السبت، 5 ديسمبر 2015

التفجيرات النووية فى الفضاء

التفجيرات النووية فى الفضاء
فى عام ( 1945 ) تم تفجير ( 3 ) قنابل ذرية فى الغلاف الجوى للأرض .
1 ) فى ( 16 / 7 / 1945 ) وقد كانت على سبيل التجربة فى صحراء ( نيومكسيكو ) بالولايات المتحدة الأمريكية أما القنبلتان ( 2 ، 3 ) فقد تم تفجيرهما فى نهاية الحرب العالمية الثانية فى مدينتى ( هيروشيما ونجازاكى ) فى يومى ( 6 و9 /8 / 1945 ) باليابان .
وقد فجرت فنبلة هيروشيما على ارتفاع ( 600 م ) وتعادل طاقتها ( 20 ك / طن ) من مادة
( ت . ن . ت ) وقد ظهر فى مكان الانفجار ( كرة النار ) وهذه الكرة تأخذ فى الاتساع بسرعة كبيرة وهى شديدة التوهج وحرارتها تصل إلى ملايين الدرجات المئوية وهى أشبه بقطعة من الشمس سقطت على الأرض والحرارة المنبعثة تسببت فى حريق هائل بمدينة هيروشيما اليابانية
كما سبب الانفجار موجة شديدة من الضغط جعلت المنازل والمدارس والمستشفيات وجميع المنشآت تنهار على الأرض فى دقائق معدودة وتحولت مدينة هيروشيما اليابانية كلها إلى خراب وضاعت معالمها .
وقد صعدت إلى السماء سحابة ذرية ارتفاعها ( 12 كم ) على شكل عامود أبيض ذى قمة ثلجية قطرها ( 2كم ) بها مواد مشعة ناتجة من التفجير النووى الذى انبعثت منه اشعاعات خطيرة كأشعة جاما وأشعة اكس وأشعة بيتا ونيوترونات ومواد انشطارية ونواتج الانشطار .
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أجرت عدة دول تفجيرات نووية مختلفة تحت الأرض وتحت الماء وعلى سطح الأرض وسطح الماء وفى الفضاء الخارجى وتبين للعلماء أن أخطر هذه التفجيرات هى التى تتم فى الغلاف الجوى للأرض وفى الفضاء الخارجى لما تسببه من دمار شامل وتلوث إشعاعى خطير يمتد أثره لآلاف الأميال واستمراره لعشرات السنين .
أجرت الولايات المتحدة الأمريكية عدة تفجيرات نووية من الفضاء فى الفترة من عام ( 1958 ) وحتى عام ( 1962 ) وتبين أن هذه التفجيرات تحدث موجات كهرومغناطيسية شديدة تتسبب فى اتلاف الأقمار الصناعية كما يصل هذا التأثير على سطح الأرض كانقطاع التيار الكهربائى واصابة شبكة الاتصالات وتعطيل البث الاذاعى والتليفزيونى وحرق الدوائر الالكترونية الخاصة بتوجيه الصواريخ العابرة للقارات وتعطيل الجهاز الخاص بتفجير الرؤوس النووية .
تبين للعلماء أن مثل هذه الكارثة يمكن أن تحدث بتفجير قنبلة نووية صغيرة فى حجم قنبلة هيروشيما على ارتفاع ( 300 كم ) باستخدام صاروخ ( سكود ) .
تقوم الولايات المتحدة بتصنيع أقمار صناعية تتحمل تأثيرات النبض الكهرومغناطيسى الذى يحدث بعد التفجير النووى فى الفضاء على ارتفاعات عالية .

طاقة شديدة :
تتميز الكرة الأرضية بعدة صفات خلقها الله عز وجل ساعدت على وجود الحياة ومنها وجود المياه والغلاف الجوى ودرجة الحرارة الملائمة والمجال المغناطيسى للأرض .
اكتشف العلماء منذ بداية ق ( 20 ) تساقط أشعة ذات طاقة شديدة الارتفاع على الكرة الأرضية
( الأشعة الكونية ) واتضح أن هذه الأشعة يمكنها أن تبيد الحياة على سطح الكرة الأرضية ولكن الله سبحانه وتعالى قد أحاط الكرة الأرضية بالغلاف الجوى والمجال المغناطيسى للأرض ليحمى الكائنات الحية من الأشعة الكونية القاتلة .
إن الأشعة الكونية الرئيسية التى تصل إلى الأرض من الفضاء الخارجى تتكون من ( 85 % ) من البروتونات الموجبة الشحنة و ( 14 % ) أشعة ألفا وحوالى ( 1 % ) من نوى تتراوح شحنتها بين ( 4 : 26 ) .
وتتميز هذه الأشعة بسقوطها على الأرض بصورة دائمة وتتراوح طاقتها بين 10 مليون : 20 مليون الكترون فولت .
إن الأشعة الكونية الرئيسية حينما تصطدم مع أنوية ذرات العناصر المكونة للهواء الجوى المحيط بالأرض تنتج أشعة ثانوية تتكون من الكترونات وأشعة جاما ونيوترونات وميزونات وهذه الأشعة الثانوية ( شلال الأشعة الكونية ) بسبب تكون العديد من أنواع الأشعة بكثافة كبيرة فى آن واحد .
إن معظم الأشعة التى تصل إلى مستوى سطح البحر وتحت سطحه هى الأشعة الرئيسية ذات الطاقة العالية .
اكتشف أحد العلماء الأمريكيين أن الجسيمات المشحونة التى توجد فى الأشعة الكونية المتجهة إلى الكرة الأرضية تتأثر بالمجال المغناطيسى للأرض فتنحرف عن مسارها المستقيم وتأخذ مسارا دائريا حول الأرض على شكل حزام وتبين للعلماء وجود عدة أحزمة .
تتكون الأحزمة من حزامين رئيسيين :
1 ) يقع الحزام الداخلى الأقرب إلى الأرض على بعد يتراوح بين ( 1000 : 7000 كم ) ويتكون معظمه من بروتونات ذات طاقة معدلها ( 30 مليون الكترون فولت ) .
2 ) أما الحزام الخارجى فيقع على بعد يتراوح بين ( 10000 : 30000 كم ) ويحتوى معظمه على الكترونات ذات طاقة معدلها مليون الكترون فولت وتغذى الأحزمة بالأشعة الكونية المتساقطة بصورة مستمرة وتتسرب منها كميات إلى الأرض بسبب تغير شدة المجال المغناطيسى للأرض .
أجريت أبحاث عديدة باستخدام الأقمار الصناعية الأمريكية مثل اكسبلوررالرابع واكسبلورر السادس وبايونيرالثالث لدراسة هذه الأحزمة ونوع الأشعة النووية المحصورة بداخلها وطاقتها وزيادة كثافتها .
أجرت الولايات المتحدة الأمريكية سلسلة من التجارب النووية فى الفضاء كانت التجربة الأولى فى
أغسطس عام ( 1958 ) ( أرجوس ) وتم التفجير على ارتفاع ( 1300 م ) فوق سطح الأرض .
والتفجير الثانى ( ستارفيس ) وقد تم فى ديسمبر عام ( 1958 ) ولقد أثبتت هذه التفجيرات زيادة كثافة الأشعة النووية التى تجمعت فى هذه الأحزمة وأجريت تفجيرات أخرى فى الفضاء كتجربة
( تيك ) فى عام ( 1958 ) وقد تم هذا التفجير على ارتفاع كبير ( 77 كم ) باستخدام قنبلة هيدروجينية قدرتها ( 3.8 ميجا طن ) كما أجرى تفجير آخر فى مساء ( 9 / 7 / 1962 ) لقنبلة هيدروجينية قدرتها ( 1.4 ميجا طن ) على ارتفاع ( 400 كم ) ( ستارفيش برايم ) وهى فوق المحيط الهادى .
أحدث هذا التفجير ضوءا أبيض لامعا شبيها بضوء الشمس عند الظهر فأضاء للحظات البحر والسماء وبعد ثانية تحول لون السماء إلى اللون الأخضر وخلال بضع دقائق انتشر شفق أحمر غطى الأفق .
أحدث هذا التفجير سحابة من الجسيمات المشحونة منتشرة فى الفضاء وإن المجال المغناطيسى الأرضى أثر بعد ذلك فى هذه السحابة المشحونة فجعلها على شكل أحزمة ضخمة تشبه هذه الأحزمة الطبيعية ولقد تكونت هذه الأحزمة الصناعية بداخل الأحزمة التى تحتوى على الالكترونات وهى على شكل حلقة أو حزام صناعى يحيط بالكرة الأرضية .
ولذا تزيد التفجيرات النووية فى الفضاء الجسيمات المشحونة بدرجة كبيرة وتكون الالكترونات أحزمة صناعية مجاورة لهذه الأحزمة .

حوادث غريبة :
شاهد بعض سكان جزر هاواى مشاهد غريبة فقد ضعفت اضاءة الشوارع فجأة فى جزيرة أوهو وتوقفت محطات الاذاعة المحلية وتعطلت الخدمات الهاتفية لبعض الوقت وفى أماكن أخرى من جزر المحيط الهادى توقفت منظومة الاتصالات عالية التردد عن العمل لمدة ( 30 ث ) .
وأدرك العلماء أن التفجير النووى الذى حدث فى ( 9 / 7 / 1962 ) قد أحدث نبضة كهرومغناطيسية شديدة انتشرت فى منطقة واسعة تحيط بموقع الانفجار .
وخلال بضع دقائق بعد الانفجار انتشر شفق أحمر بلون الدم غطى الأفق وتحولت هذه الغيوم بفعل المجال المغناطيسى للأرض إلى أحزمة صناعية من الجسيمات المشحونة ومن ثم عطلت الأحزمة الصناعية الكثيفة ( 7 ) أقمار اتصالات ذات مدار منخفض حول الأرض .
إن النبض الكهرومغناطيسى هو من الآثار المهمة للتفجير النووى والذى يتسبب فى تلف الأجهزة الكهربائية والالكترونية لمسافات بعيدة عن موقع الانفجار وهذا النبض ينتج من الاشعاع الصادر من كرة النار والسحابة الاشعاعية .
إن حوالى ( 0.3 % ) من الطاقة الناتجة من التفجير النووى تحملها أشعة جاما الناتجة من التفاعلات وقت التفجير وخلال انطلاق هذه الأشعة تقوم بتجريد ذرات العناصر فى الجو المحيط بها بعض الكتروناتها وتتحرك هذه الالكترونات فى نفس مسار أشعة جاما بعد أن تكتسب نصف طاقتها وهى تتحرك بعيدا عن موقع الانفجار وخلال طيران هذه الالكترونات التى تحمل طاقة كبيرة تقوم بتحرير الكترونات اضافية من الذرات التى تصطدم بها وفى خلال فترة جزء ضئيل من الثانية ينطلق عدد هائل من الالكترونات بعيدا عن نقطة الانفجار النووى .
إن هذه الالكترونات المنطلقة تولد تيارا كهربائيا كبيرا ينتج عنه مجالات كهربائية ومغناطيسية عملاقة تنتشر لمسافة تصل إلى مئات الكم فى الهواء وفى الأرض وهذه المجالات تكون النبض الكهرومغناطيسى وإن المجالات الكهربية تصل إلى ( 20000 فولت / م ) .
أما تيارها فيصل إلى ( 10000 أمبير ) وهو التيار المصاحب لهذا النبض الكهرومغناطيسى .
إن النبض الكهرومغناطيسى إذا تم فى الفضاء يمكن أن يغطى دائرة قطرها يصل إلى  3400كم .


أجهزة حساسة :
تعددت استخدامات الأقمار الصناعية فى الكثير من التطبيقات التكنولوجية كأقمار الاتصالات وهى تستخدم فى بث البرامج الاذاعية والتليفزيونية والاتصال التليفونى والتلغراف .
وكذلك أقمار التنبؤات الجوية وأقمار استكشاف الموارد الطبيعية الأرضية وأقمار الملاحة الجوية والبحرية وأقمار كشف التفجيرات النووية وأقمار الاستطلاع والتجسس والإنذار المبكر .
إن الأقمار الصناعية مزودة بأجهزة ارسال واستقبال ودوائر الكترونية وبعضها مزود بكاميرات تليفزيونية وأجهزة حساسة للأشعة تحت الحمراء كما يوجد بهذه الأقمار خلايا شمسية لتزويد أجهزتها بالطاقة الكهربائية اللازمة .
تزايد عدد الأقمار الصناعية وحسب بيانات اتحاد صناعة الأقمار الصناعية يصل عدد الأقمار التجارية والعسكرية إلى نحو ( 250 ) قمرا صناعيا تدور فى مدار أقل ارتفاعا عن سطح الأرض
إن معظم هذه الأقمار ليس لها أى حماية ضد الاشعاعات التى تتولد من تفجير نووى على ارتفاع عال وحدوث نبض كهرومغناطيسى يمكن أن يتسبب فى اتلاف الخلايا الشمسية وأجهزة الارسال والاستقبال والدوائر الالكترونية الدقيقة وغيرها من الأجهزة الحساسة .
إن التفجير النووى يحدث اشعاعات خطيرة فى مساحة كبيرة كما أن النبض الكهرومغناطيسى يغطى مساحة كبيرة وهذا يجعل صعوبة اطلاق أقمار بديلة لفترة طويلة .
أكد أحد الباحثين بوزارة الدفاع بالولايات المتحدة الأمريكية أن انفجارا ذريا صغيرا ( 10 : 20 ك طن ) أى بحجم قنبلة هيروشيما إذا فجر على ارتفاع يتراوح بين ( 125 : 130 كم ) فوق سطح الأرض يمكن أن يعطل فى أسابيع أو فى أشهر جميع الأقمار الصناعية ذات المدار المنخفض حول الأرض .
وإذا حدث هذا التفجير فوق الولايات المتحدة فسوف يحدث تأثيرا هائلا فى وسائل الاتصالات وجميع الأجهزة الالكترونية والكهربية .

حماية الأقمار الصناعية :
تعمل وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاجون ) على تأمين أقمارها الصناعية ضد آثار النبض الكهرومغناطيسى فإن للأقمار الصناعية الخاصة بالأغراض العسكرية فقد وضعت فى مدارات عالية فى مواقع آمنة من هذه الأخطار كذلك استخدمت بعض الأقمار الصناعية بدلا من الخلايا الشمسية محركات حرارية كهربية تعمل بالنظائر المشعة وهى تولد الكهرباء من حرارة النظائر المشعة لأن الخلايا الشمسية تتعرض للتلف بسبب الاشعاع الصادر من التفجيرات النووية أو أشعة الليزر .
وأمكن تقوية أقمار اتصالات الاسطول البحرى ومحطات القوى الجوية الأرضية ومحطات القواعد الجوية ضد تأثير النبض الكهرومغناطيسى واقتراح اطلاق أقمار صناعية لتدور فى مدار يدور فوق القطبين ولا يمر فوق خط الاستواء وهذه الأقمار الصناعية توجد على ارتفاع يبلغ مداره
( 111000 كم ) وهى بعيدة عن آثار التفجيرات النووية .
ويقوم المهندسون بتركيب هياكل واقية كى تزيد من مقاومة الأقمار الصناعية للإشعاع وتعمل هذه الهياكل المعدنية على حماية الدوائر الالكترونية الحساسة داخل هذه الأقمار ولقد أحيطت الأجزاء الحساسة بطبقات معدنية واقية بإمكانها أن تضعف تدفق الشحنات الكهربائية وهذه الطبقات تصنع من مادة الألمنيوم وسمكها يتراوح بين ( 0.1 % سم : 1 سم ) كذلك تم تحصين قواعد الأسلحة النووية على سطح الأرض ووسائل الاتصال ضد تأثيرات النبض الكهرومغناطيسى وإن الأقمار الصناعية يمكن حمايتها بتركيب مجسات للكشف عن وجود اشعاع ضار فالقمر الصناعى المزود بهذا النوع من الأجهزة يمكن أن يبرمج بحيث تتوقف جميع الأجهزة الالكترونية الحساسة إلى أن ينتهى مفعول الحدث المدمر .


                                                                   د / محمد مصطفى عبد الباقى
                                                                    مجلة العلم
                                                                   العدد : 353 

                                                                   التاريخ : 16 / 8 / 2012 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق