الاثنين، 5 مايو 2025

التكنولوجيا النووية تساهم فى كشف المجرمين

 

التكنولوجيا النووية تساهم فى كشف المجرمين

لقد عرف الإنسان الجريمة منذ فجر البشرية حيث وقعت أول جريمة قتل فى التاريخ الإنسانى بين قابيل وهابيل وكلما تعددت وسائل وأساليب الجرائم تطورت وسائل الكشف عنها وتعتبر علوم الأدلة الجنائية محصلة للجرائم وتتطور معها فى طرق الكشف عنها والوقاية منها والبحث وراء الحقيقة وتعقب المجرمين .

ولقد ساهمت الاستخدامات النووية وتكنولوجيتها فى مجال الكشف عن الجرائم على أسس علمية والحد منها بزيادة العقوبة فى حالة التكرار ومحاولة التعرف على ملابساتها فبعد وقوع جريمة ما

فإن استخدام التكنولوجيات النووية يأخذ بعدا آخر فى محاولة التعرف على خيوطها باستخدام طرق التحليل الكمى والنوعى غير الإتلافى للعينات التى التى يتم الحصول عليها من مسرح الجريمة بعد بلوغها فإن حل لغز الكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية فى ساحات القضاء كما تعمل التكنولوجيا النووية فهى تساعد الخبراء فى حل الجرائم وتساهم الوكالة الدولية للطاقة الذرية ( النووية ) بدور كبير فى تحسين الإمكانيات التحليلية المستخدمة فى مجال الكشف عن الجرائم .

 

تحد من الجرائم :

إن التكنولوجيا النووية تساهم فى الحد من الجرائم والكشف عنها بطرق مختلفة فمنها ما هو مألوف لدى المسافرين فى المطارات حيث تقوم كواشف المعادن التى يعتمد تشغيلها على استخدام الأشعة السينية ( X ) بالتعرف على الأجسام المعدنية والآلات الحادة والأسلحة المخبأة فى الأمتعة مما يساعد على ايقاف الجرائم قبل وقوعها .

وتوجد العديد من الدراسات لتطوير طرق نووية جديدة للكشف عن المخدرات والمتفجرات والمصنوعة من مواد كيميائية  ويصعب الكشف عنها عن طريق استخدام المغانط أو الأشعة السينية .

وتوجد مختبرات الجرائم الحديثة حيث تستفيد من عدد من الطرق العلمية الحديثة بما فيها التكنولوجيا النووية والتى تلعب دورا هاما فى التحقق من الجرائم المرتكبة أم لا كالكشف عن الآثار شديدة الضآلة للتسمم وتوفير معلومات هامة لهداية المحققين للتعرف على المنفذ المحتمل كبفايا الزجاج أو الدهان فى مواقع حوادث السيارات أو الملتصقة بها والمرتكبة للحوادث وتوفير معلومات هامة يمكن استخدامها كأدلة قاطعة أثناء المحاكمة فإن الطرق المستخدمة فى الكشف عن الجرائم هى نوع من أنواع الطرق التحليلية المختلفة والمتوفرة حيث يتم استخدامها فى التحقيقات فى العديد من الجرائم الهامة فى عدد من مختبرات الجرائم فى العالم فيمكن استخدام التكنولوجيا النووية على نطاق واسع عام ( 1977 ) حيث أظهرت التكنولوجيا النووية بعض الأدلة القاطعة فى الحوادث المرتكبة فإن التعرف على بعض أساليب التحليل بالطرق النووية وبعض تطبيقاتها فى مختبرات تحقيق الجرائم .

 

التحليل بالطرق النووية :

ينحصر التحليل النووى فى عدة أنواع :

1 ) طريقة التحليل التنشيطى :

تعتمد الطريقة على تنشيط أنوية بعض ذرات العناصر الكيميائية لموجودة فى العينات المراد تحليلها عن طريق امتصاصها للنيوترونات عند تشعيعها عن طريق نيوترونات المفاعلات النووية فلو أن أى مصدر نيوترونى آخر أو بجسيمات مشحونة كهربيا كالبروتونات أو الديوترونات أو جسيمات ( ألفا / بيتا / جاما ) والأشعة الكهرومغناطيسية ذات الطاقات العالية فتتحول نوى الذرات لنوى غير ثابتة تطلق إشعاعات جاما بطاقات مميزة لكل عنصر وعند قياس الطاقات الجامية المنبعثة بعد عملية التشعيع يمكن التعرف على العناصر الموجودة فى العينات التى تم تنشيطها إشعاعيا حيث إن كل عنصر فى العينات يصدر إشعاعات جامية بطاقات محددة القيمة دون غيرها وتميز العناصر عن بعضها البعض وتعتبر الطاقات الجامية إحدى بصماته المميزة .

2 ) التحليل الطيفى بالأشعة السينية :

يتم إثارة الإلكترونات المحيطة بالذرات فى العينات المراد تحليلها عن طريق تعريضها للأشعة السينية ويصاحب العمليات إعادة ترتيب الإلكترونات فى المدارات الإلكترونية الخارجية للذرات الموجودة فى العينات حيث يحدث انبعاث للأشعة السينية بطاقات محددة / الأشعة السينية المميزة    

حيث أنها تميز كل عنصر عن الآخر وبقياس طاقات الأشعة السينية المنبعثة يسهل التعرف على العناصر الموجودة فى العينات عن طريق استخدام طريقة ( التحليل الطيفى بالأشعة السينية ) أو تحليل الفلورة بالأشعة السينية .

ومن خصائص الطرق أنها تتميز بحساسية عالية تجاه الكشف عن العديد من العناصر مهما تضاءل تركيزها حيث تصل لمستوى جزء من البليون من الجرام وتعتبر جميع الطرق طرقا غير إتلافية حيث لا يتم فيها إتلاف العينات المستخدمة بواسطة التعرض الإشعاعى فعند استخدام العينات الوحيدة كوسيلة إثبات أو عندما يراد إجراء اختبارات إضافية على العينات نفسها فلا يمكن تحقيقها باستخدام الطرق الكيميائية والتى قد تستهلك العينات خلال عملية التحليل فلا يتبقى منها شىء لتكراره أو تأكيده أو لاستخدام تكنولوجيا أخرى .

ومن عيوب الطرق النووية فى أن التحليل بالتنشيط للنيوترونات لا يغطى جميع العناصر حيث أن بعض العناصر لا يمكن تنشيطها إشعاعيا حيث لا تصبح مادة مشعة عند امتصاصها للنيوترونات .

أما بالنسبة للتحليل الطيفى بالأشعة السينية فمن نقاط ضعفه أن الأشعة المنبعثة الدالة على العناصر لا تنبعث إلا من خلال عملية التنشيط بالأشعة السينية وإن انخفاض طاقتها قد يؤدى لامتصاصها داخل العينات مما يؤدى لصعوبة الحصول على نتائج جيدة فى حالة استخدام العينات السمكية أو غير المتجانسة فإن الطريقة الأوسع انتشارا فى الاستخدام فى مختبرات الجرائم هى طريقة ( التحليل التنشيطى ) .

3 ) الجرائم التى يبرز فيها استخدام الطرق النووية :

إن الطرق النووية تساعد فى الكشف عن العديد من الجرائم فقد جرى استخدام الطرق النووية فى أوائل ( 70 / ق 20 ) للاستدلال على مصدر الشعر عن طريق تحليله تنشيطيا بعدة معامل وخاصة معمل المكتب الفيدرالى للبحث الجنائى فى واشنطن بأمريكا حيث تم تطبيق ذلك فى إقامة الدعاوى فى مئات قضايا جرائم بأمريكا .

أما الاستخدام الثانى للتحليل التنشيطى بالنيوترونات ففى مجال أخذ عينات بودرة البارود من أيدى المشتبه بهم بعد إطلاقهم الأعيرة النارية على الضحايا من المسدسات أو البنادق لإقامة الدعاوى فى جرائم القتل فعند إطلاق الرصاص تخرج معظم الأدخنة المتكونة من ملايين الجسيمات الدقيقة لبودرة البارود غير المحترقة بالكامل من فوهة المسدس أو البندقية إلا أن كمية قليلة من الأدخنة تتسرب فى الاتجاه المعاكس والاتجاهات الجانبية لتصل ليد الشخص المطلق للعيار النارى .

وإن استخدام أى طرق للتحليل فى الجرائم يتطلب وقتا طويلا وعناية فائقة خلال عملية التحليل فيمكن استبعاد الأدلة الناتجة عن تحليل معين فإذا كان يوجد احتمالية تشير لإمكانية الخطأ فى تسمية أو ترقيم العينات أو التعامل مع العينات من قبل أشخاص آخرين غير الشخص المختص بالتعامل معها وإن التعامل مع العينات كان غير ملائم حيث أن العينات غالبا ما تكون ضئيلة ولا يمكن استبدالها لأغراض التحليل .

وقد يكون أكبر عائق لانتشار استخدام التكنولوجيا النووية فى عالم الكشف عن الجرائم هو قلة المختبرات المتخصصة فى هذا المجال فى الدول التى لديها الامكانات الضرورية لاستخدام التكنولوجيا النووية ففى أمريكا ترسل معظم العينات ذات العلاقة بالجريمة المراد تحليلها باستخدام الطرق النووية لمختبر مركزى متخصص تابع لمكتب التحقيقات الفيدرالى كما أن الشخص الذى يقوم بعملية التحليل يستدعى شخصيا من قبل المحكمة لشرح النتائج التى توصل إليها والطرق المستخدمة فى عملية التحليل قبل قبولها فى قضية معينة مما يعنى تحمل تكاليف باهظة جدا مما يحد من استخدام الطرق النووية فى القضايا الروتينية .

ويمكن أخذ عينات بودرة البارود من أيادى المشتبه فيهم عن طريق سكب بعض شمع البرافين المنصهر على الأيدى ثم أخذه بعد تجمده للتحليل التنشيطى  وتعيين نظيرى ( الباريوم / 139 ) العمر النصفى 83 دقيقة و ( الأنتيمون / 122 ) العمر النصفى ( 2.7 يوم ) حيث أنهما يعدان العنصرين الأساسيين فى بودرة البارود .

وإن الكميات المترسبة من العنصرين على ظهر اليد الحاملة للسلاح تكون فى مستوى الميكروجرام ( واحد على مليون من الجرام ) إلا أن الحساسية العالية جدا لطريقة التحليل التنشيطى بالنيوترونات تسمح بتعيين العنصرين بدقة كبيرة حيث أن كمية بودرة البارود تتركز بين السبابة والابهام من ظهر اليد كما يمكن جمع المادة ( البارود ) بواسطة قطعة قطن مبللة بمحلول

( 5 % ) من حمض النيتريك وقد وجد أن كمية الباريوم تصل لعدد قليل من الميكروجرامات فى مقابل ما لا يتعدى ميكروجرام واحد من عنصر ( الأنتيمون ) وتستخدم الطريقة منذ عام 1970 فى تقديم الأدلة فى العديد من قضايا جرائم القتل .

ويتم استخدام طريقة التحليل التنشيطى بغرض مضاهاة عينات القذائف المستخرجة من أجسام الضحايا بتلك التى تستخدم فى أسلحة المسدسات من الرصاص المكون من الأنتيمون وإلى كميات أقل بكثير من الفضة والزرنيخ والنحاس والقصدير فباستخدام التحليل التنشيطى اللااتلافى فى الحصول على أطياف حتمية لعينات القذائف بعد تنشيطها إشعاعيا حيث تقدم براهين حاسمة فى ساحة القضاء وتتراوح كمية العينات التى يلزم أخذها من القذائف لتحليلها بهذه الطريقة بين

( 10 / 30 مللجم ) وقد استخدمت الطريقة بنجاح كبير فى أمريكا وتمتاز الطريقة الأخرى المستخدمة فى هذا المجال وهى طريقة مطياف الانبعاث الذرى المستثار بواسطة البلازما بأنها طريقة لاإتلافية أى لا تتطلب إذابة العينات .

أما الاستخدامات الأخرى للتحليل التنشيطى لعينات الطب الشرعى فتشمل الدهانات حيث يمكن عن طريق تحليل عينات الدهانات التى تعلق بأجسام المشتبه فيهم أو بملابسهم أو بسياراتهم إقامة الدعاوى فى بعض الجرائم بعد التعرف على مصدر الدهانات بدقة كبيرة .

كما يمكن استخدام التحليل التنشيطى  اللاإتلافى لتحديد مصدر مختلف العينات الطبية الشرعية عن طريق تعيين مستوى تركيز عدد من العناصر الرئيسية والعناصر الشحيحة وتشمل العينات الأطعمة ومواد التجميل والتربة والورق والمخدرات والأنسجة الحيوية خاصة فى قضايا التسمم ومن أهمها تحليل الشعر والأسنان والأظافر وخاصة لعنصرى الزرنيخ والزئبق وهما العنصران اللذان يستخدمان من قديم الزمن فى جرائم القتل بالسم حيث لا يغير الزرنيخ من لون أو طعم الطعام المضاف إليه ولا تشعر به الضحية ولكن طريقة التحليل التنشيطى عالية الحساسية جدا بالنسبة له فعند تنشيط الطعام المحتوى على الزئبق وجزء من معدة الضحية أو أظافر القاتل بالنيوترونات يتكون نظير الزرنيخ / 76 فترة عمر النصف له ( 26.3 س ) والذى يمكن الكشف عنه ويمكن أن تفيد طريقة التحليل التنشيطى فى تحديد مصادر المخدرات ويمكن ملاحقة عصابات تهريبها كما يمكن أن تستخدم فى الكشف عن تزييف النقود الورقية بإدخال رقائق فلزية أو سبائك معينة تعطى عند تنشيطها بالنيوترونات أطيافا جامية مميزة يمكن من خلالها التأكد من سلامة النقود الورقية من عدمه ويمكن استعمال مصدر نيوترونى رخيص الثمن كالراديوم والبريليوم وقياس الطيف الجامى للعينات .

إن بعض الطرق الكيميائية الحديثة كالتحليل باستخدام جهاز مطياف الكتلة باستخدام البلازما إلا أن استخدام الطرق النووية فى مختبرات الجريمة يظل قيما جدا لأنه يقدم أدلة قاطعة فى بعض الحالات التى لا يمكن توفيرها باستخدام طرق أخرى بسبب حساسيتها ودقتها الفائقة وبسبب كونها أداة تحليل إتلافية فإن الطرق النووية لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من الطرق التحليلية المختلفة المتوفرة فى مختبرات الجريمة ولدى القضاء بشكل عام

 

د / محمد عبد الرحمن سلامة

تنقيح / أسامة ممدوح عبد الرازق مصطفى شرف

12 / 7 / 2018

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق