الخميس، 3 سبتمبر 2015

العالم الذى تفوق على آينشتاين ( ألكساندر فريدمان )

العالم الذى تفوق على آينشتاين ( ألكساندر فريدمان )
هيمنت على أذهان علماء الكونيات فكرة ( الكون الاستاتيكى الأزلى ) الذى لا يصيبه أى تغيير وعندما وضع ( أينشتاين ) ( نظرية النسبية العامة ) كان مهتما لمعرفة نتائج تطبيق معادلاته للجاذبية على نطاق المقياس الكونى الأعظم وليس على نطاق المنظومة الشمسية المحدود ولكى يحافظ على صورة الكون الاستاتيكى المستقر حيث أدخل فى معادلاته للنسبية العامة مبدأ
( الثابت الكونى ) من شأنه أن يحدث قوة تنافر إضافية تتخلل الكون كى تعادل الشد الجذبوى وفقا للمفهوم النيوتونى .
كانت القوى المفترضة والمضادة للجاذبية تنظر للأبعاد الكونية الضخمة لكنها كانت حرية بالاهمال لدى المسافات الأقصر ومن ثم فإنها لم تبطل من قدرة نظرية ( النسبية العامة ) التى على أساسها تم وضع نموذج ناجح للجاذبية على مقياس الكواكب والنجوم القريبة نسبيا فإن صيغة آينشتاين المعدلة للنسبية العامة أدت ل ( 3 ) نجاحات فيما يخص الجاذبية منها :
1 ) تفسير استاتيكية الكون الأزلية .
2 ) مضاهاة نجاحات صيغة نيوتن لدى قيم الجاذبية الضئيلة .
3 ) النجاح حيث أخفقت صيغة نيوتن مع القيم العالية للجاذبية .
كان من شأن الحيلة الرياضية أن توائم ما بين النسبية العامة / 1915 وفكرة الكون الاستاتيكى الأبدى فلم يكن أحد لديه تفسير للثابت الكونى فإن الفيزيائيين لديهم إجماع على ضرورة رشاقة قوانين الفيزياء وبساطتها واتساقها وعندما نظر آينشتاين لثابته الكونى فلقد تنازل عنه فى معادلاته مما أتاح للنسبية العامة أن تستوعب فكرة الكون الأزلى .
ويوجد عالم آخر يعتنق وجهة النظر المخالفة حيث ينظر للكون نظرة تختلف جذريا إنه
( ألكساندر فريدمان ) .

البدايات :
التحق ( فريدمان ) بإحدى الجامعات عام ( 1906 ) لدراسة الرياضيات وقد رعاه أحد الأساتذة حيث تم تشجيعه على تناول المسائل الرياضية الصعبة وكان شغوفا بالعلم والتكنولوجيا وكان على استعداد للانخراط فى سلك البحوث العسكرية خلال الحرب العالمية الأولى وقد تطوع بالطيران فى مهمة لإلقاء القنابل على العدو طبق فيها مهاراته الرياضية .

بعيدا عن علم الكونيات :
كابد ( فريدمان ) أحداث الثورة البلشفية عام ( 1917 ) وما أعقبها من حرب أهلية ولقد كان عليه مواجهة آثار تأخر وصول نظرية آينشتاين ( للنسبية العامة ) التى كانت قد بلغت درجة النضج فى غرب أوروبا وبسبب عزلة روسيا التامة عن المجتمع العلمى الغربى مما سمح لفريدمان بابتكار نموذجه الخاص به عن الكون بعيدا عن مدخل آينشتاين لعلم الكونيات .
ولقد اتبع فريدمان وجهة نظر معاكسة فبدلا من أن يبدأ بفرضية الكون الاستاتيكى الأزلى انطلق من نظرية النسبية العامة فى أبسط صورها وأكثرها جاذبية دونما حاجة لثابت كونى ما منحه الحرية كى يرى من الناحية المنطقية أى نوع من الكون قد انبثق من النظرية العامة
لأينشتاين وقد تناولها رياضيا صرفا للقضية وكاد فريدمان أن يصل لوصف أدق للكون فبالنسبة لفريدمان كان بهاء المعادلة وجلال النظرية مقدما على الواقع وفى الحقيقة على التوقعات .
بلغ بحث فريدمان ذروته عام ( 1922 ) حين نشر مقالة فى إحدى الجرائد العلمية فى حين كان آينشتاين يسعى لثابت كونى يحقق التناغم الدقيق لكون بالغ الاتزان ولقد وصف فريدمان كيف يمكن ابتكار نماذج متنوعة للكون باختلاف قيمة الثابت الكونى ولقد وضع الخطوط الرئيسية لنموذج كونى ترجع معه قيمة الثابت الكونى للصفر وكان النموذج يستند لمعادلة آينشتاين الأصلية عن الجاذبية دونما حاجة لثابت كونى لازم لمعادلة الشد الجذبوى وقد خلق ذلك نموذجا للكون يتسم بالحراك والقابلية للتطور فكان الحراك فى نظر أينشتاين مرتبطا بكون محكوم عليه بتقوض كارثى ومن ثم اعتبره السواد الأعظم من علماء الكونيات غير مهم للتفكير فيه .
أما بالنسبة لفريدمان فقد كانت الديناميكية مرتبطة بكون يصح أن يكون قد انبثق بغتة من انفجار ابتدائى عظيم ( Big Bang ) له من الأهمية ما يكفل له مغالبة الشد الجذبوى فلقد كانت وجهة نظر جديدة عن نشأة الكون أيدتها الأرصاد الفلكية التى أكدت تمدد الكون وتباعد مجراته .
وقد شرح ( فريدمان ) كيف يمكن لنموذجه عن الكون أن يتبادل التأثير مع الجاذبية عبر ( 3 ) بدائل محتملة تعتمد على الطريقة التى بدأ بها الكون تمدده وعلى مقدار ما يحتويه من المادة فافترض فى الاحتمالية الأولى : كبر كثافة الكون المتوسطة بوجود وفرة من النجوم فى حيز بعينه فهذه الوفرة تعنى شدا جذبويا قويا يمكنه شد كل النجوم للخلف بما يوقف عملية التمدد ويتسبب بالتدريج فى انكماش الكون ومن ثم لانهيار تام .
أما البديل الثانى : بافتراض ضآلة الكثافة المتوسطة للنجوم والتى تعتبر الحالة التى تعجز فيها الجاذبية دوما عن التغلب على التمدد الكونى الذى سيستديم للأبد .
أما البديل الثالث : كثافة وسط ما بين الحالتين المترفطين مما يقضى لكون تبطىء فيه الجاذبية من وتيرة تمدد الكون لكنها لا توقفها كلية ومن شأن الكون ألا ينتهى للتقوض ولا يستمر فى التمدد للأبد .
والصفة المشتركة بين نماذج فريدمان ال ( 3 ) مفهوم الكون دائم التغير فإن الكون كان مختلفا بالأمس عن اليوم وسوف يكون مختلفا فى الغد وكان ذلك اسهام ( فريدمان ) الثورى فى علم الكونيات منظور الكون المتطور على المقياس الكبير ( ديناميكية الكون ) وليس
( استاتيكية الكون ) فأى النوذجين يوافق الواقع ؟
اعتقد آينشتاين أن فريدمان قد جانبه الصواب وأن بحثه كان مهتما من الناحية الرياضية وكتب يشكوك للمجلة التى نشرت بحث فريدمان جاء فيها ( إن النتائج التى يتضمنها البحث تلوح مثيرة للشك وتؤدى لحل لا يحقق معادلات النسبية العامة فقد كانت حسابات ( فريدمان ) صحيحة وكانت نماذجه الرياضية قليلة للتطبيق ولعل آينشتاين لم يهتم بالبحث أكثر من نظرة خاطفة أقنعته بأنه لا بد أن يكون معيبا طالما أنه يتعارض مع المعتقد الراسخ فى استاتيكية الكون .

اعتراف من آينشتاين :
حينما بدأ ( فريدمان ) فى مجادلة ( آينشتاين ) اضطر ( آينشتاين ) أن يقر فى تواضع بأنه مقتنع بأن نتائج ( فريدمان ) صحيحة رياضيا وإن بقى مصرا على اعتبارها غير صالحة من الناحية العملية ولقد هون ( آينشتاين ) من شأن حلول ( فريدمان ) زاعما أن مغزاها الفيزيائى يتعذر الاستناد إليه إلا أنه سرعان ما تخطى هذا الانتقاد .
ورغم الاعتراضات من ( آينشتاين ) ثابر ( فريدمان ) على تطوير أفكاره وقبل أن يتمكن من اتخاذ أى خطوات جادة لدعم وجهة نظره فى المحافل العلمية فلقد ابتكر ( فريدمان ) رؤية مستحدثة للكون ولقد نشرت أفكاره حيث كانت خلفية ( فريدمان ) رياضية أكثر منها فلكية فلم يكن الفلكيون فى عصره قادرين على إنجاز الأرصاد المستفيضة التى كان من شأنها أن تدعم نموذجا يصف كون آخذ فى التمدد وقد صرح ( فريدمان ) بأنه ما من برهان يؤيد نماذجه فيمكن اعتباره مجرد افتراضات تفتقر للمادة التجريبية الفلكية .
على أن الأبحاث والأرصاد الفلكية الحديثة دعمت استناجات ( فريدمان ) من أن الكون آخذ فى التمدد .


عاطف يوسف محمود
تنقيح / أسامة ممدوح عبد الرازق مصطفى شرف
23 / 8 / 2015


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق