الخميس، 3 سبتمبر 2015

نوع جديد من الوراثة

نوع جديد من الوراثة
تستطيع المواد الكيميائية والإجهادات ( Stresses ) أن تغير بشكل دائم فعالية جينات معينة دون أن تغير تتاليات الدنا ( DNA ) ( Sequences ) هذه الجينات ويبدو أن بعض التغيرات خارج الجينية ( Epigenetic Changes ) يمكن أن ترثها أجيال المستقبل وأن تكون سببا للأمراض .
فعند ولادة الأطفال فإنهم يرثوا من الأم نصف الدنا ومن الأب نصف الدنا الآخر ( DNA )
الموجود لديهم وكان يعتقد أن انتقال الدنا من النطفة أو البيضة إلى الجنين الطريق الوحيد لنقل المعلومات الوراثية ( Heritable Information ) من الوالدين إلى أطفالهم بالنسبة للبشر والثدييات الأخرى .
فإن الدنا ليس الوحيد الذى يتحكم فى المصير صحيح أن العديد من صفات الطفل مكتوب فى الدنا الخاص به وبالتحديد فى الجينات المكودة للبروتين فى كود تتاليات الدنا التى تحكم أشكال البروتينات ووظائفها والتى تعتبر حصان العمل فى الخلية لكن المواد الغذائية مهمة فنوعية ما نأكله وما نتعرض له من ملوثات بيئية ومن ضغوط تؤثر فى كيفية عمل الجينات فيتم اللجوء للمؤثرات الاجتماعية والبيئية لتفسير بعض الظواهر كإصابة التوائم المتماثلة بأمراض مختلفة مع أن لهذه التوائم تركيبات جينية شديدة التشابه .
إن الإرث الحيوى ( البيولوجى ) للأطفال يتضمن أكثر من تتاليات الدنا الخاصة بالأبوين فإن الإرث لا يقتصر على الأولاد بل يمكن أن يصل إلى الأحفاد وأولاد الأحفاد فالإرث يعرف
( المعلومات خارج الجينية ) وتسكن المعلومات كالدنا فى الكروموسومات التى تؤوى عن تتاليات الدنا بأنها تستجيب للبيئة ويمكن أن تأخذ أشكالا مختلفة من ضمنها شكل الجزيئات الصغيرة التى يمكن أن ترتبط كيميائيا بالدنا وبالبروتينات الموجودة فى الكروموسومات .
وتبين من الأبحاث والتجارب التى أجريت على الفئران أن بعض الملوثات ومن ضمنها الكيماويات الزراعية ووقود الطائرات النفاثة وحتى بعض المواد البلاستيكية يمكن أن تحفز التحويرات خارج الجينية التى تسبب المرض والمشكلات التناسلية ويمكن أن يحصل دون أى تغيير فى تتاليات الدنا الخاصة بالحيوانات المجرى عليها التجارب فعندما تحدث الطفرات خارج الوراثية ( Epimutations ) فى الخلايا التى تظهر فى البيوض والنطاف فإنها تتثبت فى مكانها وتنتقل للأجيال التالية حاملة معها المخاطر الصحية .
ويتطور العلم بسرعة وإن الدراسات التى تجرى على الحيوانات أن الطفرات خارج الوراثية يمكن أن تنتقل من جيل لآخر فإن الكثير من النواحى الحيوية التى يتشارك فيها البشر مع الثدييات فإن انتقال التحورات من جيل لآخر يمكن أن يحدث لدى البشر فإذا كان الأمر صحيحا فإن عواقبه على الصحة العامة يمكن أن تكون عميقة فبعض أنواع البدانة وداء السكرى وبعض الأمراض الأخرى التى بدأت تتزايد بسرعة لدى الأطفال فيمكن أن يكون سببها الأصلى تعرض آباء هذه الأجيال لملوثات ( DDT ) والديوكسين .




المادة السوداء فى الجينيوم :
إن التأثيرات خارج الجينية فى الخلايا فإن مدى التأثيرات لم يتضح إلا حديثا فقد لاحظ علماء الحياة أن العديد من المواقع فى دنا الثدييات تحمل جذور المثيل ( CH3 ) فقد لوحظت هذه العلامة خارج الجينية ( Epigenetic mark ) كثيرا عند البشر حيث يرد حرف ( C ) الذى يرمز إلى السيتوزين قبل حرف ( G ) الذى يرمز إلى الغوانين فى تتاليات الدنا ويتكرر فى نحو ( 28 مليون موقع ) على طول الكروموسومات فإن الوظيفة الرئيسية للمثيل إيقاف عمل الترانسبوزونات وتأثيرها الذى هو الاستطالة الخطرة للدنا التى يمكن أن تغير مواقعها الأصلية على الكروموسومات وتنتقل لمواقع أخرى من الجينيوم بطرق تؤدى لظهور المرض فإن عملية ( المثيلة ) تساعد على تنظيم نشاط الجينات العادية وأنها يمكن أن تنحرف وتضل الطريق مسببة العديد من السرطانات والاضطرابات الأخرى .
فى ( 90 / ق 20 ) بدأ العلماء بدراسة عمل أنواع أخرى من العلامات خارج الجينية فإن المثيل والأستيل وغيرهما من المواد الكيميائية المتحورة يمكنها أن تربط بنى خرزية الشكل تتألف من مجموعة من البروتينات ( الهيستونات ) ويلتف دنا الكروموسومات حول كل خرزة هيستون مغلفا إياها ومن خلال التحكم فى شدة التفاف الدنا ومن مدى تباعد الخرزات أو تقاربها تستطيع علامات الهيستونات أن تفعل أو توقف عمل مجموعات كاملة من الجينات فالجينات الموجودة فى المناطق الشديدة الالتفاف لا تلاحظها البروتينات التى تفعل نشاط الجين .
ولقد ظهرت عوامل أخرى خارج جينية من ضمنها البنية الثلاثية الأبعاد المتغيرة باستمرار لجزىء الدنا والكروموسومات وعدد من أنواع الرنا ( الرنا غير المكودة ) التى يتأثر بعضها مع العلامات خارج الجينية المتوضعة على الدنا والهيستونات ويعبر عنها بأنها غير مكودة لتمييزها عن تتاليات الرنا التى تنسخ من دنا وتعمل كقوالب لصنع البروتينات التى كودتها الجينات .
إن العوامل خارج الجينية تعمل معا للتأثير فى نشاط الجين بطرق معقدة مستقلة عن تتاليات الدنا ويتمتع الفعل المتبادل بين الجينات والجينيوم خارج الجينى بصفة الديناميكية ففى كل مرة تتضاعف فيها الخلية يتم نسخ العلامات خارج الجينية الموجودة فى كروموسوماتها لكروموسومات الخلايا البنات فإن الحوادث خارج الجينية التى تحدث مبكرة فى الحياة يمكن أن تغير سلوك الخلايا مع مرور الزمن .
فإنه فى حين تعمل الخلايا بجد على حماية تتاليات الدنا فى الكروموسومات من أى تغيير إلا أنها تعدل أنماط العلامات خارج الجينية أثناء تنامى المتعضى ( Organism ) والتشيخ ( Aging ) وتساعد التغيرات على تحديد كيف تتخصص الخلايا لتصبح خلية جلدية أو خلية دماغية فإن التغيرات الدقيقة فى المعلومات خارج الجينية تغير الجينات النشيطة فى كل جزء من الجسم البشرى وتستطيع الكيماويات المؤذية والعوز الغذائى ومؤثرات أخرى أن تكون السبب فى إضافة علامات خارج جينية أو إزالتها بطرق تؤثر فى نشاط الجين .
إن التأثيرات خارج الجينية تؤدى دورا حاسما فى النمو والتشيخ وحتى فى السرطان فإذا كانت الطفرات خارج الوراثية ( Epimutations ) فالتغيرات خارج الجينية غير الطبيعية يمكن أن تنقل عبر الأجيال عند الثدييات .

وراثة عرضية :
إن الطفرات خارج الوراثية المتعددة الأجيال فعن طريق دراسة تأثير استعمال مادتين كيميائيتين شائعتى الاستعمال فى المزارع فى تكاثر الفئران فإن مبيد الفئران
( مثوكسى كلور / Methoxychlor ) ومبيد الفطريات  فينكلوزولين / Vinclozolin
وإن المادتان ككثير من الكيماويات الزراعية تتدخلان فى الإشارات الهرمونية التى تساعد على تشكل جهاز التكاثر وعمله فعن طريق حقن المواد للجرزان الحوامل فى اسبوعها الثانى فعندما تتشكل الغدد التناسلية ( المناسل / Gonads ) فإن النسل الذكرى كله كانت له خصى غير طبيعية وقليلة العدد .
فالعلامات خارج الجينية فإن العيوب قابلة للانتقال من جيل لآخر فوجود خطة لاستيلاد الفئران التى كانت قد عرضت لمادتى ( مثوكسى كلور ) أو ( فينكلوزولين ) أثناء وجودهما فى الرحم فالقيام بتزويج ذكر بأنثى من فئران التجارب لا قرابة بينهما .
فإن تفحص أحفاد الإناث المتزاوجة لمعرفة فيما إذا كانت مصابة بأى مرض فلن تجد فى الأحفاد أى عيب فوجد أن ( 90 % ) من الأحفاد الذكور كانت مصابة بالمرض فى الخصى وهى لا تزال أجنة كما فى الآباء فإن الآباء كانت أجنة بحجم الدبوس عندما تعرضت مع أجدادها للمبيدات ولو لفترة قصيرة .
وكانت النتيجة مفاجئة لأن كثيرا من الدراسات السمية ( Toxicology ) التى كانت قد بحثت عن أدلة بأن المواد الكيميائية كالفينكلوزولين تحدث طفرات فى الدنا فإن تواتر الطفرات الجينية لم يرتفع فى الفئران التى عرضت لهذه العوامل فلم يستطع علم الوراثة التقليدى أن يفسر ظهور سمة جديدة بتواتر قدره ( 90 % ) فى فصائل مختلفة .
فإن الجنين الصغير يحتوى على خلايا منشئة أولية ( Primordial germ cells ) هى الخلايا السلفية المولدة للنطاف أو البيوض فإن المادة الكيميائية التى استعملت كانت قد أثرت مباشرة فى الخلايا السلفية وأن التأثير قد استمر عندما انقسمت الخلايا وتحولت إلى نطاف أو بيوض وانتقل إلى الأحفاد فإن التعرض القصير الأمد هو السبب المباشر فى إصابة خصى الأحفاد بالمشكلات وأن أجيال المستقبل للفئران يجب أن تكون طبيعية .
ويوجد اختبار مؤكد لمعرفة ما إذا كان التأثير المباشر للمادة الكيميائية هو السبب فى الإصابة فلقد تم استنسال جيل رابع ثم خامس من الفئران وكان فى كل مرة نزاوج سلالات الفئران الأصلية التى لا قرابة بينها وكانت قد عرضت لمواد كيميائية بهدف تفادى تشعيع
( Avoid diluting ) السلالة وعندما نضجت أولاد الأحفاد ومن ثم أولاد أولاد الأحفاد تبين أن ذكور كل جيل كانت تعانى مشكلات مشابهة لأسلافها وكان السبب الجرعات المتتالية لكن ليست عالية من الكيماويات الزراعية كانت ترش لعقود على الفواكه والخضار والكروم وملاعب الجولف .
فقد تم تكرار التجارب لعدة سنوات مرات عديدة للتأكد من صحة النتائج والحصول على براهين إضافية وأن التعليل الموضوعى للظاهرة أن تعرض الفئران للكيماويات سبب طفرات خارج وراثية تدخلت فى تطور المناسل ( الغدد التناسلية ) فى الأجنة الذكرية وأن الطفرات خارج الوراثية تنتقل من النطاف لخلايا الجنين المتنامى بما فى ذلك الخلايا المنشئة الأولية وأنها تتابع الانتقال لعدة أجيال فإن التعرض لمبيدات الفطريات أدى لتغيير المثيلة فى مواقع مهمة متعددة فى دنا نطاف الأنسال .

نتائج مزعجة :
إن الدراسات غير الصناعية ذكروا صعوبة التأكد من بعض النتائج لأن تم استخدام طرق تجريبية مختلفة كإعطاء الفئران الكيماويات عن طريق الفم أو استخدام سلالات من الفئران ناتجة من زواج أقارب ( Inbreeding ) أو تربية الذكور غير المتأثرة مع الفئران الناتجة من سلالة لم تتعرض للمبيد الفطرى وجميع الممارسات تضعف كثيرا قابلية تأثر السلالة فى الأجيال التالية .
إن الطفرات خارج الوراثية يمكن أن تدوم عدة أجيال وبينت الدراسات أن أحفاد أحفاد الفئران المعالجة بمبيد الفطريات قد غيرت بصورة دائمة أنماط المثيلة فى نطافها وخصاها ومبايضها والنشاط غير الطبيعى للجينات فى الخلايا المنشئة الأولية للفئران فإن الجيل الرابع من الأنسال أصبحت عرضة لزيادة الوزن والقلق حتى أنها تختار أزواجها بصورة متباينة فيوجد ملوثات مؤثرة يمكن أن تؤدى لنفس النتائج فإن الصفات المكتسبة عبر الأجيال يمكن ملاحظتها فى عدد كبير من الأنواع بما فى ذلك النباتات والذباب والديدان والأسماك والقوارض والخنازير .
إن تعريض الفئران الحوامل لملوث ( ديوكسين ) أو وقود الطائرات النفاثة أو طاردات الحشرات أو لمزيج من ( البيسفنول A ( BPA ) والفثالات ( Phthalates ) وهى مركبات كيميائية لمادة تستعمل فى علب الطعام وحشوات الأسنان تحرض حدوث العديد من الاضطرابات الصحية الموروثة حتى أفراد الجيل الرابع كشذوذات فى البلوغ والسمنة وأمراض فى المبايض والكبد والبروستات وقد لوحظ المئات من التغيرات النوعية فى أنماط مثيلة الدنا فى النطاف حيث وجد أنها لا تتبع أنماط التوريث المعهودة فى علم الوراثة فإن ما خارج الطفرات وليس طفرات تتاليات الدنا هو السبب الكامن وراء الاضطرابات .
إن دراسة آثار الديوكسين على الفئران فإن نحو نصف بنات الأمهات التى عرضت كانت غير خصبة وأن العديد مما حمل منها ولدت قبل الأوان واستمرت مشكلات الحمل جيلين على الأقل .
وفى الدراسات كانت الجرعات الكيميائية أكثر بكثير مما يأتى من الوسط الملوث وإن نتيجة البحث كانت تأثيرات منتقلة عبر الأجيال تشبه ما ينتج من جرعات مماثلة عند البشر أنه عندما تعطى الفئران كميات كافية من البيسفنول A فى طعامها لإنتاج سويات من الدم الموجودة فى أنسال الفئران حتى الجيل الخامس تقضى وقتا أقل فى استكشاف أقفاصها ووقتا أطول فى التأثر مع الفئران الأخرى فإن تحول الشخصية
( Personality Shift ) سببه تغير نشاط الجينات بسبب الأوكسيتوسين / الفازوبرسين  
الذين يؤثرا فى السلوك الاجتماعى ففى الدراسة حول البيسفنول A تتطابق التأثيرات مع أنماط تغير مثيلة الدنا فإن الدليل على الترافق لا يزال غير مباشر فقد تكون أنواع أخرى من التغيرات فوق الطفرية .
وتوجد دراسات أخرى يمكن أن تحدد ما إذا كانت الطفرات خارج الوراثية تؤثر فى عدة أجيال من البشر كما حدث مع القوارض ويتابع أحد الأبحاث ما حدث نتيجة حادثة طبيعية
مشؤومة فلقد حدث انفجار فى معمل كيميائى أدى لتعرض جميع سكان المنطقة لتراكيز مرتفعة من مادة ( الديوكسين ) وكانت أول حادثة مسجلة يتعرض فيها جمهور واسع لهذه المادة الخطرة فعن طريق قياس كمية الديوكسين فى دماء ما يقرب من ( 1000 إمرأة ) تأثرن بالحادث لمعرفة النتيجة على صحتهن .
فإن كل ازدياد ب ( 10 مرات ) لتعرض المرأة للديوكسين خلال الحادث أدى لزيادة الزمن اللازم للحمل قدرها ( 25 % ) كما أدى لتضاعف خطر عدم الحمل وأن النساء اللواتى كن أصغر من ( 13 سنة ) وقت الحادث تضاعف لديهن وهن بالغات بخطر الإصابة بمتلازمة الأيض ( Metabolic Syndrome ) وهى مجموعة من العوارض كارتفاع ضغط الدم والكلوكوز فى الدم وهى حالات تسهم فى احتمال الإصابة بأمراض السكرى والقلب فإن نتائج فحوص الغدة الدرقية لحفيدات النسوة اللواتى تعرضن للديوكسين كانت غير طبيعية
وبما أن اضطرابات الأيض والتناسل الأكثر شيوعا من خلال خارج الجينيوم فى حيوانات التجربة فإن النتائج توحى أن الديوكسين يمكن أن يشجع حدوث الطفرات خارج الوراثية عند البشر ويتعزز الشك إذا ما وجد أن أولاد وأحفاد النساء أبدت نسبة عالية من حالات العقم والسمنة .
فعن طريق سلسلة من الراسات استخدمت فيها بيانات لنحو ( 900 شخص ) ولدوا فى الأعوام ( 1890 / 1905 / 1920 ) بالسويد إضافة إلى بيانات آبائهم وأجدادهم وعن طريق المقارنة لسجل وفاة الأشخاص مع بيانات الموارد الغذائية فى السويد حين مرت السويد بفترات متعاقبة من القحط فى المحصول الزراعى مدة كل منها سنتان وتبين من الدراسة أن النسوة اللواتى مرت جداتهن عندما كن صغيرات السن بالنمط المتذبذب بين توفر الغذاء والجوع كن مصابات بنسب عالية من الأمراض القلبية المميتة .
فإن الخطورة الزائدة لم تشاهد عند الرجال ولا عند النساء الذين تحمل أجدادهم ندرة الطعام فإن النمط الغريب من الوراثة يشير بشدة ولأسباب مختلفة إلى أن التغيرات خارج الجينية فعالة وبخاصة ظاهرة ( التخميد / Imprinting ) وقد لوحظ حدوث أمور مشابهة عند أحفاد الشعب الهولندى الذى عانى الجوع أثناء الحرب العالمية الثانية .

تخميد خارج الجينية الوالدية :
إن الكثير من علماء الحياة يترددون فى قبول أن الطفرات خارج الوراثية تسببها البيئة وتستقر فى مسار الخلايا المنشئة ويبدو أن الفرضية تتناقص مع الاعتقاد السائد بأن العلامات خارج الجينية تمحى من الدنا ويعاد كتابتها ثانية أثناء العملية التناسلية ليس مرة واحدة بل اثنتين فإن العمليات تزيل أى طفرة غير وراثية مكتسبة قبل أن تسبب أى مشكلة فى الجيل التالى فعملية المحى تحصل فعلا لكن إلى أى مدى ؟ .
إن أول موجة من التخميد بعد عدة أيام من حدوث الحمل حيث تنفصل علامات المثيل من الكروموسوم وهى عملية تمنح الخلايا الجذعية الجنينية القدرة على إنشاء كل أنواع الخلايا وبعدئذ تعاد ( المرتبطات / Tags ) عندما يبدأ الجنين بالتنامى وعندما تبدأ الخلايا بالانقسام والتخصص تظهر نماذج محددة من مثيلة الدنا فى كل نمط من الخلايا مما يساعد على تكييف الخلايا بحيث يصبح كل منها قادرا على القيالم بعملها الخاص .
إن ما يحجب جينات قليلة خاصة عن الموجة الأولى من عملية المحى خارج الجينى فإن علماء الحياة يشيرون إلى أن الجينات على أنها جينات أمومية وأبوية مخمدة لأن العلامات خارج الجينية مصونة وتضمن أن نسخة الأم أو الأب من الجين هى التى تستعمل لصنع البروتين فإنه بالنسبة للأولاد يقوم الجين ( AGF2 ) الذى يكود الهرمون الضرورى لنمو الجنين يكون نشيطا على الكروموسوم الذى ورثوه من الأب أما نسخة الجين من الأم فإنها تكون مغلقة بالفعل المشترك لمثيلة الدنا وأحد أشكال الرنا غير المكودة .
أما الموجة الثانية من التخميد خارج الجينى وإعادة البرمجة فعندما يكون جنين الفأر بحجم رأس الدبوس والجنين البشرى بحجم حبة البازلاء وعندما تبدأ الخلايا المنشئة الأولية بالظهور داخل المناسل الحديثة التشكل فى الجنين وعندما أخذنا الفينكلوزولين أو ملوثات أخرى لحيوانات التجربة فى الأبحاث حول التغيرات خارج الجينية وتستمر الموجة نحو اسبوع فى الفئران أما عند البشر فإنها تمتد من الاسبوع السادس حتى الاسبوع الثامن عشر .
إن الموجة الثانية تكتمل عندما يتم نزع العلامات الكاملة المثيل حتى من الجينات المخمدة فى خلايا طلائع البيوض والنطاف لتثبيت النمط الجنسى المناسب فتتلقى كروموسومات الإناث التى ستستقر فى البيوض نمط المثيلة الأمومى بينما فى الذكر تتلقى الكروموسومات التى ستستقر فى النطاف نمط الأبوة وتتجنب العملية أن يحصل أى نسل على نسختين فعاليتين أو غير فعاليتين من الجينات المخمدة فالمطلوب نسخة واحدة فعالة وأخرى غير فعالة .
يمكن أن تتأثر الآلية نفسها التى تعيد وضع المرتبطات على الجينات المخمدة بالهجمات البيئية بحيث يعاد تثبيت طفرات فوق طفرية جديدة فى الخط الأساسى فإذا تعرض الجنين فى بداية الموجة الثانية سواء لمادة ملوثة أو خلل هرمونى سببه الشدة ( Stress ) أو عوز غذائى يؤثر فى المثيلة فيمكن أن يؤدى لتغيير أى مرتبطات خارج جينية يتخلص منها للأبد وأيها تبقى أو يعاد ترتيبها فى نهاية مرحلة إعادة البرمجة .
إن معظم الطفرات خارج الوراثية يمكن ألا يترتب عليها أى نتيجة أو يمكن أن تصحح فى الجيل التالى لكن لكل قاعدة استثناء فإذا تمت حماية طفرة خارج وراثية فى خلية مسار منتش فى جينيوم خارج جينى من إعادة برمجتها بطريقة تشبه ما يحدث فى الجين المخمد فإنه قد يؤدى لتأخير التأثير فى الجيل الثانى وربما يمتد التأثير للأجيال التالية .
إن ظاهرة خارج الوراثة يمكن أن تكون لها نتائج طبية مهمة فإذا كانت المواد الكيميائية مولدة البدانة فى البيئة التى تسبب اضطرابا فى الأيض بحيث تؤدى إلى السمنة بطرائق وراثية .
إن الفئران الحوامل التى شربت ماء ملوثا بمادة ( تريبوتيلين ) وهى تستخدم على نطاق واسع لتبعد البرانق وهى قشريات بحرية عن أجسام السفن حملت فئرانا صغيرة قادرة على تكوين كميات كبيرة من الدهون فى الخلايا وأكباد سمينة واستمرت الظاهرة جيلين الأمر الذى فسر بالتطفر خارج الوراثى ومع أن التحول فى نمط المعيشة وتوفر الغذاء
يفسر بزيادة البدانة وداء السكرى وغيرهما من الأمراض المنتشرة بالعالم .
فإن تعرض الأطفال لمبيد الحشرات ( DDT ) وعندما تم حقن الحيوانات بال ( DDT ) تم الحصول على أكثر من نصف أحفاد أحفادهم ( الجيل الرابع ) مصابين بالبدانة مع أن أفراد الجيل الثانى كانوا ذوى أوزان طبيعية .
إذا كانت البيئة قادرة على إحداث تغيرات فى نشاط الجينات دون تغيير فى تسلسل كودات الدنا فإن النظرة للتطور ( Evolution ) الذى يعد منتجا بطيئا للطفرات العشوائية التى يتم اصطفاؤها بسبب فوائدها التناسلية أو البقاء للأصلح وقد تكون الوراثة خارج الجينية العامل الأكثر أهمية فى تفسير الازدياد الكبير فى عدد الأنواع ( Species ) الجديدة أكثر من المتوقع مع ندرة فوائد الطفرات الجينية ويبدو أن التغيرات خارج الجينية يمكن أن تحصل أكثر من التغيرات العادية ب ( 1000 مرة ) .
إن الأثر الأكثر أهمية للفعاليات خارج الجينية قد يكون التكيف للعيش والاستمرار بالحياة يشير للزيادة الكبيرة فى عدد الأفراد المتباينة فى أى جماعة فالاصطفاء الطبيعى
( Natural Selection ) له الدور الأكبر فى انتقاء الأفضل تكيفا للعيش والاستمرار بجينيوم أو خارج جينيوم بمتابعة مسيرة الإنسان .


مجلة العلوم الأمريكية
أسامة ممدوح عبد الرازق مصطفى شرف
التاريخ : 21 / 8 / 2015


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق