الجمعة، 14 أكتوبر 2016

نمو الانتظام فى الكون

نمو الانتظام فى الكون
ما قدرة الأرض على تخزين المعلومات فإن نمو  الانتظام فى الكون هو الذى سيحدد الجواب الصحيح .
فى عام ( 2002 ) قام أحد أساتذة الحوسبة الكمومية بنشر صيغة من أجل تقدير عدد البتات الذى يمكن أن يستوعب فى الكون وإن الكمبيوتر يودع البتات ضمن الترانزستور لكنه يمكن ترميز البتة بحالة الجزىء المادى كحالة دوران الإلكترون حول النواة فى الذرة وإن فيزيائية المعلومات من أجل تخمين المعدل الذى تستطيع النظم المادية أن تعالج وتسجل المعلومات كتابع لثابتة بلانك ( وحدة قياس صغيرة جدا وتمثل قاعدة أساس فى الميكانيك الكمومى ) وكذلك سرعة الضوء وعمر الكون وإن الكون يمكنه أن يستوعب عددا هائلا من البتات أى ما مقداره ( 10 × 90 بتة ) أو تريليون × 7 ميكابتة .
ولقد طورت الصيغة بسبب العمل فى الكمبيوترات الكمومية المستخدمة للذرات الفردية لترميز المعلومات وإجراء أعمال الحوسبة مما أدى للتمعن فى الكون من منظور ( بتات ) تحيا فى الذرات فما هو الكمبيوتر الأضخم الذى يمكن بناؤه على مدى الدهر ؟
فالحاسوب الذى قد يوظف كل ذرة فى الكون ومن ثم هو الكمبيوتر الذى يستطيع تخزين ما مقداره ( 10 × 90 بتة ) .
إن صيغة ( لويد ) تتمثل فى أنه يمكن استخدامها فى تقدير سعة تخزين المعلومات لأى نظام فيزيائى وليس للكون فإن صيغة ( لويد ) لا تتضمن الكثير من التعقيد الاجتماعى والاقتصادى الكامن فى الاقتصاد الدولى لكنها تعطى تقديرات خشنة لقدرة الأنظمة على تخزين ومعالجة المعلومات حيث تستطيع الأرض أن تخزن نحو ( 10 × 56 بتة ) أى ما يقارب
تريليون × 4 كيكابتة فهل نواة كوكب الأرض الصلبة خالية أو ممتلئة بمعظمها ؟
ففى عام ( 2011 ) قام العلماء بنشر تقدير للمعلومات الثقافية المخزنة فى نصوص وصور وفيديوهات كوكب الأرض وفى عام ( 2007 ) استطاع البشر تخزين ( 2 × 10 × 21 ) بتة
أو ما يعادل ( 2 تريليون كيكابتة ) لكن يوجد فى كوكب الأرض كم من المعلومات أكبر بكثير مما تحويه الأعمال الفنية الثقافية فالمعلومات مجسدة فى الكائنات الحية والأشياء المصممة من قبل الإنسان كوسائل المواصلات المختلفة والأحذية ..... إلخ .
وكذلك فى النظم الحيوية كالريبوسوم والميتوكوندريا والدنا وإن معظم المعلومات المحتواة فى الأرض مخزنة على شكل كتل حيوية وإن الأرض تحتوى بشكل خشن على ( 10 × 44 ) بتة
وهو رقم كبير إلا أنه لا يشكل إلا جزء يسير من قدرة الأرض فإذا ما استمر البشر بتوليد
( 10 × 21 ) بتة سنويا فسيستغرق الأمر أكثر من تريليون عام من عصور الكون لملء النواة الصلبة لكوكب الأرض .
وأنه على الرغم من امتلاك الأرض لقدرة هائلة على تخزين المعلومات فالانتظام لا يزال نادرا فتوجد مدلولات كبيرة على كيفية  تكوين المعلومات ومعالجتها من قبل كوكب الأرض وعلى العقبات التى قد تحد من نموها فى المستقبل .

الكون الحوسبى الكمبيوترى :
إن أول شىء يكشفه الخواء المعلوماتى فى كوكب الأرض هو أن المعلومات عسيرة النمو وصعبة الفهم والصنع وعصية على الاحتفاظ ومعندة للضم إلى تشكيلات جديدة والاستنتاجات تتوافق بشكل جيد مع الملاحظات التى تفسر عدوانية الكون تجاه بزوغ الانتظام فيه حيث ينص القانون الثانى للترموديناميكا على أن الكون له ميل طبيعى نحو بلوغ الوسطية الأمر الذى يؤدى إلى غياب الانتظام حيث أن الحرارة تجرى من الموضع الساخن إلى البارد وأن الموسيقى تتلاشى خلال انتقالها فى الهواء وأن الدوامات سرعان ما تتحول لغمامة بيضاء وإن الحركة من حالة الانتظام إلى حالة عدم الانتظام ( نمو الإنتروبية ) .
وتوجد ثغرات تسمح ببروز جيوب من الانتظام وإن الخلية الحيوية فى الجسم البشرى لوجد أن الأنظمة ذات التنظيم العالى تتحدى التزايد فى الإنتروبية المادية الذى يحكم الكون كله فالأنظمة الغنية بالمعلومات تستطيع أن توجد طالما أنها تلفظ الإنتروبية عبر منافذها بفعل تبديد الحرارة فيها كثمن تدفعه الأنظمة مقابل احتفاظها بمستويات عالية من التنظيم فالإنتروبية هى الثمن المدفوع مقابل البنيان .
إن الإنتظام ينشأ فى الكون بفضل ( 3 حيل ) :
1 ) المتناولة لجريان الطاقة فمثلا حوض حمام ملىء بالماء إذ تقوم جزيئات الماء بصد بعضها بعضا وفى اتجاهات عشوائية إلى أن يصار إلى إزالة المغطس وحالما يبدأ الماء بالتدفق إلى الأسفل عبر مصرف الحوض حيث نجد أن الطاقة الحركية للماء تزداد مما يؤدى لنشوء دوامة فيه وفى الدوامة يتجسد الانتظام وتمتلك الجزيئات سرعات مشابهة من حيث الشدة والاتجاه لمثيلاتها من الجزيئات المجاورة وتشكل الروابط المتبادلة المنطلقات الابتدائية للمعلومات المكروسكوبية ولفهم تشكل الانتظام بل وديمومته نحتاج للحيلة الثانية :
2 ) إن وجود الكائنات الصلبة كالدنا ( DNA ) التى تحتفظ بالانتظام لفترات طويلة وبدون الكائنات الصلبة تصبح المعلومات غير قابلة للاستدامة أو إعادة الإندماج أو النمو .
3 ) قدرة المادة على الحوسبة فالشجرة بمثابة كمبيوتر ( أى اتجاه يتعين أن تنمو نحوه جذوره وأوراقه فالأشجار تعرف متى توجه الجينات نحو العمل أو عدمه من اجل مكافحة الطفيليات ومتى تبرعم أو متى تسقط أوراقها وكيف تحصل على الكربون من الجو عبر التركيب الضوئى فالشجرة تنجب الانتظام داخل  البنية الميكروية لأغصانها وداخل الهياكل الميكروية لخلاياها فإن الأشجار تسهم فى نمو المعلومات داخل كوكب الأرض حيث أنها تقوم بالحوسبة الكمبيوترية .

خيال متبلور :
إن تخيل كوكب الأرض على شكل نواة صلبة فإن المعلومات تنمو بالتدريج على الرغم من القوى المصطفة ضد بزوغ الانتظام وإن نواة الأرض الصلبة أكثر ملائمة الآن مما كانت عليه بالأمس وبشكل جزئى أنها أكثر ملاءة بسبب نشوء الحياة لأن الكتلة الحيوية تحتوى على قدر عظيم من المعلومات إلا أن نمو الانتظام على الأرض ينشأ عن إنتاج المعلومات الثقافية .
فعند مقارنة التفاح الذى ينمو على الأشجار بكمبيوترات أبل المحمولة فى الجيب ويتم استعمالها للتعامل مع البريد الإلكترونى فعن طريق الاهتمام بأصل الانتظام الفيزيائى المجسد فى كل كائن حى فالتفاحة الأولى تجسد الانتظام الذى وجد فى العالم قبل البشر .
وتمتلك الأنواع التى تستطيع أن تتخيل الكائنات ومن ثم تختلقها ميزات مهمة تتفوق بها على الحيوانات الأخرى والكائنات الحقيقية المختلفة التى تسود الاقتصاد تضاعف من قدرات البشر لأنها تمنح إمكانية النفاذ للاستخدامات العملية للمعرفة وللدراية العلمية المجسدة فى النظم العصبية للناس فإن أنبوب معجون الأسنان فلا يعرف كيفية تركيب فلورايد الصوديوم المكون النشط لمعجون الأسنان فإن الافتقار للمعرفة لم يمنع من الاستفادة من الاستخدامات التطبيقية للفهم اللازم لعملية تركيب فلورايد الصوديوم فالناس يجسدون الاستخدامات التطبيقية لمعارف الآخرين من خلال المنتجات وهى التى تمثل قطعا متصلبة من الخيال فالمنتجات تزيد من الامكانات وإن اختلاق المنتجات إذ أنه يتطلب تعاون ما بين أعداد كبيرة من الناس ففى عملية الإسهام فى تنمية المعلومات يحتاج الناس لتشكيل شبكات قادرة على حوسبة المنتجات فالشبكات تلزم الناس بسبب محدودية القدرات الحوسبية / الكمبيوترية للنظم وكذلك القدرة على تخزين المعلومات وتعتبر الخلايا الحيوية كمبيوترات محدودة ويتم تجاوز محدوديتها من خلال طبيعتها ذات التعدد الخلوى فإن البشر محدودون ويتم تجاوز محدودية القدرات البشرية الحوسبية بواسطة تشكيل شبكات اجتماعية ومهنية كما أن الاقتصادات تمثل كمبيوترات موزعة تعمل عبر العتاد الصلب الذى يتجلى على شكل شبكات اجتماعية فإن إعادة تجسيد للحوسبة انطلاقا من الخلايا الحيوية ووصولا إلى البشر وإنتهاء بالاقتصادات ثمثل الصيرورة التى تجعل نمو أشكال معقدة من المعلومات أمر ممكن ولكنه يطرح تحديات .

حدود النمو :
إن مقدرة الشبكات البشرية على تكوين المعلومات مقيدة بصرامة بالغة فمن منظور كونى فإن المقدار الصغير من المعلومات مع أن الناس تحرق ما يكفى من الطاقة فى صيرورة لتحرير الكربون الذى يتسبب بالتدفئة العالمية لكوكب الأرض .
إن القدرة البشرية على تكوين المعلومات محدودة جزئيا لأن المقدرة البشرية على تشكيل شبكات من الناس مقيدة بعوامل تاريخية ومؤسسية وتكنولوجية فالحواجز اللغوية تتسب بشروخ فى المجتمع العالمى مما يحد من المقدرة البشرية على ربط البشر المولودين بأجزاء متباعدة من المعمورة لكن القوى التكنولوجية تستطيع أن تساعد على تخفيض الحواجز فارتفاع وتيرة السفر جوا والتواصل عبر مسافات بعيدة قد قلل من تكلفة التفاعلات عن بعد مما سمح بنسج شبكات زادت من القدرة البشرية على معالجة المعلومات لكن التكنولوجيات لا توفر الحل المطلق حيث لا تزال القدرة البشرية على معالجة المعلومات بشكل جماعى .
كيف سيتطور نمو المعلومات على الأرض فى القرون القادمة ؟
إن القوى التكنولوجية المعولمة وسقوط المؤسسات الضيقة الأفق بغيرتها الوطنية وتمسكها الدينى ستساعد على تآكل الخلافات التاريخية التى تستمر باستحضار الكراهية بين الناس من ذوى خلفيات مختلفة سواء أكانت لغوية أم عرقية أم دينية أم وطنية وتمهد التغيرات التكنولوجية لنشوء عصر يتصف بالترابطية الفائقة فالإلكترونيات سوف تتطور من المحمول إلى الملبوس وصولا إلى المغروس مما يؤدى لقيام أشكال جديدة من التفاعلات الاجتماعية التواسطية .
وإن تكوين المعلومات من المقدرة البشرية على إيداع المعلومات فى البيئة عن طريق بناء الفؤوس الحجرية أو من خلال تدوين القصائد الملحمية فالموهبة وفرت الارتقاء والتنسيق اللازمين من أجل أن تزداد القدرة الحوسبية ففى خضم ثورة جديدة ذات كمون لتحويل الدينامية على نحو يجعلها أكثر قوة وسوف يندمج الإنسان فى الآلة من خلال أجهزة تعمل على مزج الكمبيوترات الحيوية القاطنة بالأجهزة الرقمية التى قد بزغت من بنات العقول الفضولية وسوف يواجه المجتمع فائق الترابطية والمنبثق عن الثورة فإن أكبر التحديات الأخلاقية فى التاريخ البشرى فالبشر قد يفقدون جوانب من الانسانية التى تعتبر أساسية فقد نخادع الموت لكن الاندماج بين الأجساد والأجهزة المعالجة للمعلومات المتخلية من العقول قد يكون السبيل الوحيد لدفع نمو المعلومات للأمام فالبشر ولد من المعلومات وتولد المعلومات من البشر على نحو متزايد .

مجلة العلوم الأمريكية
تنقيح / أسامة ممدوح عبد الرازق مصطفى شرف
6 / 5 / 2016


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق