه ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) لأن الشيطان إذا سمع اسم الله يخنس ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) ( وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال ياليت بينى وبينك بعد المشرقين ) ياليتنى لم أكن أعرفك يا الذى كنت أغويتنى بعد المشرقين فهو مشرق واحد فالعرب لهم طريقة فى اللغة حينما يوجد شيئان متقابلان لبعض يغلب أحدهما على الآخر فالشيخين ( أبا بكر وعمر )  العمرين  فالمشرقين  هما ( المشرق والمغرب ) ولكن غلب هنا المشرق على المغرب فأصبحت مشرقين فعند فهم المسألة فهم فلكى وجغرافى لأن معنى أن لى مشرق قابله مغرب عند غيرى فكيف أشرقت على ؟ لم تشرق على إلا حينما غربت عند آخر ولم تغرب عنى تصبح مشرقة عند آخر فكل جهة فيها مشرق لك ومغرب لمقابلك والثانى فيها مشرق لك ومغرب لمقابلك فهما مشرقين ( وبعد المشرقين )

( ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم فى دنياكم ) اليوم لن ينفعكم ( ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم فى العذاب مشتركون ) لأن إذا البلوى عمت هانت  ( ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم فى العذاب مشتركون ) ( أفأنت تسمع الصم أو تهدى العمى ومن كان فى ضلال مبين ) فوفر المسألة ولا تتعب أنت عليك البلاغ لأن الأصم ليس بأصم بل يسمعوا والمعنى إعراب ( أفأنت تسمع الصم أو تهدى العمى فهم ليسوا بعمى لكنهم يشاهدون الطريق المستقيم ولا يريدون المشى فيه فكأنما لا يكون أعمى / ومن كان فى ضلال مبين اطمئن فليس عليك إلا البلاغ فلا تتعب نفسك فربنا يريد إراحة نبيه ولا يطلب من نبيه أن يرتاح إلا إذا كان النبى حبا فى رسالته ومنهجه وحبا للخلق جميعا فيريد تذويق حلاوة الإيمان بالله للناس لأنه يريد تأسيس شرط الإيمان فى قلوب الناس فشرط الإيمان لا يكتمل ( حتى يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه ) فأنت غير مكلف بهذا أنت مكلف بالبلاغ فقط إنما عند الله تكون الهداية للناس ( إن عليك إلا البلاغ ) ( ما عليك إلا البلاغ ) فإما نذهبن بك لتطمئن إن كنا نذهب بك ( سنريك عذابهم فى الآخرة ) وإن كنت موجود ( سنريك عذابهم فى الدنيا ) فإن ذهبنا بك بالموت ( فإنا منهم منتقمون )

( أو نرينك الذى وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون ) وفى مسألة بدر وحنين وخيبر وأنت ستراهم وأنت حى وتوجد أشياء أخرى لك فى الآخرة ( إما نذهبن بك ) أى تموت ( فإنا منهم منتقمون ) وستشاهده فى الآخرة ( أو نرينك الذى وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون ) ( فاستمسك بالذى أوحى إليك إنك على صراط مستقيم ) إنك على طريق قويم معتدل سواء ( إنك على صراط مستقيم ) فالمنهج موجود فى كتاب معجزة ومنهج ( القرآن ) ( وإنه لذكر لك ولقومك ) إن القرآن باللغة العربية شرف للعرب ذكر طريق حسن فالنفس البشرية مهما كانت تريد الصيت والحسن ( وإنه لذكر لك ولقومك ) فالصيت سيأتى ( لقد أنزلنا عليكم كتابا فيه ذكركم ) فالعربية ستصبح موجودة إلى ما شاء الله حتى يريد كل إنسان أن يتعلمها إذ قال ابراهيم /      واجعل لى لسان صدق فى الآخرين / كأنه يريد الصيت ( لسان صدق فى الآخرين ) إن لم تكن فيها الجزاءات ( ليكن لكم ذكر لكم ) ( واجعل لى لسان صدق فى الآخرين ) فعندما تقلدوا بابراهيم الذين يحبوه والذى لم يقلد أبوه ولا قومه فى قضية الكفر والإشراك بالله عز وجل ( وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون ) عن هذا ( واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ) اسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا  فهم ماتوا فكيف يقول الله لرسوله أن يسأل الرسل فالآية لها وقفة فالرسل ماتوا وإذا أمر الله رسوله بشىء لا بد من تنفيذه فلا يمكن أن يتركه فلما أراد الله أن يسرى بمحمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى بيت المقدس فجمع له الأنبياء وتحدث معهم وصلى بهم وإمام حيث أن الأنبياء موتى بقانون الموت فاجتمع اجتماع ميت مع حى وموسى كلمه فى مسألة الصلاة اذهب وراجع ربك لأننى عرفت الأمم قبلك فالله يستطيع جمع الضدين الميت مع الحى يتفاهموا ويتكلموا ( واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ) فقد هيأ له هذا اللقاء ليسألهم هذا السؤال ولكن أسأل أم لم يسأل قال لم يسأل فقال له ربه اسأل فلم يسأل أنا لا أزداد يقينا أنا ليس فى حاجة فى أن أسأل لأن الذى يسأل لا بد أن يأتى بمعنى لأننى لا أزداد يقينا فى الله والذى قالها الإمام على كرم الله وجهه ( لو كشف عنى الحجاب ما ازددت يقينا أنا مؤمن بالمسألة غيبا ) فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما يقول له ربه اسأل فلا بد أن يكون معد له كيف يسأل الأنبياء فلا بد من أن يلتقى بهم فهو حى بقانون الأحياء والأنبياء موتى بقانون الموت فهو صلى بالأنبياء إمام وسلم على موسى وعيسى وزكريا ويحيى وابراهيم فالمسألة طلاقة قدرة آمن بها غيبا وانسب كل عجيب فى مسائل الكون إلى منشىء هذا العجيب

( الله عز وجل ) فإن كانت هناك قوانين تحكمه فلا توجد قوانين تحكمه فلا ينفع وإن كان عنده طلاقة قدرة فخذ قصص منهم فالنار طبيعتها الاحراق ومسكوا ابراهيم ووضعوه فى النار ولما وضع فى النار قال الله للنار ( كونى بردا وسلاما على ابراهيم ) فقانون الاحراق فى النار يتعطل فمن الممكن أن ينزل المطر من السماء وينطفىء النار ولكن لم يحدث فهذه آية كونية فلقد أمسكوا بابراهيم ووضعوه فى النار لا تنطفىء بأى حاجة إلا بأمر من ربها ( كونى بردا وسلاما على ابراهيم ) فعملية الاحراق تعطلت وتصبح النار بردا ولكن البرد لا يموته وسلاما على ابراهيم فيقلب الأضداد فكيف يتحدث الحى بقانون الأحياء مع ميت بقانون الأموات إلا بطلاقة القدرة من الله عز وجل يفعل ما يشاء فلما ضرب موسى البحر بالعصا أصبح كل فرق كالطود العظيم حيث أصبح الماء كالجبل ولما كان فى الصحراء فضرب موسى الحجر بالعصا فخرج الماء من الحجر ( وإذ استسقى موسى )

( اضرب بعصاك الحجر ) فهذه طلاقة قدرة من الله عز وجل ( واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ألهة يعبدون ) فالناس الذين يستبعدون المسألة فالرسل لهم رسالة والنبى عاصر أتباع الرسل وأخذوا الدين من الرسل فأسأل أتباع الرسل فالأتباع سيتكلمون من كلام الرسل فأسأل أتباع الرسل الموجودين عندك فيريدون الافلات من المعجزة فليس المراد السؤال وليس المراد الجواب ولكن المراد الاعتبار والعظة فحينما يخطب الخطيب ( سل الأرض من أجرى فيها الأنهار وسل الأرض من أنبت فيها الأزهار ) تفكر أيها الإنسان فى المسألة فالمراد العظة والتدبر والتفكر فاجتمع ( 2 ) صحيح سأل وصحيح لم يسأل ( واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ألهة يعبدون )   ولقد أرسلنا موسى بآياتنا / فكلما يأخذ بشىء لا بد له من مناسبة الآيات هى الأشياء الدالة على المعجزة بأنه صادق بالبلاغ عن الله فمسألة الحية  والعصا ويضع يده فى جيبه تخرج بيضاء من غير سوء والسحر الذى عمله فهذه 3 مراحل  فالقرآن يكرر المسألة لأنه ساعة ما أوحى الله له قال له ( ما تلك بيمينك يا موسى قال هى عصاى أتوكأ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هى حية تسعى ) ( واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ألهة يعبدون ) أمر من الحق سبحانه وتعالى لرسوله / واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا / أوامر الله لا بد أن ينفذها رسوله فمتى يسأل وكيف يسأل رسول الله وهو حى بقانون الأحياء من سبقه من الرسل وهم موتى بقانون الأموات أمر عجيب فالعلماء وقفوا عند هذه النقطة ( واسئل من أرسلنا من قبلك ) أى اسئل أتباعه الذين بلغهم رسلهم ولما يبلغ الأتباع الذين بلغهم رسلهم فكأنه سأل الرسل أو أن هذا السؤال مطلوب منه للاعتبار والاتعاظ كما يقول أحدنا اثبات لقدرة الله عز وجل وجلاله فى خلقه  سل الأرض من شق أنهارها سل الأرض من أنبت ثمارها سل السماء من أنزل منها ماءها فنحن لا نسأل بل نعرف قيمتها لكى نعتبر ونتعظ أو أن هذا سؤال حقيقى ويسأل الرسل لماذا ؟ لأن الذين يستبعدون المسألة قالوا هذا ميت بقانون الأموات وهو حى بقانون الأحياء ففسروا المسألة لنسئل ولنعتبر ونتعظ والماء لماذا لا يكون على حقيقتها ويسأل رسول الله الرسل ألم يثبت فى الإسراء والمعراج أن الأنبياء قابلوا رسول الله وأنه صلى بهم إماما فى بيت المقدس إذن قابلهم وصلى بهم إماما فعل الحى بقانون الأحياء ما فعله الميت بقانون الأموات فلقد صلى معهم وما دام قد صلى معهم فكيف يسألهم فجبريل قال له سلم فقال أنا لا أسأل ( لأنى مقتنع ولا أحتاج لدليل ) فالحق يريد للناس أن تسمع هذه الكلمة فلما قال سيدنا على كرم الله وجهه ( لو كشف عنى الحجاب ما ازددت يقينا أنا مؤمن إيمانا غيبيا لأن اخبار الله لرسله أصدق من العيون التى ترى ألم يقل الله لرسوله ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) والنبى ولد فى عام الفيل وكان طفل لا يعرف ما الذى حصل ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ؟ ) أى / ألم تعلم / ويعلم بأى وسيلة فيه علم بواسطة الحواس فهو علم بواسطة خالق الحواس أكد مما ترى بعينيك ( ألم تر ) لم يشاهد وما دام أحياهم وصلى بهم وفعل فعل الكلام أم لا ؟ فتكلم رسول الله مع كل الأنبياء فهل امتنع من أن يسأل عندما قال له ربه اسأل فأنا لا أريد السؤال ( أنا مقتنع ) فالحق يريد أن يسمع منه هذه الكلمة أنه آمن بالغيب وأنه لا يريد أن يسأل أحدا فالحق سبحانه وتعالى ( واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ألهة يعبدون ) فعبادة غير الله غير واردة من الرسل بل من خلق البشر فلا أرسلنا إليهم كتب يدرسونها ولا أرسلنا لهم رسل فهى اقتراع منه فعلة الاقتراع لماذا ؟ فهم يعبدون الأصنام والأشجار والشمس والقمر لأن المعبود حينما يطلب من العابد أمر بقوله افعل كذا ولا تفعل كذا يقيض اختياره للأمور يعنى لا يعطيه الحرية فى أن يفعل ما يشاء حيث قال له افعل كذا ولا تفعل كذا والتشريعات كلها كذلك افعل ولا تفعل فالذى يصعب عليهم ماذا ؟ الذى يصعب عليهم قوله لا تسرق ولا تزنى ولا تشرب الخمر ولا تلعب القمار وهو يريد فعل كل هذه الأمور فسوف أعبد الأصنام والأصنام لا تكليف لها وأبقى على حريتى فهذا الذى جعلهم يعبدون الأصنام فالحق سبحانه وتعالى جاء بعد هذه وقال ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه ) فما المناسبة التى جاء بموسى ولقطة من حياته فى هذه المنطقة قال ألم تسمع أن لما اجتمعوا قالوا ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) كأن القرآن لا شك فيه بل الذى أنزل عليه القرآن فهو لا نريده لماذا لأنه رجل فقير وليس له غنى ولا جاه ولا نسب فنحن نريد واحد عظيم من القريتين / الطائف / مكة الطائف كان بها عروة بن مسعود الثقفى ومكة كان بها الوليد بن المغيرة الحق سبحانه وتعالى قرب لابن مسعود فى الطائف ماذا عنده ؟ عنده بعض الغنى والجاه وهيبة فى القبائل والوليد بن المغيرة فى مكة لديه ما لدى عروة بن مسعود فى الطائف من الغنى والجاه والهيبة فى القبائل فهل كان عنده جنود فلا يوجد عنده جنود فهل عنده أناس يخضعون له ويقولوا بأنه آلهة لا يوجد عنده ومع ذلك أرسل الله محمدا لهؤلاء الذين ليس لهم من السيادة من مال وسيادة وبعض السيطرة فيقولوا ما هذه فقد أنزلت لفرعون والوليد بن المغيرة والعروة بن مسعود بوجود إله فالسيادة فى الرسالات ممنوعة فرحمة الله يقسمها كيف يشاء ( فلقد أنزلت موسى لفرعون وليس للوليد بن المغيرة ولا لعروة بن مسعود ) فلقد بلغ من السيادة والعوض أنه ادعى الألوهية فأصبح سيدا كبيرا ومع ذلك أرسلت له موسى ( فرعون ) فموسى أقل فى حياة المجتمع من محمد لأن موسى رباه فرعون وما دام لما نضج حصل الشكل الذى بينه وبين موسى فقتله موسى فقالوا له إن القوم سيقتلوك ( فخرج منها خائفا يترقب ) وأخذ يسير حتى وصل ماء مدين وجد امرأتين تذودان الغنم عن المياه فهم أتوا ليسقوا قال ما خطبكما لماذا تمنعون الغنم عن المياه ( قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ) فلقد وضع الدستور للمرآة ( دستور ) ( وأبونا شيخ كبير ) فبينت علة الخروج فى الخارج فمهمة المجتمع الإيمانى أو الرحمى أو القريبى فلما واحد يرى إمرأة من أقاربها أو من المسلمين تخرج لعمل يقضى لها حاجتها لكى تذهب لبيتها مطمئنة ( فسقى لهما ) فموسى فى حياته المجتمعية أقل من محمد صلى الله عليه وسلم ( فخرج منها خائفا يترقب ) ( وسقى لهما ) فلما سقى لهما فهذا مهمة المجتمع مع النساء إذا وجدها تريد فعل شىء يقضى المجتمع لها حاجتها ويجعلها تذهب لبيتها مطمئنة ( فلما سقى لهما وتول إلى الظل ) يدل على أنه فقير  موسى 

( رب لما أنزلت إلى من خير فقير ) فهل يوجد ضعف أكثر من هذا ؟ فمحمد صلى الله عليه وسلم لم يكن كذلك فمحمد صلى الله عليه وسلم وهو صغير كان يرعى الغنم على قراريط من المال أى على أجره ولما كبر أصبح مدير أعمال صديقه يذهب ويكسب فمحمد صلى الله عليه وسلم فى الحياة المجتمعية أكثر من موسى ومع ذلك أرسل الله موسى الذى هو أضعف من محمد صلى الله عليه وسلم إلى فرعون الذى هو أقوى من عروة بن مسعود الثقفى فى ( الطائف ) ومن الوليد بن المغيرة فى ( مكة المكرمة ) ( ولقد أرسلنا موسى ) إلى فرعون وخصوصا أن فرعون هو الذى ربى موسى حيث يذهب موسى ليخرجه عن شىء ما فيقول له /  أو لم نر بربك فينا وليدا / فالذى يريد الذهاب إلى أحد رباه ويريد أن ينهره وينهاه فقد نوله الله ربه بشىء فقال له لا تفعل هذا حتى لا يقولوا نحن الذين ربيناك ( فقل لهما قولا لينا ) لكى لا تمكنهم من جعلهم أنهم يعايروك لأن الذى له جميل عند أحد ويأتى لمناقشته ( فقل لهما قولا لينا ) ( فلقد أرسلنا موسى بآياتنا ) الآيات : آيات تثبت أنه صادق فى التبليغ عن الله ومعنى الآيات : المعجزات ويشترط فى المعجزة أمرين :

1 ) أن يتحدى بها فلا يستطيع أحد عملها .  2 ) أن تكون من جنس ما بلغ فيه القوم .

فالعرب جاء لهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أهل فصاحة فالقرآن جاء أكثر فصاحة منهم لأنه جاء من جنس ما بلغ فيه العرب من الفصاحة لأنه لو جاء بشىء لم ينبغوا فيه فيقولوا لو تعلمنا هذا لجئنا بأحدث ما جاء به فهل أنتم متعلمين وأهل فصاحة وبيان فأنتم الأمة الوحيدة إلى أن تقوم الساعة فأمم الحضارات لم تفعلها فأنتم عملتم معرض للكلمة فالأمم تعرض الصناعات التى تنبغ فيها فالعرب لم يفعلوا معرض للصناعات بل معرض للكلمة ( سوق عكاظ ) للشعر والكلام والأدب والبلاغة والفصاحة فموسى كانت معجزته فى السحر فقومه كانوا مشهورين فى السحر فهو يقوم بعمل كالسحر وإن لم يكن سحرا ( بآياتنا ) العصا ويديه فى جيبه تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى ) وسوف تأتى له آيات أخرى ولما خرج من مدين هو وأهله جاء له الوحى والنور فى جبل الطور فلم يذهب للبحث عن النار يصطلى بها أو يقتبس بها ( فنودى ) ( استمع لما يوحى )

( ما تلك بيمينك يا موسى ) فالله يكلمه فلابد أنها مسألة عظيمة فأخذ موسى يرتعش فجعل الله له أنس ليرتاح قليلا ( ما تلك بيمينك يا موسى ) كان يكفى فى الجواب عن السؤال أن يقول عصا فالله يعرف أنها عصا فقال ( هى عصاى ) فهى ليس لها أهمية ( هى عصاى أتوكأ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى ) دليل على أنه يرعى الغنم فالغنم تأكل حشائش الأرض فإذا لم تجد الطعام تأكل من الأشجار لتأكل الورق فلقد زودها كثيرا فكان يكفى أن يقول عصا فهو رأى أنه قد زود عليها فقالها إجمالا ( ولى فيها مآرب أخرى ) فلما أنس بالله هذا علمك بها أما عصاك فهى لدى عندى مآرب أخرى فقد بين له قال ( ألقها يا موسى ) فألقاها فلما ألقاها فإذا هى حية تسعى فلقد انقلب من عصا جماد إلى حيوان حية لها حركة وحياة ( فأوجس فى نفسه خيفة موسى ) قال له ربه ( لا تخف إنك أنت الأعلى ) فالقرآن كرر مسألة العصا والحية كم مرة ؟ ففى المرة الأولى كانت للتجريب عليها حتى إذا ذهب لفرعون لا يفاجأ ولا يخاف فلم يطمئن إلا أن يرمها فالمرة الأولى كانت للتجربة والمرة الثانية عند فرعون فقال له فرعون أنت ساحر ولا بد له من جمع السحرة وجاء السحرة من كل مكان والثالثة حينما جمع السحرة ( 3 مراحل ) لكى يطمئن إلى أن العصا لما يرميها ستبقى حية ولما اجتمع السحرة حشروا له كل السحرة فقالوا أتلقوا أم ألقى أنا قال بل ألقوا فألقوا حبالهم فخيل للناس أنها تسعى فآية العصا جعل لها ( 3 مواقف ) :

1 ) مع الله ليدربه على العملية ولا يجعله يخاف ولكى يطمئن .

2 ) مع فرعون نفسه .

3 )  فالمسألة تريد جمع السحرة فجمع السحرة لميقات يوم معلوم ( يوم الزينة ) فلما اجتمعوا قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم فخيل إليهم من سحرهم أنها تسعى فألقى موسى عصاه وأصبحت حية كبيرة تلقف ما صنعوا فهذا ليس سحرا لأن الساحر يرى العصا عصا والحبل حبل أما المسحور فهو الذى يشاهد السحر فقد رأوا حية صحيح فهذا ليس سحر فقد خروا وسجدوا ( قالوا آمنا برب هارون وموسى ) فيوجد فرق بين السحر ومعجزة موسى فالسحر تخييل  يخيل إليهم من سحرهم أنها تسعى / تقييم ليس حقيقة فالمسحور سحروا أعين الناس بالتخيل وسحروا أعين الناس لكن لما رأوا شاهدوا شىء مختلف تماما فهذه آية حقيقية فلقد سجد السحرة وآمنوا ليس بموسى فهذا ليس فعل بشر فنحن معلمين فى السحر فقالوا ليس آمنوا بموسى ولكن برب هارون وموسى ( قالوا آمنا برب هارون وموسى ) لأن المسألة ليست مسألة بشر أما فرعون تزعزع حيث قال لهم ( آمنت له قبل أن آذن لكم ) فالأخذ أنهم آمنوا قبل إذن فرعون فكأن فرعون كان يجب أن يأذن لهم حينما رأى المسألة ولكن السحرة سجدوا وآمنوا برب هارون وموسى فقال لهم فرعون ( لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين ) فقالوا له افعل ما بدا لك فنحن عرفنا الحقيقة فقد عرفنا الفرق بين السحر تخييل والذين ينظرون هم المسحورون لا الأشياء ( وسحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بإفك عظيم ) فالحق سبحانه وتعالى تأكد لموسى فى المرتين ( فرعون والسحرة ) أن الكلام الذى قال له الله فى التجربة حق لا تتخلف عنه ( قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ) اطمئن لا تشك فى أنها تأتى أو لا تأتى فهذه آية من الآيات .

الآية الأخرى ( اسلك يدك فى جيبك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى ) فموسى كان أسمر اللون فالقرآن حينما أخبر أن السحر تخييل ليس بحقيقة / وسحروا أعين الناس / فقد ثبت أن السحر تخييل وفى الجن قال الله فيه ( وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) فى سورة الجن والجن حينما يأتى هل سيأتى على حقيقته أم سيتشكل فى أى حاجة مادية يعمل إنسان أو كلب أو ذئب فما يدريك أن السحر يسخر جن والجن يتشكل كيف يشاء ( يخيل إليهم من سحرهم أنها تسعى ) ( وسحروا أعين الناس ) وهى ليست لها حقيقة .

( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملأئه ) وإن الآية الأولى العصا والثانية اليد يسلكها وتوجد آيات أخرى ( وما نريهم من آيات إلا هى أكبر من أختها ) وفى آية أخرى قال ( إلى فرعون وهامان ) مرة قال ( إلى فرعون ) الكبير ومرة قال  إلى فرعون وهامان ( فقولا له قولا لينا ) ( بآياتنا إلى فرعون وملأئه ) ملأئه يعنى قومه مأخوذة من ملأ يعنى ملىء العيون أى مكانة مرموقة فى المجتمع وليسوا مجهولين فى المجتمع وقال ( إنى رسول رب العالمين ) ( فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون ) لأن الساحر حينما يقوم بشىء عجيب تضحك فالآية أثرت فيهم فى أنهم يضحكوا فقط إنما إيمان فلم يؤمنوا ( وما نريهم من آية ) أى معجزة تقنعهم بصدق موسى فى البلاغ عن ربه ( إلا هى أكبر من أختها ) ( ما نريهم من آية ) أى آيات كثيرة ومتعددة ( إلا هى أكبر من أختها ) كأنهم آيات ( ما نريهم من آية فى واحدة إلا هى أكبر من الثانية ) فكل آية كبيرة إذا قورنت بالغير كلهم كبيرة ) فهذه كبيرة من جهة وصغيرة من جهة أخرى فهى فى ذاتها كبيرة لأن الآية المقصود منها إثبات شىء ليس فى طاقة البشر وما دام كل آية مؤداها إثبات أنها شىء ليس فى طاقة البشر والذى يتحدى بها فهذه الآية جاءت لهذا المعنى فهذه قد تكون صغيرة ( فلما أخذنا آل فرعون بالسنين ) القحط ( ونقص من الثمرات لعلهم يتذكرون ) الآية ( 130 / الأعراف ) فهذه دون آيات السحر الأولى حيث أتى لهم بالقمل والضفادع والجراد والدم آيات مفصلات فهى فى كونها آية مخالفة أو يعجز عنها البشر تبدو آية كأختها ( وما نريهم من آية إلا هى أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون ) عن المجادلة والمكابرة ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات ) ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ) أى القحط والثمرات فهذه الأشياء تتعبهم فهم جوعى ويوجد لديهم هزال فهم مشغولون برزقهم وطعامهم وأرسلناعليهم الطوفان ثم الجراد ثم القمل ثم الضفادع ثم الدم فلما تعبوا ذهبوا لموسى فقالوا له ( يا أيها الساحر ) فهو تفوق عليهم فى مسألة السحر لكن كلمة الساحر ليست فقط فى السحر فالساحر هو القوى فى العلم أو فى أى شىء بحيث لا يستطيع أحد فعل نفس الشىء الذى يفعله الساحر بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد عليه الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم من سادة قريش ولقد عرفهم ببعض فعمرو بن الأهتم يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن الزبرقان بن بدر هو من سادات قومه وكريم وشجاع فقال الزبرقان بن بدر يا رسول الله إن عمرو بن الأهتم يعرف عنى فوق ما قال ولكنه جحدنى فضلى فهو لم يقل على كل صفات الكمال الموجودة فى الزبرقان بن بدر فقال عمرو بن الأهتم يا رسول الله إننى قلت فيه ما قلت وسوف أقول والله إنه للئيم الأب أحمق الخال ضيق العقب والله يا رسول الله ما كذبت فى الأولى وقد صدقت فى الثانية ولكننى رضيت فقلت أحسن ما علمت وغضبت فقلت أسوأ ما علمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من البيان لسحرا ) فالسحر التفوق فى أى ناحية من أى نوع فالساحر فى السحر غلبته فتصرفات الساحر تدل على أنه ملم بأشياء كثيرة حيث جاء بالسنين والقحط ثم الطوفان فكيف عملها دليل على أنه قوى فى العلم ( يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون ) فهل يوجد مهانة فى أن يذهبوا لموسى عليه السلام وهم يكذبونه فيقولوا له ( ادع لنا ربك ) فأنتم تعرفون أن له صلة بربه ( ادع لنا ربك ) فربك يجاملك فى أشياء كثيرة منها قلب العصا حية ( ادع لنا ربك ) فأول شىء عرفوه أنه جاء من رب ( قالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون ) أى مما أعطاك فى المآجر فإن كشفت عنا العذاب إنا لمهتدون قالوها بلسانهم ولكن مضمرين فى قلوبهم الكفر ( النفاق ) بدليل قول الله فيهم ( فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ) فقولهم إننا لمهتدون ليس صحيحا فقالوها بلسانهم وليس بقلوبهم فسحرة فرعون الذى أتى بهم وانهزموا أمام الرجل موسى عليه السلام  أنه عمل شيئا يضايقهم بالسنين والقحط ثم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم فربوبية فرعون اهتزت لأنه حينما أخذهم بالسنين القحط إن كان إله أو رب فسيرى مسألة الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم فلم يحدث فربوبية فرعون أصبحت فى مكانها أم اهتزت بلى قد اهتزت فخاف فرعون من أن الاهتزاز يضعف مكانته عند قومه فماذا يقول ؟ ( ونادى فرعون فى قومه قال يا قوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى ) فلم يأت بمسألة الربوبية فهذه الهزة جعلت فرعون فى مسألة الربوبية تبهت عنده لكنه قال إننى ملك مصر فما هى مصر أى العاصمة ( القاهرة ) فتوجد عواصم كثيرة تأخذ اسما والاسم يدل على محيط كبير من المحافظة فالفيوم بلد وأصبحت محافظة الفيوم وقد يطلق الوصف على الاسم على بقعة مخصوصة فيها الرئاسة ويطلق على الأرض المرءوسة لهم كلهم وكذلك القليوبية وباقى المحافظات فى مصر فمصر كان لها اسم العاصمة ( القاهرة ) واسم من البحر الأبيض المتوسط شمالا فى الاسكندرية وأسوان جنوبا فعاصمة مصر ( القاهرة ) ولكن ملك مصر فكل ذلك من البحر الأبيض المتوسط شمالا وصولا للاسكندرية ثم أسوان جنوبا فيعتبر كل ذلك مصر ( أليس لى ملك مصر ) سؤال تقريرى حيث قالوا له إن الربوبية هدئت لأن الهزة التى حدثت لفرعون هى فى مسألة السحرة وفى مسألة القحط والطوفان والقمل والضفادع والجراد والدم فلقد هزت فرعون فى الربوبية فمسك الملك معقول

( أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى ) فكلمة ملك وكلمة مصر والأنهار تجرى من تحته ( 3 أشياء ) فعند تفسير كلمة ( ملك ) فتوجد ( م ) و ( ل ) و ( ك ) ( م ) مرة تأتى مكسورة ومرة تأتى مفتوحة ومرة تأتى مضمومة فإن كانت ( م ) مكسورة نقول ( ملك ) بكسر الميم فكل واحد يفعل شىء فى حوزته يصبح ملكا بكسر الميم و ( ملك ) بضم الميم إدارة وسيطرة على من له ملك بكسر الميم على الكل و ( ملك ) بفتح الميم أى ليس من قطرنا ( ما أخلفنا موعدك بملكنا ) أى غصب عنا أخلفنا الموعد فتوجد ( م ) فيها ( 3 ) ( ملك / بكسر الميم ) و ( ملك / بضم الميم ) و ( ملك / بفتح الميم ) فإذا ذهبنا إلى ( ل ) ملك بكسر اللام أى من البشر أو ملك بفتح اللام أى الملائكة وملاك الأمر أى قوامه وحجته إذن ( م ) و ( ل ) و ( ك ) تدور حول معانى متعددة ( أليس لى ملك مصر ) أخذ بضم الميم فى ملك فما الفرق بينها وبين ملك بكسر الميم الملك الذى يدخل فى اختصاص أى أحد ويتصرف فيه فيوجد واحد يملك الكل عنده ملك وهو يبقى ملك ( أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى ) فلما يملك المالك الملك يملك الذى ملكه والذى لهم ملك والملك علم على السيطرة لكن كلمة ملك ومالك أى شىء يصبح مالك ( وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) ( فهم لها مالكون ) فكل واحد يقال له مالك وليس كل واحد يقال له ملك فمالك للأفراد ومالك لمن يملك هذه الأفراد ففى سورة الفاتحة يقال ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ) فيوجد ملك التقوى لأن المالك يملك من له ملك وتوجد قراءة أخرى ( ملك يوم الدين ) فلماذا أتى بهذة لغة حفص المشهورة ( مالك يوم الدين ) فمرة يأتى بالشىء الأدنى أدل على القدرة من الشىء الأعلى فملك أقوى من مالك لأن الملك يملك المالك فاختار الله المالك لماذا ؟ لأنه يقول ( مالك يوم الدين ) وعامل منكم أناس يملكون الأرض واناس يملكون العمارة وهو ( مالك يوم الدين ) فلما يقول مالك فغيره لا يملك يوم القيامة ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) فمالك الأن هى النافعة لأنه يتكلم عن يوم الدين وشىء آخر فنحن فى إقامة الصلاة أو فى الآذان نقول ( الله أكبر ) ونأتى فى التحريم نقول ( الله أكبر ) فالله أكبر تحتها كبير لكن الأكبر أكثر قليلا من الكبير لكن ليس من أسماء الله الأكبر إنما من أسماء الله الكبير فالله اختار الكبير لكن فى أكثر منها الأكبر وعملها فى الاحرام لا يأتى بالله أكبر فيقال الله كبير لكنها لها حكمة فأمر الشىء الأدنى له موضع من الشىء الأعلى لماذا ؟ لأنها الموجودة فى ( الله أكبر ) حيث يدعو الناس من مصالحهم وأعمالهم إلى أن يأتو للصلاة وإن مصالحهم وأعمالهم مشروعة لله فهى كبيرة لأن كل وسائل الحياة بها فالله يدعوك لترك مصالح الحياة إنما أدعوكم لشىء أكبر من مصالح الحياة لأن مصالح الحياة فى ذاتها كبيرة ( إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) كأن البيع والشراء لأن إعمار الدنيا بها .

( فذروا البيع ) فالصفقات التجارية بيع وشراء فلم يقل شراء وبيع لماذا ؟ لأن الشراء قد يشترى الإنسان وهو مكره إنما البيع كل واحد يريد أن يبيع لأن ثمرته فى وقتها يعطى فيربح إنما الزارع والصانه فالزارع ينتظر حتى تنمو الزرعة والصانع ينتظر حتى يبيع الصناعة إنما الحاجة العاجلة ماذا ؟ ( وذروا البيع ) أهم حاجة تؤدى إلى الربح فما دونها أولى ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله ) فالبيع بيع وبعدها نذهب للأرض ونقوم بآداء مصالحنا يبقى كبير ولكن دعوة الله إليك أكبر من الكبير لماذا ؟ لأنك تشتغل فيما خلقه لك الكبير بالقوة التى خلقها وفى الأرض التى خلقها بالعقل والعلم الذى خلقه فأنت ذهبت إلى هبة الكبير بالأكبر من الكبير فالأكبر هى التى تناسب رغم أن من أسماء الله الكبير ونادى فرعون فى قومه / فى الخيبة التى حدثت له فى هذه المسألة حيث أن الكل يعرفها فقال إننى كنت أدعى الربوبية إنما الذى فضل لى الملك ( ونادى فرعون فى قومه ) أمر أن ينادى فى قومه ( قال يا قوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى ) فمصر هل هى القاهرة أم هى البقعة من الاسكندرية شمالا حتى أسوان جنوبا ( أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى ) فأخذ أولا ملك مصر فمصر اسم علم على هذه البقعة وهى مكونة من ( 3 حروف ) ( م ) و ( ص ) و/ ر  لأن الاسم يأتى على ( 3 و 4 و 5 ) إن كان مجردا وإن زيد فيه إلى ( 7 أحرف ) فمصر أتت من أقل تكوين الحروف يعنى لفظ سهل وخصوصا إذا كان أولها مكسور وأوسطها ساكن ليعطى خفة فكلمة مصر موسيقية ( أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى ) فالكلمة الجميلة ( مصر ) ولذلك تجد مقدسات الله فى الأرض ( مكة / المدينة ) فمكة مذكورة مرة واحدة فى القرآن والمدينة ومصر مذكورة ( 5 مرات ) فى القرآن المعجز والذى يقرأ تعبدا فى كل وقت ( أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى ) واحدة ( وقال الذى اشتراه من مصر لأمرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ) الثانية ( اهبطوا مصر ) لها كلام آخر ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) الثالثة ( ادخلوا مصرا ) بالتنوين لماذا 

( ادخلوا مصر ) و ( ادخلوا مصرا ) ( اهبطوا مصرا ) أى مصر فيه الذى تريدون لكن أى مصر فهل تدخل فيه مصر فالقرآن يأتى بمصر فهو معجز وفى اللوح المحفوظ ( أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى ) فكم نيل فى مصر إنه نيل واحد ( نهر النيل ) وله فرعان فرع دمياط وفرع رشيد فالأنهار جمع فعندما يقوم أحد بتوسيع رقعة مكان فيأتى بأشرف مكان والذى يطل على البحر فتم عمل ( 5 لفات للبحر ) ليبقى كم شاطىء لدى مصر ( 10 شواطىء ) فكل واحد يتمتع بالبحر فالأنهار جمع نهر فلابد أن يكون أكثر من ( 2 ) فعن طريق قراءة التاريخ أيام الفراعنة كان يوجد ( 5 أنهار ) فيوجد نهر ( الملك ) عليه قصر الملك الأساسى ويوجد نهر آخر ( دمياط ) نسبة لمدينة دمياط ويوجد نهر ( تنيس ) والعجيب أن هناك نهر من الأنهار ( نهر طولون ) فنهر طولون ظهر فى دولة المماليك فما الذى جعله نهر طولون فنهر طولون كان فيه الفرع الذى كان يسميه الخليل والذى هدمه طولون فنسب جديدا إليه لأنه فتحه مرة أخرى فعن طريق الاستنباط أنهم عملوا ( 5 أنهار ) حتى يكثروا من الشطئان التى تطل على البحر .

 ( قال يا قوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى أفلا تبصرون ) فالأنهار جمع نهر فيوجد ( 5 أنهار ) منها ( نهر الملك / ودمياط / وتنيس / وطولون ) والذى ظهر فى دولة المماليك فنهر ( طولون ) كان فيه الفرع المسمى بالخليل والذى هدمه طولون فنسب جديدا إليه لأنه فتحه مرة أخرى .

فالأنهار متعددة لماذا ؟ لأنه عندما يقوم أحد بتوسيع رقعة مكان فيختار أشرف مكان والذى يطل على البحر فتم عمل ( 5 لفات للبحر ) ليبقى كم شاطىء لدى مصر ( 10 شواطىء ) فكل واحد يتمتع بالبحر فلا بد من تجميع الأنهار عند القناطر الخيرية وعدم الأخذ من الأراضى الزراعية والتى تأخذ من الماء إلا بقدر حجمها فيتم ملىء الأرض بالمياه ولعدم التعدى على الأرض الخضراء فننظر للرجل الذى قام بإنشاء مصر الجديدة فلما أنشأ مصر الجديدة لم يتعدى على شبر من الأرض الزراعية بل ذهب للصحراء وعمل من الصحراء حديقة فلم يتعدى على أخضر وزاد أخضر فى البساتين والذى بنى فيه مدينته (مصر الجديدة ) فيوجد مساحات مائية فى مصر والتى تتمثل فيما يأتى :

1 ) الرياحات      2 ) الفروع الآخذة من الرياحات .

حيث أن كل من عليها طرق من اليمين والشمال فنجد الرياح كم متر والطريق كم متر ونعمل أعمدة مسلحة فوق ونسقفها ونبنى كل مؤسسات الدولة فيها فالرياح طويل ولكى لا نكتم الشمس عن الرياح فنبنى نفق بطول الرياح فيه كل ( 100 م  ) أو ( 200 م ) نترك ( 200 م ) خلاء ومن البلد للبلد تأخذ المؤسسات التى هنا وهناك فلما يزيد الناس فلهم أراض زراعية نعطى له قطعة فى الأرض الزراعية يقوم ببنائها ( وهذه الأنهار تجرى من تحتى أفلا تبصرون ) من تحته أم من تحتها الأنهار ؟ فيوجد من تحتها ويوجد من تحته كأن للأنهار تأتى للبساتين لكن فى القصر الذى جلس فيه فرعون قالوا ( حتى أنه صنع تحت السرير الذى ينام عليه مجرى ماء فأى من  مجرى فى كل اتجاه ( وهذه الأنهار تجرى من تحتى أفلا تبصرون ) فلا تهتزوا بأن السحرة فقالوا كذا وكذا لأنه خاف أن تهتز الربوبية ويهتز مع الربوبية الملك ( قال يا قوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى أفلا تبصرون ) فكلمة الأنهار من تحتى فالموجود فى مصر كم نهر ( 4 ) والموجود فى الجنة ( 4 أنهار ) فالله خالق نموذج للجنة فأقرأ القرآن ( فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى )

( 4 أنهار ) فالرسل أخبرت بذلك لقومهم فالفراعنة سيأتيهم  الكهنة والكهنة هى التى تخدم دينهم فى السماء عن طريق الكاهن حتى قالوا إن العلوم التى عرفها الفراعنة وبنوا عليها الهرم بدون مونة تحته التفريغ الأول ثم الأشياء المحنطة ثم الصخرة الكبيرة كيف ترتفع المسافة الكبيرة هذه والحبوب الموجودة فما زالت الحبوب موجودة كما هى لم تفسد بمرور الزمن فما دام كهنة بحضورها فى السماء فلما انتهت انتهى معها العلم الذى كان يقوموا به فى آداء مصالحهم الدينية والدنيوية والشىء الذى فعله فرعون من الأوتاد وأبو الهول فأرقى الأمم حضارة تأتى لترى العجائب الموجودة ( وفرعون ذو الأوتاد الذين طغوا فى البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربهم سوط عذاب ) ( أفلا تبصرون ) فأنتم رأيتم كل ذلك فقال ( أم أنا خير من هذا ) أم للإدراك ( أى أنا ) بمعنى ( بل أنا ) ( خير من هذا الذى هو مهين ) فهو ضعيف فليس له جيوش ولا جند وحتى أنه لا يستطيع الكلام ( ولا يكاد يبين ) فيوجد فعلين ( مهين / مبين ) وفى الخصام لا يستطيع إظهار طبيعة الخصام وأسبابه لأن موسى عليه السلام كان فى لسانه ردة فالكلام لا يظهر بوضوح وهو صغير قال كلمة لم تعجب فرعون قال إن هذا الرجل سيأتى بالنبوءة وسوف يقتلنا هنا فقالوا له إنه ما زال صغيرا ولا يعرف أى شىء فأتى به وانظر ماذا يقول ( وأخى هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله معى ردءا يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون ) ( ولا يكاد يبين ) فلما يريد الله أن يبعث رسولا لا يبعثه فى أحسن حال ( عليه إسورة من ذهب ) ( فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة ) فهم يريدون شىء مادى يرفعه فيوجد لديه ( أسورة ذهب ) وله شىء معنوى نؤيده ( تأتى الملائكة  معاه فتؤيده ) ( مقترنين ) ( مصاحبين له ) فاستخف قومه بهذا الكلام استخف بمعنى جعلهم خفاف ( فاستخف قومه ليبقوا على الفساد والضلال الذى كان عندهم ) ( فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ) فالذى يسير فى الضلال فهو الذى ينتفع بالضلال فما دام الذى ينتفع بالضلال فيحارب الذى يعمل بالهدى والذى يعمل ضلال يؤيده ( فلما آسفونا ) كلام الحق ( آسفونا )

بمعنى ( أغضبونا ) فيجعلوا لنا نعمل للأسف ( فانتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ) فى البحر ( فجعلناه مثلا وسلفا للأخرين ) فما هو السلف والمثل ؟ السلف هو ما تقدم فإنهم متقدمين بهذه المسألة حينما قال ( آسفونا ) ( فأغرقناهم أجمعين ) / اضرب بعصاك البحر فانفلق ) ( فانتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعبن ) ( فجعلناهم سلفا ومثلا للأخرين / سلفا أى يتقدمون فالناس تعتبر بهم فيروا نتيجة من كذب الرسل فى الدنيا فالحق سبحانه وتعالى ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) العذاب الأدنى : فى الدنيا  والعذاب الأكبر : فى الآخرة ( فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ) ( ولما ضرب ابن مريم مثلا إذ قومك منه يصدون ) فمن الذى ضرب المثل الله عز وجل هو الذى ضرب المثل فلما قالوا ( إن عيسى مخلوق من أم بدون أب ) فالله رد عليهم بقوله ( إن عيسى لديه أم لكن آدم ليس له أب ولا أم ( إنما مثل عيسى عند الله كمثل آدم ) ولكن آدم أعرق فى الانجاز من عيسى لأن عيسى من أم بلا أب وآدم بدون أب وأم فما قدر على الأدنى يقدر على الأعلى فتوجد آية فى قوله تعالى ( إنكم وما تعبدون حصب جهنم ) الآية تبين أن عبادة غير الله هو والذى يعبده سيكون وقود جهنم فجاء ( عبد الله بن الزبعرة ) قبل أن يسلم ولقد أسلم بعد ذلك فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يا محمد هذه الآيات لنا أم لجميع الخلق فقال له النبى لجميع الخلق فقال له موسى عبد وعزير عبد والملائكة عبدوا من بنى مليح فهل هؤلاء سيذهبون للجنة أم النار ؟ فالذين عبدوهم فالكلام قوى جدا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يوحى إليه فلما نزلت الآية ( والذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) بلغت على كرم الله وجهه فلم يكن حاضرا وقول الله ( وإنكم وما تعبدون ) ضمان لغير العاقل فلا يدخل فيها عيسى ولا يدخل فيها عزير ولا الملائكة فكيف أتى بها علي كرم الله وجهه ضمان لغير العاقل لأن العاقل يقول من وهذا دليل على أن على شديد فى الفتوى فكلها من حوض النبى وغيره أخذ من الجاهلية الكثير فكل الذى أتى به على من نور النبوة فلقد صدقوا ولذلك عند الخلفاء الكبار عمر بن الخطاب رضى الله عنهيأتى الوحى وفق ما يرى فالوحى ينزل بالقرآن كيفما يرى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فكان يقف فى مسائل ليس لها إلا الامام على فلما عرضت عليهم امرأة ولدت بعد ( 6 أشهر ) من الزواج فيريد رجمها فالولادة والحمل لا بد أن تكون ( 9 أشهر ) وليس ( 6 أشهر ) لماذا ؟ قال يا بن الخطاب هذا ينافى قول الله قال له إقرأ القرآن ( حمله وفصاله ثلاثون شهرا ) ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) فعن طريق طرح ( 24 من 30 = 6 ) ولما دخل على عمر ووجده غضبان فأمسك بالدرة التى يملكها ويضرب بها حذيفة ( ما لى أراك مغضبا يا أمير المؤمنين فسألت حذيفة كم أصبحت فقال أصبحت أحب الفتنة وأكره الحق وأصلى بغير وضوء ولى فى الأرض ما ليس لله فى السماء فلقد صدق والله يا عمر قال أتقولها يا أبا الحسن إنما قول الله ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) يحب ماله ويعير ولده ويكره الحق أى يكره الموت لأنه لم يستعد له ( ويصلى بغير وضوء ) على النبى صلى الله عليه وسلم فهل عندما نصلى على النبى نتوضأ ( وله فى الأرض ما ليس لله فى السماء ) له زوجته وله ولد فهل الله عنده الزوجة والولد بئس المقام لأرض ليس فيها أبو الحسن فالامام على كيف يستنبط فتواه ؟ يستنبط فتواه من نور النبوة فالإنسان تأتى له الأفكار فعن طريق اختلاط المعلومات تتكون الأفكار الجديدة فليس عنده معلومة جاهلية إنما معلومات إسلامية فلا يأتى إلا بالحق المبين الواضح فالله خلق فى الأرض أشياء كثيرة جدا فنريد رؤية أقوى شىء فيها ماذا ؟ فالجبال والحديد فمر أبو الحسن فقال ما خطبكم قالوا ما أشد جنود الله يا أبا الحسن فكأنه عارف أنه سيشتغل ويحضر الجواب بدليل أنه حصر العدد قبل أن يتكلم فى المعبود كأنهم ( 10 ) فيعرف مقدما أنهم ( 10 ) ( الجبال الرواسى )

و( الحديد يقطع الجبال ) و ( النار تذيب الحديد ) و ( الماء يطفىء النار ) و / السحاب مسخر يحمل الماء / و ( الريح تقطع السحاب ) و ( ابن آدم يطلب الريح ) يستتر بالثوب أو الشىء الملبوس ويمضى إلى حاجته و ( السكر يغلب ابن آدم ) فعندما يسكريترنح ويسقط فى الأرض و ( النوم يغلب السكر ) فلما يكون سكران وينام يفوق و ( الهم يغلب النوم ) فأحد جنود الله الهم فعن طريق سرد خطبة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ( فاطمة ) عندما ماتت كل ما يقولها يعيدها مرة أخرى فلما ماتت فاطمة دفنت بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم فالصحابة  قالوا لعلى كرم الله وجهه لو أرضى أن كل أولاد النبى يدفنون فى المسجد يضيق المسجد بالناس فقال دعوها نهارا وأنا أنقلها ليلا حتى لا نعجل بالفتنة فلما قام بدفن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال السلام عليكم يا سيدى يا رسول الله عنى وعن ابنتك النازلة فى جوارك السريعة اللحاق بك قال يا رسول الله عن صفيتك صبرى ورق عنها تجلدى إلا أن لى فى التعزى بمصيبتك موضع سلوى فقد وصيتك يا رسول الله فى ملحودة قبرك وما فى بين سحرى ونحرى نفسك أما ليلى فمزهد وأما حزنى فسرمد إلى أن يختار لى الله دارة التى أنت بها مقيم وستخبرك ابنتك عن حال أمتك فأصفها السؤال واستخبرها الحال هذا وإن لم يطل منك العهد ولم يخل منك الذكر فيريد أن ينصرف فالذى ينصرف عن حبيبه فهل حال الوقفة قال والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئل فإن انصرف فلا عن ملالاة وإن نقل فلا عن سوء ما وعد الله به عباده الصالحين فلما تمسك المسألة تجد درر فهذا هو الامام على كرم الله وجهه ( يقول الله إنكم وما تعبدون ) ما لغير العاقل فعيسى ليس له من الأمر شىء والعزير ليس له من الأمر شىء والملائكة ليس لهم من الأمر شىء ( ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ) وقالوا ( آلهتنا خير أم هو ) ( ما ضربوه لك إلا جدلا ) فهم يريدون المجادلة فعزير وعيسى والملائكة هل سيدخلون النار معكم فما أهون أن تدخل آلهتنا النار فهذا جدل والجدل مذموم إذا أصبحت تريد تبرير الباطل إنما إذا كنت تريد الوصول للحق فقال ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن ) وجادلهم فالجدل فيه مذموم وفيه مرغوب الجدل الموصل للحق محمود إنما الجدل لتأييد الباطل مذموم ( ما ضربوه لك إلا جدلا ) ( يجادلونك بالحق بعدما تبين ) فهذا جدل مذموم ( ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ) معنى خصم لديه لدادة فى الخصومة ويأتى بالكلام بأى شكل ليغلبك فيقال خاصمنى فخاصمته خاصمته بمعنى انتصرت عليه فى ( أنه إلا عبد أنعمنا عليه ) فهو عبد من عبادنا فقالها فأشارت إليه ( قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا ) ( قال إنى عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبيا ) فلما يكون عيسى عليه السلام يتكلم فى المهد أليست عجيبة من العجائب ولازم يعرفها الناس ( قال إنى عبد الله أتانى الكتاب وجعلنى نبيا ) فكلمة ( أتانى الكتاب ) فآتاك الكتاب فى الكبر وجعلك نبى ( قال أتانى الكتاب ) بمعنى أن الذى يريده الله سوف يحدث ( إن هو إلا عبد ) عبد محل العطايا الأولى وما دام تخلص العبودية لله يعطيك مما عنده ( عبد أتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) فما دام أنه عبد ذليل فيشتغل عيسى عند واحد أسطى والصبى ملتزم فى عمله فالعبد الخالص لله يعطيه فوق الرسالة التى جاءت إليه يعطيه شيئا من عنده بدليل أن الله سبحانه وتعالى حينما تكلم عن الاسراء ( سبحان الذى أسرى بعبده ) فالعبودية كأنها محل العطاء ( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه ) أنعمنا عليه بماذا ؟ باستفاء الرسالة وخلقناه على غير لسان من خلق البشر / وجعلنا ابن مريم وأمه آية / واحدة فابن مريم وأمه يكونان الآية ( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه ) بطريقة غير طريقة البشر وهديناه النبوة وجعلناه مثلا لبنى اسرائيل لأن بنو اسرائيل كانوا ماديين جدا كل شىء غيبى يريدونه بالمادة بدليل قولهم   أرنا الله جهرة / ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) فهم يريدون شىء مادى فالله أعطاهم المن والسلوى فالمن الذى يأتى على الشجر يسود وموجود ناحية العراق والسلوى الطير الذى يأتى إليهم فرزقهم من المن والسلوى .

( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبنى اسرائيل ) لأنهم أخذوا يشككوا فقال لهم  ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ) فعيسى له أم بدون أب أما أدم فليس له أب ولا أم ( إن مثل عيسى عند  الله كمثل آدم ) ( وجعلناه مثلا لبنى اسرائيل ) ( ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة فى الأرض يخلقون )

فقدرة الله ليس لها حدود فتوجد طلاقة قدرة ( وإنه لعلم للساعة ) أى أنه سوف يعطينا علم الساعة فعلم الساعة لا أحد يعرفها أى عندما يأتى ذلك معناها أن الساعة اقتربت فعلم علامة على قرب الساعة ( وإنه لعلم ) أى علامة للساعة ( أفلا تمترون ) لا تشكوا فى أمر الساعة ( واتبعونى هذا صراط مستقيم ) ( اتبعونى ) اجعلوا أنفسكم تابعين لى فتابعين لى بمعنى مقتنعين بكلامى ومقلديننى فى أننى أسوة لكم فى حركات العباد ( ولقد كان لكم فى رسول الله اسوة حسنة  لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ) ( ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين ) فالأدلة تريد اثباتها والشيطان يريدوهم عاصين لأوامر الله عز وجل فيحوم حولهم ويأتى إليهم بالشبه وقال / لأقعدن لهم صراطك المستقيم / فالناس تشتكى وقت الصلاة يأتى إليهم الشيطان بأشياء يفكر فيها الإنسان أثناء الصلاة فهذا عمل  الشيطان فلما  أتى به لشىء يخرجه عن ورع الصلاة ( إنما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) فالشيطان إذا سمع اسم الله يخنس فلا يأتى وارد الشيطان مع وارد الرحمن أبدا فالآفة أنه عندما تأتى لنا بفكرة حسنة نسعد بها ( ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين ) وعداوته عداوة من أيام أبيكم آدم عليه السلام حينما أمر مع الملائكة باسجود لآدم سجود تكريم ثم امتنع إبليس عن آداء  السجود لآدم ولعن أى طرد من رحمة الله فقال بسبب لعنتى لآدم ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) فما دام الله يريده لا يقدر عليه الشيطان فالله يريدك حيث قال فى منهج الله وعندما يأتى الشيطان لك قل ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) ولا يصدنكم الشيطان / فهذه فرصة فيقول لك إن عيسى بدون أب ولكنه أتى من أم أما آدم فلم يأت لا من أب ولا من أم لماذا ؟ حيث يأخذ التفكير فى الأمر الكثير من الوقت بدون فائدة ( ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين ) يبين لك العداوة / ولما جاء عيسى بالبينات / الإنجيل والأحكام فماذا قال لهم ؟ قال لهم ( ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم  بالحكمة ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون ) فالله سبحانه وتعالى يقول أنه أعطاه الحكمة وإذا عرفنا معنى الحكمة سنقول إن الحكمة تكون فى الإنجيل والحكمة ما هى ؟ الحكمة وضع الشىء فى موضعه المناسب له فعيسى أتى بعد اليهودية واليهودية مسرفة فى المادية فقالوا ( أرنا الله جهرة ) وجاء لهم بالمن والسلوى فنحن لا نريد المن ولا السلوى فيمكن ألا يأتى الطير ( السلوى ) ويمكن المن أن لا ينزل من على الشجر نحن نريد شىء نعمله بأيدينا فكل شىء مادى عندهم فالغيبيات ماديات كذلك فقال لهم عيسى ( اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ) فعن طريق قراءة التوراة لا تجد فيها كلام عن اليوم الآخر فاقرأ التلمود فلا تأتى بسيرته اطلاقا فالايمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان ( لن تمسنا النار  إلا أياما معدودات ) إذن فهم ماديون ولما يأتى دين بعدهم لازم يحارب النقص الموجود فى البشر من أجل إعدال حال البشر لأحسن حال ممكن فعيسى سئل مرة عن ميراث فقال إنى لم أبعث مورثا فإن المادية الطاغية أنا قابلتها بروحانية فالطاقة الموجودة التى تدفع المادية طاقة روحانية عن طريق رب المواجيد الدينية فى النفس البشرية فالحياة تريد شىء مادى تتفاعل معه فى الوجود وفيه أشياء مادية تعطينا  وإن لم نتفاعل بها كالشمس والقمر والنجوم والمياه والهواء تعطينا فنحن لا شأن لنا بها وشىء يعمل لك إن عملت فيه كالأرض تزرعها وبعد الحرث يظهر لك الزرع فنعم الله على العبد التى خلق من أجلها قبل أن يوجد نوعان :

1 ) نوع يعطيك الخير ولا صلة لك به تقدر تتناوله .

2 ) نوع إن فعلت معه ينفعل لك .

فالمطلوب أولا أن الشىء الذى نعمل فيه ينفعل لنا نزرع ثم نحرث ثم نرى البذرة تنمو وتنضج بسلامة ونسقيها الماء إن فعلت هذا فالأرض تنفعل لك وإن لم تفعل تصبح الأرض أرض بور لا حياة فيها ولا ماء ولا نفع منها وبعد الارتقاء فى الإيمان فما دام مخلوقا فإن الأشياء التى تعمل لنا بدون طلب منا نقدر أن نأخذ منها نفع فالشمس نأخذ منها طاقة شمسية لتشغيل الأجهزة الكهربائية بالطاقة الشمسية فالقمر يضىء لنا ليلا ولما تقدم العلم قمنا ببناء الأقمار الصناعية وارسالها للفضاء فى مدار حول الأرض ليأتى لنا بالأخبار من كل أنحاء الدنيا وفى وقت حدوثها بالتحديد وفى زمن قصير جدا وهذه الأشياء تنفعك وإن لم تعمل لها وفى أشياء لا تنفعك إلا إذا عملت بها وانفعلت بها والأشياء التى تعمل لك ولا تعمل فيها شىء من الممكن أن نأخذ منها شىء جديد كما أخذنا من الشمس الطاقة الشمسية ومن القمر الضياء ليلا فالحكمة أنه دين جاء بعد قوم ماديين لا بد أن يكون روحانى صرف فيأتى رسول يجمع من الحياة ( ماديتها وروحانيتها ) فى دين واحد متكامل

( دين الاسلام ) ولما تقرأ فى نهاية سورة الفتح ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) فالمسلم لا ينطبع على طبع واحد فلا بد أن يكون لديه الضدين ( رحيم وشديد ) شديد على الكفار ورحيم على المؤمنين فلما مدح المسلمين ( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) فالاسلام لا يطبع المسلم بطبع واحد بل يطبعه بعدة طباع حسب المواقف التى تحدث للمسلم من أشياء ( تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود )

أتى بأشياء كلها غير مادية كلها أشياء قيمية ( ركوع / سجود / يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود تصوف صرف فهذه أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورغم ذلك ( مثلهم فى التوراة ) التوراة مادية صرف فجاء المثل الأول فى المسلمين الرحامية ( الركع / السجد ) / يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود / فالنقص فى اليهودية فالمثل جمع الإثنين ( ذلك مثلهم فى التوراة ) فيها قيم كلها قيم لم يأت بالمادة فيها لأنهم يقولون بالمادة فلا يوجد للروح فيها أثر ( ومثلهم فى الإنجيل ) فلم يأت بقيم ( كزرع أخرج شطئه فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ) لا يجعل الكافر يستعلى على المؤمن فى خير الحياة فى الإنجيل كل ذلك مادى والمثل فى التوراة روحانى فقد قال إن الاسلام قادم يجمع بين المادية والروحانية ويخالف اليهودية لأن اليهودية مادية والاسلام روحانى ( ركع / سجد ) كأن دين الاسلام هو الدين الجامع للمادية مع الروحانية وهو الذى يصلح لقيادة الحياة لأن الروحية لا تستقيم أبدا إلا إذا خدمتها المادية فكل أمر لا بد له من جمع المادية مع الروحانية ليستقيم الأمر فلا يستقيم أمر الكون إلا أن توجد فيه مادية هى التى تخدم الروحية ولذلك ( محمد رسول الله والذين معه مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الانجيل ) فجاء الدين جامع الذى صدق فيه قول الله ومهيمنا عليه ( وإنه عندنا لعلى حكيم ) فكل الأديان كتبها فى اللوح المحفوظ لكن القرآن على ( قد جئتكم بالحكمة ) الحكمة : وضع الشىء فى موضعه وأنتم العالم اليهودى المحتاج إلى حقنة قيم فكل الاسلام قيم لكى نعدل تلك المادية الموجودة فى اليهودية ( ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه ) فكانت الإبل محرمة على اليهود فالذى كان محرما عدله ( ولأحل لكم بعض الذى حرم عليكم ) ( وعلى الذين هادوا حرمنا من كل ظفر ومن الإبل والبقر حرمنا عليهم شحومهما ) فجاء عيسى ليقول لهم إن المسألة انتهت بظلم الذين هادوا والذين هادوا ليس لديهم فالله يرفع تلك المسألة فالجمل كان محرما على اليهود لأن خف الجمل ليس له أصابع والنعام ليس له أصابع والأوز والبط موجود بين الأصابع غشاء رقيق    لأحل لكم بعض الذى حرم عليكم / ( لقد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون ) ( إن الله هو ربى ) فلا بد أن يقول الله ربى فجاء بضمير الغيبة ( ضمير الفصل والذى يفيد القصر ) الله رب أما غيره ليس برب ( إن الله هو ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ) الصراط المستقيم : الطريق العدل الذى يوصل للحقيقة من أقرب طريق وما دام طريق يوصل دائما الطريق من وإلى إلى وليس من إلى ولكن الطريق المستقيم من الله إلى الله كذلك من الله تكليفا وإلى الله ثمرة وأجرا طريق مستقيم من الله يوصل للغاية وما دام هو من عند الله تكليفا أولا وما دام من الله فيجازى به الجنة ( إليه ترجعون )  فاختلف الأحزاب .

الأحزاب : جمع حزب ومعنى حزب جماعة واعتقاد وفكر يصير أصل عملهم فى كل شىء يعمل مبدأ فلما تدخلت الأحزاب وتختلف تجتمع الأحزاب على عدة أشياء فالأفكار البشرية كل واحد له حزب .

( أحزاب الشيطان ) إنما الحزب الذى خلقه الله / فاختلف الأحزاب من بينهم وقالوا ويل للذين ظلموا ) .    

ويل بمعنى هلاك من الله والويل أتى من القوى وهو الحق سبحانه وتعالى ( فويل للذين ظلموا ) ظلموا من فيوجد شركاء لله ( إن الشرك لظلم عظيم ) ( ظلموا أنفسهم ) لأن نفسه حدثته بشهوة فطاوعها لتذهب به للنار وتمنعه من الجنة فأنت ظلمت نفسك فلو لم تظلمها لما منعك من أخذ الخير الآتى إليك ( وظلموا الناس )  فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم ) فالعذاب مرة يوصف بأنه أليم يوجع وجع شديد للحس تعذيب للقلب وفى عذاب عظيم وفى عذاب مقيم ) فالعذاب له أوصاف متعددة إنما كلها تجتمع فى أنها من الله وما دام جاءت من الله فهى منسوبة لقدرة الله على أقصى ما تكون من العقوق ( هل ينظرون ) فى الساعة ستقوم فى أى وقت ( هل ينظرون إلا الساعة ) كان يجب ما دام ينظروا للساعة ولا يعرفون معادها ( لا يجليها لوقتها إلا هو ) يخاف أن تقع فى أى وقت وما دام يخاف أن تقع فى أى وقت فيبقى مستعد لها فى كل وقت كالموت فلقد أبهم الله زمنه لماذا أبهم الله زمن الموت ؟ الإبهام هنا غاية البيان لماذا ؟ لأن إبهام الزمن يوسع العظة فما دام الإنسان زمنه مبهم فيستعد للموت فى كل وقت وما دام زمنه مبهم فمن السبب ليس ضرورى المرض فقد يكون الفرد سليما ويموت فجأة بدون أسباب معروفة ( والموت من دون أسباب هو السبب ) مات لأنه يموت فماذا ينتظرون ؟ ينظروا الساعة فالساعة مجهولة كما أن الموت مجهول ( وأن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون ) ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) الأخلاء جمع خليل والخليل هو الذى توده ودا يداخل كل أعضائك حتى أنه متخلل فى جسمك ( ولما التقينا ضرب بالشوق جهده خليلين ذابا لوعة وعتابا كأن خليلا فى خلال خليله تسرب أثناء العناق وغابا ) الخليل ذو الحب والود والذى يدخل فى كل جوانب النفس فالشعراء كانوا يفهمون أن العشق فى القلب فالحب الحقيقى ليس فى القلب بل فى كل الجوارح فالخطرات ذكرك تستثير المودة فعندما يأتى أحد بذكرك تهيج الود لك فأحس منه فى الفؤاد دبيبا ليس فى قلبه لا عضو ولى إلا فى صبابة ( هذه هم الأخلاء ) فلما يحبه بعض ليس بسبب المصلحة بيحبه لماذا ؟

لأنه لديه خير يعطى أو شر يمنع فلما تحبه فهل ترى للخير له دوام أم لا فنحن نريد ود لا يضيع .

( وتوكل على الحى الذى لا يموت ) هذا الذى نتوكل عليه أما غيره ضائع ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) فالأخلاء يجتمعون على إثم وفسق ويأخذوا بأيدى بعضهم البعض للعب القمار وشرب الخمر ومن عجيب الأمر أن يأتى فى الموبقات فالقمار كمثل أحد يكسب والآخر يخسر فكل واحد فى القمار يحاول أخذ كل ما فى جيب الآخر من الأموال بدون وجه حق فكيف يصبح خليلا ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) الأخلاء جمع خليل وهو الذى يألفه قلبه ويلين إليه قالبه حتى كأن الجسمين يتغلغلان فى بعضهما البعض ( ولما التقينا ضرب الشوق جهده خليلين ذابا لوعة وعتابا كأن خليلا فى خلال خليله تسرب فى العناق وغابا ) هؤلاء هم الأخلاء لكن هذه الخلة إما أن تكون على خير أم تكون على شر فالخلة على الخير هى التى تعين على منهج الله .

( يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر ) فإذا رأى واحد أخاه على غنى نهره وقاطعه حتى يعود للخير الذين ( اجتمعوا على منهج الله ) ( تحابا فى الله )  الأخلاء على الخير ( رجلان تحابا فى الله ) ويوجد أخلاء يزينون لأنفسهم الشر ويجتمعون دائما على إثم وفسق وفجور فيجتمعوا على شرب الخمر أو يجتمعوا على لعب القمار والذى يجتمع على تحليل الزنا فالخلة على الشر فهؤلاء الذين أحبوا أنفسهم وهم على شر لأنهم يعينون بعضهم على الشهوات والإثم يكونوا أعداء يوم القيامة لماذا ؟ لأنهم وجدوا أن الشر الذين تحابوا من أجله جاء لهم بعذاب مقيم فكل واحد حينما يرى الثانى يكرهه لأنه كان معه ولم ينهاه لكن المتقين يتحابون فى الله كالتلميذ عندما يأتوا إليه بعض الناس ويرشدوه لأشياء أخرى حتى لا يذاكر فيأخذوه على القهاوى وفى الشوارع فعندما يرسب فى الامتحان فساعة الجزاء لا يبقى على الحب إلا من كان ابتلاؤه وحبه على خير وسوف يقولون فى الآخرة / ربنا أرنا الذين أضلانا  من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين / لماذا ؟ لأنهم وجدوا من عملهم الذين عملوه لم يتقوا فيه وجه الله ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) ( يا عبادى ) كلمة ( يا عبادى ) الكل فى الكون مؤمن وكافر طائع وعاصى عبيد لماذا ؟ لأن الكل خاضع لقهريات لا ينفك عنها فهم عبيد امرض فلا تستطيع القول إنى لن أمرض موت فلا أستطيع الموت فالقهريات كل البشرية مشتركة فيها فكلنا عبيد لكن يختار فكلمة  العباد ( هم الذين كان لهم الاختيار فاختاروا الشر ) على حساب الخير لكنهم رأوا ما يريد منهم الله يريد الخير فنسوا مسألة الاختيار وقالوا سنبقى عبيد كما أمرتنا فهم عباد فالله سبحانه وتعالى عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) فالأمانة أن يأتمن واحد على واحد على شىء ما وليس عنده شهود وليس عنده وثيقة فما هو الضامن له ؟ الضامن له أمانته إن شاء عند الآداء يؤدى أو لم يؤدى هذه هى الأمانة فإذا لم تكن هناك أمر يرغمه فلا تكون أمانة فالأمانة ما يؤتمن عليه الإنسان وليس عند المؤتمن حجة عليه إلا ذمته إن شاء أدى وإن شاء لم يؤد فهذا هو الاختيار فالأمانة هى الاختيار

( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) فلماذا ندخل أنفسنا فى هذه المتاهة فيوجد فرق بين التحمل وبين الآداء فعند التحمل يمكن القول أن تأتى بالشىء ثم إننى سوف أعطيك فأنت لم تعرف وقت الآداء ماذا يحدث ؟ فربما يأتى ظرف تحتاج فيه لصرف النقود المؤتمن عليها فربما قلبك يتغير وتريد أكلها فيقول لك خذ ( 1000 ج ) وخذهم كأمانة عندك ) فيقول لك ابعد عنى فربما يأتى ظرف يضطرنى أن أسحب من ( 1000 ج ) جزء من المبلغ الموجود أمانة لدى ( فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ) هى نفسها ابعد عنى والثانية يقول لك هات ( 1000 ج ) وساعة ما تحتاجهم سوف أعطيهم لك ( فهو ) قسمين :

1 ) هو ساعة ما أخذهم فهو صادق على اعطائه إياه عند الحاجة لكن ظروفه حكمت عليه .

2 ) فهذا السبب فى أن الحق سبحانه وتعالى يريد فى التعامل منع عدم الآداء فلا تخالف ( إذا تداينتم بدين إلى أهله فلا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ) لأن المسألة ليست ضمان لك فالناس تفهم أن الكتابة ضمان للدائن فهى ضمان لدين المدين فلما يعرف أنها مكتوبة عليه لا يعمل أى شىء أما إذا عرف أنها ليست مكتوبة عليه فربما يفلس فيها ( فلا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ) فهل منع الله الصفة الإيمانية بعض فى بعض ( إن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى أوئتمن أمانته وليتق الله ربه ) ما دام ائتمنك فالحق سبحانه وتعالى فالذى لديه الاختيار والذى قبلها الإنسان فالإنسان مختار وأنا الذى لدى عقل وسأحكم بالخير كما يريد الله عز وجل فأنت لم تضمن نفسك فأنت عملت فتوة وقت التحمل إنما وقت الآداء فلا تعرف ما الذى ستفعله ؟ ولذلك قال الله فيه ( إنه كان ظلوما جهولا ) جهل وقت الآداء وفرح وقت التحمل فلم يعرف كيف سيؤدى الأمانة ؟ أم أنه لن يؤدى الأمانة لمن ائتمنه عليها فالسموات والأرض والجبال اختاروا أن يكونوا مسخرين ومقهورين لأوامر الله عز وجل فالذى يخلقه الله مختارا فيقول الإنسان أننى مختار صحيح آمن وأكفر وأطيع وأعصى فأنا لدى الاختيار لماذا ؟ لأن ثقتى فى الله أننى سأريد ما يريده الله عز وجل فأنا ألغى الاختيار الممنوح لى والذى يريده الله سوف أنفذه فهؤلاء هم ( العباد ) ما هم العباد إذن ؟

هم الذين تنازلوا عن الاختيار الذى خلقه الله فيهم إلى مراد الله وجعلوا كل تصرفاتهم على مراد الله ولا يجعلوا لاختيارهم سببا فى غضب الله عليهم ( فهم عباد ) والأخرى ( عبيد ) فتوجد آية واحدة فى القرآن ربما تنقد هذا فلما يأتوا فى الآخرة يأتى للشياطين ويقول لهم ( أءنتم أضللتم عبادى هؤلاء ) فسماهم ( عباد ) وهم ضالين ( أءنتم أضللتم عبادى هؤلاء ) فسماهم ( عباد ) لأنهم كانوا مخالفين لأن فى هذا اليوم لا يوجد لأحد فيه اختيار ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) فكلنا عباد يوم القيامة ( يا عبادى لا خوف عليكم ) فعندما يقول ( يا عبادى ) دخولى تحت قولك ( يا عبادى )

ومما زادنى شرفا وتيها وكدت بأخمص قدمى أن أطأ الثريا دخولى تحت قولك ( يا عبادى ) وأن سيرت أحمد لى نبيا فهذه زيادة على تجعلنى فوق الثريا ( يا عبادى ) تشريف وما دام أنتم امتحنتهم فيه فلماذا تخافون وممن من ؟ فنحن فى الدنيا نقول لا كرب وأنت رب فماذا نقول فى الدين ؟ لا يوجد خوف فهم يحزنون على شىء فاتهم من نعيم الدنيا لأن ما وجدوه عند الله خير وأبقى ( يا عبادى الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ) فيوجد فرق بين الإيمان والاسلام فالإيمان عمل القلب والاسلام عمل الجوارح التى تنفذ ما أمر من آمنت به فالمنافقين أسبق الناس للصلاة فقال لهم إن هذا غير ممكن فأقرأ قول الله ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان إلى قلوبهم ) فالمنافقين يأتوا فى أول الصف حتى لا يصبحوا من المنافقين بل من المسلمين والمؤمنين ومن الظاهرة العجيبة أن المدينة المنورة وهى منطلق الاسلام الأنصار ظهر فيها النفاق والمدينة التى كان فيها والتى كانت تهدم فى المساجد لم يظهر فيها النفاق أبدا فعن طريق التفكير فى هذه المسألة فما دام النفاق لا يظهر إلا إذا كان هناك خير يدعى إنما أهل المدينة فلماذا ينافقون محمد وهو ضعيف ودينه ضعيف ومضطهدين فهل سينافقوه هو فلما ذهب للمدينة وأصبح له عز وسلطان وجاه ( نافق ) فالنفاق فى المدينة ليس خسة فيها حيث أصبح الاسلام ظاهرة قوية وأصبح يناقض إنما فى مكة ليس فيها ذلك الأمر .

( الذين آمنوا بآياتنا ) آمنوا بها اقتنعت قلوبهم اقتناع يقين فيوجد اقتناع يقين واقتناع علم واقتناع حق اقتناع علم : عالم القضية  واقتناع يقين بما فيها فى ذاته واقتناع حق فتوجد أشياء فى الكون تحدث تفسر للإنسان فلسفة الآيات الكونية فيوجد علم يقين إذا أخبر عن شىء صدق فيه فلما ظهرت الحاجة أصبحت عين يقين لأنه من صادق فلما تم تقطيع الشىء أصبح حق يقين .

علم يقين : إذا أخبرك صادق .

عين يقين : إذا شاهدت .

حق يقين  : إذا جربت .

فالذين عندهم علم اليقين بالإيمان فهل ينفذون ما أمر به من آمنوا به وهو الله عز وجل فالذين عندهم علم اليقين بالإيمان هل ينفذون ما فيه ممن أمر به من آمنوا به فالذى ينفذ يصبح مشرك والذى لم ينفذ يقول ( آمنت نفاقا ) أنا أسلمت ولكنى لم أؤمن ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم ) فلما سمعوا كلمة ( لما ) عرب وفاهمين لما لنفى الواقع ولكنه يرجيك فى المستقبل ( الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ) ( ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم ) لماذا قال أنتم وأزواجكم ؟ لأن كل متعة يتمتع بها الإنسان ويصبح مسرورا تدب فيه غرائز المراهقة وهى التى تشاركه فى كل شىء فى حياته فالزوجة هى المرافق المشتهى أولا والمعين ثانيا سكنا ومودة ورحمة وفى السكن والمودة مفهومة أما الرحمة فكبار المسنين لو رأيت رجل وإمرأة فى سنهما الكبير وهم يتعاملون مع بعض كعشق العشق أنتم وأزواجكم ( تمام النعيم )

( تحبرون ) ( تسرون ) أو يغشاكم الحبار والحبار هو لون البهاء الذى يشع من وجه الإنسان التقى لسروره ( تعرف فى وجوههم نضرة النعيم ) ( أدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون ) فانظر للتنعم ( يطاف عليهم بصحاف من ذهب ) الصحاف  الطبق الواسع فرسول الله صلى الله عليه وسلم ابن جدعان كان عامل جفنة هذه الجفنة بنية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستظل فى الشمس بها فعند تسخير الجن لمن يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواد كبيرة جدا عمل الشياطين وصنعتهم ( ويطاف عليهم بصحاف من ذهب ) للطعام  / وأكواب / فيوجد كوب وابريق وكأس فالكوب الذى ليس له يد ولا بزبوز / وأباريق / أباريق كالكوز ولكن له يد وخرطوم .

أما الكأس هو الكوب ولكن لا بد أن يكون ملاك ( وأكواب وأباريق وكأس من معين ) ( يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب ) ( وفيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ) ايجاز للمتعدد لأنه لو عدد سوف يعدد كثيرا ( وفيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ) فيوجد فرق فى أن تأتى للضيف بطعام أنت صانعه وبين أن تأتى له بطعام يشتهيه فالله سبحانه وتعالى حينما يعدد النعم لما يكون فرد ما لديه حديقة وثمار وأزهار وفرد آخر لا يملكها فيقول له أنت ستستفيد لأنك حينما تمر عليها وتجد خضرة ورائحة زكية فهذه متعة أكبر من متعة الأكل ( انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه ) تجعل الإنسان أحسن ما يكون ( وأنتم فيها خالدون ) يعنى الموت الذين كنتم تخافون منه لن يأتى  2 ) لانقطاع المدد بسبب النعمة لن يأتى فالنعم لا مقطوعة ولا ممنوعة وكل النعم عطاء الله وعطاء الله لا ينفذ ( كلما رزقوا من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا به من قبل وأتوا به متشابها ) فكلوا ولكن ليس مثله / وتلك الجنة التى أورثتموها بما كنتم تعملون / ( أورثتموها ) أخذتوها إرث ما هو الإرث ؟ الإرث أن الميت سيموت ويترك أشياء لأولاده .

يملكون بدون عقد وبدون ثمن لأن الملكية تنشأ من عقد وثمن ( أورثتموها ) فماذا نورث ؟ الحق سبحانه وتعالى فى المقيت الأزلى الذى أنتهى عنده كل شىء وصح أن القلم قد جف ما شغل ربك الأن وقد صح أن القلم قد جف لأن كل حاجة أزلا مدونة قال أمور يبديها كأنها موجودة ولكنها مخفية يأتى ميعادها فتظهر فهى أمور يبديها ولا يفتديها يرفع قوما ويخفض آخرين وهو القابض الباسط ورثناها بماذا ؟ الإرث يقل مال المورث للوارث فيجعل الله الإرث حلال وإن كان المورث أتى به من حرام كالمورث الذى يتاجر فى المخدرات وأتى بأموال فهى من حرام إنما انتقلت لإبنه فهى ليست حرام على إبنه فالمسئولية لا تتعدى ورسول الله صلى الله عليه وسلم حسمها بقوله ( شركم من مات بشر وترك عياله بخير ) ولذلك لا تسأل ممن جاء الميراث ؟ لأنه إن كان جاء من حرام فصاحبه مطوق به يوم القيامة كمثل النفقة للزوجة لا تسأل زوجها من أين أتيت بالمال ؟ والولد غير البالغ لا يسأل والده من أين تنفق على ؟ أما عندما يبلغ الرشد فمن حقه معرفة مصدر الانفاق عليه لأنه يستطيع أن يكسب غيره فالحق سبحانه وتعالى يقول ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستئذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ) لم يعد له حق على أبيه وإنما انتقل الحق منه لأبيه .

( وتلك الجنة التى أورثتموها بما كنتم تعملون ) إن الإرث إما أن يكون من أب أو ممن له حق فى ماله ويوجد رأى آخر ( أولئك هم الوارثون ) ( الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) ورثوا من .

إن الله حينما شاء أن يخلق الخلق عرف عددهم ( وأحصى كل شىء عددا ) فصنع لكل واحد منهم أمرين ( 2 ) جنة يتمتع فيها ونار يعذب فيها فإن أطعنا الله كلنا أصبحت الجنة لنا نتمتع فيها حيث نشاء وإن عصينا الله كلنا أصبحت النار مثوى لنا نتعذب فيها باستمرار وللأبد فساعة دخول أهل النار النار يتركوا نصيبهم فى الجنة فيقتسمه المؤمنون فلقد ورثوا الكفار الذين دخلوا النار فيما كان قد أعد لهم على فرض أنهم مؤمنون لكن الله يقول ( بما كنتم تعملون ) فالمؤمن تفوق على الكافر فى العمل الصالح ( لكم فيها فاكهة كثيرة ومنها تأكلون ) فلماذا لم يأت ( بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ) لماذا خصص الفاكهة هنا ؟ لأن الفاكهة كانت عند العرب غير موجودة فلما العرب يسمعوا ( صحاف من ذهب وطعام وشراب ) فيأتى لهم بالفاكهة التى كانت غير موجودة ( لهم فيها فاكهة كثيرة ) ما يتفكهوا بها بشىء لا يمثل ضرورة فالله قد خلق لنا أشياء للضرورة وأشياء للضرر كاللباس ( يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ) فاللباس الذى يوارى السوءة هو اللباس الضرورى والريش هو اللباس المتنعم به ولباس التقوى ذلك خير فلم يتركم وأعطاكم لباس التقوى أتى بالمقابل هؤلاء فى جنات يحبرون ( يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ) فلا بد أن يأتى بالمقابل لأن النفس حين تذكر شيئا تنبسط له ثم تذكر شيئا بعده تنقبض له يفهم الفرق بين ال ( 2 ) فيعاجل بالذى نفسه تنبسط له ( إن الأبرار لفى نعيم وإن الفجار لفى جحيم ) لأن الناس المؤمنين ينبسطوا فى النعيم ( الجنة ) وأن الناس الكافرين ينقبضوا فى الجحيم ( النار )

( فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ) فالكفار يضحكوا قليلا فى الدنيا وليبكوا كثيرا فى الآخرة ( إن المجرمين فى عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ) هم خالدون فى جهنم ولا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون أى وإن كان عندهم أمل فى أنها ترفع فهم يئسون من هذه المسألة فالنفسية تخبرهم أنه لا يمكن حدوث غير هذا الذى حصل لهم ( وما ظلمناهم ) لأننا هدينا وقلنا لهم عناصر الخير ما هى وعناصر الشر ما هى وطلبنا منهم أن يذهبوا للخير دون الشر ( وهديناه النجدين )

( فألهمها فجورها وتقواها ) ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) فالله لم يظلمهم بل ظلموا أنفسهم لماذا ؟ لأنهم عجلوا لها بشهواتها التى تنتهى فى الدنيا فحرموا من الشهوة الأبدية التى لا تنتهى ولا يفوتها فيها فهذا ظلم للنفس وشر الأشياء أن تظلم نفسك أما تظلم غيرك فهذا معقول وتظلم نفسك التى بين جنبيك هذا هو الحمق ( وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ) ( ونادوا يا مالك ) مالك خازن النار ( ليقضى علينا ربك ) نموت أحسن ما داموا خالدين ولا يفتر عنهم وهم يائسين نريد الموت لأنهم رأوا أن حياتهم فى ألم فماذا أصنع بهذه الحياة ( فالنار عندما تشوى الوجوه ) انتهى الاحساس لأن العلماء اختلفوا فى مركز الاحساس فى الإنسان ؟ فأى جزء يحس فقالوا ( المخ ) فالإنسان يحس بشىء ما لا يصل للمخ فعند وضع الاصبع أمام العين قبل أن يصل الاصبع للعين تكون العين قد أغلقت تلقائيا فلم تأتى إشارة عمل اضطرارى قسرى فالنخاع الشوكى الذى يعمل الأعمال العكسية ولقد اهتدوا فى ألمانيا على أن الحس كله فى الجلد فالحس فى الجلد له دليل استدلوا به فلما تعطى واحد حقنة لا يرج منك إلا ساعة شكة واحدة ساعة نفوذها من الجلد نفذ من منطقة الاحساس ففى مسألة الخمر لأنها سيئة ولا تشرب فعند شربها يتم دلقها دفعة واحدة حتى لا تمر على مناطق الذوق فى اللسان لماذا ؟ لأنه لو مر على مناطق الذوق فى اللسان يصاب بالكحة ( وأنهار من خمر لذة للشاربين ) إنما خمر الدنيا ليست بلذة بدليل أنه يريد تفويت الجرعة منها إنما كأس المانجو أو الليمون يتم شربه بلذاذة عن طريق حاسة الذوق فى اللسان والتى هى للطعام والشراب أما بقية الأشياء حاستها فى الجلد فالقرآن أتى بهذه المسألة من القرن / 20 .

( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ) فكأن عند احتراق الجلد لا يشعر الإنسان إنما مركز الاحساس الجلد ولذلك ستشهد عليهم الجلود / ونادوا يا مالك ليقضى علينا ربك / ففى سورة ( يس ) ( إنكم ماكثون ) وفى قراءة ( يا مال ) فى شىء اسمه ( يا مالك ) وخلاص كله فى هذا الحرف وفى حاجات تبقى معجم ( يا مال ) وتسقط حرف ( ك ) فالذى ينظر إلى ( ك ) يأتيه فيقول ( يا مال ) ( ونادوا يا مالك ليقضى علينا ربك ) أنتم تأمرون ربنا ولا بتدعوه فيوجد فرق بين الأمر والدعاء والالتماس كلهم طلب لكن الأمر لا يكون إلا من أعلى لأدنى لأن عندما تأمر المساوى تقول له علمنى لماذا أعمل هذه العملية إنما الأمر من أعلى لا يريد المناقشة فعندما يكون مساويا الأمر فتقول له إنك تلتمس للأنا  أراه أما الأدنى فلا تقول لا لا أمر ولا التماس هذا دعاء من الأدنى للأعلى أن يكون فعند الامتحان نقول لأحد الطلاب اعرب : ربى اغفر لى يقول رب منادى واغفر فعل أمر لأنها لله اغفر دعاء لا أمر ولا التماس ( ليقضى علينا ربك ) قال ( إنكم ماكثون ) ونحن لم نظلمكم ( لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ) ( وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ) يقول الله لرسوله أنت تعامل الناس الكارهين للخير ولا يأتى رسول إلا وقد فسد زمانه واستشرى الفساد فيأتى ليعالج الفساد وهم أهل الفساد بترفهم ونعيمهم فيعادوه أم لا ؟ لازم يعادوه لماذا ؟ لأنه سيخرجهم مما ألفوه واشتهت أنفسهم من السيطرة والجاه والجبروت ولذلك سيعملوا معه كل حاجة يؤذوه فى ذاته ولا يتركوه يصلى وأتوا بالجزور ورموه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكسروا رباعيته فى الله لم يشج رأسه إذن آذوه فى ذاته وآذوه فى معناه ( يا كذاب يا ساحر يا مجنون يا مفترى ) آذوه فى معانيه وتحمل هذا وتحمل ذلك وبعد ذلك أتوا بالمواجهة والمكر ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك ) يجعلونك فى سجن لا تتحرك ( أو يقتلوك أو يخرجوك من الديار ) ( ومكروا ويمكرون ويمكر الله ) مكروا بيتوا المسألة فى الخفاء ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ) ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) ( أم أبرموا أمرنا ) فلا يقدرون علينا

( أبرموا أمرا ) ويبيتون له إنما الله عارف ما الذى سيفعلونه والله سيعمل الضد له ( إنما الله عندما يصدر أمرا ) فلا يعرفوا وده فعندما يبرموا فالله يعرف وعندما يبرم الله أمرا فهم لا يعرفوه ( هل يحسبون أن لا نسمع سرهم ) ما هو السر ؟ هو الذى تسر  به إلى واحد أو السر الذى إذا سمعت شيئا يصبح سرا عندك لا تعرفه إلا أنت فالله يعرفه أو النجوى التهامس مع بعض فالله يعرف ( وأسروا النجوى ) ( لا تتناجوا بالإثم ) ( أم يحسبون أن لا نسمع سرهم ونجواهم ورسلنا لديهم يكتبون ) فمسجل عند الله وعند الرسل فلماذا نسجله فى الكتب ؟ فالملائكة عندما يريدون حدث فى الكون ويعرفوا أن الله قد ذكره قبل أن يخلق الكون يعرفوا أن الله عليم حكيم حيث سيزدادون يقينا وإيمانا به ( قل ) أمر لرسول الله إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين والولد جزء من أبيه فالله مكون من أجزاء فالحق سبحانه وتعالى يقول لفظين من أوصافه بمعنى واحد ( واحد / أحد ) فواحد لا فرد آخر مثله إنما أحد هو فرد صحيح واحد إنما ليس مكون من أجزاء لأنه حينما يكون مكون من أجزاء فكل جزء فى حاجة إلى الأجزاء الأخرى فواحد لا فرد آخر مثله إنما أحد ليس له أجزاء وما دام ليس له أجزاء فليس له ولد لأن الولد جزء من أبيه ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فاطمة بضع منى ) فكل إنسان بضع من والده ووالده بضع من جده ومسلسل إلى آدم والله حى فتبقى حياة موصولة بحياة ففى كل إنسان شىء من حياة موصول من ملة آدم فلو قطعت فلا يوجد الإنسان أصلا فكل إنسان فيه جزىء لم تطرأ عليه حياة من لدن آدم لماذا ؟ ( وإذ أخذ ربك من بنى

آدم ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) فلا تقولوا يوم القيامة ( إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل ) فالذرة التى شهدت عهد الذر تتنبأ فيه لأنها سمعت كلام الله والذرة ( قل إن كان للرحمن ولد ) فالجن ناصحين عن الإنس لماذا ؟ لأن الجن جنس كالإنس ولكن له قوانين أخف من قوانين الإنس حيث يقطع الجن المسافة فى زمن قصير جدا ويدخل من الجدار ويتمثل فى الشىء الذى يريده إنما يوجد فيه تفاوت فى التكوين ( قال عفريت من الجن ) فالجن فيها عفاريت كالإنس فلم يأت إلينا بجن وإنما بعفريت يقال هذا فلان عفريت فيه أقوى من الجنسية فالجن شاطر قوى حينما قال ( وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) أى أنه من عظمة الله أنه لم يتخذ صاحبة ولم يتخذ ولد ( من أزواجكم وأولادكم عدو لكم ) فالولد فأحسن طريقة فى الزواج أن تتزوج مبكرا فقلنا لماذا ؟ قال لتنجب أبا يعولك فى طفولة الشيخوخة سبحان : تنزيها لله عما يدور فى خاطر الإنسان ولذلك لا تأتى كلمة سبحان إلا فى شىء تقف فيه العقول ( سبحان الذى خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا تعلمون ) فالسالب والموجب فى الكهرباء فالحق سبحانه وتعالى يعطينا الأمور أن الزمن يثبت صدق الله فيها سبحان فيها فالاسراء والمعراج فيه مخالفات كثيرة للكونيات فالمسافة بعيدة والزمن قليل ( سبحان الذى أسرى بعبده ) محمد أسرى به فالفاعل الله .

( سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون ) سبحان دائرة فى القرآن مدار الزمن كله ودائرة فيه قبل الزمن كله الحق سبحانه وتعالى حين يقول سبحان يقول سبحان قبل أن يوجد من يسبح سبحان ذاتية قبل أن يوجد المسبح فلما أوجد المسبح ( السموات والأرض ) ( سبح لله ما فى السموات والأرض ) وفى سورة أخرى ( سبح لله ما فى السموات وما فى الأرض ) إنما سبح لله ما فى السموات والأرض وهل سبح وانقضى تسبيحه ( يسبح لله ما فى السموات والأرض ) فى الحال والاستقبال ( سبح / يسبح ) هذا هو الزمن وقبل ذلك قال هو سبحان منزه قبل أن يوجد من يسبح ولذلك هو موصوف بالخالق قبل أن يوجد من خلقه لأن ما خلق إلا لأن الصفة فيه فصفاته موجودة فى ذاته قبل أن يوجد من يسبح فسبحان تنزيه لذات الله عز وجل ( سبح لله ) لما خلقه وهل انقطع التسبيح ؟ / يسبح لله ما فى السموات وما فى الأرض / أيها الإنسان ( ما فى السموات وما فى الأرض ) مسخر لك لأنه قال يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك وخلقتك من أجلى فلا تشتغل بما هو لك عما أنت له إذا كان التسبيح له ذات قبل أن يوجد المسبح ثم لما خلق سبحت السموات والأرض ( وتسبح السموات والأرض ) سبح باسم ربك ولذلك قال ( سبح باسم ربك الأعلى ) له تسبيح قبل أن يوجد من يسبح ولما خلقه سبح أسبح ويسبح للحال والاستقبال فسبح أيها الإنسان الذى خلق الأشياء من أجلك ( سبح باسم ربك الأعلى ) ( سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون ) أى من اتخاذ الولد سابقة ( فذرهم ) دعهم واتركهم فى خوضهم كلمة خوض الأصل فيها أن يخوض الإنسان فى الماء الكثير وهذه معروفة أن يخوض الإنسان فى الماء الكثير وبعد ذلك استعملت فى الخوض فى أى شىء خضت فيه ولكنه غلب الخوض فى الباطل الخوض أصله الدخول فى الماء الكثير لكن الدخول فى الماء الكثير أنت تسير فى المياه وأرض البحر غير مستوية بها عال وواطى فلابد أن تتحسس الخوض قبل الدخول فى ماء البحر ولذلك لا بد من تحسس المواقع والنسب الموجودة فى ماء البحر فلا بد من تغليبه فى الخوض فى الباطل فقال لهم ( ذرهم يخوضوا ويلعبوا ) أنا آمرهم وهم يجدون فى الحياة وهم بيلعبوا فما هو اللعب والجد واللعب واللهو فيوجد لعب فاللعب هو أن تفعل شىء لا فائدة له إلا التسلية أو الدربة على العمل إنما قبل التكليف فإذا كلف الطفل الذى كان يلعب بألعابه إذا كلفوا إذ عمل حاجة غير مكلف بها يصبح لهو ( إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا من حولك ) فاللهو أن تشتغل به بلعب ما يفيد عن واجب مطلوب منك ( اللهو ) .

اللعب : لا شىء مطلوب منك حتى الأن / فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذى يوعدون / فأنا لم أتركهم إنما نبهتهم فيه وعد يعد وأوعد يوعد  وعد : بالخير  و أوعد : بالشر ( يوعدون ) من يوعد من ؟ من أوعد أم من وعد فالوعد بالخير فلما وعدهم وقال لهم إن فعلتم كذا ستذهبون للنار فنصحهم قبل أن يفعلوا فقد قدم لهم خدمة ( خير ) ففى آية الرحمن ( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ) فالتعليم بعد الخلق فقد تم الرد فالتعليم قبل الخلق لأنه قبل أن يخلق عارف الغاية له ووضع له المنهج كالصانع الذى يصنع الصنعة قبل أن يصنعها هو عارف ما الذى سيصنعه وكيف يعالجها إن فسدت فترتيب المنهج من الغاية والصيانة معمول قبل بداية الخلق فلم يخلقهم ثم عمل لهم المنهج من القبل وهو عملهم المنهج فقول الله سبحانه وتعالى ( خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار فبأى ألاء ريكما تكذبان ) لأن الخلق نعمة ( رب المشرقين ورب المغربين ) نعمة ( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ) نعمة فيقول بعدها

( فبأى ألاء ربكما تكذبان ) / إنما يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران /  ما النعمة فى هذه ؟ فيقول بعدها ( فبأى ألاء ربكما تكذبان ) وما دام يوعد لى ويقول يوجد كذا وكذا وكذا قبل أن يخلق فقد عمل فى خير والنعمة أنه وعظنى قبل أن يخلقنى فهذه نعمة ( فبأى ألاء ربكما تكذبان )

( فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذى يوعدون ) لا تذهب نفسك عليهم حسرات لأننا سنراضيهم وأنت حى نبين الذلة والهزيمة كما فعل لك فى موقعتى بدر وحنين ( فإما نذهبن بك ) تموت ما الذى يحصل ؟ لما تذهب أو أنت تموت فيأتى من بعدك ( وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله وهو الحكيم العليم ) فالله ليس له مكان يسعه لأن المكان خلقه والمخلوق لا يسع الخالق ولذلك لا تقول متى وأين ؟ لأن متى للزمان وأين للمكان والزمان والمكان مخلوقان لله فلا تستعملهم مع الله ( وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله ) فلا يحدث ذلك فتقول فلان فى البيت رجل وفى الشارع رجل يعنى صفة ذاتية لا تفارقه فالكمال لا يفارقه هنا أو هناك ( فى السماء إله وفى الأرض إله ) الأرض للعبيد الذين يسكنوها ( وفى السماء إله ) للملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون جاء هنا إشكال من المستشرقين قالوا إنكم تقولون عندكم أن النكرة إذا أعيدت كانت غير الأولى كما تقول لقيت رجلا وأكرمت رجلا هل أكرمت نفس الرجل أم رجل آخر إنما لقيت الرجل فأكرمت الرجل ( هو هو ) فالنكرة لما تعاد تصبح شيئا آخر والمعرفة إذا أوعدت تصبح شيئا من

( 2 ) ( وهو الذى فى السماء إله ) وهنا نكرة ( وفى الأرض إله ) نكرة فهذا دليل على أنه غير الأول ( وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله ) فلم يقل ( وهو الذى فى السماء الإله وفى الأرض الإله ) لا فالنكرة إذا أعيدت أفادت شيئا آخر والمعرفة إذا أعيدت كانت عين الأولى لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قرأ ( إن مع العسر يسرا ) ( العسر ) معرفة و ( يسر ) نكرة ( إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) لما العسر يأتى بالتعريف عين الأول ولكن يسر جاءت نكرة فهى غير الأولى ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استنباطا من الآية لن يغلب عسر لأنه واحد يسرين لأنهم ( 2 ) فيوجد الاسم الموصول وهو ( الذى ) معرفة وهو صلة الموصول ال ( 2 ) فلم يحدث تكرير ( وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله ) ( الذى ) الاسم الموصول معرفة فلا يوجد تكليف لأن إله صلة الموصول والثانية صلة الموصول لمن ؟ لمعرفة وهو واحد .

( وهو الحكيم العليم ) الحكيم هو الذى يضع الشىء فى موضعه والعليم العليم بما يصلح خلقه وبما يعينهم على معاشهم ويعينهم على معادهم فما كان الله ليعطيهم مقومات المادة من الطعام والشراب والهواء ثم يترك قيمهم بدونها فلا بد من أن يأتى منهج ليكلفهم به ولذلك قلنا إن البدن الله قال روح ( ونفخت فيه من روحى ) آدم عليه السلام والقرآن سماه روح فالروح التى فى البدن لها ميعاد قد تموت فيه إنما الروح القرآنى حياة خالدة فلا تموت أبدا ( وتبارك الذى له ملك السموات ) تبارك لفظ وحيد لا اشتقاق فيه لا مصدر ولا فعل ماض ولا مضارع ولا أمر ومعنى تبارك من البركة يعنى قدر الله عالم وعطائه كثير لأن البركة معناها أن الشىء الذى لا يكفى ( 3 ) إنما يكفى ( 10 ) يقول هذا مبروك فواحد يقبض مبلغا من المال وحياته منظمة وأولاده متربيين يقال له إن الله مبارك له فالبركة أن يعطى الشىء القليل الكثير الذى لا ينتظر منه ( تبارك الذى له ملك السموات والأرض ) فكلمة تبارك بها أمر يدل على أن هذا القرآن توقيفى حتى فى كتابته ( تبارك ) كلها بألف وتأتى تبرك بدون ألف فهذا أمر توقيفى كلمة اسم فى القرآن كله باسم بدون ألف لأن فيها همزة وصل فهمزة الوصل أثناء الكلام تحذف وفى بدء الكلام توجد فباسم فى كل شىء محذوفة فى همزة الوصل إلا فى آية واحدة ( إقرأ باسم ربك ) توجد فيها ألف لماذا ؟ دليل على أن هذا الأمر أمر توقيفى ( وتبارك الذى له ملك السموات والأرض وما بينهما ) وأول السورة المقرءوة هناك ( له ما فى السموات وما فى الأرض ) فهذا الظرف وذلك المظروف ( وما بينهما ) يأتى فى آية أخرى فيقول ( وما تحتها ) ولذلك الحق سبحانه وتعالى يتكلم فى سورة طه ( وما تحت الثرى ) وتبين أن تحت الثرى هذه هى التى فيها خيرات العالم كله فكل الخيرات آتية من تحت الأرض فسيادة الكون وأصحاب المال هم الذين يبحثون تحت الأرض فى الصحراء ( المياه ) وتزرع الصحراء وأرض الجبال تظهر المعادن من جميع الأنواع ( الجواهر الكريمة ) كالماس ففيه مطمورات الخير فى الوجود كله على حسب مراحل الإنسان فى التطور وفى الارتقاء فالحق سبحانه وتعالى يريد أن ينبهنا أن ما تحت الثرى أى افحتوا وستلاقوا ولذلك علماء الحفريات هم الذين يسيرون فى البلاد ليحفروا ويلاقوا مواد وجواهر كثيرة كالياقوت ( السماء والأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) والذين يرونه فى البحر هل سيخرجوه لأنه داخل فى تعريف الأرض لأن الأرض كلها شاملة اليابسة والماء والماء ثلاثة أرباع الأرض واليابسة ربع الأرض ( وتبارك الذى له ملك السموات والأرض وما بينهما ) فكل هذه الأشياء قد تغرى الإنسان الموجود فى الكون يا أيها الإنسان إذا صادفتك نعمة من نعم الله فإياك أن تغتر بها ) فتدخل فى قوله ( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) وخذ بالك لماذا وعنده علم الساعة وأنت لا تعرف ميعاد قيام الساعة ؟ فمرة الساعة يراد بها القيامة ومرة الساعة يراد بها الموت من مات فقد قامت قيامته لأنه عندما يموت تكون الدنيا قد انتهت بالنسبة له ولما يموت لا يزاول عمله ولما يموت فلا يمر عليه زمن ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) فإذا مت فكأن القيامة قامت ( وإليه ترجعون ) فكل شىء منه خلقه ومنه تربية مادة ومنه إنزال قيم وتأتى إليه وإليه نرجع فالذى يأخذ مدلولات من ويستعد بها وإليها هو هذا اللانائم ( ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة ) ( الذين يدعون من دونه ) من هم ؟ الأصنام والشمس والقمر لا تملك لهم شفاعة فالعبادة التى يقولوا بها عبادة باطلة ولا يصح تسميتها عبادة لماذا ؟ لأن العبادة طاعة العابد لأوامر المعبود فما هى أوامر الصنم ؟ وما هى أوامر الشمس ؟ وما هى أوامر القمر ؟ وما هى أوامر الشجر ؟ فلا يوجد أى أوامر من هؤلاء فكلمة ما نعبدهم خطأ لأن العبادة إطاعة العابد للمعبود فيما يأمر وفيما ينهى وهذه الأشياء ليس لها أمر فتسميتها عبادة خطأ ( ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة ) ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) لماذا لا يملكون الشفاعة لأنهم كانوا السبب فى ضلال هؤلاء السبب فى ضلال من ضل فى عبادته ( ولا يملكون الشفاعة عند الله بل فى الدنيا كذلك فعند أخذ الذبابة شىء من طعام الإنسان هل يستطيع الإنسان استردادها من الذبابة لا فالحق سبحانه وتعالى يقول ( ضعف الطالب والمطلوب ) ( إن الذين تعبدون من دون الله لم يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ) ولا يملك الذين يدعون من دونه من الأصنام والأوثان الشفاعة فالشفاعة أن واحدا يشفع لهم عند الله فمن الذى يشفع عند الله فالجيد لا يرضى الشفاعة لهم وكذلك الردىء لا يرضى الشفاعة لهم فالشفاعة باطلة من كل ناحية فالشفاعة من المنسوبين لله بالتقوى لا يرضى عنهم وإن كان منهم فالله لا يقبل له الشفاعة فهذا كلام باطل ( ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة ) فمن الذى يشفع ؟ فالشفاعة لمن شهد بالحق فلما يشفع لأحد ولكن بإذن الله ( من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه ) فالشفاعة أن يتوسط أحد لمن يملك أمرا على غيره فيشفع له بأن يكف عنه الأذى أو يجلب له الخير هذا هو الشفيع ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ) ( الانفطار 19 ) ( يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا و لا هم ينصرون ) ( الدخان 41 ) ( ولا يؤخذ منها شفاعة ) وفى آية أخرى ( لا يؤخذ منها عدل ولا تنفعها شفاعة ) لأن هناك شافع وفيه مشفوع عنده والمشفوع له فالشافع هو الذى يتوسط له والمشفوع عنده هو الذى يتوسط عنده والمشفوع له هو الذى يقول له اشفع لى فهم ( 3 ) لم يفطنوا إلى مرجع الضمير ( لا تجزى نفس عن نفس ) فالمشفوع عنده واحد والشافع والمشفوع واحد ( لا تجزى نفس عن نفس ) فيوجد نفسين ( لا تجزى نفس ) الشافعة ( عن نفس ) المشفوع له ( لا تجزى نفس عن نفس شيئا ) لما يكون المشفوع له عنده ذنب يقول أنا أدفع تعويض عن الذنب فلا يمكن أن نأخذ منها ولما لا يجد يذهب لأحد آخر يقول له اشفع لى ( الأول ) ( لا يؤخذ منها عدل ) مرة الشافع ومشفوع له فالشافع متى يجىء ؟ لما أنت لا تستطيع حل المسألة فلما لا تستطيع حل المسألة افرض أننى عملت حاجة وقلت لله خذ العدل منى خذ الغرامة ( لا يؤخذ منها عدل ) فلما لا يؤخذ منها عدل لا تيأس تذهب لأحد ما كبير وتقول له اشفع لنا عند ربنا فلم يأخذ منها العدل ( لا تنفعها شفاعة ) أما الأخرى النفس الثانية تقول فلان يستشفع بى عندك وفلان هذا ماذا عمل عمل كذا وكذا وكذا أنا أشفع له لا تقبل شفاعته أنت غير قابل شفاعته أنا أدفع عنه كل ذنوبه ( ولا يؤخذ منها شفاعة ) فيه شافع وفى مشفوع والاثنين غير متكررين على معنى واحد وذلك بمرجع الضمائر فى كل ( ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة ) إلا من شهد بالحق وهم يعلمون أنه من كان عندهم من شهد بالحق ولا ليس عندهم فإن كان لديهم من شهد بالحق لا يرضى أن يشفع لهم وإن كان شفع لهم فإن الله لا يقبل شفاعته فتصبح شفاعة باطلة ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) ( ولئن سألتهم من خلقهم ) وفى آيات أخرى ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ولئن سألتهم من أنزلنا من السماء ماء ليقولن الله ) فكل حاجة الله الله وما دمتم أنتم مؤمنين بهذا فأنتم لماذا لا تؤمنون به ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) فكيف ينصرفون عن هذا مع أن هذا بشهادتهم هم وخلق لهم قوتهم وخلق لهم السموات والأرض وخلق لهم المطر فما هى المسألة ؟ ( فأنى يؤفكون ) فتنصرفوا عن هذا مع أنتم الذين شهدتم بهذا الذين شهدتم بالحق ولذلك الحق سبحانه وتعالى يقول فى سورة البقرة بالنسبة للذين يكفرون بالله أمرهم عجيب ما حيثيتهم فى الكفر بالله ما دواعى الكفر عندهم هذه مسألة عجيبة كيف تكفرون بالله قولوا لنا كيف تكفرون بالله مسألة لا تدخل العقل بعدما تعرف أنه خلق كذا وكذا فكيف تكفرون به ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون ) يعنى كيف يعرفون ( وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ) قيل هى المصدر لقال لأن قال قولا وقال مقالا وقال قيلا القال يأتى على ( 3 ) ( القول / المقال / القيل ) فالله قال ( من أصدق من الله قيلا ) جاء بالمصدر الغريب قيلا  ( قيله بمعنى قوله ) قول من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيله يا رب هو لما دعى ماذا قال ؟ قال يا رب الناس عذبونى فى ذاتى إيذاء وبمعناى صفاتا وبهدلونى ورمونى بالحجارة قال يا رب إن الناس كذبوا على وقالوا ساحر ومجنون وشاعر وكاهن يا رب الناس آئتمروا بى وحاصرونى أنا وقومى فلم يأت بشىء من حاجاته أبدا إنما الذى أحزنه ( وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ) كأن الذى حدث فى نفسه لا مع الذى حدث له فى ذاته ولا مع الذى حدث له فى أوصافه الشاذة ولا مع الذى حدث له فى البتر به فلا شىء من هذا يحزنه إنما الذى يحزنه عدم إيمانهم بالله فكأن غيرته على الحق والإيمان به نفسه انتهت المسألة لماذا ؟ لأن النبى نهى الإنسان أن يكون غضبته لنفسه بل يجب أن يكون غضبته لله عز وجل ( إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ) فهذا الذى يحزنه ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) وفى سورة الشعراء ( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ) ( إن نشأ ننزل عليهم آية من السماء فظلت أعناقهم لها خاضعين ) فالملائكة ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) إنما أنا لا أريد قوالب تسجد لى وتعبد إنى أريد قلوبا تحب ذاتى ( وقيله يا رب ) يا رب ماذا تعمل ؟ ( إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ) لأعذبنهم عذابا يشفى صدرك منهم فلما يقول لك هذا ولم يفعلوا اصفح عنهم لماذا ؟ لأن لما تصفح عنهم فإن بعضهم سوف يأتى لك مؤمنين كخالد بن الوليد سيف الله المسلول وعمرو بن العاص وكثير منهم فاصفح عنهم بقوله ( اصفح الصفح الجميل ) فلا تغضب لأن غضبك سيؤثر فى تكوينك فأخرج المسألة من قلبك لأن لك رب سيدافع عنك ( فاصفح عنهم ) لماذا ؟ لأن منهم من قد يؤمن ويصبح نافعا للإسلام ولعدم اغضاب نفسك فتؤثر عليك وعلى الدعوة فاصفح عنهم فالحق سبحانه وتعالى يقول ( اصفح الصفح الجميل ) ما هو الصفح الجميل ؟ لأن الذنب عندما يعمل يراد الانتقام منه فيكظم غيظه إنما الغيظ بمعنى كظم غيظه إنما ليس له عملية نزوع لأن المشاعر الإنسانية ( 3 مراحل ) ( 1 ) تدرك أشياء ( 2 ) وتجد فى نفسك عنها شيئا وتنزعه فتراها منظرا جميلا انظر ما شئت وأعجب بما شئت إنما لو حاولت قطفها فليست لك فالشرط لا يتعرض للاضرار ولا يتعرض للمواجيد التى تأتى نتيجة للاغراء إنما يتعرض للنزوع فساعة أخذ الشىء فهى ليست لك ففيه كظم غيظ وعفو عن ذنب وإحسان لمن أساء إليك لأنه جعل الله مراقبا إياه فى كل أعماله .

 

 

تفسير سورة الزخرف للشعراوى من ( كتب الشعراوى )

( حم ) ( 1 ) ( الزخرف ) من الحروف المقطعة فى بدايات بعض سور القرآن وأن لها حكمة مراده من الحق سبحانه نحوم حولها ثم نقول : والله أعلم بمراده .

( والكتاب المبين ) ( 2 ) ( الزخرف ) الواو للعطف يعنى ( حم ( 1 ) والكتاب المبين ( 2 )

( الزخرف ) هما شىء واحد وهما قرآن يقسم الله به لكن فصل بينهما بالعطف لأن ( حم 1 )  نقرؤها ونؤمن بها ولا نعرف معناها بل نردها إلى المتكلم بها سبحانه أما ( الكتاب المبين 2 )

( الزخرف ) أى : الواضح البين المظهر للأشياء لذلك نفهمه ونعرف معانيه .

( إنا جعلناه قرءانا عربيا لعلكم تعقلون ) ( 3 ) ( الزخرف )

هذا هو المقسم عليه فالحق سبحانه يقسم بهذه الحروف العربية وبالكتاب المكون من هذه الحروف .

( إنا جعلناه قرءانا عربيا لعلكم تعقلون 3 ) ( الزخرف ) سماه كتابا لأنه مكتوب فى السطور وسماه قرءانا لأنه مقروء ووصفه بأنه عربى ليؤكد على أنه نزل بلسان القوم كما قال سبحانه ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم .. 4 )

( ابراهيم ) .

إذن لا بد أن يكون الرسول بلسان قومه ليفهموا عنه ولتتم عملية البلاغ فإن قلت فكيف إذن أرسل محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة على اختلاف لغاتهم ؟

نقول أرسل بلسان قومه الذين عاصروه وباشروا تلقى توجيهاته الأولى فلما فهموها واقتنعوا وآمنوا بصدقها حملوها إلى غيرهم من الأمم وساحوا بها فى أنحاء الأرض حركة وعملا وسلوكا وتطبيقا .

هذا معنى الرسالة إلى الناس كافة فالاعجاز فيها فى السلوك العملى والتطبيق لذلك يقول لنا التاريخ إن الإسلام انتشر فى البلاد بالسلوك القويم الذى بهر الناس جميعا فدخلوا فى دين الله أفواجا وأقرأ

( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين 33 ) 

( فصلت ) .

ويقول سبحانه عن هذه الأمة ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا 143 ) ( البقرة ) وهكذا كلف الخلفاء جميعا بحمل هذه الرسالة فالرسول يشهد أنه بلغنا والأمم الأخرى تشهد أننا بلغناهم .

إذن باللغة فهمت هذه الأمة وترجمت هذا المنهج إلى عمل فتحولت من أمة أمية جاهلة لا نظام لها ولا قانون إلى أمة راقية جذبت إليها أرقى أمم الأرض مثل فارس فى الشرق والروم فى الغرب لقد زلزلوا هاتين الحضارتين حينما طبقوا تعاليم المنهج الذى جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم هذا هو الذى لفت الأنظار إلى الإسلام .

لذلك عندما نتأمل فى سورة سيدنا ( يوسف ) عليه السلام نجد هنا النموذج العملى التطبيقى للإيمان إقرأ ( ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إنى أرانى أعصر خمرا وقال الآخر إنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين 36 ) ( يوسف ) .

لقد نال يوسف هذه المنزلة وصار مقصدا للسائلين لماذا ؟ لأنه وصل إلى درجة الإحسان وهى القمة فى التطبيق العملى للمنهج الذى جاء به ثم يوضح هو هذا المسلك العملى الذى أوصله إلى منزلة التأويل فيقول سبحانه ( قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأوبله قبل أن ياتيكما ذلكم مما علمنى ربى إنى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون 37 واتبعت ملة آبائى إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شىء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون 38 ) ( يوسف ) .

يعنى لوفعلتم مثلى لأصبحتم قادرين على فهم الرؤيا وتأويلها مثلى تماما هذا المسلك العملى هو نفسه الذى جعل سيدنا يوسف عليه السلام يستغل الفرصصة ليؤدى مهمته الدعوية ققبل أن يعطى السائلين ما أرادوا أعطاهما ما أراد هو أولا من الدعوة إلى الله وهما فى وقت الحاجة إليه والاستماع لكل كلمة يقولها .

لذلك نراه يسرع بهذا الملخص الإيمانى العقدى فيقول ( يا صاحبى السجن آآرباب متفرقون خير أم  الله الواحد الفهار 39 ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآبائكم ما أنزل الله بها من سلطان إذ الحكم إلا لله أمر لا تعبدوا إلى الله ذلك الدين القيم  ولكن أكثر الناس لا يعلمون 40 )

( يوسف ) .

ثم بعد ذلك يفسر لهما الرؤيا إذن سلوك بوسف  هو الذى لفت إليه الأنظار وكذلك السلوك الحق المستقيم فى كل زمان ومكان هو الذى يلفت إليك الأنظار ويجذب إليك القلوب .

( وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم 4 ) ( الزخرف ) .

 قوله تعالى ( وإنه 4 ) ( الزخرف ) أى الكتاب المبين الذى سبق وصفه وهو القرآن الكريم ( فى أم الكتاب 4 ) ( الزخرف ) أم الكتاب يعنى الكتاب الأصل أو اللوح المحفوظ الذى أخذت منه جميع رسالات السماء وسجل فيه كل الأحداث ( لدينا 4 ) ( الزخرف ) عندنا عند الله يعنى لم يعطه لأحد

وهذا يعنى أنه مصون محفوظ .

( لعلى 4 ) ( الزخرف ) أى فى ذاته والعلو الارتقاء لأنه هو الكتاب الخاتم لجميع الرسالات قبله والمهيمن عليها .

وهيمنة القرآن على الكتب السابقة أنه اتفق معها فى الثوابت العقدية والأعمال العبادية والأخلاق ثم نسخ من الرسالات مثله ما لا يناسب العصر ونفض عنها الفساد الذى لحق بها من تبديل وتغيير أو تحريف فالقرآن حكى عنهم أنهم نسوا حظا مما ذكروا به وما لم ينسوه كتموه وما لم يكتموه حرفوه بل زادوا على ذلك كله ولم يقفوا عند حد التحريف إنما جاءوا بكلام من عندهم وقالوا هو من عند الله واقرأ ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله 79 ) البقرة

هذه هى هيمنة القرآن على ما سبقه من الكتب وعلوه عليها وقوله ( حكيم 4 )

( الزخرف ) الحكيم هو الذى يضع الشىء فى موضعه من حيث زمنه ومكانه الذى يناسبه فترى كل شىء فيه من منضبطا والقرآن هو الكتاب الذى ختمت به الكتب السماوبة ومحمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل جميعا فإن قلت فلماذا يحفظ الحق سبحانه كلامه فى أم الكتاب وهو سبحانه لا يضل ولا ينسى  ويحيط بعلمه بكل شىء ولا تخفى عليه خافية ؟

قالوا حفظ الله تعالى كلامه فى أم الكتاب ومحمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل جميعا فإن قلت فلماذا يحفظ الحق سبحانه كلامه فى أم الكتاب وهو سبحانه لا يضل ولا ينسى ويحيط علمه بكل شىء ولا تخفى عليه خافية ؟

قالوا : حفظ الله تعالى كلامه فى أم الكتاب من أجل الملائكة فحينما يرون اللوح المحفوظ يجدون فيه كلاما قديما تصدقه الأحداث ومواقف الناس فى الكون ويأتى الواقع وفق ما أخبر الحق فى كلامه فيزدادوا حبا فى الله وعناية به ويحكموا بأن الله هو العليم الحكيم .

هذا سر الكتابة لأنهم أى الملائكة سبق أن قالوا فى مسألة خلق الإنسان ( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون 30 ) البقرة

بعضهم قال فى ( أم الكتاب 4 ) ( الزخرف ) ليس هو اللوح المحفوظ لقوله تعالى عن القرآن ( منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات .. 7 ) ( آل عمران ) فأم الكتاب هنا آى الآيات المحكمات فقد يكون فى هذا المعنى تنبيه لنا بأن هذه السورة ( الزخرف ) من الآيات المحكمات ليس فيها آية واحدة من المتشابهات .

وقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم حكم المحكم والمتشابه فقال ما عرفتم منه فأعملوا وما لم تعرفوا فآمنوا به .

قال تعالى فى المتشابه ( وما يعلم تأويله إلا الله .. 7 ) ( آل عمران ) ونقف ثم ( والراسخون فى العلم يقولون آمنا به 7 ) ( آل عمران ) إذن نعمل بالمحكم ونؤمن بالمتشابه .

( أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين 5 ) ( الزخرف )

الهمزة هنا تحمل معنى الاستفهام الإنكارى ومعنى ( أفنضرب 5 ) ( الزخرف ) أى : نترك نقول ضربت عن العمل وأضربت عن العمل أى : تركته وامتنعت عنه ومنه أضرب العمال عن العمل فالحق يقول لهم أنترك تذكيركم ونعرض عنكم ونترككم هكذا هملا لأنكم أسرفتم على أنفسكم وكذبتم بالذكر وكفرتم به ؟

لا بل سنوالى لكم التذكير والبيان ونلزمكم الحجة والبرهان فإن لم تؤمنوا بالحجة ولم تصدقوا جاء دور الغزو والفتح والنصر عليكم حتى تؤمنوا وهذه رحمة من الله بهم لأنهم عباده وصنعته ويريد لهم النجاة وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها حتى وهم كافرون به .

فلو تركهم وما أرادو لتمادوا فى فسادهم واستحقوا الهلاك والعذاب والكافر حينما يؤمن يرحمه الله بالإيمان ويرحم المجتمع من شره وفساده إن ظل على كفره فالذكر والمراد به هنا الوحى رحمة من الله وخير يقدمه لعباده رحمة بهم .

لذلك قالوا إن كان لك عدو فلا تدع عليه بالهلاك إنما ادع له بالهداية لأنك لا تنتفع بهلاكه وإنما تنتفع بسلوكه ويعود عليك خيره إن اهتدى فثمار الخير تفيد المجتمع كله ومن هذا المنطلق نهانا الإسلام عن كتم العلم لأنك حين تكتم علما تحرم مجتمعك من خيره فحين تعلم غيرك تنتفع بخيره وتأمن شره .

إذن من رحمة الله بهم أن يوالى لهم نزول القرآن رغم عنادهم وكفرهم وتماديهم فى الضلال وفعلا ومع مرور الوقت وتتابع نزول الوحى أسلم صناديد الكفر واحدا بعد الآخر أسلم عمر وأسلم عمرو وخالد وعكرمة وغيرهم كثير .

ثم يقول لهم الحق سبحانه أنتم فى حاجة إلى قراءة التاريخ وأخذ العبرة من موكب الرسالات لتروا عاقبة المكذبين للرسل فتاريخ الرسالات يؤكد انتصار رسل الله على المكذبين لهم لأن هذه سنة الله فى الرسل أن ينصرهم الله فى النهاية وأن تكون العاقبة لهم على مكذبيهم يأخذهم الله على قدر تكذيبهم ( فكلا أخذنا بذنبه .. 40 ) ( العنكبوت ) وقد خاطبهم الحق سبحانه بقوله ( وإنكم لتمرون عليهم مصبحين 137 وبالليل أفلا تعقلون 138 ) ( الصافات ) يعنى المسألة ليست كلاما نظريا وإنما واقع معاش ومشاهد عليكم أن تعقلوه وأن تتعلموا منه الدرس حتى لا ينزل بكم من العذاب مثل ما نزل بهم .

( وكم أرسلنا من نبى فى الأولين 6 وما يأتيهم من نبى إلا كانوا به يستهزءون 7 ) ( الزخرف )

كم هنا تفيد الكثرة ( فى الأولين 6 ) ( الزخرف ) فى الأمم السابقة الذين كانوا يكذبون الرسل ويستهزئون بهم .

( فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين 8 ) ( الزخرف )

يعنى يا كفار قريش خذوا عبرة من الأمم السابقة وممن أهلكهم الله وكانوا أشد منكم قوة فلم تمنعهم قوتهم ولم تدفع عنهم عذاب الله ( ومضى مثل الأولين 8 ) ( الزخرف ) يعنى قصتهم وما حل بهم لأن هذا وعد الله للرسل .

( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين 171 إنهم لهم المنصورون 172 وإن جندنا لهم الغالبون 173 ) ( الصافات ) فلا بد أن تجدو عاقبة هذا التكذيب إما أن تهزموا فى الدنيا وإما أن يدخر لكم العذاب فى الآخرة .

( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولون خلقهن العزيز العليم 9 الذى جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون 10 ) ( الزخرف ) .

الحق سبحانه يريد أن يبين لهم انهم يكذبون رسول الله ويصادمون دعوته استكبارا وعنادا ولا يعتمدون فى ذلك على منطق العقل والحكمة ويأخذ هذه الحقيقة ويثبتها من لسانهم هم ( ولئن سآلتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم 9 ) ( الزخرف )

وفى موضع آخر ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله .. 87 ) ( الزخرف ) فهذه حقيقة لا ينكرونها ويعترفون بها لأن مسألة الخلق هذه لم يدعها أحد لنفسه ولم يقم لها منازع .

1 ) عجيب منهم أن يؤمنوا بأن الله هو الخالق وأنه عزيز وعليم ومع ذلك يقفون من رسول الله هذا  الموقف المعاند ثم لماذا لم يقولوا مثلا خلقهن الله لأنه ليس له منازع ووصفوا الحق سبحانه بالعزيز العليم قالوا لأنهم اتبعوا مناهج آبائهم وظنوا أنها الأحسن فقالوا ( بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا .. 170 ) ( البقرة ) فصدهم هذا عن اتباع الحق .

ومعنى ( العزيز 9 ) ( الزخرف ) أى الغالب الذى لا يغلب فهم إذن ردوا على أنفسهم فهم مهما عملوا فلا بد أن يغلبوا .

وقولهم فى وصف الحق  سبحانه ( العزيز العليم 9 ) ( الزخرف ) من باب أن المتكلم يمكن أن يزيد من عنده ما لم يلق إليه كما لو أنك أرسلت شخصا برسالة وقلت له إذهب إلى فلان هكذا بدون ألقاب وبدون أوصاف وقل له كذا وكذا .

فحين يذهب الرسول يقول والله فلان قال لى اذهب إلى الشيخ فلان أو الأستاذ فلان وقل له كذا وكذا فيزيد الوصف من عند نفسه كذلك هؤلاء يقولون ( خلقهن العزيز العليم 9 ) ( الزخرف ) لأنهم يعلمون أن الله تعالى عزيز وعليم .

ثم أراد سبحانه أن يبين لهم قدرته وعلمه فقال ( الذى جعل لكم الأرض مهلا .. 10 )  الزخرف / والمهد فى الأصل هو الفراش الممهد الذى يستريح فيه الطفل جلوسا أو نوما ومنه تقول طريق ممهد يعنى معد ومسوى بحيث يريح من يمشى عليه .

فالحق يشبههنا بالأطفال والطفل لا يستطيع أن يمهد لنفسه فلولا أن الله مهد لنا الأرض ما قدرنا نحن على تمهيدها .

( وجعل لكم فيها سبلا .. / 10 ) ( الزخرف ) يعنى طرقا تسلكونها وتنتقلون عليها من مكان لآخر لأن مصالح الخلق لأن مصالح الخلق تقتضى الانتقال من مكان إقامتهم إلى أماكن مصالحهم ( لعلكم تهتدون 10 ) ( الزخرف ) أى فى سيركم إلى مصالحكم وأغراضكم .

الحق سبحانه حين يمتن عليهم ببعض نعمه عليهم إنما ليرقق قلوبهم ويستميلهم إلى ساحته لعلهم يهتدون إليه ويؤمنون ويصدقون برسوله .

( والذى نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون 11 )

( الزخرف )

قوله ( من السماء .. 11 ) ( الزخرف ) أى من جهة السماء ( بقدر .. 11 )

( الزخرف ) بحساب معين ومقدار محدد حسب ما تقتضيه حكمة الله بحيث تتنفع بهذا الماء ونحى به الأرض دون منغصات لأن الماء قد يكون وسيلة إهلاك ودمار كما راينا فى قصة سيدنا نوح .

لذلك قيد نزول الماء هنا بقوله ( بقدر .. 11 ) ( الزخرف ) يعنى على قدر حاجتكم وعلى قدر ما يصلحكم لذلك علمنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول عند نزول المطر ( اللهم حوالينا لا علينا اللهم على الآكام والجبال والآجام والظراب والأودية ومنابت الشجر ) .

ومعنى ( فأنشرنا به بلدة ميتا .. 11 ) ( الزخرف ) أى أحييناها بالنبات كما قال سبحانه فى موضع آخر ( وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج 5 ) الحج / فالأرض الميتة التى لا نبات فيها لذلك نجد فى الفقه تجد باب إحياء الموات وفى الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أحيا أرضا مواتا فهى له ) .

وهذه قاعدة لو أخذت بها دول العالم لقضينا على الفقر ولعم الخير كل بقاع الأرض ولما وجدنا شبرا واحدا صحراء .

وعندنا فى مصر مثال واضح لما ضيقت الحكومة على الناس ومنعت انتشارهم فى الصحراء ازدحم الناس فى الوادى والدلتا وحدثت الفاقة ولم نستطع أن نوفر الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الزراعية

ولما سمحت الدولة بزراعة الصحراء وشجعت الناس عليها ماذا حدث ؟ رأينا الصحراء تخضر وتخرج لنا ما لذ وطاب من الخضر والفاكهة ومن يسير فى الطريق الصحراوى يرى ذلك .

وقد بين الحق سبحانه أن الماء ينزل من السماء فينتفع الناس به فى زراعة الأرض وما زاد عن حاجتهم تمتصه الأرض حتى يتكون بداخلها أنهار تحت سطح الأرض قال تعالى ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع فى الأرض .. 21 ) ( الزمر ) كلمة ( ميتا ) ميت بالسكون يعنى ما جرى عليه الموت بالفعل أما ميت بالتشديد فهو ما يحكم عليه بالموت وإن كان على قيد الحياة وتسألنى تفسير ميت بالسكون وميت بالتشديد فدونك قد فسرت إن كنت تعقل فمن كان ذا روح فذلك ميت بالتشديد وأما الميت إلا من إلى القبر يحمل ( ميت بالسكون ) ومن ذلك قوله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم ( إنك ميت وإنهم ميتون 30 ) ( الزمر ) وقوله تعالى / كذلك تخرجون 11 ) ( الزخرف ) يعنى مثلما نحى الأرض الميتة نحييكم ونخرجكم من قبوركم فخذوا مما تشاهدونه فى الأرض دليلا على ما غاب عنكم من أمور البعث وإحياء الموتى فحين نقول لكم إن الله يحييكم بعد موتكم فصدقوا .

( والذى خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون 12 ) ( الزخرف )  .

كلمة ( الأزواج .. 12 ) ( الزخرف ) جمع زوج والزوج هو المفرد الذى معه مثله والزوجان كل متقابلين مثل ( أبيض / أسود ) ( حلو / حامض ) ( فوق / تحت ) ( يمين / شمال ) والزوجية كما أخبر الحق سبحانه موجودة فى كل شىء ( ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون 49 ) الذاريات / ومنها ما نعلمه ومنها ما لا نعلمه لذلك قال هنا ( والذى خلق الأزواج كلها .. 12 )  الزخرف / كلمة ( كلها ) أى مما نعلمه كالذكر والأنثى ومما لا نعلمه .

وأهل الفكر والتدبر يقفون عند هذه الآية يلتمسون ما فيها من حكمة فالحق سبحانه يمتن بأن خلق الأزواج كلها ليثبت لنا أنه سبحانه فرد لا زوج معه فقانون الاستقصاء العلمى يقول إن الزوج يعنى الاثنين أو ما يقبل القسمة على اثنين .

فحين نأخذ الترتيب من أوله نقول إن الواحد الذى ليس له ثان واثنان يعنى واحدا انضم له واحد آخر .

إذن الاثنان كرقم يحتاج إلى الواحد أما الواحد فلا يحتاج إلى شىء إذن المفرد الحق هو الذى لا يحتاج لشىء وهذه لا تكون إلا لله عز وجل .

إذن الزوج يحتاج إلى الفرد والفرد لا يحتاج إلى الزوج .

وما دام أنه سبحانه خالق الأزواج كلها إذن هو فرد لا مثيل له والمتأمل يجد أن الزوجين مختلفين فى الصفات مثل الذكر والأنثى لكل منهما صفاته مع وجود صفات مشتركة بينهما .

فالصفات المشتركة تعنى أن لكل زوج منهما مثلا والصفات المختلفة تعنى أن كلا منهما فيه نقص عن الآخر والله سبحانه وتعالى فرد لا مثل له وكامل لا نقص فيه فكأن الآية تثبت أن الله تعالى فرد خالق لا يحتاج إلى شىء ويحتاج إليه كل شىء .

وقوله ( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون 12 ) ( الزخرف ) الفلك أى السفن ومن الأنعام التى تركب مثل الإبل كما قال سبحانه / وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس .. 7  

( النحل ) .

فالمعنى خلق لكم من الفلك والأنعام ما تركبونه لكنه قال ( ما تركبون 12 ) الزخرف / ولم يقل ما تركبونها ليطمر الفلك فى الأنعام والسفن لا نركبها إنما نركب فيها لذلك سماها ( الفلك المشحون 140 ) ( الصافات ) وقال ( حتى إذا كنتم فى الفلك .. 22 ) ( يونس ) .

إذن نحن نركب على الأنعام ونستوى على ظهورها ونركب فى السفن حتى السفن القديمة كان لها جدران وبداخلها مقاعد فما بالك بالسفن المكونة من أدوار مثل البيوت والتى وصفها القرآن بأنها كالأعلام .

لكن لماذا غلب الأنعام وطمر فيها السفن ؟ لا بد أن هنا حكمة لأن الحق سبحانه هو الذى يتكلم لذلك تجد كل لفظة فى موضعها بدقة تعبيرية فغلب الأنعام وقال ( ما تركبون 12 ) ( الزخرف ) لأننا نركب على الأنعام أما السفن ففى السفن .

ثم لأن الأنعام خلق الله المباشر والفلك خلق الإنسان كما أن الحق سبحانه يخاطب بهذه الآية العرب فى المقام الأول والعرب لم يكن عندهم دراية بالسفن ولا يركبونها إنما كانت وسائلهم فى الانتقال والحمل هى الأنعام فهى معهودة لهم .

( لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحن الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين 13 وإنا إلى ربنا لمنقلبون 14 ) ( الزخرف )

قوله تعالى ( لتستووا على ظهوره .. 13 ) ( الزخرف ) الاستواء هنا يدل على الراحة فبعد أن كنت تسير وتتحمل مشقة السير ركبت على دابة مذللة لك لذلك طلب منك أن تتذكر أنها نعمة من الله عليك تستوجب شكره وذكره والحذر من الغفلة عن تذكر النعم وشكر المنعم والدابة تسير بك على

( 4 ) قوائم تجعلها ممهدة لك سهلة السير .

والسفن تحتاج فى سيرها إلى ( 3 ) عناصر :

1 ) السفينة     2 ) البحر الذى تسير فيه     3 ) الهواء الذى يحركها

فساعة تسير بك تتذكر كل هذه النعم التى اجتمعت لك لتسير بك حيث تريد ثم يعلمنا ربنا عز وجل كيفية الذكر المناسب لهذه النعمه وهو أن نقول كما جاء فى القرآن  سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين 13 / ( الزخرف ) .

والنبى صلى الله عليه وسلم علمنا دعاء السفر والركوب وعلمنا أن نذكر الله كلما باشرنا عملا جديدا لذلك قال سبحانه فى قصة السفينة ( بسم الله مجراها ومرساها .. 41 ) ( هود ) وذكر الله هو الطاقة التى نستمد منها العون القوة على السفر أو على آداء العمل .

وأنت حين تدعوا بدعاء الركوب وتقول ( سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين 13 ) الزخرف / إنما تنفى عن نفسك الغرور وتعترف أنك تركب هذا المركب لا بقدرتك عليه إنما بقدرة الله الذى سهله لك وسخره لخدمتك ولولا أن الله سخره ما استطعت السيطرة عليه ولا اعتلاء ظهره

فالسفينة ربما تغرق بمن فيها والدابة ربما تنفق منك فى وسط الطريق إذن تذكر دائما قدرة الله فى هذه المسألة وبادر بذكر الله عند الركوب .

هذه الدواب التى تركبها وتحمل عليها ألك فضل فيها ؟ حتى السفن التى هى صناعة يدك لولا أن الله علم نوحا صناعة السفن ما كان الإنسان عرفها ( وحملناه على ذات ألواح ودسر 13 ) ( القمر ) وقال ( واصنع الفلك بأعيينا ووحينا .. 37 ) ( هود ) فالفكرة الأولى فيها من الله عز وجل .

تذكر أن الحصان الذى تركبه والجمل الذى تحمل عليه أقوى منك وإذا حرن لا تستطيع السيطرة عليه لذلك قال تعالى فى هذه الدواب ( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون 71 وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون 72 ) ( يس ) فلولا أن الله ذللها ما ذللناها .

إن الطفل الصغير يقود الجمل ويركبه وينيخه والجمل يطاوعه فى يسر وسهوله صحيح منظر يدعوك إلى التأمل فى قدرة الله الذى سخر هذا المخلوق الضخم لخدمة هذا الطفل الصغير الذى لا يقدر على شىء .

وفى المقابل تجد البرغوث مثلا يقض مضجعك ويقلقك طوال الليل ولا تستطيع أن تفعل له شيئا لماذا ؟ لأن الخالق سبحانه سخر لك هذا ولم يسخر لك ذاك فتأمل ولا تظن أنك تركب هذه المراكب بقوتك ولا بقدرتك عليها .

ومعنى ( وما كنا له مقرنين 13 ) ( الزخرف ) أى : مطيقين أو غالبين يعنى ليس لنا قدرة عليه ولا سيطرة ولا تحكم إلا بتسخير الله له ( وإنا إلى ربنا لمنقلبون 14 ) ( الزخرف ) أى راجعون وآيبون .

( وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين 15 ) ( الزخرف )

قوله سبحانه ( وجعلوا له من عباده جزءا .. 15 ) ( الزخرف ) إشارة إلى الذين نسبوا إلى الله تعالى الولد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ذلك لأن الولد جزء من أبيه وفى الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم ( فاطمة بضعة منى ) يعنى قطعة منى .

ولما نسبها لله تعالى الولد مرة سموه ابن الله ومرة قالوا الله ومرة قالوا ثالث ثلاثة والعجيب أنهم وقعوا فى هذا الخطأ مع من ؟ مع النبى الذى أرسله الله إليهم فجعلوا النبى ذاته وسيلة للشرك .

2 ) أن الجزء المنفصل عن الأبوين إما ذكر وإما أنثى ومعلوم أن الذكر عندهم أشرف من الأنثى ومقدم عليه بدليل قوله تعالى ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم 58 يتوارى من القوم من سوء ما بشر به .. 59 ) ( النحل ) .

وهؤلاء لما نسبوا لله تعالى الولد نسبوا له الأنثى وهى مذمومة عندهم تعلمون قصة أبى حمزة لما تزوج من إمرأة لا تلد ذكرا فهجرها إلى غيرها وهكذا أخبرت المرآة العربية قديما ما أثبته العلم الحديث من أن المرأة غير مسئولة عن الذكورة أو الأنوثة فى الولد فهى متلقية وحاضنة والرجل هو المسؤول عن هذه المسألة .

والقرآن يقول ( وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى 45 من نطفة إذا تمنى 46 ) ( النجم ) والنطفة هى ماء الرجل الذى يلقح البويضة ويتحكم فى الذكورة والأنوثة .

ولأن نسبة الولد إلى الله تعالى أمر عظيم وفادح ذيلت الآية بقوله سبحانه / إن الإنسان لكفور مبين 15 ) ( الزخرف ) تأمل دقة التعبير هنا الذى يناسب فداحة الاتهام ف ( إن ..  15) للتوكيد و ( لكفور 15 ) ( الزخرف ) صيغة مبالغة من كافر و ( مبين 15 ) ( الزخرف ) يعنى بين وواضح الكفر فكفره لا يخفى على أحد

( أم اتخذ مما يخلق بنات واصفاكم بالبنين 16 ) ( الزخرف )

الحق سبحانه يرد عليهم بهذا الاستفهام الذى يفيد التعجب ( أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين 16 ) ( الزخرف ) يعنى أيعقل وهو سبحانه الخالق أن يصطفيكم بالبنين وهم الجنس الأعلى ويختص نفسه بالبنات وهن الجنس الأدنى ؟

وفى موضع آخر يقول سبحانه ( ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون 62 ) ( النحل ) ثم يعطينا الحق سبحانه الدليل على كذبهم وافترائهم عليه .

( وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم 17 )

( الزخرف )  

قوله تعالى ( بما ضرب للرحمن مثلا .. 17  ) ( الزخرف ) كناية عن البنات اللاتى نسبوها إلى الله وجعلوها مثيلا له سبحانه لأن  الولد مثيل لأبيه وجزء منه وهم فى حين ينسبون لله البنات يكرههن ويسود وجه الرجل منهم إذا بشر بالبنت .

( وهو كظيم 17 ) ( الزخرف ) يعنى يملؤه الغيظ والنكد والغم إذن كيف تنسبون لله ما لا تقبلونه لأنفسكم لذلك عبر القرآن عن هذه المسألة بأنها قسمة جائرة ظالمة فقال تعالى فى سورة النجم ( ألكم الذكر وله الأنثى 21 تلك إذا قسمة ضيزى 22 ) ( النجم ) واختار هذا اللفظ الغريب الذى لم يأت فى القرآن إلا مرة واحدة ليدل بغرابة اللفظ على غرابة القول الذى قالوه .

( أومن ينشؤا فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين 18 ) ( الزخرف ) .

الهمزة هنا للاستفهام يقول سبحانه أتستوى عندكم البنت التى تنشأ فى الحلية بالولد ومعنى ( أو من ينشؤا فى الحلية .. 18 ) ( الزخرف ) يعنى تربى فى الزينة والرفاهية فالبنت عندنا مثلا نهتم بها وبملبسها ومظهرها نلبسها الحلق والاسورة والثياب الجميلة على خلاف الولد .

( وهو فى الخصام ..  18 ) ( الزخرف ) أى فى مواقف الجدل والدفاع ( غير مبين 18 ) / الزخرف  يعنى ليس له قوة فى إظهار الحجة .

إذن البنت التى نسبوها لله تربى على الرفاهية والنعمة ولبس الحرير والذهب والزينة لأنها خلقت للاستمالة ونحن نحرص على مظهر البنت وشكلها وتزينها أولا وأخيرا لتتزوج .

وفى الغالب نلجأ للزينة والجمال الصناعى حينما لا يتوفر للبنت الجمال الطبيعى بدليل أن العرب كانت تسمى المرأة الجميلة غانية يعنى استغنت بجمالها الطبيعى عن أى زينة .

أما الذكر فعلى خلاف ذلك الذكر مع أبيه فى الحقل وفى المصنع وفى الخصام والجدال وفى كل عمل شاق فهل يستويان ؟ وهذا لا يعنى أن هذه قاعدة عامة فى الجنس كله فقد نجد فى النساء صاحبة الرأى السديد والحجة القوية التى فاقت الرجال تذكرون لما منع الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته من دخول مكة للعمرة وهم على مشارفها واضطر رسول الله لأن يبرم معاهدة الحديبية مع كفار مكة على أن يعود هذا العام ويحج فى العام الذى يليه .

عندها غضب الصحابة وثاروا وعز عليهم أن يمنعوا من البيت وهم على مشارف مكة حتى أن سيدنا عمر ثار وقال يارسول الله ألسنا على الحق ؟ قال بلى قال أليسوا على الباطل ؟ قال بلى قال فلم نعطى الدنية فى ديننا ؟

وكاد القوم يخرجون عن طاعة رسول الله ويعصون أوامره حتى دخل خباءه على السيدة أم سلمه وهو مغضب فقالت له ما لى أراك مغضبا يا رسول الله ؟ فقال هلك القوم أمرتهم فلم يمتثلوا .

فقالت يا رسول الله أعذرهم فهم قوم مكروبون وقد جاءوا من المدينة على شوق للبيت ويشق عليهم أن يمنعوه وهم على مشارف مكة فاذهب يا رسول الله إلى ما أمرك الله فافعله أمامهم فلو رأوك تفعل علموا أن الأمر عزيمة لا جدال فيه فلما فعل الرسول أمامهم فعلوا مثله وانتهت المشكلة وعادوا إلى المدينة .

ورحمة بغيرة المسلمين على دينهم نزل الوحى على سيدنا رسول الله وهو فى الطريق وقبل أن يصلوا المدينة يوضح لهم الحكمة الإلهية من عودتهم هذا العام فقال تعالى ( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله فى رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما 25 ) ( الفتح ) .

إذن الحكمة من العودة هذا العام أن مكة بها كثير من المسلمين الذين أخفوا إسلامهم فلو دخلتم مكة عنوة وحدث بينكم وبين الكفار قتال فسوف يصيب إخوانكم المسلمين وسوف تلحقون بهم الضرر دون علم منكم وهكذا علموا صواب رأى رسول الله وأنه صلى الله عليه وسلم على الحق .

هذا مثال لسداد الرأى فى النساء والتاريخ ملىء بنماذج من نساء تفوقن على الرجال فى الجدل وقوة وسداد الرأى لأن الخالق سبحانه لا يخلق بطريقة ميكانيكية إنما بقدرة وحكمة فليس شرطا أن يكون الرجال جميعا عندهم قوة فى الجدال والنساء جميعا عندهن ضعف فى الرأى وعدم قدرة على الجدال فالقاعدة لا بد أن يكون لها شواذ .

فإذا كانت القاعدة فى النساء ( أو من ينشؤا فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين 18 ) / الزخرف  فطلاقة القدرة لله عز وجل تجعل من هذا الضعف قوة تتفوق على قوة الرجال فنرى من النساء من كانت ملكة على قومها مثل ملكة سبأ مثلا التى قص القرآن قصتها مع سيدنا سليمان فهل وصلت للملك لعدم وجود الرجال أبدا بل تفوقت بذكائها وقوة رأيها حتى سلم لها الرجال وقدموها عليهم .

وحين نقرأ قصتها فى سورة النمل نجد ما يدل على هذا الذكاء وهذه الفطنة والسياسة والقدرة على الجدل فلما وصفها الهدهد قال / إنى وجدت إمرأة تملكهم وأوتيت من كل شىء ولها عرش عظيم 23 /  ( النمل ) ولما وصلها كتاب سليمان لم تستأثر بالرأى إنما شاورت أهل الرأى / قالت يا أيها الملأ إنى إلقى إلى كتاب كريم 29 / ( النمل ) وأخذت بمبدأ الشورى ( قالت يا أيها الملأ أفتونى فى أمرى ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون 32 ) ( النمل ) .

ثم تحاول حل المسألة بطريقة ودية بعيدة عن العنف وإراقة الدماء لأنها تعلم طبيعة الملوك ( قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون 34 وإنى مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون 35 ) ( النمل ) .

وتأمل لباقتها وسياستها فى الرد لما نكروا لها عرشها وسألوها ( أهكذا عرشك .. 42 ) ( النمل )

( قالت كأنه هو .. 42  ) ( النمل ) ولما انتهى الأمر بإسلامها قالت ( رب إنى ظلمت نفسى وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين 44 ) ( النمل ) فهى لم تسلم خوفا من سليمان ولا إرضاء له إنما أسلمت معه لله فأنا وهو سواء فى إسلام الوجه لله تعالى .

وعندنا فى مصر ( شجرة الدر ) وكان لها رأى سديد وحنكة سياسية مكنتها من تجاوز الأزمة لما مات زوجها فأخفت نبأ موته وأدارت هى دفة الحكم حتى لا تفت فى عضد الجيش الذى كان خارج البلاد فى مهمة حربية ( شجرة الدر ) هى التى أوصلتنا بالكعبة وهى التى كستها وهى إمرأة .

وهذه الأمثلة ليست فى تاريخ الإسلام فحسب إنما فى الجاهلية وجدنا نساء بارزات لهن رأى وحكمة تفوق الرجال .

ويروى أن أمامة بنت الحارث بن عمر تزوجت من عوف بن محلم الشيبانى وأنجبت له بنتا أسمها أم أناس وكانت جميلة تسامع العرب بجمالها وفصاحتها فأراد أن يتزوجها عمرو بن حجر أمير كنده وكان سيدا من سادات العرب .

فقال عمرو لصاحبه ابن سنان أرأيت يا بن سنان لو أنى خطبت من أى حى من العرب أيردوننى ؟ قال نعم أعرف من يردك قال من ؟ قال عوف بن محلم قال فهيا نذهب إليه .

فلما ذهبا ودخلا عليه قال مرحبا بك يا عمرو ماذا جاء بك ؟ قال آتيتك خاطبا قال له ولكنك لست هنالك يعنى لست كفؤا لأن تتزوج ابنتى سمعت امرأة عوف هذا الحوار فقالت له يا عوف ما رجل جاء إليك راكبا فلم يطل معك الكلام ؟

فقال إنه عمرو بن حجر سيد من سادات العرب فقالت ولماذا لم تستنزله ؟ يعنى تستضيفه وتكرمه قال لأنه استهجننى قالت بماذا ؟ قال آتانى خاطبا قالت إن كان سيدا من سادات العرب وجاءك خاطبا فمن تزوج بناتك إن لم تزوجهن سادات العرب ؟ الحق به واسترضه .

لحق عوف بعمرو وصاحبه ابن سنان وناداه يا عمرو اربع على ولك عندى ما تحب فرجع عمرو وصاحبه فقال عوف آتيتنى وأنا مغضب وقلت لك ما قلت ولكن راجعت نفسى وأخذه إلى البيت .

وكان عند عوف ثلاث بنات كبرى ووسطى وصغرى فجاء إلى الكبرى وقال لها يا ابنتى عمرو بن حجر جاء يخطبك فقالت لا يا أبى قال لم ؟ قالت إنى إمرأة فى ردة يعنى فى وجهى شىء يرد الناظر إليها وفى خلقى شدة والحارث ليس بجار لك ولا أنا بنت عمه وأخشى إن حدث شىء منى أن يطلقنى فيصبح ذلك سبة لى قال قومى بارك الله فيك .

ثم ذهب إلى الوسطى فقال لها ما قال لأختها فقالت لا يا أبى إنى إمرأة لست جميلة ولا صناع وأخشى أن يطلقنى فيصبح ذلك سبة لى فقال لها قومى بارك الله فيك .

ثم جاء بالصغرى وقال لها مثل ما قال لأختيها فقالت له نعم يا أبى فأنا الحسنة خلقا والجميلة خلقا والصناع يدا فإن طلقنى فلا بارك الله له ولا أخلف عليه .

فخرج عوف وقال لعمرو زوجتك ابنتى الصغرى بهيسة ثم أعد له خباء فى بيته ليدخل فيه على عروسه فلما دخل عليها قالت له لقد كنت أحببتك واحترمتك لكنى الأن زهدت فيك قال لم ؟ قالت أيكون هذا عند أبى وبين إخوتى والله لا يكون أبدا فقال إذن نرحل إلى ديارنا .

وأمر صاحبه ابن سنان أن يسير مع الركب وتخلف هو فى جانب الطريق ودخل عليها فقالت أهكذا كما يفعل بالسبية الآخيذة والله لا يكون أبدا إلا حين تذهب إلى حيك وتنحر وتذبح وتطعم الناس وتصنع ما يصنع مثلك لمثلى .

فلما وصل إلى حيه ذبح الذبائح وأطعم الناس ثم أراد أن يدخل عليها فقالت يا عمرو أترغب فى النساء وفى العرب حيان يقتتلان اذهب فأصلح بينهما أولا ثم لا يفوتك من أهلك شىء .

خرج عمرو وأصلح بين الحيين ودفع دية القتلى من الجانبين ثلاثة آلاف بعير من ماله ثم عاد إلى زوجته فلما علمت بما فعل قالت له الآن يا حارث هذه أمثلة من النساء اللاتى كان لهن عقل راجح ورأى سديد وقدرة على الجدل .

ولما أراد عمر خطبة أم أناس بنت عوف دعا إمرأة من كندة اسمها عصام وقال لها اذهبى حتى تعلمى لى علم ابنة عوف فذهبت إلى بيت عوف وقابلتها أمامة وعرفت منها سبب مجيئها جعلت أمامة لبنتها خيمة وقالت اجلسى فيها وستدخل عليك عصام فلا تسترى عنها شيئا أرادت النظر إليه من وجه وخلق وناطقيها فيما استنطقتك به لأنها جاءت لكذا وكذا .

دخلت عصام على أم أناس فوجدتها كما أرادت لم تخف عنها شيئا فقالت ترك الخداع من كشف القناع فصارت مثلا عند العرب حتى الأن .

فلما انتهت إلى عمرو قال لها ما ورائك يا عصام قالت أبدى المخض من الزبد يعنى الرحلة جاءت بالنتيجة المرضية فقال لها ناطقينى قالت أخبرك حقا وصدقا ثم أخذت تصف لها أناس ( من ساسها لرأسها ) ونكتفى هنا بوصف ما لا يحرم .

قالت رأيت جبهة كالمرآة الصقيلة يزينها شعر كأذناب الخيل المضفورة إن مشطته خلته السلاسل وإن أرسلته قلت عناقيد كرم جلاها الوابل تحته حاجبان متقوسان كأنما خطا بقلم أو سودا بحمم قد تقوسا على عينى الظبية العبهرة التى لم يرعها قانص ولم يفزعها قسورة .

بينهما أنف كحد السيف المصقول لم يخنس به قصر ولم يمعن به طول حلقت به وجنتان كالأرجوان فى بياض محض كالجمان فيه فم كالخاتم لذيذ المبتسم ذو ثنايا غر وفيه لسان ملىء بيانا يزينه شفتان حمراوان كأنهما الورد يجلبان ريقا كالشهد وتحته عنق كإبريق الفضة اتصل به عضدان ممتلئان إلى آخر ما قالت عصام فى الوصف .

وقبل أن تغادر أم أناس بيت أبيها إلى بيت زوجها لم يفت أمامة بنت الحارث أن توصى ابنتها هذه الوصية الغالية التى تضمن لها السعادة الزوجية إن هى التزمت بها وأسمع أمامة تقول

أى بنية إن الوصية لو تركت لفضل أدب تركت لذلك منك ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل ولو أن إمرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنت أغنى الناس عنه ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال .

أى بنية إنك مفارقة الجو الذى منه خرجت وخلفت العش الذى فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه وقرين لم تألفيه فاحفظوا له خصالا عشرا يكن لك ذخرا .

أما الأولى والثانية فالرضا له بالقناعة وحسن السمع والطاعة .

وأما الثالثة والرابعة فالتفقد لمواقع عينيه وأنفه فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح .

وأما الخامسة والسادسة فالتفقد لوقت منامه وطعامه فإن تواتر الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة .

وأما السابعة والثامنة فالاحراز لماله والإرعاء على حشمه وعياله وملاك الأمر فى المال حسن التدبير وفى العيال حسن التقدير .

وأما التاسعة والعاشرة فلا تعصين له أمرا ولا تفشين له سرا فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمنى غدره .

ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتما والكآبة بين يديه إن كان فرحا هذه نماذج من النساء صاحبات العقل الراجح والتفكير السديد ولو أخذت الزوجات بهذه النصيحة لكفتنا شرا كثيرا من الخلافات الزوجية التى نعانى منها اليوم .

( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون 19 ) ( الزخرف ) .

هذه دعوى أخرى من دعاواهم وإفتراءاتهم على الله وتأتى هذه الآية بعد أن نسبوا إلى الله الولد .

( وجعلوا له من عباده جزءا .. 15 ) ( الزخرف ) .

ثانيا نسبوا إلى الله البنات واستأثروا لأنفسهم بالبنين وقد أوضح الحق سبحانه فساد معتقداتهم ورد عليهم بالحجة وبالدليل من واقعهم المعاش .

وهنا يصفون الملائكة الذين هم عباد الرحمن بالأنوثة وهذا افتراء آخر يرد الله عليهم ( أشهدوا خلقهم .. 19 ) ( الزخرف ) يعنى كيف يحكمون هذا الحكم على الملائكة أشهدوا خلق الملائكة وعلموا أنهم إناث ثم يهددهم ( ستكتب شهادتهم ويسئلون 19 ) ( الزخرف ) ستكتب وتسجل عليهم ويسألون عنها يوم القيامة ويحاسبون على كل هذه الافتراءات .

وفى موضع آخر يقول سبحانه ( ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا 51 ) ( الكهف ) .

وجاء الواقع ليثبت صدق هذه الآية ورأينا المضلين فى كل زمان يضلون الناس ويصرفونهم عن الحق بداية من الذين نسبوا لله الولد ونسبوا لله البنات ووصفوا الملائكة بأنهم إناث إلى الذين قالوا بأن الإنسان أصله قرد وتطور .

ونسأل كل هؤلاء أشهدتم خلق الله ؟ الله الخالق يقول ( ما أشهدتم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم 51 ) ( الكهف ) .

إذن لا تصدقوا هؤلاء فهم كذابون ومضلون وقد سخرهم الله تعالى لخدمة الحق وجعلهم دليلا على صدق كلامه .

ومن هؤلاء المضلين قوم أنكروا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا نأخذ بما فى القرآن فقط ولا نعترف بالسنة وقد جاءت هذه الجماعة دليلا على صدق سيدنا رسول الله الذى أخبر بمجيئهم قبل أربعة عشر قرنا فقال صلى الله عليه وسلم يوشك رجل منكم يتكىء على أريكته يقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال حللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما قال رسول الله كما قال الله .

( وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون 20 ) ( الزخرف ) .

هذه دعوى أخرى من دعاواهم وافتراءاتهم على الله لذلك يرد الله عليهم بأن هذا الكلام كذب وافتراء تقولونه دون وعى ودون علم ( إن هم إلا يخرصون 20 )

( الزخرف ) يعنى ماهم إلا يكذبون فى هذا الادعاء .

( أم أتيناهم كتبا من قبله فهم به مستمسكون 21 ) ( الزخرف )

لماذا يفعلون هذا ؟ هل جاءهم بذلك رسول يقول لهم هذا الكلام أو يجيز لهم أن يعبدوا الأصنام .

( فهم به مستمسكون ) ( الزخرف ) يعنى بقوة .

( بل قالوا إنا وجدنا أبائنا على أمة وإنا على آثارهم  مهتدون 22 ) ( الزخرف )

إذن القضية قضية تقليد اعمى دون تفكبر أو تأويل فقالوا ( إنا وجدنا آبائنا على أمة 22 ) / الزخرف / يعنى على دبن أو على ملة أو طريقة مقصودة من الفعل ( أم ) يعنىى قصد ( وإنا على أثارهم 22 ) ( الزخرف ) على طريقتهم ( مهتدون 22 ) ( الزخرف ) يعنى هذه الطربفة هى التى تدلنا وتهدينا .

والقرآن الكريم تناول هذه القضية بتفصيل فى مواضع أخرى ففى آية قال سبحانه / وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون 170 /  ( البقرة ) وفى آيه أخرى قال سبحانه ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول    قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا وهم ولا يهتدون 104 ) المائدة

وتأمل دقة الآداء القرآنى فى هاتبن الآيتين وكيف ختمت كل آية بما يناسبها أولا تجد فى المعنى العام للآيتين واحد لكنهم فى الأولى قالوا ( بل نتبع ما  ألفينا عليه آبائنا عليه آبائنا 170 ) / البقرة .

وفى الأخرى قالوا ( حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا 104 ) ( المائدة ) .

فاستخدموا اسلوب القصر والحصر وقصروا عبادتهم على ما وجدوا عليه الأباء فالإعراض فى هذه أقوى من الأولى لذلك جاء ذيل الآية بما يناسب اعراضهم .

ففى الأولى قال تعالى ردا عليهم بهذا الاستفهام التعجبى ( أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون 170 ) ( البقرة ) وقال فى الأخرى ( أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون 104 ) ( المائدة ) فما الفرق بين ( لا يعقلون 170 ) 

( البقرة ) و ( لا يعلمون 104 ) ( المائدة ) ؟ يعقلون يعنى هو الذى يستنبط المسائل بنفسهوبعقله أما يعلمون أى لا يقدر على الاستنباط إنما يعلم من استنباط غيره .

( وكذلك ما أرسلنا من قبلك فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون 23 ) ( الزخرف ) .

قوله تعالى ( من نذير 23 ) ( الزخرف ) يعنى من رسول فما من رسول أرسل إلا ووجه بهذا التكذيب وبهذا العناد ( إلا قال مترفوها 23 ) ( الزخرف ) المترفون هم المنعمون المنغمسون فى الشهوات فهم دائما قادة الكفر وقادة التكذيب للرسل ( على أمة 23 ) ( الزخرف ) على ملة أو على طربقة ( وإنا على آثارهم مقتدون 23 ) ( الزخرف ) يعنى سائرون وسالكون على طريقتهم .

( قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آبائكم قالوا إنا بما ارسلتم به كافرون 24 ) ( الزخرف )

هذا يدل على تصميمهم على الإعراض وتمسكهم بالضلال الذى هم عليه وآباؤهم .

( فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين 25 ) ( الزخرف ) .

لأن هذه سنة الله فى الرسل وفى كل مكذب للرسل ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين 171 إنهم لهم المنصورون 172 وإن جندنا لهم الغالبون  173 )

( الصافات ) .

ثم يأتى الحق سبحانه بما يفسد عملية التقليد هذه ويبطلها ويبين كذبهم فيها فيقول تعالى ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إننى براء مما تعبدون 26 ) ( الزخرف ) .

يريد الحق سبحانه أن يكشف زيفهم ويفضح كذبهم فى قولهم ( بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا 170 )

( البقرة ) ويسوق لهم الدليل الواقعى من واقع حياتهم فها هو سيدنا إبراهيم الخليل أبو الأنبياء ومحط أنظار العرب جميعا يقدسونه ويفتخرون بالانتساب إليه .

يقولون نحن من نسل إبراهيم وإبراهيم لم يقلد آباه فى عبادته للأصنام فلماذا تقلدون أنتم آباءكم ولم تقلدوا إبراهيم ؟

فالحق سبحانه ينقض مسألة التقليد عمليا فى قصة سيدنا إبراهيم وينقضها فلسفيا فلو تتبعت الوجود الأول لم نجد إلا آدم عليه السلام وآدم جاء بمنهج وسار عليه وسار عليه أولاده من بعده فكيف حدث الانحراف عن هذا المنهج ؟

إذن لا بد أنه جاء مع مرور الزمان أناس خرجوا على المنهج وقلبوا الحقائق لهوى فى أنفسهم ومن هؤلاء جاء جيل يعبد الأصنام لأنهم غير محكومين بمنهج السماء ولا بقضية التكاليف افعل ولا تفعل فناسبهم عبادة آلهة لا تكليف عندها لذلك عبدوا الأصنام .

قوله تعالى ( وإذ قال إبراهيم لأبيه 26 ) ( الزخرف ) دار حولها جدل واسع بين العلماء أهو أبوه الحقيقى أو هو عمه آزر ؟ المتتبع لكلمة ( أبيه ) فى القرآن يجد أنها وردت ثمانى مرات أولها فى سورة الأنعام ( وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر 74 ) ( الأنعام ) وآخرها فى سورة الممتحنة ولم تأت كلمة لأبيه بعد ذلك إلا مرة واحدة فى قصة يوسف ( وإذ قال يوسف لأبيه 4 ) ( يوسف ) .

إذن لم تأت آزر إلا فى آية الأنعام فقط وهى أول الآيات الثمانية فكان الحق سبحانه حسم الخلاف فى هذه المسألة فأراد أن يبين لنا أن آزر عمه بدليل أنه قال ( لأبيه آزر 74 ) ( الأنعام ) وفى باقى المواضع قال ( لأبيه ) أى الذى عرفتموه أولا أى فى سورة الأنعام .

وهذا أمر شائع فى لغتنا أن نقول للعم أب فحين يسأل رجل أبوك موجود ؟ تفهم أنه يريد الأب الحقيقى إنما لو قال لك أبوك محمد موجود ؟ فهو يقصد عمك لأنه حدده بالعلم بعد الوصف .

والقرآن يدخل العم ضمن الآباء فى قوله تعالى ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق 133 ) ( البقرة ) .

فكلمة ( آبائك 133 ) ( البقرة ) جمع يشمل إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وإذا اجتمع جمع فى حكم جمع تكون القسمة مفردة فتأخذ أب هو إبراهيم وأب هو إسماعيل وأب هو اسحاق قهؤلاء الثلاثة آباء ليعقوب وإسماعيل أخو إسحاق وإن كان إسماعيل هو الأب إذن إسحاق ليس أبا بل هو عم إذن سمى العم أبا .

لذلك الحق سبحانه فى أول آية تتكلم عن سيدنا إبراهيم ذكر ( لأبيه آزر 74 )

( الأنعام ) ليبين أن آزر الذى جادله إبراهيم وناقشه فى مسألة التوحيد ليس أبا إبراهيم الحقيقى إنما هو عمه .

ونجد دليلا على ذلك من سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال فى الحديث عن أصله صلى الله عليه وسلم ( ما زلت أنتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات فأنا من خيار من خيار ) .

وسلسلة النسب النبوى تصل إلى أبيه إبراهيم فلا يصح إذن أن يكون أبو إبراهيم كافرا عابدا للأصنام وقوله ( إنى براء مما تعبدون 26 ) ( الزخرف ) براء بمعنى برىء والفرق بينهما أن براء تقال للمفرد وللمثنى وللجمع وللمذكر وللمؤنث أما برىء فتثنى وتجمع وتذكر وتؤنث وفى موضع آخر وصفهم بالعدو ( فإنهم 77 )

( الشعراء ) أى الأصنام ( عدو لى إلا رب العالمين 77 )   

( الشعراء ) فما دام فى المسألة شرك أو كفر بالله فأنا أتبرأ منه .

( إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين 27 ) ( الزخرف ) .

معنى ( فطرنى 27 ) ( الزخرف ) خلقنى وأبدعنى ( فإنه سيهدين 27 ) ( الزخرف ) دلت على أن المنهج لا بد أن يكون من الذى خلق فهو الذى يضع المنهج وهو الذى يهدى ولا يصح أن الله يخلق والناس تضع المنهج .

ففى مسألة الصانع الذى يضع ( كتالوج ) لصيانة صنعته لأنه الأدرى بها الخبير بما يصلحها هنا قال ( فإنه سيهدين 27 ) ( الزخرف ) بالسين الدالة على الاستقبال وفى موضع آخر قال ( فهو يهدين 78 ) ( الزخرف ) بالمضارع وهذا يدل على الهداية من الله متصلة فى الحاضر والمستقبل .

ولأن الهداية والمنهج لا يكون إلا من الذى خلق استخدم اسلوب القصر ( فإنه سيهدين 27 )   الزخرف / وفى آية الشعراء ( الذى خلقنى فهو يهدين 78 والذى هو يطعمنى ويسقين 79 وإذا مرضت فهو يشفين  80 ) ( الشعراء ) فقدم الضمير المنفصل على الفعل ليدل على قصر الفعل على الله تعالى لأن هذه الأفعال بها شبهة المشاركة مع الله تعالى أما فى الأفعال التى لله وحده لا شبهة للمشاركة فيها فتأتى بدون قصر ( والذى يميتنى ثم يحيين 81 ) ( الشعراء ) .

( وجعلها كلمة باقية فى عقبه لعلهم يرجعون 28 ) ( الزخرف ) .

قوله تعالى ( وجعلها 28 ) ( الزخرف ) أى سيدنا إبراهيم جعل كلمة البراءة من الشرك أو كلمة التوحيد التى وردت فى قوله تعالى ( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يبنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون  132 ) البقرة  جعل هذه الكلمة ( باقية 28 ) ( الزخرف ) سائرة ( فى عقبه 28 ) ( الزخرف ) فى ذريته من بعده وما زالت هذه الكلمة باقية ودائرة على ألسنة الناس حتى يوم القيامة لأنها كلمة طيبة والكلمة الطيبة ضمن الحق سبحانه لها البقاء فى قوله تعالى ( ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء 24 تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها 25 ) ( إبراهيم ) وسماها كلمة مع أنها كلام لأن الكلمة فى اللغة تطلق على الكلام كما تقول ألقى فلان كلمة فى الحفل .

( بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين 29 ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون 30 ) ( الزخرف ) .

إن المنهج ينطمس وينصرف الناس عنه بمرور الزمن حتى تدعو الحاجة لنبى جديد يعيد الناس إلى الجادة لأن الحق سبحانه خلق فى النفس البشرية مناعة طبيعية لأنه خليفة الله فى أرضه فهو الذى سيعمر هذه الأرض فلا بد أن يوفر له أسباب الاستقامة والحركة الإيجابية التى يعمر بها الأرض .

لذلك نرى الإنسان السوى حينما يفعل المعصية حين غفلة منه عن منهج ربه يسرع بالتوبة والندم لأن الاستقامة وبذرة الإيمان فى ذاته فإذا أصيب المرء فى ذاته وفقد هذه المناعة تأتى المناعة من المجتمع المجتمع الواعى المدرك لدوره الجماعى فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فإذا فقد المجتمع هو الآخر هذه المناعة لم يبق إلا أن تتدخل السماء برسول جديد ومنهج جديد .

إذن حدث الانصراف عن المنهج بعد إبراهيم وإسماعيل فكانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فسيدنا إبراهيم جعل كلمة التوحيد باقية فى عقبه ( لعلهم 28 ) الزخرف / أى ذريته من بعده ( يرجعون 28 ) ( الزخرف ) أى إلى الله .

لكن لم يحدث فقال سبحانه ( بل متعت هؤلاء 29 ) ( الزخرف ) أى كفار مكة / وأباءهم 29 /  الزخرف / بالجاه والسلطان والنعيم والأمن ( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم  67 ) ( العنكبوت ) وجعل لهم منزلة وقداسة بين العرب لمكانتهم من البيت وظلت لهم هذه المنزلة ( حتى جاءهم الحق 29 ) ( الزخرف ) أى القرآن ( ورسول مبين 29 ) ( الزخرف ) أى محمد صلى الله عليه وسلم و ( مبين 29 ) ( الزخرف ) يعنى يظهر الحق على يديه وفى كل شىء فيه .

لكن هل آمنوا بهذا الحق وصدقوا بهذا الرسول ؟ لا ( ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون 30 ) ( الزخرف ) أى أن القرآن سحر يسحر من استمعه وفى موضع آخر قالوا عن الرسول أنه ساحر .  

وقلنا إن الرد على هذا الافتراء سهل فلو كان القرآن سحر ولو كان محمدا ساحرا سحر المؤمنين به فلماذا لم يسحركم أنتم أيضا وتنتهى المسألة ؟ إذن وجودكم على الكفر دليل صدق محمد وأنه نبى ليس بساحر .

ولما لم تفلح هذه الشبهة قالوا ( إنما يعلمه بشر 103 ) ( النحل ) أى أن رسول الله يختلف إلى رجل فارسى يعلمه القرآن فرد الله عليهم / لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين  103 / ( النحل ) فقالوا عنه صلى الله عليه وسلم مجنون فرد الله عليهم ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون 2 وإن لك لأجرا غير ممنون 3 وإنك لعلى خلق عظيم 4 ) ( القلم ) والمجنون لا يكون صاحب خلق عظيم لأن الخلق يضبط سلوك صاحبه .

فلما أبطل الحق سبحانه دعاواهم وافتراءاتهم ورد عليهم بما يظهر غباءهم قالوا / وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من الفريتين عظيم 31 / ( الزخرف ) .

وهذا اقرار منهم بأن القرآن حق ولا اعتراض عليه إنما اعتراضهم على شخص رسول الله وأنه من أوسط الناس وليس عظيما من عظمائهم ولا سيدا من ساداتهم فى القريتين أى مكة والطائف وقد كان فى الطائف عروة بن مسعود الثقفى وفى مكة الوليد بن المغيرة وغيرهم فرد الله عليهم ( أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون 32 ) ( الزخرف ) .

يعنى إذا كنا قسمنا بينهم أبسط الأشياء وهى معايشهم فى الدنيا أيريدون هم أن يقسموا رحمة الله وفضل الله حسب أهوائهم ورحمة الله يختص بها من يشاء من عباده فهى فى يده سبحانه لا دخل لأحد فى توزيعها فقوله تعالى ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات 32 ) ( الزخرف ) دل على عجز الإنسان وأن حركة الحياة لا تنصلح إلا بمنهج الله الذى ينظمها .

ومن حكمة هذه القسمة أن جعل بعض الناس أغنياء وبعضهم فقراء بعضهم سادة وبعضهم خدم ولولا هذه القسمة ما استقامت حركة المجتمع وما وجدنا من يقوم بالأعمال الشاقة أو الأعمال الحقيرة .

أن حركة المجتمع وتقدمه لا يقوم على التفضل إنما على الحاجة فحاجة الفقير هى التى تدفعه للعمل والرحمة المرادة هنا ( أهم يقسمون رحمة ربك 32 ) ( الزخرف ) هى النبوة فهم يطمعون فى أن يجعلوها اختيارا يختارونه من ساداتهم وكبراء القوم فيهم فالحق سبحانه يصحح لهم ويقول كيف تطمعون فى ذلك وأنتم لا تقدرون على قسمة أبسط الأشياء ؟

ثم تلاحظ أن كلمة ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات 32 ) ( الزخرف ) كلمة مبهمة تعنى أن الكل مرفوع ومرفوع عليه مرفوع فى شىء ومرفوع عليه فى شىء آخر .

وهكذا يتكامل الخلق وتتم المصالح وتقضى حاجات المجتمع فأنت مرفوع فيما تحسنه من الأعمال ومرفوع عليك فيما لا تجيده هذا معنى قوله تعالى ( ليتخذ بعضهم بعضا سخريا 32 ) ( الزخرف )

( ورحمت ربك خير مما يجمعون 32 ) ( الزخرف ) المراد برحمة ربك هنا الرسالة والمنهج الذى يهدى الخلق إلى طريق الحق هذه الرحمة فى الحقيقة خير من هذا المتاع الزائل الذى تتنافسون عليه فى الدنيا لأن الإنسان مهما وصل فى الدنيا إلى الرفاهية والترف والنعيم فسوف يموت ويتركه ولن يبقى له منه شىء .

أما منهج الله فيورثك فوزا باقيا تسعد به فى الدنيا وتفوز به فى الآخرة إذن هو خير وهو أبقى وهو أنفع لك وأدوم هذا المنهج يضمن لك صلاح الدنيا وسلامة الآخرة لذلك كان هو ( خير 32 ) الزخرف / من كل ما تراه من بريق الدنيا .

ثم يتكلم الحق سبحانه عن الكافرين الذين ملكوا الدنيا وأخذوا كل مظاهر الزينة والترف والنعيم وتحكموا حتى فى قوت ومصائر المسلمين وبين أن هذا الزخرف شكل ظاهرى زائل والعاقبة لا بد أن تكون لأهل الإيمان فى النهاية .

( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون 33 ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون 34 وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين 35 )

( الزخرف ) .

معنى ( أمة واحدة 33 ) ( الزخرف ) يعنى على دين واحد مجتمعين على الكفر ولولا أن الناس يرون الكافرين منعمين فيفتنون بهم لجعلت لهم كل هذا النعيم بحيث لا يكون أحد أفضل منهم لأن هذا النعيم نعيم الدنيا ينتهى بنهايتها ولا يدوم وإن كانت الدنيا لحساب الكافرين فالآخرة للمتقين .

والقرآن هنا يخبر بارتقاءات البشر التى عرفوها بعد أربعة عشر قرنا من نزول القرآن فالمعارج يعنى المصاعد أو السلالم التى يصعد عليها ( ومعارج عليها يظهرون 33 ) ( الزخرف ) يعنى يصعدون ويرتقون فكان الحق سبحانه يهون من أمر تنعم الكافرين حتى لا نغتر نحن بهم ولا نتمنى ما هم فيه من زخرف زائل .

وبعد ذلك يبين لنا أن المنعمين والمترفين يأتى عليهم وقت يحبون فيه الرجوع إلى الأصل الأول وإلى بساطة الطبيعة فتراهم مثلا فى نهاية الاسبوع يخرجون إلى الخلاء ويرتمون فى أحضان الطبيعة يأكلون مما تنبت الأرض ويعيشون على الكفاف لماذا ؟ لأنهم ملوا حياة الرفاهية الزائدة ملوا حياة التحضر وما فيها من عيوب وسلبيات .

( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين 36 ) ( الزخرف )

معنى ( يعش عن ذكر الرحمن 36 ) ( الزخرف ) يعنى يعرض عنه أو يتعامى ويغفل عنه ولأنه غفل عن شىء هام لا ينبغى أن يغفل عنه أو يعرض يعاقبه الله ( نقيض له شيطانا 36 ) الزخرف  نعد له شيطانا ونهىء له شيطانا ( فهو له قرين 36 ) ( الزخرف ) يعنى ملازم له يضله ويوسوس له قلنا لأن الحق سبحانه الغنى عن خلقه وهو رب المؤمن ورب الكافر لذلك يعين كلا على ما يريد فمن أراد الهداية أعانه عليها وزاده منها ومن أراد الكفر ختم على قلبه بحيث لا يدخله إيمان ولا يخرج منه الكفر لذلك أتى هنا بصفة ( الرحمن ) .

لذلك أكثر ما يجىء الشيطان للإنسان وقت الصلاة ليفسد عليه علاقته بربه حيث أنه يأتى المسجد ولا يأتى الخمارة لذلك قال كما حكى عنه القرآن ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم 16 ) ( الأعراف )

ففى قصة الرجل الذى وضع مالا فى مكان ما ثم نسيه فقال له صديقه اذهب إلى أبى حنيفة فعنده مخرج لكل المسائل لأننى ذهبت إليه استفتيه فى طلاق زوجتى لأننى قلت لها وهى على السلم أنت طالق إن نزلت وطالق إن صعدت فقال له أبو حنيفة قل لها تلقى بنفسها من على السلم .

المهم ذهب صاحبنا إلى أبى حنيفة وقال له لقد وضعت مالا فى مكان كذا ونسيت موضعه فماذا أفعل

قال أبو حنيفة ليس فى هذا علم لكنى سأحتال لك إذا جاء الليل اذهب وصل لله ركعتين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر يهرع إلى الصلاة .

وفعلا ذهب الرجل وهو فى صلاته جاءه الشيطان يوسوس إليه بمكان المال حتى ذكره به وفى الصباح قابل الرجل أبا حنيفة وقص عليه ما حدث فضحك أبو حنيفة وقال والله لقد علمت أنه لن يدعك تتم ليلتك مع ربك فهلا أتممتها شكرا لله ؟ قال سأفعل إن شاء الله .

( وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون 37 ) ( الزخرف ) .

أى هؤلاء القرناء قرناء السوء ( ليصدونهم عن السبيل 37 ) ( الزخرف ) يعنى يصرفونهم ويمنعونهم عن الحق وعن الطريق المستقيم ( ويحسبون أنهم مهتدون 37 ) ( الزخرف )

لذلك قال فى موضع آخر ( ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا 27 ياويلتى ليتنى لم أتخذ فلانا خليلا 28 لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولا 29 ) ( الفرقان ) وقرناء السوء قرناء فى الدنيا فحسب أما فى الآخرة فسيكونون أعداء يلوم كل منهم صاحبه ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين 67 ) ( الزخرف )

كذلك الشيطان سيتبرأ من أتباعه ويخذلهم فى الآخرة ( وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ولوموا أنفسكم 22 ) ( إبراهيم ) .

وقد علمنا ربنا سبحانه وتعالى كيف نتحصن من الشيطان فقال ( وإما ينزغتك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله 200 ) ( الأعراف ) .

( حتى إذا جاءنا قال يا ليت بينى وبينك بعد المشرقين فبئس القرين 38 ) ( الزخرف ) .

قوله تعالى ( بعد المشرقين 38 ) ( الزخرف ) بعد المشرق من المغرب وهذا الاسلوب يسمى فى اللغة ( التغليب ) لأن المشرق يقابله المغرب والعرب فى المتقابلات تغلب أحدهما على الآخر كما يقولون مثلا فى الشيخين أبى بكر وعمر يقولون ( العمرين ) .

وحينما نتأمل فى المشرق والمغرب من الناحية الفلكية الجغرافية نجد أن المشرق مغرب آخرين والمغرب مشرق آخرين إذن كلاهما مشرق وكلاهما مغرب .

( ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم فى العذاب مشتركون 39 ) ( الزخرف ) .

لأن هذه بلوى عامة تشمل الجميع فالبلوى حينما تصيب رجلا واحدا من بين الناس يعز عليه ذلك ويشق عليه أن يحزن والآخرون سعداء لكن لما تعم البلوى تهون ويخف وطؤها على الجماعة لمشاعر المشاركة حتى ولو كانت المشاركة فى الحزن

نعم إذا عمت المصائب هانت لكن هذا فى مصائب الدنيا أما مصيبة الأخرة فلا تهون ولا تخفف( ولن ينفعكم اليوم 39 ) ( الزخرف ) أى يوم القيامة لا / إذ ظلمتم أنكم فى العذاب مشتركون  39 / الزخرف .

( أفأنت تسمع الصم أو تهدى العمى ومن كان فى ضلال مبين 40 ) ( الزخرف )

المعنى والخطاب هنا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفر نفسك يا محمد ولا تجهدها ولا تحملها ما لا تطيق فى سبيل هداية هؤلاء .

ووصفهم بالصمم وبالعمى مع أنهم فى واقع الأمر يبصرون ويسمعون يسمعون الحق ولا يتبعونه ويرون الطريق المستقيم ولا يسلكونه فصار مثل الأصم الذى لا يسمع ومثل الأعمى الذى لا يرى لذلك قال سبحانه فى موضع آخر ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور 46 )

( الحج ) إذن هم معرضون معاندون متكبرون عن قبول الحق .

وهذا هو معنى الضلال فى ( ومن كان فى ضلال مبين 40 ) ( الزخرف )

وهل هناك ضلال أبين وأوضح من ضلال من يرى الحق ولا يتبعه ؟ والحق سبحانه وتعالى لا يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم هذا الخطاب إلا إن كان فعلا يشق على نفسه ويكاد أن يهلكها فى سبيل دعوته لذلك خاطبه ربه بقوله / فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا  / 6 ) ( الكهف ) وخطابه بقوله ( إن عليك إلا البلاغ 48 ) ( الشورى ) ذلك لأن رسول الله كان محبا لرسالته ومحبا لمنهجه محبا لأمته جميعا يريد أن يذيقهم ما ذاق من حلاوة الإيمان يريد أن يطبق فى نفسه أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك .

( فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون 41 أو نرينك الذى وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون 42 ) الزخرف .

يعنى يا محمد اطمئن فإن مت فسوف نريك عذابهم وانتقامنا منهم فى الآخرة وإن كنت موجودا على قيد الحياة سنريك عذابهم المعجل لهم فى الدنيا .

ومعنى ( الذى وعدناهم 42 ) ( الزخرف ) يعنى عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة ( فإنا عليهم مقتدرون 42 ) ( الزخرف ) مقتدرون مبالغة من قادر يعنى نحن مقتدرون عليهم متمكنون من إنزال العذاب بهم ولن يفلتوا منا .

( فاستمسك بالذى أوحى إليك إنك على صراط مستقيم 43 ) ( الزخرف ) .

يعنى تمسك بقوة بما يلقى إليك من الوحى ولا يغرنك إعراضهم عن دين الله لأنك أنت على الحق وهم على الباطل ( إنك على صراط مستقيم 43 ) ( الزخرف ) طريق قويم معتدل .

( وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون 44 ) ( الزخرف )

قوله تعالى ( وإنه 44 ) ( الزخرف ) أى : القرآن الكريم الذى أرسلت به يا محمد هذا الكتاب منهج حياة وهو معجزة باقية خالدة إلى قيام الساعة وهذا القرآن ( لذكر لك ولقومك 44 ) ( الزخرف ) يعنى شرف وعزة وفخر لك ولقومك أى العرب لأنه نزل بالعربية وكم عز أقوام بعز لغات .

فشرف للعربية وشرف لكل عربى أن ينزل القرآن بها والإنسان فى طبعه يحب الفخر ويحب الشهرة وذيوع الصيت ولا يخفى على أحد الأن أن القرآن هو الذى أعطى العربية مكانتها بين لغات العالم .

ولولا القرآن لأندثرت العربية كما اندثر غيرها من اللغات ونجد الآن كثيرين من أمم أخرى يقبلون على تعلم العربية وإجادتها ليتمكنوا من حفظ القرآن وتفسيره وفهم معانيه .

( وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون 45 ) ( الزخرف )

هنا وقفة تأمل لنفهم الآية ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا 45 ) ( الزخرف ) كيف يسألهم رسول الله وهم أموات لماذا يأمره ربه عز وجل هذا الأمر ؟ وإذا أمر الحق سبحانه رسوله أمرا وجب عليه أن يطيع .

وقد هيأ الحق سبحانه هذه الفرصة لنبيه صلى الله عليه وسلم فى رحلة الإسراء والمعراج حيث التقى فعلا بإخوانه الأنبياء السابقين واجتمع بهم وصلى بهم إماما فى بيت المقدس وهم أموات بقانون الموت وهو حى بقانون الأحياء .

وثبت أنه خاطب بعضهم وتحدث معه كما تحدث مع سيدنا موسى عليه السلام وأنه راجعه فى أمر الصلوات الخمسين إلى أن جعلها الله خمسا .

فإن قلت كيف يجتمع الضدان ( ميت ) و ( حى ) ويكون بينهما كلام وتفاهم ؟ نقول يجوز ذلك لأنه فعل القدرة وطلاقة القدرة لله تعالى فطلاقة القدرة لا ترتبط بقوانين الحى والميت .

وإنه ينبغى أن ننسب الفعل للفاعل لنستريح فهذه المسألة غيب نؤمن به وننسب كل عجيب فيها إلى منشىء هذا العجب .

فقصة سيدنا إبراهيم لما ألقوه فى النار  ماذا حدث ؟ القانون أن النار تحرق لكن ماذا إن أرادها الله بردا وسلاما وهى ما زالت نارا مشتعلة ؟ لما أرادها الله كانت بردا وسلاما على إبراهيم وتعطل فيها قانون الإحراق .

ولو شاء سبحانه لسخر لهذه النار سحابة تمطر عليها حتى تنطفىء ولو شاء ما تمكنوا من إبراهيم ولا أمسكوا به لكن لتتم المعجزة مكنهم الله من إبراهيم وألقوه بالفعل فى النار وهى تشتعل ومع ذلك لم تحرقه فهذه هى طلاقة القدرة .

فطلاقة القدرة فى قصة عصا سيدنا موسى لما ضرب بها البحر فانفلق وتجمد فيه الماء حتى صار كل فرق كالطود العظيم وهى نفس العصا ضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا فالحق يعطينا لقطات لطلاقة القدرة وخرق العادة والقوانين لنقيس عليها .

بعض المفسرين يستبعدون هذه المسألة أى اللقاء بين الحى والميت ويؤولون المعنى بما يوافق ميولهم فيقولون المراد واسأل أتباع الرسل قبلك لأنهم أخذوا الدين عنهم وأصحاب هذا الرأى يريدون أن يفلتوا من مسألة التقاء الحى بالميت ومن إثبات هذه المعجزة الخارقة لللعادة لكن لا غرابة فى ذلك ولا عجب لأن الفاعل من ؟ الله .

أو أن المراد بالسؤال فى ( واسأل من أرسلنا قبلك ) ( الزخرف ) ليس السؤال فى ذاته ولا الجواب فى ذاته إنما المراد العظة والاعتبار على حد قول الخطيب ففى خطبة الجمعة سل الأرض من أجرى فيها الأنهار ومن أنبت بها الأشجار سل الروض مزدانا سل الماء جاريا إذن ليس  المراد أن نسأل الأرض إنما نسأل أنفسنا ونتفكر ونتأمل .

كذلك فى قوله سبحانه ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا 45 ) ( الزخرف ) لكن اسأل رسول الله من قبله من الرسل عن هذه المسألة ( أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون 45 ) ( الزخرف ) ؟ الواقع أنه لم يسأل لماذا ؟ لأن عنده من اليقين ما يجعله فى غنى عن هذا السؤال فرسول الله ليس فى حاجة لمن يؤكد له أنه ليس مع الله آلهة تعبد .

لذلك ورد عن الإمام على كرم الله وجهه أنه قال لو كشف عنى الحجاب ما ازددت يقينا يعنى أنا مؤمن بالغيبيات إيمانا راسخا مستقرا وكأنى أطلع عليه وأراه ولو كشف لى ما زاد فى يقينى شىء لأن إخبار الله لرسوله بالشىء أصدق من رؤيتنا له

اقرأ ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل 1 ) ( الفيل ) ومعلوم أن الرسول ولد عام الفيل يعنى لم يره لكن أخبره الله ( ألم تر 1) ( الفيل ) يعنى ألم تعلم تعلم بأى وسيلة ؟ تعلم بحواسك أو تعلم بخبر خالق هذه الحواس إذن إخبار الحق أكد وأصدق من رؤية العين .

والاستفهام فى ( أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون 45 ) ( الزخرف ) يراد منه النفى والإنكار فعبادة غير الله أمر غير وارد من الرسل إذن هو من صنع البشر استحدثوه لإرضاء اهوائهم فى أن يكون لهم معبود لكن معبود على هواهم معبود لا يقيد شهواتهم ورغباتهم بمنهج  افعل كذا و  لا تفعل كذا  ومن هنا عبدوا الأصنام وعبدوا  الشمس والقمر والكواكب وغيرها وكلها معبودات بزعمهم هم ما أنزل الله بها من سلطان ولا شرعها فى أى شريعة من الشرائع .

( ولقد أرسلنا موسى بأياتنا إلى فرعون وملائه فقال إنى رسول رب العالمين 46 ) ( الزخرف ) قلنا الآيات هى المعجزات الدالة على صدق الرسول فى البلاغ عن الله وسيدنا موسى عليه السلام كان من أكثر الرسل حيازة للمعجزات وخوارق العادات وهذا يعنى أن قومه كانوا أكثر خلق الله عنادا وإعراضا عن المنهج قال تعالى ( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات 101 ) ( الإسراء ) .

ما مناسبة أن يأتى القرآن بلفظة من قصة سيدنا موسى فى هذا الموضع ؟ لأن كفار مكة كانوا قد اجتمعوا ووقفوا فى وجه الدعوة واعترضوا على أن تأتى الدعوة واعترضوا على أن تأتى على يد محمد بالذات فقالوا ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم 31 ) ( الزخرف )

يقصدون مكة وكان فيها الوليد بن المغيرة والطائف وكان بها عروة بن مسعود الثقفى وغيرهما من سادة القوم اصحاب المال والجاه والهيبة فى القوم .

إذن لم يكن الاعتراض على القرآن إنما الاعتراض على من جاء القرآن على يديه .

لذلك أراد الحق  سبحانه أن يعطيهم مثلا من موكب الرسالات فهذا موسى عليه السلام لم يكن صاحب مال ولا صاحب جاه ولا سلطان وأرسله الله إلى من هو اشد كفرا من أهل مكة وصناديدها أرسله إلى فرعون الذى لم يكن يعارض الدعوة إلى الله إنما كان يقول أنا إله .

إذن لا عجب فى إرسال محمد وهو من عامة القوم وفقرائهم إلى السادة الأغنياء وهل الوليد وعروة وغيرهما من رؤوس الكفر كانوا أشد من فرعون .

فالرسالة إذن لا يطلب فيها أن يكون الرسول صاحب مال ولا صاحب جاه ولا سلطان ثم هذه رحمة الله يقسمها كيف يشاء ويختار لها من يشاء ويصطفى من عباده .

والمتأمل فى رسالتى موسى ومحمد يجد أن حياة موسى فى مجتمعه أقل من حياة محمد فى مجتمعه لأن موسى تربى فى بيت فرعون إلى أن شب وحدثت حادثة القتل التى قتل فيها موسى واحدا من القوم ثم جاء رجل من أقصى المدينة وقال ( يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنى لك من الناصحين 20 فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين 21 ) ( القصص ) .

بعد ذلك وصل إلى مدين وهناك وجد ( ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم إمرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير 23 فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير 24 ) ( القصص ) .

أولا نقول إن هذه الأيام تعطينا منهجا ودستورا للتعامل مع المرأة المسلمة وكيف ومتى تخرج من بيتها فالعلة فى خروج هاتين المرأتين أن أباهما شيخ كبير ولا يوجد من يقضى لهما حاجتهما .

إذن لا تخرج المرأة من بيتها إلا لضرورة وإذا خرجت تحشمت وتحجبت ولم تخالط الرجال ثم مهمة المجتمع الإيمانى أن يراعى حق المرأة وأن يأخذ بيدها فيما تريده من عمل لأنه مجتمع الرحمة والقربى بين المسلمين جميعا .

وأذكر أننا أول مرة سافرنا مكة سنة ( 1950 ) كنا نسكن فى بيت رجل مؤسر كان يتطوع ويوصلنا إلى العمل بسيارته الخاصة وفى مرة ونحن نسير وجد أمام أحد البيوت لوحا من الخشب الذى يوضع عليه العجين وكان باب البيت مغلقا فنزل وأخذ اللوح فى سيارته وذهب .

فلما سألته عن ذلك قال والله عندنا عادة لما نرى الباب مغلقا وأمامه شىء مثل هذا نعرف أن صاحب البيت غائب وأهل البيت يحتاجون شيئا فنقضيه لهم المهم أخذ الرجل لوح العجين وملأه بالخبز وبما قدره الله عليه وأعاده إلى أصحابه .

وهذا هو المعنى الذى تعلمناه من قصة سيدنا موسى ( فسقى لهما 24 ) ( القصص ) ونعود إلى القصة ( ثم تولى إلى الظل فقال رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير 24 ) ( القصص ) يعنى موسى كان رجلا فقيرا لا يملك من الدنيا سوى قوته البدنية فهذا الذى يجلس تحت ظل شجرة ليس له مأوى أبعد ذلك مسكنة وضعف ؟

هذا يدل على أنه كان رجلا غلبان لا يملك من حطام الدنيا شيئا ولو قارنا بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم نجد محمدا صلى الله عليه وسلم أطول إقامة فى قومه فقد نشأ بينهم منذ مولده وكان يرعى الغنم لأهله بأجرة ولما كبر اشتغل بالتجارة وكان ( مدير أعمال ) السيدة خديجة رضى الله عنها وكان يكسب ومعه مال .

ومع ذلك أرسل الله موسى الذى هو أضعف من محمد صلى الله عليه وسلم إلى فرعون الذى هو أقوى وأشد من الوليد وعروة وغيرهم وبهذا نفهم لماذا أتى ذكر سيدنا موسى فى هذا الموضع ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه 46 ) ( الزخرف ) .

ثم هناك نقطة ضعف أخرى فى رسالة سيدنا موسى أنه أرسل إلى فرعون الذى تربى فى بيته لذلك الحق سبحانه يعلمه كيفية الدخول إليه فى أمر الدعوة لأنه كان يمتن عليه .

( ألم نر بك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين 18 ) ( الشعراء ) فعلمه الله أن يقول له القول اللين ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى 44 ) ( طه ) .

وقوله ( بآياتنا 46 ) ( الزخرف ) أى بالمعجزات الظاهرات التى صاحبت دعوة سيدنا موسى لتؤيده وتثبت القوم صدقه فى البلاغ عن الله حيث أنه يشترط فى المعجزة أن تكون موضعا للتحدى بحيث لا يقدر أحد على الإتيان بمثلها وأن تكون من جنس ما نبغ فيه القوم ليكون التحدى له معنى وإلا كيف أتحداك بشىء لا تعرفه أنت ولا تجيده ؟

ولأن قوم موسى نبغوا فى السحر كانت معجزة العصا من المعجزات التى أعطاها الله تعالى لسيدنا موسى وقد دربه ربه عز وجل على استخدام هذه العصا وعرفه ما فيها من أسرار قبل لقائه بفرعون .

واقرأ ( وما تلك بيمينك يا موسى 17 قال هى عصاى أتؤكأ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى 18 قال ألقها يا موسى 19 فألقاها فإذا هى حية تسعى 20 ) ( طه ) .

كان هذا الموقف تدريبا لموسى على استخدام معجزته أمام فرعون وعندها علم موسى أنه إذا كانت مآربه من عصاته أن يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه فلله تعالى مآرب أخرى غير هذه المآرب الظاهرة .

لذلك رأينا بعض المستشرقين يقولون إن القرآن كرر قصة عصا موسى هذه فى أكثر من موضع والواقع أن القصة لا تكرار فيها بل هى مواقف مختلفة للعصا مع موسى فالمرة الأولى كانت تدريبا لموسى حتى لا يفاجأ بما تفعله العصا إذا ألقاها أمام فرعون .

وكانت المرة الثانية أمام فرعون والثالثة أمام جمع فرعون السحرة إذن ليس فى المسألة تكرار إنما هى مواقف مختلفة لشىء واحد والقرآن حينما عرض لنا هذه القصة علمنا الفرق بين السحر والمعجزة السحر تخييل وخداع للنظر إنما المعجزة حقيقة واقعة لذلك قال عن العصا ( فإذا هى حية تسعى 20 ) ( طه ) يعنى على وجه الحقيقة ولما تكلم عن حبال السحرة قال ( يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى 66 ) ( طه ) والدليل على ذلك أن السحرة وأهل التمرس والخبرة فى هذا المجال لما رأوا العصا ساعة انقلبت حية خروا سجدا وآمنوا بموسى وبما جاء به لأنهم أدرى القوم بهذه المسألة ( قالوا آمنا برب هارون وموسى 70 ) ( طه ) .

والحق سبحانه فى موضع آخر يقول ( سحروا أعين الناس واسترهبوهم 166 ) ( الأعراف ) معنى سحروا أعين الناس أن الأمر فى السحر موقوف عند العين وعند النظر فهو تخييل فى مرأى العين فحسب وواقع الحياة يشهد بذلك فأذكر أننى كنت رئيس بعثة الأزهر فى الجزائر وهناك تعرفت على سفير السعودية بالجزائر الشيخ رياض الخطيب بن فؤاد الخطيب الشاعر العظيم وحدث بينى وبينه مودة وصادف أنه نقل من الجزائر إلى باكستان وبعدها سافرت أنا إلى باكستان ونزلت على الشيخ رياض وفى يوم تحدثنا عن السحر فقال سأريك مسألة غريبة هنا ساحر هندى يفعل كذا وكذا فقلت والله فرصة نرى ماذا يفعل وفى الصباح ذهبنا إلى قرية وأتوا بالساحر الهندى فقعد وعمل نصبة وأتى بقطن جعله على هيئة حبل ولواه هكذا وكان معه ولد صغير أشار إليه أن يصعد على هذا الحبل حتى رأى جميع الجالسين الولد فعلا طالعا على الحبل .

فى اليوم الثانى وبعد أن راجعت آيات السحر فى كتاب الله أخذت معى كاميرا فوتوجرافية وأحببت أن أصور هذا المشهد وفعلا صورته فى اليوم التالى وجدت الصورة بعد تحميضها بيضاء ليس بها شىء أبدا فقال لى صاحبى إذن بم تفسر هذا التخييل الذى رأيناه ؟ قلت والله من حديث القرآن عن الجن نعلم أنه يتشكل بكل الصور ولا مانع أبدا أن الساحر يستعين بالجن قال تعالى ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا 6 ) ( الجن ) .

إذن لا مانع عقلا أن يسخر الساحر من الجن من يساعده فى هذه المسألة ويتشكل له كما يريد والقرآن الكريم نص على أن الآيات والمعجزات التى أرسل الله بها سيدنا موسى كانت تسع آيات

( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بنى اسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إنى لأظنك يا موسى مسحورا 101 ) ( الإسراء ) .

وقال فى موضع آخر ( وما نريهم من آية إلا هى أكبر من أختها 48 ) ( الزخرف ) وهذا يعنى أنها كانت آيات كثيرة واضحة ظاهرة بينة .

وقوله سبحانه ( إلى فرعون وملئه 46 ) ( الزخرف ) الملأ هم القوم خاصة الوجهاء منهم وأصحاب المنزلة من قولنا فلان ملء العين وفى آية أخرى قال ( وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا فى الأرض وما كانوا سابقين 39 ) ( العنكبوت ) وقوله تعالى /  فقال إنى رسول رب العالمين 46 ( الزخرف ) ملخص لرسالته وموجز لما جاء به .

( فلما جآءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون 47 ) ( الزخرف ) .

فى آية العنكبوت السابقة بينت رد فعلهم وهو الاستكبار والاستكبار هنا يعنى أنهم علموا أن موسى على الحق وأنه صاحب معجزات ومع ذلك استكبروا على أن يؤمنوا به وهنا بينت الآية وجها آخر للاستكبار ( إذا هم منها يضحكون 47 ) الزخرف / يضحكون إما إعجابا بالمعجزة وللآية التى رأوها وأنها خارقة للعادة وخلاف كل ما رأوه من السحرة أو يضحكون سخرية واستخفافا .

( وما نريهم من أية إلا هى أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون 48 ) الزخرف / معنى ( آية 48 ) ( الزخرف ) يعنى معجزة ( إلا هى أكبر من أختها 48 ) ( الزخرف ) يعنى كل معجزة أعظم وأوضح من سابقتها وهذا يعنى أن الإعجاز واضح فى جميع الآيات على كثرتها فكل آية كبيرة من جهة ما لأن المقصود من الآيات الإعجاز وإثبات شىء ليس فى مقدور البشر ولا طاقتهم وما دام أن كل آية تؤدى هذا الغرض فهى آية كبيرة .

وقوله ( وأخذناهم بالعذاب 48 ) ( الزخرف ) أى عاقبناهم على تكذيبهم بالعذاب وقد أوضح الحق سبحانه هذا العذاب فى موضع آخر فقال ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون 130 ) ( الأعراف )

وتأمل تذييل هاتين الآيتين مرة ( لعلهم يرجعون 48 ) ( الزخرف ) ومرة ( لعلهم  يذكرون 130 ) الأعراف / فالحق سبحانه لا يعذب خلقه لأنه يحب أن يعذبهم إنما يعذبهم ليعودوا إليه فحتى العذاب هنا رحمة بهم وقوله ( لعلهم يرجعون 48 ) الزخرف / أى عن المكابرة والجدال والعناد لكن هل رجعوا ؟ أبدا ظلوا على كفرهم وجحودهم حتى بعد أن أخذهم الله بالسنين يعنى القحط وجدب الأرض وجفافها فتنتج عن ذلك نقص الثمرات وضيق العيش .

ثم بعد ذلك كله ( فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات 133 ) الأعراف / يعنى آيات واضحة الدلالة بينة فأصبحوا فى ضيق وهزال مشغولين بلقمة العيش فذهبوا إلى موسى عليه السلام بعد أن يئسوا وقالوا ( وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون 49 ) ( الزخرف )  كلمة الساحر هنا لا تعنى اعترافهم بتفوقه فى مجال السحر فحسب إنما تعنى الرجل الماهر فى كل شىء المتفوق عليهم فى السحر وفى العلم وفى الإحاطة بأمور الحياة يعنى لا مثيل له وهذا يذكرنا بموقف من سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث وفد عليه الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وهما من سادة العرب فقال النبى صلى الله عليه وسلم لعمرو بن الأهتم ما تقول فى الزبرقان بن بدر ؟ فقال يا رسول الله مطاع فى ناديه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره فقال الزبرقان يا رسول الله والله إنه ليعلم منى أكثر مما وصفنى به ولكنه حسدنى .

فقال عمرو والله يا رسول الله إنه زمر المروءة ضيق العطن لئيم الخال أحمق الموالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن الأهتم وما حملك على أن تقول ما قلت ؟ فقال يا رسول الله رضيت فقلت أحسن ما أعلم وغضبت فقلت أسوأ ما أعلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من البيان لسحرا ) .

الشاهد هنا أن السحر يأتى بمعنى التفوق عامة فى أى ناحية من نواحى الحياة إذن لما رأوا تصرفات موسى خضعوا له وسلموا له بالتفوق عليهم وإن كانوا لم يؤمنوا به ولكن لأنهم مقتنعون بتفوقه بل وبصدق دعوته ذهبوا إليه وطلبوا منه أن يدعو لهم وأن يفرج عنهم ما هم فيه من ضنك العيش فقالوا ( يا أيها الساحر ادع لنا ربك 49 ) ( الزخرف ) إذن يعترفون بصلته بربه لكن ربه هو لا ربهم أيضا بدليل ( ادع لنا ربك 49 ) ( الزخرف ) ولم يقولوا مثلا ربنا .

( بما عهد عندك 49 ) ( الزخرف ) لأن ربك يطاوعك ويفعل لك ما تريد ووعدك بكشف العذاب عمن آمن بك ( إننا لمهتدون 49 ) ( الزخرف ) يعنى لو كشفت عنا ما نحن فيه فسوف نهتدى ونؤمن بك .

( فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون 50 ) ( الزخرف ) .

إذن قولهم ( إننا لمهتدون 49 ) ( الزخرف ) كانت مجرد كلمة تقال نفاقا من طرف اللسان ليس لها رصيد من صدق الواقع لأن الحق سبحانه كشف عنهم العذاب فعادوا لما كانوا عليه ومعنى ( ينكثون 50 ) ( الزخرف ) يرجعون إلى ما كانوا عليه وينقضون العهد الذى قطعوه على أنفسهم بأن يهتدوا .

( ونادى فرعون فى قومه قال يا قوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى أفلا تبصرون 51 ) ( الزخرف )

هنا يشعر فرعون بالخطر وتهتز مكانته أمام قومه يشعر أن موسى يسحب البساط من تحت قدميه حيث تتجه إليه الأنظار خاصة بعد حادثة السحرة الذين آمنوا برب هارون وموسى ولم ينتظروا إذنا من فرعون وبعد أن نزل بهم القحط وأصابهم الجدب حتى يئسوا فتوجهوا إلى موسى وطلبوا منه كشف ما هم فيه لذلك نرى فرعون يحاول أن يعيد مكانته ويحسن صورته أمام قومه .

( ونادى فرعون فى قومه 51 ) ( الزخرف ) بماذا نادى مناديه ؟ ( قال يا قوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى أفلا تبصرون 51 ) ( الزخرف ) يعنى انتبهوا إلى مكانتى وملكى وقدرتى عليكم ولا تهتموا بأمر موسى فأنا لا أزال ملك مصر والأنهار تجرى من تحتى يعنى لا أزال ولى نعمتكم      

( أفلا تبصرون 51 ) ( الزخرف ) لكن نلاحظ فى ندائه هذا أنه لم يقل شيئا عن ألوهيته ولم يقل أنا ربكم الأعلى فقد تنازل عن هذه الشعارات التى لم يعد لها موضع بعد ما حدث مع موسى ثم تأمل صيغة النداء ( أليس لى ملك مصر 51 ) الزخرف / بهذا الاستفهام التقريرى يعنى قولوا لى ألم أزل ملكا عليكم ولم يأت مثلا بأسلوب الخبر أنا ملك مصر .

إذن يتحدث فرعون الآن من موقف الضعف نعم لأنه كان يقول ( أنا ربكم الأعلى 24 ) ( النازعات ) والآن يقول ( أليس لى ملك مصر 51 ) ( الزخرف )

كلمة ( ملك 51 ) ( الزخرف ) مادتها ( م ل ك ) نلاحظ أن الميم تأتى مرة بالكسر ومرة بالفتح ومرة بالضم فالميم المكسورة ملك يعنى كل ما تمتلكه ولو حتى اللباس الذى تلبسه يسمى ملك .

وملك بالضم تعنى الإرادة والسيطرة على من له ملك يعنى يملك من يملك وملك بالفتح يعنى الإرادة والاختيار كما فى قوله تعالى ( ما أخلفنا موعدك بملكنا 87 ) طه /  أى بإرادتنا .

وفى اسم الفاعل نقول ملك ومالك مالك تقال لكل منا يسمى مالك حتى لو كان يملك مجرد ملابسه أما ملك فلا تقال إلا لمن يملك ويتحكم فى المالك .

لكن حين نقرأ مثلا فى سورة الفاتحة ( مالك يوم الدين 4 ) ( الفاتحة ) ولم يقل ملك صحيح هى فى إحدى القراءات ( ملك يوم الدين 4 ) ( الفاتحة ) لكن الأشهر / مالك فما الحكمة أن يعدل عن اللفظ الأقوى إلى الأقل منه ؟

قالوا اختار الحق سبحانه لفظ مالك ليقول أنه سبحانه مالك ليوم القيامة وغيره يملك الأرض وما عليها فقوله ( مالك يوم الدين 4 ) ( الفاتحة ) يعنى غيره لا يملك هذا اليوم فهى لله وحده لذلك قال ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار 16 )

( غافر ) .

هكذا بالقصر عليه سبحانه دون غيره إذن لفظة مالك هى المطلوبة هنا وهى التى تؤدى المعنى المراد فهى الأدل على المعنى وإن كانت أدنى من ملك .

كما قلنا مثلا فى كلمة ( كبير ) و ( أكبر ) أكبر أفعل تفضيل من كبير فهى أقوى ومع ذلك فى نداء الصلاة نقول الله أكبر وليس فى أسماء الله أكبر بل من أسمائه سبحانه الكبير فلماذا عدل عن الكبير إلى أكبر ؟ قالوا قال الله أكبر لحكمة هى أن الأقل هنا له موضع لأنك حين تدعو الناس إلى الصلاة تخرجهم من عمل وسعى مشروع هو قوام حياة الناس ومعايشهم ومصالح الناس وأعمالهم ليس بالشىء التافه الذى لا قيمة له فى دين الله إنما هو من الأمور المطلوبة للشرع .

فهو إذن مهم وكبير لكن إذا جاء وقت الصلاة فاعلم أن الله أكبر يعنى أكبر من العمل ومن السعى .

وهذه المسألة يبينها لنا الحق سبحانه فى سورة الجمعة ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع 9 ) ( الجمعة ) ثم بعد انقضاء الصلاة قال ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله 10 ) ( الجمعة ) .

إذن أخذك للصلاة من العمل ثم أعادك إليه مرة أخرى لأن به يتم إعمار الأرض وقضاء مصالح الخلق إذن أكبر هى الأنسب فى آداء المعنى المراد .

قوله ( ونادى فرعون فى قومه 51 ) ( الزخرف ) فرعون لم يناد هو إنما أمر من ينادى فى القوم بهذا النداء فلما كان النداء بأمره نسب إليه وقوله ( أليس لى ملك مصر 51 ) ( الزخرف ) يعنى القطر كله لا العاصمة كما نقول نحن اليوم ( مصر ) على القاهرة فمصر التى ملكها فرعون كانت من الاسكندرية إلى أسوان ومصر علم على هذه البقعة وهى مكونة من ثلاثة أحرف أولها كسرة ووسطها ساكن والسكون يعطى خفة فى النطق فهى اسم سهل فى النطق وجاء على أقل صيغ تكوين الاسم فى اللغة لأن الاسم فى العربية أقله ثلاثة أحرف وأكثره خمسة إذا كان مجردا من أحرف الزيادة .

والمتأمل يجد أن مكة وهى بلد الله الحرام ومحل بيته المقدس ذكرت فى كتابه الكريم مرتين ( وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة 24 ) ( الفتح )

وجاءت بلفظ بكة فى قوله تعالى / إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين 96

( آل عمران ) أما مصر فذكرها الحق سبحانه فى كتابه خمس مرات ( أليس لى ملك مصر .. 51 ) ( الزخرف ) وفى ( وقال الذى اشتراه من مصر 21 ) ( يوسف ) وفى ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين 99 ) ( يوسف ) وفى ( وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا 87 ) يونس / وفى ( اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم 61 ) ( البقرة )

وجاءت مصر فى الآية الأخيرة هكذا بتنوين الفتح وقال المفسرون يعنى أن مصر من الأمصار يكون فيه ما تريدون ولو اعتمدنا هذا التفسير فمصر فى هذه الحالة داخلة فيه لأنها مصر من الأمصار

وقوله ( وهذه الأنهار تجرى من تحتى 51 ) ( الزخرف ) كلمة ( من تحتى 51 ) الزخرف / تدل على التمكن والسيطرة وبالفعل كانت قصوره على النهر مباشرة وكأن النهر يمر من تحتها .

وجمع الأنهار مع أننا نعرف أن فى مصر نهرا واحدا هو نهر النيل وأنه يتفرع إلى فرعين دمياط ورشيد فلماذا قال ( وهذه الأنهار 51 ) ( الزخرف ) .

كانت على أيام الفراعنة خمسة أنهار أى أنهم فرعوا من النهر خمسة فروع ليزيدوا من الشواطىء وبهذا كان لديهم عشرة شواطىء تبنى عليها قصورهم .

وأذكر فى هذا المقام أنه كان لنا شيخ فاضل اسمه الشيخ عمر العمروسى من طنطا الجزيرة وكنت أجلس إليه وأستفيد من علمه ومعى الشيخ سيد شرف والدكتور ياسين عبد الغفار .

وفى يوم من الأيام سألنى وهو يعرف أننى فى الأزهر فقال لى يا شعراوى ماذا فعلتم فى مسألة

( وهذه الأنهار تجرى من تحتى 51 ) ( الزخرف ) .

قلت له فى قراءة التاريخ وجدنا أن مصر فى أيام الفراعنة كان بها خمسة أنهار نهر اسمه الملك لأن على شاطئه قصر الملك ونهر اسمه دمياط ونهر اسمه تنيس والعجيب أن منها نهرا يسمى طولون ونحن نعرف أحمد بن طولون وكان فى القرن التاسع الميلادى فكيف سمى باسمه وبعد البحث عرفنا أن ابن طولون هو الذى ردم هذا الفرع من النهر فسمى باسمه .

والنهر الخامس كان يسمى الخليج إذن زادوا من تفريعات النهر الرئيسى لتزداد فرص البناء المطل على النهر وهذا إن دل فإنما يدل على ترف الحياة حين ذاك .

أما الشيخ عمر فكان له فى تفسير الأنهار رأى آخر قال اسمع يا ابنى أنت وهو الفراعنة جعلوا مصر على هيئة نموذج للجنة فجعلوا بها أربعة أنهار واقرأوا القرآن ( مثل الجنة التى وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى 15 ) محمد  لكن من أين عرف الفراعنة هذه الصورة عن الجنة فحاكوها على أرض مصر ؟ لأنهم كانوا يسيرون فى أمور حياتهم وفى سياستهم خلف الكهنة والكهنة كانوا على علم وقرأوا الكتب السماوية السابقة .

وإن العلوم التى عرفها الفراعنة وبنوا بها الأهرامات وأبا الهول والمعابد الموجودة الآن والتى لم نصل بعد تطور العلوم إلى أسرار بنائها وعملية تحنيط الموتى وغيرها من الأسرار عرفوه من الكهنة وما دامت من الكهنة فمصدرها وحى السماء بدليل أنه لما انتهى عصر الكهنة ولم يعد لهم وجود لم نجد لهذه العلوم أثرا حتى الآن .

وأذكر أننى فى أثناء تولى المهندس حسب الله الكفراوى اقترحت عليه إعادة حفر هذه الأنهار بحيث تلتقى كلها عند القناطر الخيرية ونزيد مساحة الشاطىء عندنا واقترحت عليه لحل أزمة البناء وبدلا من البناء على الأرض الزراعية أن نبنى المساكن والمرافق الحكومية فوق فروع الترع والرياحات لأنها تحتل مساحات واسعة ومعظمها عليه طرق من اليمين ومن الشمال ويمكن أن نقيم أعمدة مسلحة على هذه الرياحات ونبنى فوقها كل مؤسسات الدولة بدل التكدس فى العاصمة فوعدنى بدراسة هذه المقترحات لكن لم ينفذ منها شىء .

المفسرون يقولون فى ( وهذه الأنهار تجرى من تحتى 51 ) ( الزخرف ) أن الأنهار كانت تجرى من تحت قصوره بالفعل قالوا حتى أنه جعل من تحت سريره الذى ينام عليه مجرى مائيا كالنهر .

(أم أنا خير من هذا الذى هو مهين ولا يكاد يبين 52 ) ( الزخرف )

فرعون يجرى هذه المفاضلة بينه وبين موسى فيقول أنا خير من هذا يقصد موسى واكتفى بالإشارة إليه امتهانا به ( مهين ) يعنى ضعيف حقير حيث لا قوة تحميه وليس له جند يدافعون عنه .

( ولا يكاد يبين 52 ) ( الزخرف ) أى يبين عن نفسه ويفصح عنها والمعنى لا يستطيع الكلام بإبانة وطلاقة ذلك لأن موسى عليه السلام كان به لثغة فى لسانه .

لذلك قالوا أنه طلب من ربه عز وجل أن يعينه على هذه المسألة بأن يرسل معه آخاه هارون

( وأخى هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله معى ردءا يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون 34 ) القصص / ويروى أن سبب هذه اللثغة فى لسانه أنه وهو صغير قال كلمة فيها جرأة على فرعون حتى شك فى أمره وتخوف منه فقالوا له إنه صغير لا يعرف شيئا وليثبتوا لفرعون ذلك أتوا لموسى بتمرة وجمرة فأخذ الجمرة فلسعته فى لسانه وأحدثت به هذة اللثغة .

( فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين 53 ) ( الزخرف ) .

هذه هى الصورة المادية التى يتصورها فرعون للرسول أن يأتى يرتدى الأسورة من الذهب وهى دلالة على القوة والسيطرة والعظمة أو يأتى ومعه ملائكة مصاحبون له يؤيدونه ويشهدون بصدقه

( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين 54 ) ( الزخرف ) .

الاستخفاف يعنى العجلة والطيش وعدم التدبر فى المسائل أى استخفهم فرعون بهذا الكلام فأطاعوه على الضلال الذى هو فيه ووافقوه على الفساد ولا يوافق على الفساد إلا المنتفع به أو وجدهم أهل طيش ورعونة وعدم تفكر فى الأمور فضحك عليهم بهذا الكلام .

( فلما ءاسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين 55 فجعلناهم سلفا ومثلا للأخرين 56 ) الزخرف

معنى ( آسفونا 55 ) ( الزخرف ) أغضبونا فكانت النتيجة ( انتقمنا منهم 55 ) الزخرف / كيف ؟

( فأغرقناهم أجمعين 55 ) ( الزخرف ) وبالغرق جعلهم الله ( سلفا ) السلف من تقدم أى جعلهم الله قدوة وعبرة لمن يأتى بعدهم ( ومثلا للآخرين 56 ) الزخرف عبرة لغيرهم من الكافرين .

( ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون 57 ) ( الزخرف )

هنا الفعل ( ضرب ) مبنى لما لم يسم فاعله فمن الذى ضرب ابن مريم مثلا ؟ الحق سبحانه وتعالى هو الذى جعل ابن مريم مثلا لأنه ولد لأم بلا أب وجاء من نفخة الحق سبحانه فى مريم فنسبوه إلى الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فرد الله عليهم بأن عيسى فى الخلق مثل آدم .

( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون 59 ) ( آل عمران ) فإذا كان عيسى بلا أب فآدم بلا أب وبلا أم والذى يقدر على الأعلى يقدر على الأدنى من باب أولى فلا تفتنوا فيه .

وبعد أن نزل قوله تعالى ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون 98 ) الأنبياء

تبين أنه الضال بعبادة غير الله هو ومعبوده فى جهنم معا ( حصب جهنم 98 ) ( الأنبياء ) يعنى وقودها وجاء رجل اسمه عبد الله بن الزبعرى قبل أن يسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له يا محمد أهذه الآية لنا أم لجميع الخلق ؟ قال صلى الله عليه وسلم لجميع الخلق فقال له كيف وعيسى عبد من دون الله والعزير عبد من دون الله والملائكة عبدوا من دون الله أيذهب هؤلاء مع عابديهم إلى النار ؟ فلم يجبه رسول الله إلى أن نزل قوله تعالى ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون 101 ) ( الأنبياء )

ولما بلغت هذه المسألة سيدنا عليا رضى الله عنه قال ( ما ) هنا لغير العاقل فلا يدخل فى هذا الحكم عيسى ولا العزير ولا الملائكة وهذه من حكمة الإمام على الذى تربى فى حضن النبى وتعلم من مدرسته منذ صغره وجاءت ثقافته من نور النبوة .

لذلك ورد فى الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم ( أنا مدينة العلم وعلى بابها ) وكان من الفقهاء أصحاب الاستنباط الواعى حتى أمام كبار الصحابة حتى أن عمر بن الخطاب الذى كان ينزل القرآن وفق رأيه يقف فى مسألة لا يحلها إلا على حيث عرضت عليه مسألة المرأة التى ولدت لستة أشهر فقال بإقامة الحد عليها لأن المشهور فى أشهر الحمل تسعة أشهر .

فقال يا أمير المؤمنين لا شىء عليها لأن الله يقول ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا 15 )  الأحقاف  ويقول ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين 133 ) ( البقرة ) إذن مدة الحمل يمكن أن تكون ستة أشهر .

ومرة دخل على سيدنا عمر ومعه درة يريد أن يضرب بها سيدنا حذيفة فقال له ما لى أراك مغضبا يا أمير المؤمنين ؟ قال سألت حذيفة كيف أصبحت ؟ فقال أصبحت أحب الفتنة وأكره الحق وأصلى بغير وضوء ولى فى الأرض ما ليس لله فى السماء فقال على صدق والله يا أمير المؤمنين .

فقال عمر أتقولها يا أبا الحسن ؟ قال أما الفتنة فقال تعالى / واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة

28 / ( الأنفال ) والحق الذى يكرهه هو الموت ويصلى على النبى صلى الله عليه وسلم بغير وضوء وله فى الأرض زوجة وولد وليس لله زوجة ولا ولد عندها قال عمر بئس المقام بأرض ليس فيها أبو الحسن .

ومن لطائف ما روى عنه رضى الله عنه أنه مر بجماعة اختلفوا فى أى مخلوقات الله أشد وأكثر قوة فسألوه ما أشد جنود الله يا أبا الحسن ؟ فكأنه كان على علم مسبق بهذه المسألة وأنه سيسأل عنها لذلك قال وحصر العدد قبل المعدود وأشار بيده أنها عشرة الجبال الرواسى والحديد يقطع الجبال والنار تذيب الحديد والماء يطفىء النار والسحاب يحمل الماء والريح يحمل السحاب وابن آدم يغلب الريح يستتر بالثوب ويمضى إلى حاجته والسكر يغلب ابن آدم والنوم يغلب السكر والهم يغلب النوم فأشد جنود الله الهم .

وفى بعض أحاديثنا مع الإخوان طلبوا منى أن أذكر لهم خطبة الإمام على التى قالها لما ماتت فاطمة بنت محمد وكنت كلما ذكرتها لهم قالوا أعد مرة أخرى قلت لما ماتت فاطمة دفنت بجوار رسول الله والصحابة وبعد أن دفنت قالوا له يا على لو أننا أبحنا لكل أولاد الرسول أن يدفنوا إلى جواره لضاق المسجد بالناس فقال ضعوها نهارنا وسوف أنقلها ليلا كى لا تحدث فتنة وبالليل نقلها إلى البقيع .

وكان مما قاله الإمام على وهو يدفن فاطمة إلى جوار أبيها قال السلام عليك يا رسول الله منى ومن ابنتك النازلة إلى فى جوارك السريعة اللحاق بك قل يا رسول الله عن صفيتك صبرى ورق عنها تجلدى إلا أن لى فى التعزى بمصيبتك موضع سلوى .

فقد وسدتك يا رسول الله فى ملحودة قبرك وفاضت بين سحرى ونحرى نفسك أما ليلى فمسهد وأما حزنى فسرمد إلى أن يختار الله لى داره التى أنت فيها مقيم وستخبرك ابنتك عن حال أمتك فأصفها السؤال واستخبرها الحال هذا ولم يطل منك العهد ولم يخل منها الذكر فلما أراد أن ينصرف قال والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم فإن انصرف فلا عن ملالة وإن نقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله به عباده الصابرين ومعنى ( يصدون 57 ) ( الزخرف ) أى يرفعون أصواتهم بالضحك والسخرية من رسول الله .

( وقالوا ءألهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون 58 ) الزخرف .

يعنى كان هدفهم من الحديث عن عيسى والعزير والملائكة وسؤالهم أيدخلون النار مع عابديهم مجرد جدل وهذا جدل مذموم لأنهم يريدون أن يبرروا باطلهم إذن جدل باطل ممنوع أما الجدل المحمود الذى شرعه الشارع فهو الجدل البناء الموصل إلى الحق لذلك قال الحق عنهم ( بل هم قوم خصمون 58 ) ( الزخرف ) معنى ( خصم ) يعنى مبالغة فى الخصومة وهى الجدل بالباطل واللدد والعناد نقول خاصمنى فلان فخصمته يعنى انتصرت عليه .

( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلنه مثلا لبنى اسرائيل 59 ) ( الزخرف )  

( إن هو 59 ) ( الزخرف ) هنا تفيد النفى يعنى ما هو أى سيدنا عيسى ( إلا عبد 59 ) / الزخرف  عبد لله كسائر الخلق يعنى ليس إلها كما يدعون ( أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبنى اسرائيل  59 )

( الزخرف ) مثلا يعنى عبرة أو عجيبة من عجائب الخلق تظل باقية أبد الدهر أليس عجيبا أن يتكلم عيسى فى المهد ؟ فلما سئلت عنه أمه لم تشأ أن تتكلم لأن كلامها لن ينفى عنها تهمة القوم فأشارت إليه عندها تعجبوا ( كيف نكلم من كان فى المهد صبيا 29 ) ( مريم ) فنطق عيسى وهو فى مهده ( قال إنى عبد الله 30 ) ( مريم ) فكان أول كلامه أن أثبت عبوديته لله وهذه المسألة يخفيها بعض النصارى لأنها تتعارض ومعتقداتهم فى المسيح .

وعجيب أن يقول بعد ذلك ( آتانى الكتاب وجعلنى نبيا 30 ) ( مريم ) هكذا بصيغة الماضى وهو ما يزال فى مهده كيف ؟ لقد آتاه الله الكتاب وجعله نبيا بعد أن كبر وبلغ مبلغ التكليف وحمل الرسالة إذن ما يريده الله سوف يحدث لا محالة وقد أخبره الله بذلك وهو فى مهده .

وكلمة ( عبد 59 ) ( الزخرف ) محل العطاء الأوفى من الله ما دمت تخلص العبودية لله هذا الإخلاص الذى رفع العبد الصالح إلى أن يسير موسى عليه السلام فى ركابه ويتعلم منه وقال الله عنه

( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما 65 ) ( الكهف ) .

وفى الإسراء قال تعالى ( سبحان الذى أسرى بعبده 1 ) ( الإسراء ) فكأن العبودية هى محل العطاء عطاء الرسالة وما هو فوق الرسالة .

وهنا كانت عبودية المسيح هى محل ( أنعمنا عليه 59 ) ( الزخرف ) بماذا ؟ أنعمنا عليه بالاصطفاء للرسالة وخلقناه على غير مثال سابق فى الخلق لذلك قال سبحانه ( وجعلنا ابن مريم وأمه آية 50 ) ( المؤمنون ) أى معجزة عجيبة دالة على طلاقة القدرة .

وقال ( وجعلناه مثلا لبنى اسرائيل 59 ) ( الزخرف ) لأنهم قوم ماديون لا يؤمنون بالغيبيات ودائما يطلبون الشىء المادى الذى تقع عليه حواسهم .

ألم يقولوا لموسى ( أرنا الله جهرة 153 ) ( النساء ) وهو سبحانه غيب ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار 103 ) ( الأنعام ) .

ولما أنزل الله عليهم المن والسلوى وهو من أجود الطعام وأحسنه قالوا ( يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير 61 ) ( البقرة ) .

( ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة فى الأرض يخلفون 60 ) ( الزخرف ) .

يعنى لو أراد الحق سبحانه لجعل بدلا منهم أى بنى إسرائيل ملائكة يخلفونهم فى عمارة الأرض ولا يكون ذلك إلا بهلاكهم وإبادتهم فهذا الأمر ليس بعسير على قدرة الله وفى الآية دليل على طلاقة القدرة وأنه سبحانه يفعل ما يريد فلو شاء لفعل .

( وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم 61 ) ( الزخرف ) .

( وإنه 61 ) ( الزخرف ) أى عيسى عليه السلام ( لعلم للساعة 61 ) ( الزخرف ) يعنى علامة من علاماتها يدل على قرب وقوعها ( فلا تمترن بها 61 ) ( الزخرف ) لا تشكون فيها ولا تجادلون فى وقوعها لأنها حق لا مرية فيه .

( واتبعون 61 ) ( الزخرف ) كونوا تابعين لى مقتنعين بكلامى مقلدين لى لأنى أسوة لكم فى حركة الحياة وفى العبادة ( هذا 61 ) ( الزخرف ) أى ما جئتكم به ( صراط مستقيم 61 ) ( الزخرف ) .

والحق سبحانه وتعالى جعل للساعة علامات واضحة تدل عليها لأنها من الغيب الذى لا يطلع عليه أحد إلا الله ولا يعرفها أحد وكل ما نعرفه عن الساعة علاماتها الدالة عليها .

والذى نعتقده فى سيدنا عيسى أنه حى فى السماء وأنه سينزل إلى الأرض وفى حديث الإسراء أنه نزل وصلى خلف رسول الله وهو وإن كان حيا فى السماء إلا أنه سينزل إلى الأرض ويموت ويدفن

ونقول لمن يعارض هذه المسألة وكيف أن عيسى حى فى السماء لقد أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم وعرج به إلى السماء وظل هناك فترة من الزمن طالت أم قصرت فحين نقول إن عيسى فى السماء فالخلاف فقط فى مسألة الفترة والذى يمكث فى السماء ساعة أو ساعتين يمكث أكثر .

( ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين 62 ) ( الزخرف ) .

يعنى لا يمنعكم ولا يصرفكم عن الحق والهدى ( إنه لكم عدو مبين 62 ) ( الزخرف ) يعنى واضح العداوة وعداوته لكم راسخة وقديمة منذ أبيكم آدم فلا تعطوه الفرصة لأن يصدكم عن الحق أو يفتح لكم أبواب الشبهة لأنه يتصيد مواطن الخلاف ويحوم حولها حتى يوقعكم فى الضلال .

فهو القائل ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم 16 ) ( الأعراف ) أى فى أماكن الطاعة ليفسدها عليهم والحق سبحانه يعلمنا كيف نتحصن منه / وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله 200 الأعراف / فاسم الله هو الذى يطرد عنك وساوس الشيطان ونزغاته لأن وارد الشيطان لا بقاء له أبدا مع وارد الرحمن .

قلنا لو أن لصا يحوم حول بيتك فسمعك تقول إحم فإنه يتراجع وينصرف ولو قلتها حتى مصادفة فأى نزغ من الشيطان ساعة تشعر بأنه يحوم حولك ما عليك إلا أن تذكر الله وتستعيذ به من وساوسه تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم تقولها بصوت عال وقد اعترف الشيطان نفسه بأنه لا سلطان له على الذين آمنوا وأخلصوا لله تعالى ( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين 82 إلا عبادك منهم المخلصين 83 ) ( ص ) .

( ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون 63 ) ( الزخرف )

( بالبينات 63 ) ( الزخرف ) الآيات والمعجزات ( قال قد جئتكم بالحكمة 63 ) الزخرف / يعنى الإنجيل وما فيه من أحكام ( ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه 63  ) ( الزخرف ) والذى اختلفوا فيه قبل عيسى أو بعد أن انتقل عيسى فقالوا عنه ابن الله وقالوا ثالث ثلاثة واليهود قالوا أكثر من هذا الحق سبحانه يقول أنا أعطيته الحكمة يعنى الإنجيل والحكمة تعنى وضع الشىء فى موضعه وعيسى عليه السلام جاء بعد اليهودية وكانت اليهودية مسرفة فى المادية ومنها ينطلقون فى كل شىء .

وقلنا إن هذه المادية هى التى دعتهم إلى أن يطلبوا من رسولهم رؤية الله / فقالوا أرنا الله جهرة 153 / ( النساء ) فلا مجال للغيبيات فى حياتهم حتى فى طعامهم وشرابهم لما أنزل الله عليهم المن والسلوى لم يقتنعوا به وأرادوا طعاما يصنعونه بأيديهم فقال لهم / اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم / 61 / ( البقرة ) لذلك حينما تقرأ التوراة لا تجد فيها ذكرا لليوم الآخر وكذلك التلمود مع أن اليوم الآخر والإيمان به ركن من أركان الإيمان لكنهم لماديتهم لا يصدقون به لذلك لما جاءت رسالة عيسى عليه السلام جاءت كلها روحانيات لتجبر النقص الروحى فى اليهودية ولتستوى كفة الاعتدال فى الخلق ,

لذلك لا نجد فى الإنجيل شيئا عن تقنينات المجتمع فإن أرادوا شيئا من ذلك أخذوه من التوراة وقد اضطروا مع ما بينهم من عداء إلى أن يجمعوا التوراة والإنجيل فى كتاب واحد وأسموه العهد القديم لأن عيسى عليه السلام سئل مرة عن الميراث فقال أنا لم أبعث موروثا .

إذن لما طغت المادية قابلها بروحانية ليحدث الاعتدال فى حركة الحياة لأن الروحانية هى التى تدفع الحركة المادية لذلك جاءت رسالة عيسى تربى المواجيد الدينية وترتفع بالروحانيات .

فالحياة تحتاج للجانبين معا الحركة المادية التى تتفاعل مع الكون والطبيعة ففى الكون أشياء تعطيك دون أن تتفاعل معها كالشمس والقمر والنجوم والماء والهواء فأنت فقط مستقبل وأشياء أخرى                           

لا تعطيك إلا حين تتفاعل معها كالأرض تزرعها وتحرثها وترعاها فتعطيك الزرع .

ولأن اليهودية بالغت فى المادية بالغت كذلك المسيحية فى الروحانية ومن أقوال السيد المسيح عليه السلام أنه لما رآهم يرجمون إمرأة قال ( من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها ) وقال ( من ضربك على خدك الأيمن أعطه خدك الأيسر ) .

وهذه رهبانية لم يكتبها الله عليهم إنما تطوعوا بها وآفة ذلك أنهم ما رعوها حق رعايتها يقول تعالى ( ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الانجيل وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعابتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون 27 ) ( الحديد )

إذن الذى أخذ عليهم ليس الرهبانية إنما أخذ عليهم أنهم ما رعوها حق رعايتها وما دامت اليهودية بالغت فى المادية وجاءت المسيحية روحانية صرفه ليس فيها شىء من قوانين تنظيم المجتمع كان لا بد من إصلاح الحالتين واحتاجت حركة الحياة لدين جديد ورسالة جديدة تراعى الجانبين الروحانى والمادى فكانت هى رسالة الإسلام .

وتأمل كيف ضرب القرآن مثلا لمحمد وأمته مرة فى التوراة ومرة فى الانجيل :

( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار 29 ) / الفتح 

هكذا جمعت أمة الإسلام بين الروح والمادة فالمسلم لم يطبع على الشدة ولم يطبع على الرحمة بل يشكله الموقف لكن أشداء على من ؟ ورحماء لمن ؟

وتأمل دقة التعبير القرآنى فى إعطاء مثل لأمة الإسلام فى التوراة وفى الانجيل فلان اليهود كانوا قوما ماديين أعطاهم الجانب الروحى فى الإسلام ( تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود 29 ) الفتح

أما فى الإنجيل فذكر الجانب المادى فى الإسلام ( كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار 29 ) ( الفتح ) .

فكان الإسلام بجمعه بين المادية والروحية هو المنهج المناسب الصالح لقيادة حركة الحياة فالروحية لا تستقيم أبدا بدون المادية فالعابد مثلا لا يقيم عبادته إلا برغيف يقيم أوده وثوب يستر عورته فمن أين يأتى بالرغيف ؟ ومن أين يأتى بالثوب ؟ الرغيف يحتاج إلى فلاح يزرع ويحصد ويحتاج إلى مطحن وإلى مخبز وعمال وكذلك الثوب وكلها حركة مادية .

لذلك جعل الحق سبحانه القرآن مهيمنا على الكتب السابقة ( ومهيمنا عليه 48 )

( المائدة ) وقال ( وإنه فى أم الكتاب لدينا فعلى حكيم 4 ) ( الزخرف ) أى يعلو على كل الكتب السماوية .

وقوله تعالى ( ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه 63 ) ( الزخرف ) مثل الأشياء المحرمة على اليهود والتى أحلها الله لهم مثل الإبل كما قال تعالى ( ولأحل لكم بعض الذى حرم عليكم 50 ) ( آل عمران ) وقال ( وعلى الذين هادوا حرمنا ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم 146 ) ( الأنعام ) .

( إن الله هو ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم 64 ) (  الزخرف )

نلاحظ هنا استخدام الضمير المنفصل ( هو 64 ) ( الزخرف ) الذى يفيد القصر فالله هو ربى ليس غيره ربا لى ولا لكم ( فاعبدوه 64 ) ( الزخرف ) لأنه حق

( هذا 64 ) ( الزخرف ) أى ما أدعوكم إليه ( صراط مستقيم 64 ) ( الزخرف ) طريق سوى لا عوج فيه .

وقلنا إن الصراط المستقيم هو الطريق ( العدل ) الذى يوصلك للغاية من أقرب مسافة وبأقل مشقة وإذا كان الطريق من إلى فالطريق إلى الله يوصلك من الله إلى الله من الله وإلى الله ثمرة وأجرا حيث الرجوع إليه وحده

( فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم 65 ) / الزخرف

( الأحزاب 65 ) ( الزخرف ) جمع حزب وهم الجماعة من الناس يجمعهم فكر واحد واعتقاد واحد واختلاف الأحزاب يدل على أنها على خطأ وأنها أحزاب الشيطان لأن حزب الله واحد يأخذ فكره ومعتقداته من كتاب الله ( أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون 22 ) ( المجادلة ) .

( فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم 65 ) ( الزخرف ) ويل يعنى هلاك هلاك ممن ؟ من الله والفعل كما قلنا يقاس بقوة الفاعل فما بالك إن كان العذاب والهلاك من الله ؟

وقالوا ويل واد فى جهنم ( للذين ظلموا 65 ) ( الزخرف ) أى ظلموا أنفسهم بالشهوات والمعاصى أو ظلموا غيرهم من الناس ( من عذاب يوم أليم 65 )

( الزخرف ) فما بالك بالعذاب نفسه إذا كان اليوم الذى يحدث فيه العذاب يوما مؤلما فكيف يكون العذاب ؟

والعذاب يوصف بأنه أليم يعنى مؤلم للحسن ويوصف بأنه مقيم يعنى دائم لا ينقطع ويوصف بأنه عظيم وشديد ويوصف بأنه مهين لمن أراد الله إهانته وإذلاله فوق العذاب إذن لكل مجرم ما يناسبه من العذاب .

( هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيتهم بغتة وهم لا يشعرون 66 ) ( الزخرف )

أى لا ينتظرون إلا الساعة أى القيامة ( أن تأتيتهم بغتة 66 ) ( الزخرف ) أى فجأة

( وهم لا يشعرون 66 ) ( الزخرف ) فإذا علم أنها تأتى فجأة وجب الاستعداد لها حيث لا أحد يعرف موعدها ( لا يجليها لوقتها إلا هو 187 ) ( الأعراف )

وقلنا إبهام القيامة وإبهام الموت هو عين البيان وغاية التوضيح فالإبهام الزمنى يوسع العظة فتستعد وتنتظره فى كل وقت كذلك إبهام السبب وإبهام المكان ( وما تدرى نفس بأى أرض تموت 34 ) ( لقمان ) والموت من دون أسباب هو السبب .

( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين 67 ) ( الزخرف )

الكلام هنا عن يوم القيامة حيث تنقلب موازين الإخاء والخلة قوله تعالى ( الإخلاء )

( 67 ) ( الزخرف ) جمع خليل وهو الصاحب الذى توده وتحبه  حتى كانك تداخلت فى أعضائة واختلط بلحمه ودمه .

والخلة إما أن تكون فى الخير وإما أن تكون فى الشر خلة الخير هى التى تعينك على منهج الله والخليل الحق هو الذى إن رآك على الخير أعانك وإن رآك على غير ذلك نصحك وأخذ بيدك .

يقول تعالى فى وصف الذين آمنوا ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر 3 ) ( العصر ) .

وهذان هما الخلان اللذان عناهما رسول الله فى الحديث الشريف ( سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم رجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) وهذه خلة الحق وخلة الصدق التى تدوم فى الدنيا وتتصل مودتها إلى يوم القيامة فهم أخلاء فى الدنيا أخلاء فى الآخرة .

أما الأخلاء فى الشر الذين يجتمعون على الشهوات وعلى انتهاك حرمات الله فهؤلاء تنقلب فى الآخرة إلى عداوة وبغضاء حيث يلوم كل منهم صاحبه فالشر الذى اجتمعوا عليه فى الدنيا أهلكهم فى الآخرة والمعاصى التى تحابوا من أجلها هى التى ألقتهم فى العذاب المقيم .

فكل واحد منهم يرى فى الآخر عدوا له لأنه لم يزجره ولم ينهه ومن هنا اهتم الإسلام باختيار الصديق والصاحب وعلمنا كيف نختار الجليس الصالح والرفيق الصالح .

إذن ساعة الجزاء ينكشف زيف العلاقات ولا تبقى إلا وشائج الخير التى تربط الأخ بأخيه والقرآن الكريم فى أكثر من موضع يصور لنا ما يدور بين هؤلاء الأخلاء فى الدنيا الأعداء فى الآخرة .

من ذلك قوله تعالى ( وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين 29 ) ( فصلت ) .

( يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون 68 ) ( الزخرف )

كلمة عبد تجمع على عبيد وعباد ولكل منهما معنى عبيد تشمل كل الناس المؤمن والكافر والطائع والعاصى لأنهم جميعا عبيد بمعنى خاضعين لله فى قهريات لا يمكنهم أبدا الفكاك عنها كالمرض والموت وغيره كلنا مشتركون فيها وكلنا عبيد بهذا المعنى .

أما العباد فهم الخاصة الذين اختاروا الله وأخلصوا له العبادة وتنازلوا عن اختيارهم لاختيار ربهم ومراده فاستحقوا هذه المنزلة .

( يا عباد 68 ) ( الزخرف ) فنسبهم الله إليه وأضافهم إلى ذاته تعالى ولم يأت لفظ عباد خلاف هذا المعنى إلا فى موضع واحد فى معرض الحديث عن يوم القيامة

( أأنتم أضللتم عبادى هؤلاء 17 ) ( الفرقان ) فسماهم عبادا مع أنهم ضالون قالوا لأن الكلام هنا عن يوم القيامة حيث لم يعد أحد اختيار فى أن يؤمن أو يكفر فالجميع هنا طائع لا اختيار له فسماهم عبادا .

فالحق سبحانه يكرمنا بهذا النداء ( يا عباد 68 ) ( الزخرف ) ويشرفنا بالانتساب إليه سبحانه وقوله ( لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون 68 ) ( الزخرف ) نعم فأى خوف ونحن عباد الله ؟ أى خوف يصيبنا بعد أن التحمنا به تعالى ألسنا فى الدنيا نقول لا كرب وأنت رب ؟ إذن ( لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون 68 )

( الزخرف ) أى على ما فاتكم من نعيم الدنيا لأنكم مقبلون على ما هو خير وأبقى من نعيم الدنيا .

( الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين 69 ) ( الزخرف )

هذه الآية تبين أن هناك فرقا بين الإيمان والإسلام الإيمان عمل القلب والإسلام عمل الجوارح التى تنفذ المنهج الذى أمرك به الله لذلك رأينا المنافقين هم أسبق الناس إلى الصلاة مع أن قلوبهم ليست كذلك .

واقرأ قوله تعالى ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا 14 )

( الحجرات ) لذلك كانوا يقفون فى الصف الأول لينفوا عن أنفسهم تهمة النفاق ومن العجيب أن يظهر النفاق فى المدينة وهى بلد الأنصار ومنطلق الإسلام ولم يظهر فى مكة معقل الكفر والأصنام وأشد البلاد عداء للإسلام .

ولما تأملنا هذه الظاهرة قلنا إن النفاق لا يظهر إلا أمام قوة ترهب فيظهر من ينافقها وقد أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة قوة ترهب وله شوكة وأنصار وجيش أما فى مكة فكان فى موقف ضعف واضطهاد فعلام ينافق ؟

قوله تعالى ( الذين آمنوا بآياتنا 69 ) ( الزخرف ) أى اقتنعت قلوبهم بها والاقتناع له مراتب ( علم اليقين حين يخبرك من تثق فى صدقه وعين اليقين والاقتناع له مراتب علم البفين حين يخبرك وهو حيث الشىء بعينيك وحق اليقين حين تباشرة وتجبرك بحواسك انت .

أذكر إننى سافرت مرة إلى ( اندوينيسيا ورأى هناك أصابع الموز الاصيع الحد فتعجبت وأخذت منها معى حين عودتى إلى مصر ليراها أولادى فلما عدت قلت لهم لقد رأيت فى اندونسيا كذا وكذا طبعا تعجبوا وهم يعرفون أنى لا أكذب عليهم هذا يسمى علم اليقين .

ثم قلت لهم افتحوا هذه الحقيبة ووجدوا بها أصابع الموز كما أخبرتهم هذا يسمى عين اليقين فلماذا أخرجوها وتذوقوا طعمها وباشروا ملمسها ولونها أصبح الأمر حق اليقين وهكذا .

فالذى يؤمن علم اليقين هل ينفذ ما آمن به الذى يعمل وينفذ مسلم والذى لا ينفذ منافق لأنه آمن باللسان ولم يعمل بما آمن به .

والأعراب لما سمعوا هذه الآية اطمأنوا إلى أنهم سيؤمنون فى المستقبل لأنهم يعرفون معنى ( لما ) فهى تفيد نفى الماضى والحاضر دون المستقبل .

فقوله تعالى ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم 14 ) ( الحجرات ) إذن سيدخل فيما بعد .

( ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون 70 ) ( الزخرف ) .

هذا هو الجزاء جزاء الذين آمنوا وكانوا مسلمين يقول الله لهم أى يوم القيامة

( ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون 70 ) وخص الأزواج لأن كل متعة يتمتعها الإنسان ويسر بها تدب فيه غرائز المراهقة ويميل إلى أن تكون له زوجة تشاركه متعته وسروره وهى كذلك .

فالزوج إذن سواء الزوج أو الزوجة هو المرافق المشتهى أولا والمعين ثانيا سكنا ومودة ورحمة السكن والمودة معروفة بين الزوجين أما الرحمة فمتى تكون ؟

الرحمة نراها بين الزوجين فى فترة الكبر والشيخوخة حينما يكون كل منهما فى حاجة إلى الرحمة من الآخر الرحمة قبل أى مشاعر أخرى .

ومعنى ( تحبرون 70 ) ( الزخرف ) الحبور : شدة السرور وهو شىء من الصفاء والوضاءة والبهاء تعلو وجه الإنسان حينما يفرح فرحا لا ينغصه شىء كما جاء فى قوله تعالى ( تعرف فى وجوههم نضرة النعيم 24 ) ( المطففين ) .

( يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون 71 ) ( الزخرف ) .

الحديث هنا عن نعيم الجنة والصحاف : جمع صحفة وهى الطبق الواسع الذى تأكل فيه الأسرة كلها والأكبر منها قصعة والأكبر من القصعة جفنة لذلك ورد فى الحديث الشريف ( أن رسول الله أخبر عن ابن جدعان أنه كان له جفنة كبيرة حتى أنه كان يستظل بظلها من حر الشمس ) .

وفى قصة سيدنا سليمان والجن الذى سخره الله لخدمته قال تعالى ( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ... 13 ) ( سبأ ) .

كذلك فى الجنة صحاف لكن من ذهب .

( وأكواب 71 ) ( الزخرف ) جمع كوب وهو إناء يشرب فيه ليست له عروة وهناك الأباريق جمع إبريق وهو إناء يشرب فيه له عروة وفتحة من أعلى وهناك الكأس وهى الكوب إذا كان ملأنا بالشراب .

( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين 71 ) ( الزخرف ) هذا وصف موجز للمتعدد الذى يطول المقام بذكر تفاصيله فالذى يقدم فى هذه الصحاف وفى هذه الأكواب مما تشتهيه الأنفس من الطعام والشراب هذا من حيث الطعم .

( وتلذ الأعين 71 ) ( الزخرف ) يعنى لونه رائق لك جميل فى عينك مجرد النظر إليه فيه لذة فما بالك بطعمه ومذاقه لذلك حينما تستضيف عزيزا لديك تقول له ماذا تحب أن تأكل لماذا ؟ لتصنع له ما يشتهيه وما تميل إليه نفسه .

يعنى المسألة ليست ( حشو بطن ) فحسب وتلحظ أنه ذكر الصحاف أولا ثم الأكواب لأن الإنسان عادة يأكل ثم يشرب ففيها ترتيب للأهمية .

وذكر لذة الأعين بالطعام لأنك تجد بالنظر إليه متعة ربما تفوق متعة الأكل لذلك قال تعالى فى موضع آخر ( أنظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه 99 ) ( الأنعام ) فجمع إلى لذة الطعام لذة النظر إليه .وقوله ( وأنتم فيها خالدون 71 ) ( الزخرف ) لأن هذه دار بقاء وخلود ليس فيها موت وليس فيها انقطاع للنعمة فلا تفوتك النعمة ولا تفوتها يعنى لذة صافية لا ينغصها شىء كما قال تعالى ( لا مقطوعة ولا ممنوعة 33 ) ( الواقعة ) لأنها عطاء الله وعطاء الله دائم لا ينقطع .

( وتلك الجنة التى أورثتموها بما كنتم تعملون 72 ) ( الزخرف ) .

قوله ( أورثتموها 72 ) ( الزخرف ) أخذتموها إرثا والإرث يكون بعد موت صاحبه كالميت يموت ويترك ملكه وتركته لمن بعده من أولاده وأقاربه إذن هؤلاء يملكون التركه بدون عقد وبدون ثمن لكن ورثوا من ؟

يقول تعالى فى آية أخرى ( أولئك هم الوارثون 10 الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون 11 ) ( المؤمنون ) قالوا الحق سبحانه وتعالى حين خلق الخلق أحصاه عددا وكتب فى الميقات الأزلى كل شىء وقد صح أن القلم قد جف على ذلك .

ولما سئل المأمون ما شغل ربك الآن وقد صح أن القلم قد جف ؟ قال أمور يبديها ولا يبتديها يرفع أقواما ويخفض آخرين .

قالوا فى مسألة الإرث هذه أن المؤمنين فى الجنة ورثوا الكافرين وأخذوا أماكنهم فى الجنة لأن الحق سبحانه جعل لكل إنسان مكانا فى الجنة ومكانا فى النار حتى إن جاء كل الخلق مؤمنين طائعين كانت لهم أماكن تكفيهم فى الجنة وكذلك إن كفروا جميعا وجدت لهم أماكن فى النار .

فساعة يدخل أهل النار النار تخلو أماكنهم فى الجنة فيجعلها الحق سبحانه من حق المؤمنين ويورثهم إياها تفضلا منه وتكرما أولا ثم جزاء تفوقهم فى الإيمان والعمل الصالح فى الدنيا .

لذلك قال ( أورثتموها بما كنتم تعملون 72 ) ( الزخرف ) فالعمل الصالح إذن هو المعول الأساسى فى دخول الجنة وفى إرث أماكن أهل النار .

ونلاحظ فى مسألة الإرث أنه ينقل ملكية الشىء من المورث إلى وارثه ويكون هذا الإرث حلالا للوارث بصرف النظر عن مصدره من أين من حلال أو من حرام فلو أن رجلا كسب مالا من حرام فيتحمل هو وزره وحده ويطوق به يوم القيامة .

فإن انتقل إلى الوارث كان بالنسبة إليه حلالا لا شىء عليه فيه لأن المسئولية هنا لا تتعدى وقد حسم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المسألة لما قال ( شركم من مات بشر وترك عياله بخير ) .

لذلك الوارث ليس له أن يسأل عن مصدر هذا المال الذى ورثه فهو مثل الزوجة لا تسأل زوجها عن مصدر النفقة التى يدفعها لها ومثل الولد دون البلوغ ليس له أن يسأل والده من أين يأتى بالمال الذى ينفقه عليه .

لكن للولد ذلك لما يبلغ ويصبح قادرا على الكسب فله أن يسأل لأنه أصبح قادرا على الكسب من حلال بنفسه .

ذلك قياسا على قوله تعالى ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم 59 ) ( النور ) فبعد البلوغ لم يبق له حق على أبيه بل انتقل الحق منه لأبيه إلا أن يتفضل الأب .

وقلنا إن قضية تفضل الأب عندنا أثرت بالسلب على اقتصادياتنا لأن حنان الآباء الزائد وتدليل الأولاد جعل فترة الطفولة تمتد فى شبابنا إلى سن ( 25 ) بل و 30 والولد فيها عالة على أبيه يريد منه كل شىء حتى الشقة والجهاز والزواج ركن الشباب عندنا إلى الراحة وألقوا بالمسئولية على الآباء وهذا يضيع علينا طاقات كثيرة لا تستغل .

لذلك تفوق علينا الغرب فى هذه المسألة ففى مثل هذه السن يخرج الشاب عندهم إلى الحياة وإلى ساحة العمل ويتحمل مسئوليته بنفسه ويستقل كلية عن الأسرة صحيح أنهم وقعوا فى خطأ فى هذا الموضوع أنهم سووا بين الفتى والفتاة لأن الفتاة لها وضع آخر لذلك هنا نحتضنها إلى أن تتزوج فلا تخرج من بيت أبيها إلا إلى بيت زوجها .

( لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون 73 ) ( الزخرف )

سبق أن ذكر الحق سبحانه الطعام والشراب فى الجنة وأنها فى صحاف وفى أكواب وهذه معروفة للعرب وهنا يذكر أن من نعم الجنة الفاكهة والعرب لم تكن تعهد الفاكهة ولا تعرف الكثير منها لذلك خص الفاكهة بعد ذكر الطعام والشراب والفاكهة بعد الطعام والشراب دليل على الرفاهية والمتعة التامة والفاكهة من التفكه يعنى ليست من الضروريات بل من الرفاهية .

الحق سبحانه وتعالى أعطانا ضروريات الحياة من المأكل والمشرب والملبس ثم زادنا ما نرفه به حياتنا ( يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير .. 26 ) ( الأعراف ) فاللباس الذى يوارى السوءة من الضروريات ورياش للزينة والترفه ثم نبه إلى ما هو أهم من اللباس المادى إنه اللباس المعنوى الذى يسترك فى دنياك وأخراك إنه لباس التقوى .

وبعد أن أعطانا الحق سبحانه صورة موجزة لأهل الجنة وبعض ما فيها من نعيم ليعطينا المقابل لتتضح الصورة أكثر وهذه سمة من سمات الاسلوب القرآنى لأن النفس حين تذكر لها ما تنبسط له ثم تذكر ما تنقبض له يظهر لنا الفرق مثل قوله تعالى ( إن الأبرار لفى نعيم 13 وإن الفجار لفى جحيم 14 ) ( الانفطار ) .

( إن المجرمين فى عذاب جهنم خالدون 74 لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون 75 )

( الزخرف ) .

الحق سبحانه يقرر لنا حقائق ثلاث عن المجرمين إنهم خالدون فى العذاب فهو عذاب ممتد لا نهاية له ثم ( لا يفتر عنهم .. 75 ) ( الزخرف ) يعنى لا يخفف عنهم

( وهم فيه مبلسون 75 ) ( الزخرف ) يعنى متحسرون يائسون من النجاة يائسون من الخير لا أمل عندهم فى الخروج منها وهكذا جمع عليهم كل جوانب الألم والحسرة واليأس وقطع الرجاء .

وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين 76 ) ( الزخرف )

لأن ما صاروا إليه من العذاب جزاء عملهم ليس ظلما لهم لأننا هديناهم وبينا لهم الخير والشر ( وهديناه النجدين 10 ) ( البلد ) وقال / فألهمها فجورها وتقواها 8 /

( الشمس ) ومع ذلك ظلموا أنفسهم حين تعجلوا لها الشهوات وأخذوها فى الحرام فحرمهم الله من المتعة الحلال الأبدية فى الآخرة وشر الظلم أن يظلم الإنسان نفسه وظلم النفس حمق وتعد .

( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون 77 لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون 78 ) ( الزخرف ) .

الكلام هنا عن أهل النار والعياذ بالله ينادون مالك خازن النار ( يا مالك ليقض علينا ربك .. 77 ) ( الزخرف ) يعنى بالموت لنستريح مما نحن فيه من العذاب الدائم الذى لا ينتهى لأن الحق سبحانه يقول ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب .. 56 ) ( النساء ) .

وإن العلوم الحديثة أثبتت أن الجلد هو موضع الاحساس بدليل أنك حين تأخذ حقنة لا تشعر بالألم إلا بمقدار نفاذ الإبرة من الجلد وقد سبق القرآن كل العلوم فى بيان هذه الحقيقة لذلك يطلب أهل النار الموت لينقذهم من هذا العذاب .

لكن نلحظ أن الفعل ( ليقض .. 77 ) ( الزخرف ) جاء بصيغة الأمر واقترن بلام الأمر فهل الحق سبحانه وتعالى يؤمر وخاصة من أهل النار حيث إن الطلب إن كان من الأعلى للأدنى فهو أمر وإن كان من المساوى لك فهو التماس وإن كان من الأدنى للأعلى فهو دعاء فنحن إذن لا نأمر الله إنما ندعوه .

( قال ) أى مالك ( إنكم ماكثون 77 ) ( الزخرف ) باقون فى النار خالدون فيها لأنه لا عذر لكم ( فقد جئناكم بالحق .. 78 ) ( الزخرف ) أى الدين الحق والمنهج الحق

( ولكن أكثركم للحق كارهون 78 ) ( الزخرف ) وهذا معنى ( وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين 76 ) ( الزخرف ) .

ثم يوجه السياق الحديث إلى سيدنا رسول الله وكثيرا ما يخاطب ربه ليسليه ويخفف عنه لأنه لاقى من عنت قومه وعنادهم الكثير وآذوه فى نفسه وذاته حينما أغروا به سفاءهم ورموه بالحجارة حتى أدموا قدميه وألقوا سقط البعير والقاذورات على ظهره وهو يصلى .

وآذوه فى معنوياته فقالوا عنه ساحر وكاهن وكذاب وشاعر ومجنون فالحق سبحانه يبين له أنه جاء على فترة من الرسل بعد أن فسد الخلق وانتشر الشر ووراء هذا الفساد قوم يستفيدون منه ويدافعون عنه وطبيعى أن يصادموك وأن يقفوا فى وجه دعوتك لأنهم يريدون الإبقاء على مكانتهم وانتفاعهم بهذا الفساد .

وقد وصل كره هؤلاء لرسول الله أن بيتوا للقضاء عليه والخلاص من دعوته قال تعالى ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين 30 ) ( الأنفال ) .

وهنا يخاطب الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم ( أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون 79 ) ( الزخرف ) .

يعنى أحكموا كيدا لك يا محمد وبيتوه واتفقوا عليه فلا تهتم لأننا لهم بالمرصاد

( فإنا مبرمون 79 ) ( الزخرف ) يعنى نحكم كيدا كما أحكموا كيدا ونحن نعلم ما يبيتونه ولا يخفى علينا وهم لا يعلمون ما نبيته لهم إذن أى الفريقين أقوى ؟

( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون 80 )

( الزخرف ) .

ايظنون أنا لا نسمع ما يبرمونه وما يحكمون تخطيطه لإيذاء رسول الله ولا نسمع سرهم والسر هو الحديث تسر به إلى آخر أو السر إذا سمعت شيئا وبقى سرا فى صدرك لا يطلع أحد عليه .

والنجوى هى الحديث الخافت بين اثنين بحيث لا يسمعهما ثالث لكن الله يسمع سرهم ويسمع نجواهم ولا يخفى عليه شىء من أمرهم بل وأكثر من ذلك

( ورسلنا لديهم يكتبون 80 ) ( الزخرف ) يعنى نسمعهم ونحصى عليه ما قالوا قلنا رسل وملائكة تكتب وتسجل ما يقولون وما يفعلون .

فلو قلت إذا كان الحق سبحانه يعلم ويسمع ولا يخفى عليه شىء من أمرهم فما فائدة التسجيل عليهم وكتابة سرهم ونجواهم ؟ .

قلنا الكتابة تفيد الملائكة فهى من أجلهم حتى إذا ما رأوا الأحداث تحدث كما سجلت فى اللوح المحفوظ يعلمون أن الله عليم حكيم فيزدادوا يقينا فوق يقينهم وإيمانا على إيمانهم .

( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين 81 ) ( الزخرف ) .

هذا أمر لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قل ) يا محمد لمن يدعى أن للرحمن ولدا ( قل 81 ) ( الزخرف ) أى على سبيل الفرض ( إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين 81 ) ( الزخرف ) وعلى اعتبار ( إن ) شرطية فالمعنى إن كان للرحمن ولد وهو سبحانه الذى يخبرنى بهذه الحقيقة فأنا أول العابدين له لأننى آخذ ثقافتى وآخذ أوامرى من ربى لا منكم .

وبعضهم قال ( إن ) هنا نافية مثل قوله تعالى ( ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائى ولدنهم 2 ) ( المجادلة ) فالمعنى قل ما كان للرحمن ولد فأنا أول من ينفى ذلك لأننى أول العابدين وأول المؤمنين بوحدانية الله تعالى .

الحق تعالى وصف نفسه سبحانه بوصفين البعض يظن أنهما بمعنى واحد لكن طالما هما لفظان مختلفان فلا بد أن لكل منهما معنى خاصا لا يؤديه الوصف الآخر الحق وصف نفسه بأنه واحد أحد .

قلنا واحد يعنى فرد لا ثانى له فهى تنفى التعددية أما أحد أى واحد فى ذاته ليس له أجزاء لأن الشىء المكون من أجزاء يكون كل جزء فيه محتاجا إلى الأجزاء الأخرى .

وطالما أنه تعالى أحد فى ذاته إذن ليس له ولد لأن الولد جزء من أبيه وفى الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم ( فاطمة بضعة منى ) يعنى جزء منى .

وإذا أخذنا بهذا المبدأ وسلسلنا نسب كل منا لا بد أن نصل إلى أبينا آدم عليه السلام وعرفنا أن كلا منا فيه بضعة أو ذرة من أبيه آدم هذه الذرة هى التى شهدت العهد الأول الذى أخذه الله تعالى على بنى آدم وهم فى مرحلة الذر .

( وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إن كنا عن هذا غافلين 172 أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون 173 )

( الأعراف )

هذه الذرة هى بذرة الخير وموضع الإيمان فى الإنسان ومنها تنطلق حركة الخير ألا تراه يندم على الذنب ويعزم على التوبة ؟ إنه عمل هذه الذرة وأثرها فى النفس الإنسانية لأنها أول من سمع نداء الله وبلاغ عن الله .

والقرآن الكريم أفاد أن الجن أوعى من الإنس فى هذه المسألة فإذا كان الإنسان قد تجرأ على الحق سبحانه وتعالى ونسب له الولد فالجن نفت ذلك ونزهت الله عن الولد وعن الصاحبة واقرأ قوله تعالى ( وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا

3 ) ( الجن ) .

يعنى من عظمته تعالى أنه لم يتخذ لا صاحبة – يعنى زوجة – ولا ولدا والمتأمل يجد أن الصاحبة والولد من أسباب الفساد فى الكون يقول تعالى ( وإن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم 14 ) ( التغابن ) .

ونحن نقول فى أعراف البشر تزوج مبكرا لتنجب ولدا يعولك فى شيخوختك وهل الحق سبحانه يتخذ الولد لأنه فى حاجة إليه كما نحتاجه نحن ؟ ثم الذين قالوا إن عيسى ابن الله ما قولهم فى الزمن قبل عيسى ألم يكن لله فيه ولد ؟ وما بعد عيسى أين الولد الذى اتخذه الله ؟ إذن هذا كله افتراء على الله .

( سبحان رب السسماوات والأرض رب العرش عما يصفون 82 ) ( الزخرف )

من المناسب أن تبدأ هذه الآية بكلمة ( سبحان رب السماوات والأرض 82 )

( الزخرف ) بعد الحديث فى الآية السابقة عن نفى الولد عن الله تعالى كلمة

( سبحان ) يعنى تنزيها لله تعالى عن كل ما يدور بخاطرك .

لذلك لا تاتى كلمة ( سبحان الله ) إلا مقترنة بشىء عجيب فوق تصور العقل البشرى ( سبحان الذى خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون 36 ) ( يس ) ( سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى 1 ) ( الإسراء )

يعنى حينما تقف عقولكم عند هذه المسائل قولوا سبحان الله ونزهوا الله عن مشابهة الخلق ولا تقيسوا قوته بقوتكم ولا فعله بفعلكم ولا قدرته بقدرتكم ونزهوا الله فى أسمائه وفى صفاته وفى أفعاله .

ثم تأمل كيف يأتى الحق سبحانه فى هذه الأية بالصفات التى تناسب نفى الولد عنه سبحانه فيقول ( رب السموات والأرض .. 82 ) ( الزخرف ) وهل مالك السموات والأرض ومن فيهن بحاجة إلى الولد وفى آية أخرى يقول وهل ملك الملك  ومن فيهن بحاجة إلى الولد .

 فيهن ) فوق  تصور العقل البشرى بالصفات وفى آية أخرى ( سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا        وفى آية أخرى تقول ( لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون 57 ) ( غافر ) .

وأعظم من السموات والأرض العرش ( رب العرش ) إذن هو سبحانه فى غنى عن اتخاذ الولد وقوله ( عما يصفون 82 ) ( الزخرف ) عما يكذبون فيه أو عما يصفون الله به من اتخاذ الولد وقلنا إن تسبيح الله دائر فى الزمن كله وثابت لله تعالى قبل الزمن فالله منزه وهى صفة ذاتية فيه سبحانه قبل أن يخلق من يسبح فكلمة ( سبحان ) ذاتية لله قبل أن بخلق الخلق فلما أوجد هذا الكون لله ( سبح لله ما فى السموات و ما فى الأرض وما فى الأرض 1 ) ( الحشر ) .

وهذا التسبيح مستمر فى وهذا التسبيح مستمر فى الحاضر والمستقبل ( يسبح له ما فى السموات والأرض 24 ) وطالما أن الكون منظومة واحدة مسبحة لله تعالى فلا تشذ أيها الإنسان فلا تشذ أيها الإنسان عن هذه المنظومة وكنت مسبحا .

( سبح اسم ربك الأعلى 1 ) ( الأعلى ) .

( فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذى يوعدون 83 ) ( الزخرف )

هذا أمر لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فذرهم 83 ) ( الزخرف ) اتركهم يا محمد وما يخوضون فيه من هذا الحديث الكاذب وكلمة ( يخوضوا 83 )

( الزخرف ) من الخوض وأصلها خوض الإنسان فى لجة الماء الكثير ثم استعملت مجازا فيمن يخوض فى الحديث دون دراية .

وأكثر استعمالها فى الحديث الباطل والخوض توحى بالتخبظ والمشى فى أماكن مجهولة لا تدرى ما يقابلك فيها من أخطار فتكون أنت الجانى على نفسك إذن لا بد أن تتحسس قبل أن تخوض واحذر الخوض فى الباطل .

وقوله ( ويلعبوا 83 ) ( الزخرف )) لأنى أمرتهم أن يجدوا فى الحياة فإذا هم يلعبون فيها فالجد يفابله اللهو واللعب والفرق بين اللهو واللعب أن اللعب أن تعمل شيئا لا فائدة منه إلا التسلية وهذا قبل أوان التكليف فإنه كان مكلفا وفعل ما لا فائدة منه فهو لهو .

ومنه قوله تعالى ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما 11 )

( الجمعة ) إذن اللهو أن تنشغل بلعب لا يفيد عن واجب طلب منك .

وقوله تعالى ( حتى يلاقوا يومهم الذى يوعدون 83 ) ( الزخرف ) إذن أوعدهم الله بهذا اليوم ولم يتركهم هملا ولم يخلقهم عبثا بل بين لهم الحق والباطل ووعدهم الجزاء كل بما يستحق فالفعل ( يوعدون 83 ) ( الزخرف ) من أوعد من الوعيد وهو الإنذار بالشر قبل أوانه لتتجنبه .

وهناك وعد من الوعد والوعد لا يكون إلا بالخير .

إذن الذين يدخلون النار لم يظلمهم الله ولم يأخذهم على غرة بل أوعدهم وحذرهم من هذا المصير والقرآن ملىء بالوعد والوعيد واقرأ ( فأما من أعطى واتقى 5 وصدق بالحسنى 6 فسنيسره لليسرى 7 وأما من بخل واستغنى 8 وكذب بالحسنى 9 فسنيسره للعسرى 10 ) ( الليل ) .

فالحق سبحانه وتعالى قدم لعبده الخير فى وعده وفى وعيده نعم حتى الوعيد فيه خير لأن الذى يحذرك من الشر قبل أن تقع فيه يسدى لك جميلا يستحق عليه الشكر وفى ضوء ذلك فهمنا قوله تعالى وهو يعدد نعمه علينا فى سورة الرحمن ( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران 35 فبأى آلاء ربكما تكذبان 36 )

( الرحمن ) فهل النار والشواظ والنحاس يمكن أن يكون فى عداد نعم الله ؟ نعم هى نعمة من الله لأنه يحذرك من أسباب الوقوع فيها ويبعدك عنها .

فالآية إذن ( فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذى يوعدون 83 )

( الزخرف ) دعوة لرسول الله أن يهون الأمر على نفسه ولا يشق عليها بسبب عناد قومه وتماديهم فى ضلالهم .

فالحق سبحانه يسلى رسوله ويخفف عنه كما خاطبه فى آيات كثيرة بهذا المعنى مثل قوله سبحانه ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون 8 )

( فاطر )

( وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله وهو الحكيم العليم 84 ) ( الزخرف )

البعض يظن أن الله تعالى فى السماء فإذا دعاه دعاء بصوت عال ليسمعه والله سبحانه فى كل مكان وفى كل زمان ليس له مكان يسعه ولا زمان يحتويه لأنه سبحانه خالق الزمان وخالق المكان والمخلوق لا يسع الخالق .

لذلك لا نستعمل أين ولا متى مع الله  ( وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله 84 ) ( الزخرف ) إذن فهو فى كل مكان وهذه الصفة ( إله ) ذاتية فيه سبحانه وهى صفة كمال لا تفارقه ولا تنفك عنه لا فى السماء ولا فى الأرض .

وكان للمستشرقين وقفة عند هذه الآية بسبب تكرار النكرة ( وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله 84 ) ( الزخرف ) فكلمة ( إله ) نكرة كررت والقاعدة اللغوية أن النكرة إذا كررت كانت الثانية غير الأولى كما لو قلت لقيت رجلا وأكرمت رجلا فرجل الثانية غير الأولى .

أما المعرفة إذا كررت كانت الثانية هى عين الأولى كما لو قلت لقيت الرجل فأكرمت الرجل إذن هو هو وهذه القاعدة وضعتنا فى إشكال مع هذه الآية ومن يقول بإله فى السماء وإله آخر فى الأرض ؟

وفى حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يؤكد هذه القاعدة لأنه حين قرأ

( فإن مع العسر يسرا 5 إن مع العسر يسرا 6 ) ( الشرح ) قال ولن يغلب عسر يسرين فالعسر جاءت معرفة واليسر جاءت نكره .

وهذه الآية لها معنا قصة مع الناس الدراويش فى المسجد الأحمدى بطنطا ففى يوم من الأيام جاءنا الشيخ محمود شلتوت وكان شيخا للأزهر ليزور مدينة طنطا وجاء المسجد الأحمدى ليصلى وبعد الصلاة سأله الشيخ أبو العينين وكان أستاذا للتفسير وقال له الحمد لله يا مولانا أننى وجدتك هنا لأننى فى درس التفسير أمس وقفت أمام الآية ( وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله 84 ) ( الزخرف ) والقاعدة أن النكرة إذا كررت كانت الثانية غير الأولى ؟

وبمجرد أن بدأ الشيخ شلتوت فى الجواب وقال والله العلماء قالوا إن القاعدة أغلبية وعندها دخل رجل لا نعرفه قبل ذلك ولا عرفناه بعدها وكان عارى الرأس وفى يده عصا وقال يا علماء أنتم نسيتم اسم الموصول ( وهو الذى 84 ) ( الزخرف ) اسم الموصول معرفة وما بعده صلته إذن الكلمة المكررة صلة لموصول واحد يعنى هو هو ثم انصرف الرجل وجلسنا نحن لم يتكلم منا أحد لمدة نصف ساعة .

وقوله ( وهو الحكيم العليم 84 ) ( الزخرف ) الحكيم الذى يضع الشىء فى موضعه بحكمة والعليم بما يصلح خلقه وبما يعينهم على معايشهم وعلى معادهم فما كان سبحانه ليعطيهم مقومات المادة بالطعام والشراب والهواء ثم يتركهم دون منهج ودون قيم تغذى أرواحهم كما غذى أبدانهم .

لذلك سمى هذا المنهج روحا فهو للقلوب مثل الروح للأبدان والفرق بين الروحين أن الروح التى فى البدن لها موعد تفارق فيه البدن بالموت أما روح القيم والمنهج فهى باقية خالدة تلازمه فى الدنيا وتصاحبه فى الآخرة .

( وتبارك الذى له ملك السموات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون 85 ) ( الزخرف ) .

كلمة ( وتبارك 85 ) ( الزخرف ) كلمة جامدة لا اشتقاق فيها تعنى تعالى قدره وكثر عطاؤه وتبارك من البركة يعنى كثرة الخير حيث يعطيك القليل الكثير الذى ما كنت تنتظره .

وقوله سبحانه ( له ملك السموات والأرض وما بينهما 85 ) ( الزخرف ) وفى آية أخرى قال ( له ما فى السموات وما فى الأرض 64 ) ( الحج ) يعنى له الظرف والمظروف .

وفى سورة طه قال سبحانه ( له ما فى السموات وما فى الأرض وما بينهما وما تحت الثرى 6 ) ( طه )

وهكذا استوعبت الآيات الكون كله وجعلته ملكا لله تعالى الكون كله بسمائه وأرضه ما فى السماء وما فى الأرض وما بين السماء والأرض وما تحت الأرض كله ملك لله .

وأخيرا عرفنا أن الخير كله مطمور تحت الثرى يطلع الله عباده عليه إذا شاء حسب تطور حياتهم ورقيها ففى باطن الأرض الآن الماء والبترول والمعادن والأحجار الكريمة والأشياء النفيسة .

وكان الحق سبحانه ينبهنا بقوله ( وما تحت الثرى 6 ) ( طه ) إلى الاهتمام بباطن الأرض وحفرها والتنقيب فيها لاستخراج خيراتها .

لذلك نرى علماء الجيولوجيا وعلماء الحفريات والبترول يجوبون البلاد من أقصاها إلى أقصاها بحثا عن هذه الخيرات حتى فى البحار لأنها تدخل فى هذا المعنى فهى من الأرض وإن كانت تمثل ثلاثة أرباع الأرض .

ثم يأتى قوله تعالى ( وعنده علم الساعة وإليه ترجعون 85 ) ( الزخرف ) هكذا باسلوب القصر فى الموضعين حيث قدم الجار والمجرورليفيد قصر يوم الساعة على الله وحده دون سواه ز

كذلك ( وإليه ترجعون 85 ) ( الزخرف ) إليه من دون سواه لا ترجعون إلا إليه وكأنها رسالة موجزة إلى الإنسان أن تذكر نهايتك وآخرتك وتذكر الجزاء على العمل  ولا تغرنك النعمة فبعدها حساب وجزاء .

( كلا إن الإنسان ليطغى 6 أن رآه استغنى 7 إن إلى ربك  الرجعى 8 ) ( العلق )

فكل شىء من الله وإلى الله من الله خلقا وإمدادا وتربية وإلى الله مرجعا ومآبا

( ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون 86 )

( الزخرف ) أى الذين يدعونهم من دون الله كالشمس والقمر والنجوم والأصنام ) فهذه المعبودات معبودات باطلة بدليل أنهم لا يملكون الشفاعة ولا يملكون دفع الضر عنهم وهم لا يملكون الشفاعة لأن الشفاعة عند من ؟ عند الله .

وكيف يقبل الله شفاعتهم وهم السبب فى ضلال هؤلاء ( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون 86 ) ( الزخرف ) هذا استثناء لا يعنى لا يشفع عند الله إلا من شهد بالحق

( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون 87 ) ( الزخرف ) .

إذن هؤلاء يؤمنون ويعترفون بأن الله هو خالقهم وفى آية أخرى ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون 61 )

( العنكبوت ) وعجيب منهم بعد هذا الاعتراف ألا يؤمنوا بالله ولا يصدقوا رسوله .

لذلك ذيل الآية بقوله تعالى ( فأنى يؤفكون 87 ) ( الزخرف ) كيف يصرفون عن هذا الحق وهم يعترفون به ويشهدون لله بأنه خالقهم وخالق السموات والأرض .

لذلك يتعجب الحق سبحانه فى سورة البقرة من كفرهم الذى لا مبرر له ولا حيثيات يقول تعالى ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون 28 ) ( البقرة )

( وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون 88 فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون 89 ) ( الزخرف ) .

كلمة ( قيله ) مصدر لقال نقول قال قولا ومقالا وقيلا فمعنى ( قيله ) يعنى قوله قول من ؟ قول سيدنا رسول الله يخاطب ربه ( يا رب إن هؤلاء 88 ) ( الزخرف ) كفار مكة ( قوم لا يؤمنون 88 ) ( الزخرف ) .

لاحظ أنه صلى الله عليه وسلم أوذى من هؤلاء القوم فى نفسه إيذاءا وفى معنوياته برميه بما ليس فيه من السحر والشعر والكهانة والجنون وفى أهله ولاقى منهم الأمرين ومع ذلك لم يذكر شيئا عن هذا كله وكل ما اهتم به هو مسألة إيمان القوم فلم يقل يا رب إن قومى آذونى وفعلوا كذا وكذا إنما فال ( يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون 88 ) ( الزخرف ) .

هذا الذى حز فى نفسه وأغضبه صلى الله عليه وسلم وقد ثبت فى الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط ولا غضب لنفسه قط إنما كانت غيرته وغضبه لله وللحق الذى جاء به ودعا الناس إليه .

ومعنى الواو فى أول الآية ( وقيله ) هذه الواو بمعنى القسم فكأن الحق سبحانه يقسم بقول رسول الله ( يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون 88 ) ( الزخرف ) يقول وبحق هذا القول .

وجواب القسم هنا محذوف للعلم به أى لأعذبنهم عذابا يشفى صدرك منهم فلا تهتم بعدم إيمانهم ولو شئت لأرغمتهم على الإيمان ولخلقتهم على هيئة الملائكة وكل ما عليك يا محمد أن ( فاصفح عنهم وقل سلام 89 ) ( الزخرف ) لأن الصفح عنهم سيجذبهم إلى ساحة الإيمان بك وسوف يكون من هؤلاء جند من جنود الإسلام وبالفعل رأينا خالد بن الوليد وعكرمة بن أبى جهل وعمرو بن العاص وغيرهم من صناديد الكفر يصيرون قادة فى صفوف المسلمين .

وفى آية أخرى قال سبحانه ( فاصفح الصفح الجميل 85 ) ( الحجر ) لأنك قد تصفح عمن أساء إليك لكن يبقى عندك شىء من الغيظ والغضب أو الحقد عليه أما الصفح الجميل فهو الصفح الذى يصاحبه تسامح يقتلع كل جذور الغضب والغيظ والحقد .

وكأن الحق سبحانه يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم اصفح عنهم صفحا جميلا ولا تغضب لأن غضبك يؤثر فيك ويؤثر فى تكوينك ووراءك رب يغضب لك فلا تغضب أنت وهذا أدب عال يعلمنا إياه الإسلام .

معلوم أن الشارع الحكيم لا يحاسبك على خواطر نفسك وخلجات صدرك طالما لم تترجم إلى عمل ونزوع وبعد ذلك يسمو بك فيدعوك إلى التخلص من مجرد هذه الخواطر إن كانت خواطر شر تجاه الآخرين .

وهذه مراحل تعلمناها من قوله تعالى ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين 134 ) ( آل عران ) فالمرحلة الأولى كظم الغيظ والثانية العفو وفى هذه المرحلة تتخلص من كل خواطر الشر وفى هذه المرحلة تتخلص من كل خواطر الشر فى نفسك بحيث تراها صافية ليس فيها بقايا من غيظ أو كره أو حقد ثم المرحلة الأخيرة وهى أن تحسن لمن أساء إليك وهذه مرحلة الخواص الذين عرفوا سماحة الشرع ونظروا إلى ما عند الله فكثير من الناس يتعحبون من مسألة أن تحسن لمن أساء إليك فهب أن أحد اولادك ضرب الأخر وجاء المضروب يبكى ويشتكى فإلى من نحن وعلى من تعطف  ؟ على الضارب أم على المضروب كذلك الحق سبحانه يكون فى جانب الضعيف المتسامح الذى يحسن إلى من أساء إليه .

والحسن البصرى رضى الله عنه بلغه أن رجلا شتمه فأرسل إليه هدية طبقا من الرطب فلما سئل عن ذلك قال لأنه أهدى إلى حسناته

 (  وقوله ) ( قل سلام 89 ) ( الزخرف ) والتقدير قل لهم سلام عليكم ونفهم من هذا أن كلمة ( سلام ) هكذا بدون ( عليك ) وحدها تقال أن كلمة ( سلام ) هكذا بدون عليك وحدها تفال لمن كان بينك وبينه خصومة وتريد أن تفارقه ونحن نقولها فى واقع حياتنا حينما تختلف مع شخص آخر ولا تصل معه إلى حل تقول له سلام لذلك سيدنا ابراهيم فى جدالة مع أبيه قال له ( سلام عليك سأستغفرلك ربى 47 )

( مريم ) أى سلام وداع ومفارقة لا سلام تحية .

وقوله ( فسوف يعلمون 89 ) ( الزخرف ) يعنى لما تفعل سوف يعلمون عاقبة ما قلته وسوف يعلمون كيف أعاقبهم على تكذيبهم لك .                                                                                                                            

         

ملحوظة هامة جدا :

إن آيات سورة الزخرف كلها منذ بداية تفسير سورة الزخرف من كتب الشعراوى غير مشكلة فبرجاء عند قراءة التفسير النظر فى المصحف حتى لا يتم فهم معانى الآيات القرآنية خطأ .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق