الجمعة، 14 أكتوبر 2016

الحركة

الحركة
إن العالم فى حركة دائمة فى كل زمان ومكان ولكن كيف تطورت الأفكار عن الحركة منذ أرسطو مرورا ببيكون وابن سينا وجاليليو وصولا لمبادىء نيوتن وتعديلات النسبية العامة عليها لآينشتين والتى ظهرت عام ( 1915 ) ؟
والعالم فى حركة دائمة ومستمرة لا يتوقف حيث تبدو الغيوم مسرعة فى الفضاء فيما تشق الشمس والقمر والكواكب والنجوم مساراتها العادية فى الفضاء فكل شىء يتحرك فى الكون .
حين كان الأقدمون من الناس يستخدمون الرماح أو يرمون السهام من الأقواس لم تكن الحركة تتطلب تحليلا لقد علمتهم الممارسة كيف يصوبون على الهدف وكذلك بالنسبة للمقلاع ثم المنجنيق فلم تكن هناك حاجة لدراسة مسارات المقذوف بالتفصيل غير أنه كان لا بد من وجود الحركة فى كل زمان ومكان من ظهور بعض الأفكار البديهة حولها قبل انقضاء زمن طويل أما إذا كانت الأقكار بالضبط ؟ فلا نستطيع التثبت منه لكنها كانت من المرجح ذات أساس علمى ضعيف وقد بينت الأبحاث العلمية الحديثة فى الولايات المتحدة الأمريكية أن بعض الناس لا يزالون يحملون معتقدات خاطئة عن الحركة  مغايرة كليا للقوانين العلمية .
ولقد كانت أول مجموعة مترابطة منطقيا من قوانين الحركة التى وضعها ( أرسطو ) حيث أن مبدأ ( أرسطو ) القائم على ثبات طبيعة السماوات والتى تشمل كل شىء موجود وراء أقرب الأجسام السماوية ( القمر ) فقد آمن ( أرسطو ) بأن حركة الأجسام السماوية فريدة من نوعها وإن الأجسام تتحرك فى دوائر حول الأرض فقد حدد طبيعتها على أساس حركتها فى دوائر فإنها خاضعة لقوانين مختلفة عن القوانين التى تسير الأجسام الواقعة دون مجال القمر ولكن كل الأجسام تشترك فى أمر واحد وهو إما أن تكون موجودة فى موقعها الطبيعى أو أنها فى طريقها للوصول إليه .
والموقع الطبيعى للأجسام السماوية أحد المجالات الفضائية أما المكان الطبيعى للأجسام الأرضية فكان مركز الكون الذى هو مركز الأرض فى كون ( أرسطو ) .
وللأجسام الأرضية أو المادية أن تقوم ب ( 3 أنواع ) من الحركات :

1 ) الحركة الطبيعية :
أو الحركة التى يقوم بها الجسم وهو يسعى لمكانه الطبيعى فى مركز الأرض فإن جميع الأجسام الساقطة هى فى حركة طبيعية وإذا ما ألقى جسم ما فإن حركته الطبيعية تتجه به فى اتجاه مركز الأرض ويكون سقوطه رأسيا وتتوقف سرعة سقوطه على ثقله بحيث أن الأجسام الأثقل وزنا تسقط بسرعة أكبر لأن حافزها نحو مكانها الطبيعى يكون أكبر .




2 ) الحركة القسرية :
أما نوع الحركة الثانى المحدد من قبل ( أرسطو ) ( الحركة القسرية أو الاضطرارية ) وهى تحدث عندما تعمل قوى خارجية على الجسم متداخلة مع الحركة الطبيعية فإذا التقط شيئا من الأرض فإن حركته لأعلى قسرية فمثلا الحركة التى تعطى للسهم عند إطلاقه من القوس وإن الحركة غير طبيعية للجسم فلا بد من استخدام القوة بانتظام لاحداث الحركة لكى يتحرك الجسم وتتوقف سرعة تحرك الجسم فى حال الحركة القسرية على مقدار القوة المستخدمة .

3 ) الحركة الارادية ( الاختيارية ) :
الحركة التى تفرضها الارادة وهى نوع من الحركة لا يملكه إلا المخلوقات الحية فلا بد من استخدام القوة بصورة متواصلة لحدوث الحركة وفى هذه الحال تكون القوة نتيجة لإرادة استخدامها كما تكون سرعة الحركة الناتجة عنها متوقفة على مقدار القوة المستخدمة .
لقد كان تحليل أرسطو منطقيا وبدا وكأنه يفسر الخبرة فى اتفاق تام مع تفسيره للكون ومع تقسيم الكون لمجالات أو مناطق إلى ( 4 عناصر ) أساسية وإلى جوهر هو ال ( 5 )
وإن التفسير كان قوى المفعول نافذا حتى أنه كان مقبولا فى العالم الاسلامى وفى الغرب ولو أن التساؤلات بدأت تحوم حوله منذ ( ق / 13 ) .
دار عدم الاقتناع الأساسى حول تفسير أرسطو لحركة السهم عند بدء حركته القسرية من القوس حيث يكون السهم مدفوعا للأمام بفعل وتر القوس ولكن ماذا يحدث بعد ذلك ؟
فالرد غير مقنع فلقد زعم أرسطو أن الهواء يهب فور إنفلات السهم من القوس لملء الفراغ الذى كان السهم يحتله ثم يعمل الهواء نفسه كقوة تدفع السهم للأمام محققا استمرار الحركة القسرية وما إن تنفذ القوة أو تتلاشى حتى يسعى السهم إلى موقعه الطبيعى ويسقط إلى الأرض إلا إذا بلغ هدفه ولكن القول بأن الهواء هو الذى يدفع السهم بدا كأن فيه شيئا من اللامنطق فالهواء يشكل عائقا لحركة الأجسام وكان أحد الأسباب فى رفض أرسطو وجود الفراغ أو الخواء فكيف يمكن للمادة المعيقة أن تعمل كقوة حث أو دفع ؟
ولقد أخذ العلماء يشكون بتفسير أرسطو تدريجيا ( بيكون ) حيث أن أبحاثه تركزت فى ميدان البصريات وعن طريق اكتشاف تفسير بديل دائم فتم وضع تحليلات رياضية معينة لتفسيرات أرسطو وقد تبين أن التفسيرات خاطئة ثم حقق أحد العلماء الفرنسيين فعن طريق اعتماد مفهوم الزخم ( الفكرة التى تخبر بأن الجسم ما إن يدفع حتى يثار فى داخله شىء أصيل فيه ملازم له يجعله يواصل حركته وقد يكون أحد خواص الجسم المتحرك نفسه .
وإن الزخم ليس شيئا أصيلا ملازما للجسم بل شىء يفرض عليه بواسطة قوة تستنفذ تدريجيا مع تحرك الجسم فى وسيط معيق كالهواء أو الماء وهو سبب سقوط السهم أو الحجر أو المنجنيق أو قذيفة المدفع إلى الأرض بعد وقت ما .
وقد جاء قانون الزخم خطوة هامة نحو فهم الحركة ولقد دلت الأبحاث أن فكرة الزخم لا تزال قائمة بصورة واسعة حيث أن الأبحاث أثبتت أن مفهوم مسار القذيفة لا يزال غامضا حيث كان يعتقد أن قذيفة كقذيفة المدفع تتجه فى البداية بخط مستقيم ثم تسقط فجأة بصورة عمودية وقد افترض أحد العلماء أن الأجسام تتجه أولا فى خط مستقيم ثم بعد أن يضعف الزخم وتسيطر الجاذبية ينحنى فيها المسار قبل أن يسقط الجسم إلى الأرض بصورة عمودية وإن الأجسام تستطيع أن تتحرك تحركا طبيعيا فى المسارات المنحنية حيث أن الجسم المربوط بخيط والذى يحوم بسرعة بالغة ثم يفلت ويواصل تحركه وكأنه يتبع مسارا دائريا .

جاليليو فوق البرج :
جاءت الخطوات الأولى فى التوصل لتفسير جديد من قبل ( جاليليو ) الذى كان مؤيدا
لأرخميدس بقوة وناقدا متشددا لأرسطو ولقد رفض جاليليو أنواع الحركة الثلاثة المحددة  من قبل أرسطو ( الحركة الطبيعية والقسرية والارادية ) أى أن جميع الأجسام التى تسقط للأرض من موقع معين تستغرق الوقت ذاته بصرف النظر عن وزنها ولا يمكن الجزم بأن
( جاليليو ) قد قام فعلا بتجربة القاء أجسام مختلفة الأوزان من فوق أحد الأبراج وقام
( جاليليو ) بتجارب دحرج فيها كرات فى أخاديد منحدرة لدراسة الحركة وفى كتابه المهم
( مباحث حول علمين جديدين ) اقترب ( جاليليو ) من قانون ( نيوتن ) الأول عن الحركة وزودنا بوصف مضبوط لمسار القذيفة .
ثم قام ( ديكارت ) بمتابعة أفكار ( جاليليو ) وزعم أن الجسم يواصل حركته بسرعة ثابتة فى الاتجاه نفسه إلى ما لا نهاية ما لم يتلق صدمة ما تغير من سرعته واتجاهه ( قانون القصور الذاتى ) أو ( قوة الاستمرار ) وفى كتاب ( ديكارت ) ( مبادىء الفلسفة ) وقد قرأه ( نيوتن ) غير أن التوليف العظيم والبديل الكامل لنظرية ( أرسطو ) بشأن الحركة ولمبدأ ( الزخم ) ظهر عام ( 1687 ) مع نشر ( المبادىء الرياضية للفلسفة الطبيعية )
والتى ألفها ( نيوتن ) فقد تم عرض قوانين نيوتن ال ( 3 ) عن الحركة وهى :
1 ) إن الجسم يبقى على حاله من السكون أو الحركة المنتظمة فى خط مستقيم ما لم تؤثر فيه قوى خارجية .
2 ) إن التغيرات التى تطرأ على الحركة تتناسب مع القوة الخارجية وفى اتجاهها .
3 ) لكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه .
وفى بقية الكتاب عمد نيوتن لتطبيق قوانينه على حركة الأجسام على الأرض وعلى حركة الأجسام السماوية وأتت حركة الأجسام السماوية غير مطابقة لأفكار ( جاليليو ) ويعتقد
( نيوتن ) بأن الأجسام تستطيع أن تتحرك بصورة طبيعية فى دوائر وهى حركة الأجسام السماوية .
أما ( ديكارت ) فكان له رأى آخر مختلف لأن أفكاره عن الحركة كانت منطبقة على الكون كله وجاء تطبيق نيوتن الرياضى للقوانين الجديدة يحل جميع مشاكل حركة الأجسام السماوية ومشاكل الحركة على الأرض على حد سواء وقد حلت المشكلة الأساسية لعلم الفلك لأن قوانين نيوتن أدت بصورة آلية لمدارات إهليليجية للكواكب فى حال افتراض قوة من نوع معين تعمل من الشمس هى نفسها القوة التى تمارسها الأرض على القمر .
إن الفيزياء القديمة لدى الاغريق وتعديلاتها فى القرون الوسطى خاطئة فالجسم لا يتطلب قوة منتظمة لتحركه باستمرار .
غير أن قوانين نيوتن دلت على استحالة توصل الآلة للحركة الأبدية وأثبتت صحة الأسلوب الرياضى فى مواجهة المشاكل الفيزيائية وهو الاسلوب الذى دعا إليه جاليليو وأرخميدس من قبله وإن النسبية العامة لآينشتين أدخلت تعديلا على القانون الأول لنيوتن عن الحركة فعن طريق تحديد حالة السكون بالنسبة لإطار محلى كالأرض أو الشمس غير أن المبادىء الأساسية لا تحتمل أى شك وإن عمل نيوتن لا يزال ينظر إليه على أنه يتمتع بأهمية أساسية .

أسامة ممدوح عبد الرازق مصطفى شرف
10 / 10 / 2016



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق